أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سعيد الكحل - عولمة الإرهاب وعولمة الحرب عليه 2















المزيد.....


عولمة الإرهاب وعولمة الحرب عليه 2


سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 1487 - 2006 / 3 / 12 - 11:42
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


. وإذا كانت الأحزاب السياسية تحصر منافستها للدولة في مجال التدبير السياسي المحض ، فإن الجماعات الإسلامية تنازع الدولة شرعيتها ومشروعيتها . أي أنها تسعى لأن تخسف الدولة وتهد أساسها . وازداد الأمر استفحالا لما أرادت الدولة ركوب موجة " الجهاد الأفغاني" لتحقيق هدفيها الرئيسيين : إظهار غيرتها على الدين والمسلمين المستضعفين في أفغانستان من جهة ، ومن أخرى التخلص من العناصر الإسلامية التي تنشد إقامة مملكة الله وتطبيق شرعه . وهذا ما أكده عبد الكريم مطيع ( فعلا المغرب ، تم فيه التجنيد للحرب الأفغانية رسميا ، وهذا ما قامت به الأجهزة الأمنية وأعوانها في بعض التنظيمات اليمينية ، فجُمعت لها الأموال ما وصل منها إلى الأفغان وما سرق في الطريق ، وأقيمت لها معسكرات كثيرة منها معسكر المعمورة ) ( الصحيفة عدد 56 ). غير أن المغاربة لم يقضوا نحبهم هناك ، ولم تكتب لهم " الشهادة" في أرض أفغانستان ، فعادوا بحثا عنها هنا في أرض المغرب ، وبين شعب المغرب . غير أن العائدين إلى أرض المغرب لم يعودوا إليها كما غادروها أول مرة ، ليس من حيث سنهم أو وضعهم الاجتماعي ، ولكن من حيث قناعاتهم الفكرية والعقدية . لقد تلقوا هناك فقه التكفير وعقيدة " الجهاد" وقواعد التشدد والغلو على أيدي مشايخهم : عبد الله عزام ، وبن لادن ، والظواهري ، وأبو قتادة ، وأبو الوليد وغيرهم ممن طفح الكيل بهم . لقد ذهبوا في شأن وعادوا في شأن آخر .
إذ عاد المغاربة الأفغان أخطر مما كانوا عليه . عادوا خبراء في حرب العصابات ، مهندسين في مجال المتفجرات ، وأمراء دين لا يعصى لهم أمر ، كانوا بسطاء فصاروا أعضاء في شبكات إرهابية عالمية . وبذلك أدخلت الدولة نفسها والمجتمع معها في دوامة الخطر " الأخضر" الذي لا يبقي ولا يدر . فالتقدميون كان سقف مطلبهم تطبيق الديمقراطية كما هي متعارف عليها دوليا . أما من صنعتهم الدولة ورعتهم ومكنتهم من مصادر الدعوة والقوة ، فكرههم للديمقراطية لا يوازيه كرههم للكفر . ولذلك فهم لا يؤمنون بالنضال السياسي . سبيلهم الوحيد " الجهاد" الدموي ضد كل مظاهر " الكفر" من الفرد إلى المجتمع وإلى الدولة . وهذا ما نلمسه في تصريح علي العلام أحد المغاربة الأفغان ( إن الأسلحة التي تدربت عليها لم تأخذها الجيوش العربية ، تدربت على البازوكا الإيم 7 (M 7 ) والعوزي الإسرائيلي ، والسيمينوف والجرينكوف والماكروف وأنواع المسدسات .. وجي تري والأربيجي والهاون .. ) . لقد ذهب علي العلام بسيطا وعاد خبيرا ، وكذلك بقية المغاربة كما يقول العلام نفسه ( لأن المغاربة ذهبوا بدون تنظيم ) . ولما رجع إلى المغرب