|
كل عام وأنت خطيئتي
فداء عبد القادر
الحوار المتمدن-العدد: 1487 - 2006 / 3 / 12 - 07:49
المحور:
الادب والفن
رغم هروبي المستمر منك لكي لا أتلمس يوم ميلادك بحيرة الأعياد التي اختصرت نفسها أمامي وهي تحاول أن تفك رمز وجودي على الأرض إن كنت غير آبهة في الاحتفال بها، وبصنع طقوسها وكرنفال يليق بحضرة مرورها المقدس في وجوه الأطفال وأصباغها التي غيرت معالم الأوطان في يوم تضامن مع العشاق والأنبياء والأوطان وانتصار الساسة والخلفاء
في عيدك الأمر مختلف ، فقبل يوم منه صبغتني ذاكرة الحلم في أولى مرجعياتها، فأنت كنت رجل تقود قبيلة من النساء إلى الانتحار مثلي في ضجرٍ وصمتٍ قاتل.
لا تستعيد سيدي علي النظرات ولا ترمقني اليوم بقرب دقائق الانتظار، فأنا كنت سآتي كما كانت فيروز تعد ثوبها في كل صباح لجبين بيروت ... كنت أنا هنا أمارس صنع الورد الحمراء وأتضامن مع الدم المنساب مني ومن آخر حكايات المدن وشوارعها المكتظة فقراً وتضامناً مع عيد غير عيدي الذي أهيأ فيه كل أدواتي الأنثوية الأخاذة سحراً وبريقاً قبل أصنام الآلهة.
لم يمنحني اليوم الذي أستعيد فيه معك آخر خطواتنا معا، وقبلاتنا معا، يوم عانقتني وهمست لي أن الأعياد تختصر نفسها بوجودي. يوم الذي أخبرتني فيه أن بيروت انطفأت فيّ وسكتنني بقدر ما سكنتها، وسكنت صليب النار والخطايا وتضارب الثوار في مضجعها.
أخبرتني وقتها أن الأنثى التي تظفر بسماع الهدنة الأخيرة من ذاكرة رجل عانق بيروت ... لا بد أن تتهيأ كحورية زفتها الفردوس في مطلع كل الأغنيات.
فنجان قهوتي هذا الصباح غير آبهة ما قدمته أنت لي؟؟؟ أثوابي المعطرة بآخر أنفاسك وأولى صلواتك في رحم العذراء، لم تكن اليوم إلا وهم عليّ، اكتست مني موعداً عابراً في لقاء عابر في حلم غير عابر.
آه سيدي ... لم تخبرني أن مواعيدنا غابت وتعثرت ... فلم تستطيع الوصول بدقة زمنية متناهية لم تخبرني أن المحكمة التي قادت حريتي وحريتك ... جنوني وجنونك ... ثورتك ضد العبودية وضد الرصاص الذي رمى بيروت ... لم تخبرني أنها أغلقت أبوابها وتبسمت للأخر الطريق إلى أن طرحت آخر أشرعتها من تعب في يأس.
ما أعرفه سيدي أني استعد اليوم لعيدك الذي يصعب علي تصوره أنه أتى ليكرر نفسه علي فقط دون غيري ... متعمداً عنفواني وأنوثتي ودمي وشرايين لغتي ... فهو يتعمد كل أشيائي المستباحة ويتعمد لملامستي لتلقي التهاني.
شموعك سيدي علي أن أعيد ترتيبها في يوم مجنون قادتني وأنا احمل أنفاسك في القهوة التي ارتشفتها ذي موعدٍ مع كل النساء ... لم تكن اليوم إلا صيحة أعادت ثمار البرتقال إلى الأزهار وأنا على الطرف المقابل أمارس شرقيتي المحمومة في كل شعاراتها السياسية .
فأنا لم أكن إلا ثورة قادت اشتراكيتها وعلمانيتها وسلمت فيها صليب الكنائس وحكمة بوذي ومجانين الزوايا في إقامة صلوات الأنبياء. لم أكن أعيد ترتيب الأسفار وزج الزوايا في عهد جديد ولا قديم ولا فردوسا أهدى الله الحقيقة.