عاد كغيره ممن ذهبوا إلى أفغانستان ، متشبعا " بالجهاد" ومتعطشا إلى القتل والقتال ( شخصيا كانت تلك الفكرة حاضرة عندي ، بل كانت من الأولويات ، كنت موطدا العزم على تجسيد تجربتي الأفغانية في المغرب .. كنت قد جئت بعقيدة الولاء والبراء ، حيث لا مجال للمداراة والمداهنة ، فالكافر كافر ، والمؤمن مؤمن " ما فيها لا إلا ولا حتى " ، فليس كل من تسمى بعبد الرحمان أو ما شابهه يعتبر مسلما .. لقد عملت على نشرها ـ أفكار التطرف ـ ، ولحد الآن فالناس الذين انتشرت بينهم منهم من زاد تطرفا .. أقول للتاريخ إنني طلبت من بن لادن أن ننقل العمل المسلح للمغرب .. أنا شخصيا لا أومن بالحل الديمقراطي ، وأعتقد أن الجهاد لا زال ضروريا ) ( الصحيفة عدد 35 ـ 12 أكتوبر 2001 ) . هذا ما جنته الدولة على نفسها وعلى المجتمع ، فكانت أولى النتائج ذروة الأعمال الإرهابية . بدؤوا في المغرب من حيث انتهوا في أفغانستان : القنابل البشرية . إذ لم يتدرج العنف في المغرب عبر الأساليب المألوفة لدى جماعات التطرف ، بل بدأ بالخطوة الأخيرة والخطيرة : العمليات الانتحارية . وحتى قبل تفجيرات الدار البيضاء ، كانت الدولة تتغاضى الطرف عن أعمال القتل وفتاوى التكفير التي تصدرها الجماعات الإسلامية . بل كانت تنفي أن تكون دوافع القتل التي ذهب ضحيتها أبرياء كثر ، دوافع سياسية ودينية . فإما أنها تسجلها ضد مجهول أو أن دوافعها " عادية " كالفقر والحاجة إلى المال . وهذا كان حال المسمى " الميلودي زكرياء" زعيم جماعة " الصراط المستقيم " الذي تابعته المحكمة بتهمة النصب والاحتيال وبرأته من تهم التكفير والتحريض على القتل والإخلال بالأمن العام . فحكمت عليه فقط بسنة سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها 500 درهم . وكانت الدولة على علم تام أن هذا الشخص هو أمير جماعة دينية متطرفة ، وأنه وأفراد جماعته متورطون في جريمة قتل أحد المواطنين الأبرياء مباشرة بعد أدائه صلاة عيد الأضحى سنة 2002 . وكان هذا الأمير هو مصدر الفتوى القاضية بوجوب قتل " فؤاد القردودي" رجما بالحجارة . وكذلك كان . ونفس الأمر يتعلق بالمسمى " أبو حفص " أحد زعماء السلفية الجهادية المفتون بالتكفير والمحرض على القتل ، أدانته المحكمة بستة أشهر سجنا ، وخرج قبل متمها بعفو ملكي . فإن كانت الدولة تجهل خطورة هذه الجماعات ، فكرا وتوجها وممارسة ، فالمصيبة أعظم والدولة بهذه الترسانة المخابراتية التي ربما لها عذرها وهو أنها تدربت فقط على الأيديولوجية اليسارية والتنظيمات التقدمية ، أو أن الدولة لها حساباتها وكانت تقتضي ما تقتضيه من المرونة والتفرج ظنا منها أن الاعتداءات لن تخرج عن الحرم الجامعي والأحياء المهمشة ، ولن تطال سوى البسطاء . وإن كان الأمر كذلك على الدولة أن تقدم للمحاسبة واضعي تلك الحسابات . فحياة المواطنين ليست مجالا للحساب ، بل مجال للحرص والصون والضمان . وبينت أحداث البيضاء أن الدولة أبقت ولا زالت تبقي على حبال " الود" مع هذه التنظيمات الدينية التي تقوم على عقيدة التكفير وتجهر بها . كانت تفعل هذا من قبل مع الفيزازي الذي لم يكف عن تكفير الدولة ومؤسساتها وكل الديمقراطيين . وظلت الدولة في حيادها وتفرجها كما لو أن الأمر لا يعنيها ، أو كأن دستورها لا يفرد الملك بإمارة المؤمنين ، وينيط به مسؤولية حماية معتقدات المواطنين من كل تحريف أو استغلال . حتى كان ما كان من أمر الفيزازي ، وذهبت ضحية فتاواه أرواح بريئة . ونفس الخطأ تتعمده الدولة مع كل الذين نصبوا أنفسهم فقهاء وأوصياء على الدين أمثال الكتاني والزمزمي وغيرهم كثير . وكذلك هو حال تلك الجماعات التي قتلت من قتلت ، وخططت لأعمال الإرهاب لولا حفظ الله تعالى ، ثم عادت تطلب الأمن والأمان . ومنها من حصل عليه وكان له المراد كحركة التوحيد والإصلاح التي عمودها الفقري يتكون من أعضاء الشبيبة الإسلامية . ولازالت آثار الاغتيال على أيديهم ، والتحريض على القتل في فتاواهم . ومنها من يتودد ، وأقصد حركة الشبيبة الإسلامية ، إذ بعد كل الذي اقترفته ، لا زال لها الأمل في الأمان . وهذا ما نقرأه في تصريح لمحسن بناصر الناطق الرسمي باسم الأمانة العامة للشبيبة الإسلامية( المفاوضات والوساطات تكون بين طرفين متضادين أو متعارضين ، والعلاقة بيننا وبين بلدنا ليست كذلك . إنها علاقة فرع بأصل هو وطننا ، علاقة انتماء إلى أمة هي أمتنا ، لقد كان بيننا وبين إخوتنا وأهلنا حوار وتفاهم وتشاور في إطار من المحبة والمودة والتوضيح والتصحيح لما أفسده عهد إدريس البصري ) ( الصحيفة عدد 65) . ورغم أن " الوطن غفور رحيم" ، إلا أن ذلك يقتضي الاعتذار والتوبة ، ولا يكون ذلك الغفران إلا في حق الأفراد وليس التنظيمات . وهذا ما نقرأه في الرسالة التي وجهها حكيمي بلقاسم ، المعتقل الإسلامي السابق ، لعبد الكريم مطيع ، إذ جاء فيها : ( وإن أردتم ـ العودة ـ فبتوفير شروطها ، وذلك بابتعادكم عن المعاداة المجانية للجميع على أساس أن الحقيقة لا يمكن أن يتملكها أحد دون آخر وكذا بابتعادكم عن فكر المؤامرة الذي لم يستهدفكم حتى في سنوات القمع )( الأيام عدد 40 ) .
إضافة إلى ما تقدم من مسؤولية الدولة ، فإن لها مسؤوليات أخرى أعظم وأخطر . يمكن إثارة بعضها كالتالي :
أ ـ على مستوى البرامج والأهداف التعليمية : عمدت الدولة ، وفق أهداف محددة ، إلى وضع سياسة تعليمية تتوخى محاربة العقل والعقلانية وما يستلزمانه من نقد وتحليل وحجاج وبرهنة واستدلال . ولإحكام تطويقها للعقل ركزت على تجفيف منابعه . وفي هذا الإطار تأتي قرارات منع المنابر الإعلامية والفكرية والثقافية التي كانت تغذي الفكر بسيل من المفاهيم والمقولات والتحليلات التي تغني الحقل المعرفي وتوسع مدارك العقل . فيتربى في النشء الحس النقدي والرغبة في المعرفة والميل إلى الحوار . بل شددت الدولة في خنقها للفكر إلى درجت أنها منعت تداول أشرطة غنائية تسمو بالروح الوطنية وتغرس القيم الحضارية والإنسانية النبيلة . فضلا عن منع الأعمال الفنية ذات البعد