في تلك الليلة قلبت كل الأشياء وكأني أعيد توازن الدنيا في طرف أصبعي الحائر مع دقات الساعة والوقت يسير.. ومازلت مكاني أتعثر بالموسيقى وأمزق صورنا معا في خلايا جسدي، وجسدي يرتعش لشدة انصهاره بتلك اللحظة التي أعدت رسمك فيها بالفحم والحجر في كل زوايا غرفتي المليئة بذاكرة الأشياء.
بقيت هكذا ... إلا أن أيقظتني أشعة الشمس وتمتمتها في مطلع كل الفصول .. ففي هذا اليوم اختصرت الفصول حضورها بطقوسها الحارة الباردة المصفرة في أوراق خريفها .. أخبرتني كل أشيائك في أن احضر نفسي وأتهيأ
فاليوم ميلادك الذي أنجب خطيئتي ... وحبي لك ليس بحاجة إلى عيد ليقول لك أني أتعطشك مثلما أتعطش الحرية ... لست اليوم بحاجة إلى إطفاء شموع القرن الماضي وأنا أطير واحلق وأمسك العطش والجوع منك .
في المرآة المقابلة من غرفتي صففت شعري بالماء العذب واغتسلت بأثوابي العارية وارتديت آخر ما تبقى من أنفاسك عليها .
قلبت كل الصفحات في صحف هذا اليوم أقرا تنبؤات العالم لك فلم أجد أكثر من مؤامرة لوطن في خطوات القمح والخبز للفقراء لم أجد غير الذهب الأسود، وقد اكتسى بالأحمر، لم أجد إلا آبار المياه العذب قد غادرت حقول الأرض اليابسة، ووجوه مصفرة، وانهارٌ طافت تغتسل من حديقة الحياة فلم تجد الحياة . كل هذا يوم صباح ميلادك سيدي ... طرت إلى أقاصي الدنيا ونظرت في محراب الصلوات في مساجد الراكعين لعلي أجد ما يشبهك لأحضره صفحة بيضاء نقية فلم أجد.
أقفلت الصحيفة ولفرط نسياني أن عيدك لم يحضر ليكتب عنة هنا ... بل حضر ليقوم بواجب يتقبل مني العزاء في مآتم الأفراح وليعيد للغروب شروق آخر يحدد مكان الشمس حيث المكان الذي لا يغيب.
في صباح ميلادك، وذكراه، ألف عام قد ذهب بوجهي وغادر، وملايين من الطيور وأحداق النوارس قد أعدت مواسم الهجرة في أعالي الجزر، وسفينة تكاد تغرق في زاوية، واسماك هائمة باكية في قاع محيط تدخل صدفة تكاد تقتل فيها.
في يوم ميلادك أسير مثل كل هذه الأسماك أبكي ويقطر مني الدمع في قاع محيط بكت فيه كل الأسماك ذات يوم. فهل تراها ؟؟ وهل تستشعر أني هائمة منك ومعك اليوم ؟؟؟ لا احد يمد لي طريقا توصلني إليك !!!!
بقيت هكذا أعد ساعات الغياب والحضور في ساعة الطرقات التي اعتدت المسير فيها فقررت زج نبيذ الغروب مع اقتراب ساعة الغروب ... أشعلت سيجارة، احترقت للأداء تحية عسكرية لذاكرة الهزيمة.
بحثت عنك فلم أجدك ... قلبت طرقات اللحظة كي التقي بك فيها فلم أجدك. انصهرت مع البحر، ومارست الحرية بكل أنواعها. عدت إلى زاويتي، و انصهرت بك مرة أخرى.
مارست هذياني المعهود ... وبدأت بتسطير الرسائل لك لأكتب على كل صفحة من هذا البحر، إلى آخر سطر من هذا الجنون
سيدي ( كل عام وأنت خطيئتي )
بقلم : فداء عبد القادر كاتبة من الأردن [email protected]
#فداء_عبد_القادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|