الوطني والقومي والإنساني . كان يحدث هذا في ظل انعدام الفضائيات والأنترنيت . إذ كان الحصار شاملا ، وكل الثبور لمن ضبطت بحوزته ممنوعات فكرية . فضلا عن كل هذا أقدمت الدولة على محاصرة شعبة الفلسفة بعد أن كانت تريد إغلاقها . وغيرت مضامين كل البرامج التعليمية حتى لا يبقى " خطر" العقل والعقلانية يهدد أمن الدولة . وفي المقابل وضعت برامج ذات مضامين ، إن لم تكن تعارض العقل فهي تسفهه . مضامين تنتج عقولا نخرة لا طاقة لها على التحصيل ولا قدرة لها على التفكير السليم والتحليل الرزين . عقول تؤمن بالخرافة وترفض السببية العلمية . فكانت الكارثة أن انقلبت القيم ، إذ صار الغش مفخرة بعد أن كان عارا وسبة . وعم البلاء حتى صار الغش في الامتحان قاعدة والنهي عنه مخاطرة . كان التلميذ يكاد يموت غيظا وحنقا إن وصف بالنقال . وصار فيما بعد يعنِّف الأساتذة من أجل الغش . بل امتدت عدوى الغش لتغزو الجامعات والمعاهد . وهذه السياسة التعليمية لم تكن تنتج سوى إمعات ومقلدين في الفكر والسلوك . وياليته فكر جاد ومنطقي وعقلاني . بل فكر أعمى صار بسببه التلاميذ إما يتداولون " الفن" الرديء والساقط ، أو كتب السحر والجن وكبائر النساء وأهوال القبور ، وفتاوى التكفير . أما ما ينفعهم كتلاميذ طالبي العلم والمعرفة فمنعدم لديهم . واغتنمها المدرسون المنتمون للجماعات الدينية فرصة فصارت حجرات الدرس مقرات للدعوة والدعاية والتأطير ، فأهملت الدروس المقررة على علاتها . وعم التواطؤ فيما بين الأطراف التربوية : إداريين ومراقبين تربويين . فكثرت روافد الفكر المتزمت : شعبة الدراسات الإسلامية ، والتعليم الأصيل ، ودار الحديث الحسنية ، والقرويين . فضلا عن برنامج مادة التربية الإسلامية الممتد من السنة الأولى أساسي إلى البكالوريا ، والذي يخلوا كلية من قيم الحوار والتسامح والانفتاح ، بل يكرس نزعة التعصب الديني والجنسي ( لا يوجد أي ذكر للاجتهادات الفقهية النسائية ، أو حتى أسماء نساء عالمات وفقيهات ، التركيز على كون المرأة عورة صوتا وجسدا ، وأن الزوجة ملك لزوجها لا تصوم إلا بموافقته ، ولا تغادر المنزل إلا بإذنه ، ولا تستقبل الضيوف في حضوره أو غيابه ، ولا ولاية لها على نفسها أو غيرها ، ولا تملك حق الطلاق وحق الاعتراض على تعدد الزوجات ..) . وهذا من شأنه أن جعل النشء يتربى على العداء للمرأة ولحقوقها ، وينظر إليها كمصر شر وفتنة وسبب البلاء كله . وطبيعي أن من تربى على هذا البرنامج التعليمي لن ير إلا بعيون واضعي تلك البرامج . سيرى أن كل المتواجدات خارج منازلهن " باغيات" ، وذوات اللباس العصري بائعات الهوى وفاتنات الرجال ، والمطالبات بحقوقهن " مُغرَّبات" يسعين لمحاربة الإسلام وتقويض دعائمه . وكل من ساندهن من الرجال هم كفار وحاقدون على الإسلام . وبالجملة لن يرى في بلده المغرب سوى المواخير والبغايا والخمارات . وهذه طامة كبرى أن تصير الأم والأخت والزوجة عدوة لأقرب الناس إليها . لا تأخذه بها شفقة ولا رحمة .
ب / على المستوى الإعلامي : عززت الدولة حصارها على الفكر والعقل وغدت وسائل الإعلام السمعية والبصرية وسيلة لنشر الخرافة والتشدد الديني وكذا نشر الرداءة والميسر . إذ بدلا من أن تكون التلفزة وسيلة تعليمية وتربوية تغرس قيم الانفتاح والديمقراطية والحوار عبر حلقات دراسية وموائد فكرية وبرامج تثقيفية ، صارت إما ملهى ليليا أو ملعبا رياضيا ينقل مباريات التنس مثلا أو كرة القدم على مدى ساعات ، مع كامل الاحترام لهواة وعشاق هذه الأنواع الرياضية. أما الثقافة والفكر والفن فالحظر مآلها . وأذكر هنا كيف أن إدارة القناة الثانية حظرت البرنامج الأربعائي للصحفية فاطمة الوكيلي لكونها عزمت على استضافة رئيس جمعية البديل الحضاري . في ظل هذا الحصار المعرفي والإعلامي غدا الناس يأخذون " الدين" من غير أهله ، من بائعي النقانق وجافيل ، مع احترامي لهذه المهن ، ومن " الفقهاء " الأميين في الفقه والحديث والتفسير واللغة . تعمدت الدولة ألا يكون لنا إعلام حقيقي يصون قيمنا ، ويقوي شعورنا بالانتماء للوطن وللإنسانية ، بحيث لا نعيش الغربة الفكرية ولا العزلة الحضارية . فالجهل يولد النفور ثم العداء والرفض . ومن ثم يكون الانغلاق والتحجر والرغبة في تدمير عناصر التفوق لدى الآخر . فقهاء التطرف ومن شاكلهم ينطلقون من أن الأصل في الأشياء التحريم ، بل يحرمون حتى ما ورد بشأنه نص صريح يحله و يبيحه . لهذا صار مقياس الحلال أو الحرام هو المعتمد بين الناس . أما الجائز والمباح والمكروه فغاب عن الاستعمال . ولعبت التلفزة دورا خطيرا في تغذية هذا المنحى التحريمي من خلال برامجها الدينية التي تستدعي لها فقهاء عرفوا بتشددهم وعدم سماحتهم .
ج / على المستوى الاجتماعي : نهجت الدولة سياسات في المجال الاقتصادي والاجتماعي انتهت باتساع الفوارق الطبقية واستفحال مظاهر الفقر والبؤس والتهميش . وزاد من حدة هذا الوضع الاجتماعي الفظيع العوامل التالية :
• ـ اتساع ظاهرة الفساد الإداري مما جعل مرافق الدولة والمالية العمومية تتعرض للنهب والتبذير دون أن تتدخل الدولة لتمارس هيمنتها وسيادتها وحمايتها للمال العام .
• ـ استفحال ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج واستنزاف الثروات الوطنية .
• ـ تخلي الدولة عن دور المراقبة والمحاسبة مما ترتب عنه اتساع دائرة التلاعب الخطير والمهول بالميزانيات المرصودة لإقامة مشاريع تنموية أو اجتماعية ، سواء على مستوى المجالس المحلية أو الوزارات . إذ نادرا ما تتم المحاكمات ، وإن تمت فبمحكمة العدل الخاصة . وهذا التسيب شجع على النهب والتبذير مصداقا للمثل الشعبي ( المال السايب يعلم السرقة ) .
• ـ إفساد العمليات الانتخابية عبر التزوير مما خلق حالة عامة من التذمر واليأس ، وأصبحت الانتخابات مجالا للاستثمار بهدف الربح ، ولم تعد مجالا للتنافس بين البرامج على خدمة مصالح المواطنين . الأمر الذي خلق طبقة من الانتهازيين في تزايد مستمر ، وعمل على إنتاج وإعادة إنتاج " أعيان" جدد صاروا مرتبطين بجهات مسؤولة في الدولة توفر لهم الحماية والاستمرارية . كما خلق عزوفا عاما عن المشاركة في الاستشارات الشعبية .
• تشجيع البناء العشوائي بتواطؤ السلطات المحلية والإقليمية ـ حالة سيدي الطيبي بالقنيطرة مثال صارخ ـ التي هي على علم تام بمجريات الأمور : زرع البراريك ، بيع القطع الأرضية وعودة المستفيدين إلى البراريك الأصلية ، تفويت القطع لغير المستحقين ..
لقد تخلت الدولة عن دورها الرئيسي في الجانب الاقتصادي والاجتماعي ، فساد الفقر وعم التهميش . عطالة متفاقمة ، إجرام مدمر ، قوارب الموت ، خدمات صحية تكاد تكون منعدمة ، تسريح العمال بالآلاف . وضعية تنتج البؤس واليأس والتذمر خصوصا لما يعاني المواطن من المفارقة الحمقاء : موظفون برواتب وتعويضات خيالية ، أموال تنهب في سباق مع الزمن ، ومواطنون بشهادات وبدونها يطحنهم البؤس والفاقة والتهميش . أوضاع كهذه لن تنتج وطنية صادقة ، ولا مواطنة حقيقية . إن المواطنة شعور بالانتماء للوطن . وهذا الشعور لا يأتي من فراغ ، بل مما يقدمه الوطن لمواطنيه من خدمات وطمأنينة . فالذين ولدوا وترعرعوا في أحزمة الفقر مع الجرذان وبين مجاري الواد الحار ، وتبخرت أحلامهم في السكن اللائق والعمل الشريف ، وصعقهم واقع الثراء الفاحش الذي ينعم به أفراد قليلون من هذا الوطن ، يفقدون الشعور بأنهم أبناء هذا الوطن . فمن يرى ويعيش حقيقة أن الوطن لغيره وليس له ، يفقد بالنتيجة الشعور بالمواطنة والإحساس بالانتماء لهذا الوطن وهذا المجتمع .
د ـ على المستوى السياسي : تعمدت الدولة ، منذ بداية الاستقلال ، ضرب العمل الحزبي الجاد وتقويضه ومحاصرته وتمييعه . فخلقت ، بفعل عنصر القمع ، حالة الخوف والذعر من الانتماء الحزبي ، تفاقم حتى صار خوفا مرضيا من كل نشاط أو اهتمام بما هو سياسي . فترتب عن هذه الوضعية وجود معظم المواطنين خارج التأطير الحزبي والسياسي . وهذا أفقدهم الوعي بواجباتهم الوطنية ، وأفقدهم المناعة ضد التيارات والأفكار التخريبية أو المتطرفة . فضلا عن ذلك عمدت الدولة إلى تقييد حرية المبادرة لدى الأحزاب المسيرة للمجالس المحلية مما أفقد هذه الأحزاب مصداقيتها لدى المواطنين ، وساهم في خلق وتأجيج حالة النفور من الانتماء الحزبي والعزوف السياسي ، وهذا واقع تكشف خطورته نسب المشاركة في الانتخابات تسجيلا وتصويتا . إن ضرب الأحزاب وخنق الحريات العامة ، وتمييع الحياة السياسية وإفساد العمليات الانتخابية من تقطيع الدوائر إلى فبركة النتائج ، من شأنه أن يخلق حالة إحباط عامة وانسداد الأفق لدى كل فئات المجتمع . فحالة التيه السياسي هذه ستغذي روافد التطرف الذي يؤوي إليه كل فاقد للإحساس بالانتماء لهذا الوطن ، وكل ناقم أو رافض لهذا الواقع . وسيكون مجانبا للحقيقة من يهمل العامل المادي والاجتماعي في وجود التطرف وتأجيجه . فأوضاع الفقر والحرمان تغذي التطلع إلى النعيم والسعي إليه إما في العالم الغربي ( عبر " الحريك" أو القرعة لأمريكا ) أو في العالم الآخر ( عبر " الشهادة " ) . لهذا نجد أن الجماعات الإسلامية تنشط أساسا وسط الفئات الشعبية البسيطة والمحرومة . فهي تستغل فقرها وحاجتها ليس من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية البسيطة ، ولكن من أجل إكثار سواد أتباعها . إذ لم يسبق لجماعة إسلامية أن نظمت احتجاجا للسكان ضد مشاكلهم اليومية : الكهرباء ، الواد الحار ، الماء الشروب ، الطرقات ، الخدمات الصحية ، النقل العمومي ، تلوث البيئة .. قد يتظاهرون في المسيرات وفي الشواطئ لعرض قوتهم العددية ، ولكن لا يفعلون هذا من أجل التخفيف عن السكان بعض معاناتهم اليومية . فالجماعات الإسلامية تريد أن يبقى الفقر ويستمر الحرمان ، فهي لا تتواجد ولا تنشط إلا في أحزمة الفقر والبؤس ، لأنها تتغذى على ضحاياه وتجندهم لأغراضها . وطالما فشلت سياسات الدولة في تحسين مستوى معيشة المواطنين ، سيزداد مدى الجماعات الإسلامية اتساعا . سيما وأن الدولة ظلت لعقود طوال تهيئ النشء ، عبر البرامج التعليمية والإعلامية ، لتقبل أفكار تلك الجماعات دون نقد أو تمحيص . واستفحل الأمر لما صارت تلك الجماعات متمكنة من المساجد والمدارس ودور الطباعة والنشر بعد أن اتخذت الدولة موقع المتفرج والمهادن لتلك الجماعات . إذ لا معنى أن تترك الدولة كامل الفرصة لترويج أفكار التطرف والتكفير دون أن تتحرك لحماية أعراض المواطنين وحياتهم . فبسبب هذا التفرج وقع ما وقع ، والدولة كانت على علم تام بوجود هذه الجماعات وأنشطتها وتحركات أفرادها وأماكن تجمعاتهم ، وخطب أمرائها وفتاواهم ، ودعواتهم التحريضية لقتل المواطنين " الكفرة" . لو أن الدولة سهلت على الأحزاب مهمة التأطير والتنظيم لجنبت البلاد كارثة التطرف . ذلك أن الأحزاب ، خاصة التقدمية لأنها هي التي دفعت ثمن النضال غاليا ، تربي أعضاءها على حب الوطن ، والتضحية في سبيل المواطنين . وأكيد أن من يحب الوطن والمواطنين لن يفكر أبدا في إيذائهم ، فأحرى قتلهم . أكيد أن هامش الحريات آخذ في الاتساع عما كان عليه من ذي قبل ، وأكيد كذلك درجة الانفتاح على الآخر ثقافة وحضارة ، إذ أن شبكة الأنترنيت والقنوات الفضائية لا تخضع للتقنين أو الرقابة أو المنع كما هو حال العديد من الدول كإيران التي يضرب بها المثل في إسلاميتها . إلا أن مشكلة الدولة المغربية لا تستجيب لمطلبٍ إلا بعد أن يفقد راهنيته وجدواه . وسعت هامش الحريات بعد فوات أوانه فاستفادت منه الحركات الإسلامية دون غيرها من التنظيمات التي قدمت قوافل الشهداء من أجل انتزاع تلك الحقوق والحريات . ولو أن الدولة استجابت في حينه لكان المغرب في شأن آخر . ونفس الشيء مع مطلب الشفافية والنزاهة في الانتخابات ، إذ لم تتراجع الدولة عن نهج التزوير ورسم الخريطة السياسية إلا بعد أن عم اليأس في نفوس المواطنين وفقدوا الثقة في جدوى الانتخابات . ليستفيد ، في النهاية ، أعداء الديمقراطية ومكفروها . وكذلك الأمر فيما يتعلق بتخفيض سن التصويت الذي طالما ناضلت من أجله قوى الصف الديمقراطي يوم كان الشباب تحت جماح الحماسة والوطنية ، أما استجابة الدولة لهذا المطلب اليوم فلن يغير من النتيجة شيئا مادام الشباب بين ثالوث لا مخرج منه إلا إليه : إما التطرف أو الانحراف أو العزوف . ففيما يفيد الآن تخفيض سن التصويت أو تحرير المجال السمعي البصري والشباب فاقد لعناصر المناعة الثقافية والوطنية والدينية والحضارية إلا من رحم ربك . فهذه سياسة الدولة وهذه نتائجها . ولحسن الحظ لم يفت الأوان بعد إن توفرت الإرادة الحسنة والعزيمة القوية لتحقيق إصلاح شامل . والأكيد أن الإرادة السياسية لدى ملك البلاد ، بالدرجة الأولى باتت واضحة لمواجهة التطرف والفقر والتهميش ، بينما الفرقاء السياسيون لا زالوا يطاردون أوهام المقاعد البرلمانية والمناصب الحكومية ، وإن كان ذلك على حساب المبادئ والمصالح العليا للوطن . إذ المناداة بالتحالف مع التنظيمات الإسلامية المتشددة والمعادية للحداثة وللديمقراطية ، سواء لإضعاف النظام السياسي كما يوحي بذلك شعار " الضرب معا والسير على حدة" ، أو لتحقيق مكاسب انتخابية على حساب القيم الإنسانية والوطنية ؛ إن المناداة بمثل هذا التحالف تضعف كل الجهود التي تبذلها الدولة على مستوى تهيئ البرامج التنموية ، أو على مستوى الضبط الأمني الذي إليه يعود فضل إفشال المخططات الإرهابية التي كانت تستهدف المغرب ولا زالت . إن غلبة المصالح الانتخابوية على الأحزاب السياسية تمثل واحدة من العقبات الأساسية التي تواجه الجهود المبذولة لمحاربة التطرف والإرهاب . لهذا السبب لم تأخذ المنابر الإعلامية الحزبية على عاتقها مسئولية التنوير ومواجهة الفكر المتطرف . يضاف إلى ذلك تطبيع غالبية المنابر "المستقلة" مع التنظيمات المتطرفة ، وتحولها إلى لسان حالها ضدا على أخلاقيات الصحافة وقيم المواطنة . وهذا واضح من كمّ البلاغات والبيانات والاستجوابات التي تنشرها الصحافة " المستقلة" لشيوخ التطرف أو العناصر الإرهابية وذويهم . بل إن هذه الصحافة تتحول إلى مناصر للعناصر الإرهابية متى ألقت المصالح الأمنية القبض عليها وفككت خلاياها . أما ما يتعلق بوسائل الإعلام الرسمية ، فيمكن تفهم سياسة الدولة التي تتحاشى جعل المعركة ضد الإرهاب همّا وطنيا يشغل الرأي العام الوطني . ولكن لا يعفيها ذلك من مسئولية التقصير في نشر ثقافة الحوار والوعي بمخاطر التطرف . لهذا فالمعركة ضد الإرهاب هي مسئولية الجميع .



#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لما تصير المرأة ضحية العُرف والفقه والسياسة(1)
- أصبح ممكنا الحديث عن عولمة الارهاب وعولمة محاربته 1
- الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب ...
- شيوخ التطرف هم ملهمو الرسام الدنمركي وشياطينه
- أمة لا تجتهد إلا في قهر النساء وتبخيسهن 2
- التحالف مع العدل والإحسان لا يكون إلا على أساس معاداة النظام ...
- أمة لا تجتهد إلا في قهر النساء وتبخيسهن -1
- مغالط من يماثل بين غاندي الهند وياسين المغرب
- الثورات لا تكون دائما بلون الدم ورائحة البارود
- تحريم تهاني أعياد ميلاد المسيح تحريض على الكراهية وتكريس لها
- إذا ضعفت حجج المرء زاد صياحه
- الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب ...
- هل القادة المسلمون حقا يد واحدة ضد الإرهاب ؟
- العنف ضد المرأة تكريس لثقافة الاستبداد
- يوم تواطأ الحداثيون والإسلاميون على الصمت
- الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب ...
- الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب ...
- الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب ...
- الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب ...
- الفكر التفجيري والفكر التخديري وجهان للعمل الإرهابي الذي ضرب ...


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سعيد الكحل - عولمة الإرهاب وعولمة الحرب عليه 2