|
الأدب والرواية النسائية بين التاريخانية وسيمياء الجسد: جدل الحاضر والماضي
محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 5827 - 2018 / 3 / 26 - 22:43
المحور:
الادب والفن
الأدب والرواية النسائية بين التاريخانية وسيمياء الجسد: جدل الحاضر والماضي
إهداء إلي كل من حملت نون النسوة كرهاً وعايشتها كرها إلي كل نساء العالم الكسيرات المهزومات نفسيا بصنائع الذكورة و .. واو الجماعة
الفصل الأول الرواية النسائية في العالم العربي بين توحدالذات والمقارنة الذكورية
في البدأ يمكن وصف الكتابة عن الرواية النسائية , بأنها من أصعب الكتابات , وأروعها في ذات الوقت , فهي تحمل بين المتناقضين أو الضدين في آن واحد , وأقصد تحديداً الكتابة أو المناقشة أو حتي أسلوب السرد فيما يختص بشئون النساء والرواية النسائية والأدب النسائي في كافة فروعه وأنواعه وأشكاله وألوانه المتعددة والتي صارت أن تقترب من اللانهائية بقدر لانهائية مشاكل وأزمات المرأة في العالم العربي , وما تم وضعه لها من عراقيل ومكبلات تقف حجر عثرة بين نهوضها في عالم الفن والأدب والرواية والمسرح وغير ذلك من الفنون والأداب في العالم العربي .. ولدرجة من الخطورة صارت المرأة تصنف في الأدب العربي علي أنها : «محور ثقل» مهم ومتفرد، يعدل كفة الميزان الأدبية ويضيف إليها إثراءً نوعياً. لكن، ورغم ذلك، يصر البعض على قولبة كل إطار أدبي بجنسه ..
فينسحب وينعكس هذا على النتاج الأدبي النسوي . إذ إننا نلحظ مسألة مهمة تتمثل في أن الروايات أو الأعمال المسرحية والشعرية، دائماً ما يجري التعامل معها كونها صادرة عن امرأة، وهو الأمر الذي يحيل العمل إلى تصنيف جنسي أكثر من أنه في الحقيقة، محاولة لتصنيف الإبداع أو التعامل معه باعتباره منجزاً فردياً له تجربته الخاصة، دون النظر لجنس بعينه صدر عنه هذا الإبداع .
ويعد مفهوم «التصنيف الجنسوي»، في العموم، والذي من بين فروعه «التصنيف الأدبي بين الرجال والنساء»، مصطلحاً جديداً يعرف في القاموس الإنجليزي بالتمييز على أساس الجنس، وخصوصاً اضطهاد الرجال للنساء. كما أنه في الدراسات النسوية يعد تنميطاً للناس على أساس الجنس، تماماً كما تفعل العنصرية في تنميط الناس على أساس العرق واللون ." (1)
وفي أحدي الندوات بمدينة القاهرة وجد هناك من "يرصد جوانب القضية، من خلال جلسة نقاش موسعة، ضمت عدداً من المبدعات العربيات تناولن ذلك الموضوع في ندوة موسعة، نظمها صالون الأوبرا الثقافي، أخيراً، في القاهرة. إذ كانت الخلاصات الرئيسة اتفاق المنتديات على كون التصنيف الأدبي (بين النساء والرجال)، عملية تكبل روح الإبداع ". (2)
وبالفعل وليس بالقول والسرد المتعارف عليه حينما يتم مناقشة الأدب النسائي وعلي وجه خاص الرواية النسائية , المنتجة من عقل إمرأة عربية لاتختلف في شيء عن الرواية المصنفة علي أنها من نتاج عقول الرجال , يتضح أن الأدب النسائي مظلوم في تصنيفه في العالم العربي .. وكأن المنتج النسائي عورة من ضمن العورات التي كبلتها ثقافة العالم العربي السائدة عن المرأة , حال كونها بنظر البعض علي أنها عورة , وأنها من الحريم , وأنها مقترنة بالحرام , وأن النساء من حبائل الشيطان. وكأن العادات والأعراف والتقاليد والموروثات الدينية والثقافية صارت هي الحاكم للمرأة وإنتاجها الأدبي والثقافي حتي العلمي , إلا أنه في الإنتاج العلمي تخف الحدة , وتكاد تتلاشي حال كون العلم يعتمد علي نظريات تتسم بالعقل والحياد والنتيجة التي كانت عبارة عن تجربة في البداية , إلا أن الأمر يختلف في حقيقة الوضع الشائن والمرعب حال النظر إلي إنتاج المرأة العربية في الإبداع الفني والثقافي والأدبي , ومنه الإبداع الروائي وأخصه الإبداع في إنتاج الروايات النسائية , والتي تحمل مضامين رائعة ومقاصد صادقة وأهداف سامية نبيلة , تكاد تتوائم مع الواقع المعاش بكافة أطياف أحزانه وآلامه وأوجاعه وتأوهاته المكتومة أو المكبوتة عن عمد , أو بسوء قصد سواء من خارج إطار ذات المرأة أو من داخل ذاتها الموجوعة التي يقف الموروث ضدها وضد إبداعها بكافة أنواعه وأشكاله وألوانه اللامتناهية ..
ولذلك نري العديد من الوجوه النسائية التي تقف ضد التصنيف العنصري التمييزي بين أدب المرأة وأدب الرجل وكأن ذلك حال مباشرة الأدب والتعمق في أهدافه ورؤاه وتصوراته والعيش في رحاب ظلاله وألوان طيفه التي تشكلها المرأة بوعيها اللامتناهي عن واقعها وأزماتها الحقيقية , أو واقع وأزمات النساء أو الرجال علي حدٍ سواء في عالمنا العربي , وكأنهم يفرقوا بين الأدب الخاص بالنساء والأدب الخاص بالرجال وكأنه تصنيف فسيلوجي , أو تصنيف أخلاقي يتوجب علي المرأة بزعمهم أن تكتب فيما يقرره لها الرجال أن تكتب فيه ويتم إمتناعها عن الكتابة فيما لايحق أو لايجوز لها أن تكتب فيه .. ولذلك فإن العنصرية الكريهة المبغوضة بشأن هذا التصنيف , يقف ضدها العديد من أديبات العالم العربي .
في البداية، تشير الكاتبة المسرحية السعودية مالحة عبد الله، إلى أنها : "ضد الجنسوية بشكل عام، مؤكدة أنه، وكونها ناقدة وكاتبة، فهي تحمل وجهي العملة، لذا تشدد على أن لحظة الكتابة أشبه بلحظة «الوجد الصوفي» أو السوبر وعي من وجهة نظرها، مشيرة إلى أن المبدع في النهاية هو إنسان، لا رجل ولا امرأة ولا جنسية معينة، قائلة: «هذه التصنيفات أنا أمقتها.. إن الإبداع خليط بين العلم والموهبة." كما أوضحت أنها سبق وكتبت كتاباً بعنوان "كيف تكون مبدع" بينت فيه أن لحظة التجلي في الإبداع تكون ناتجة عن الخبرات السابقة. وأضافت إنها صحيح كتبت كتاب «مسرح الرجل ومسرح المرأة» ولكنها جبلت على هذا العنوان، حيث إن المسرح السعودي ينقسم لمسرح خاص بالرجال ومسرح خاص بالنساء، على عكس بقية المسارح المختلطة حول العالم.. كما نشر لها كتاب "مسرح المرأة" الذي حاولت من خلاله تأريخ المسرح الخاص بالمرأة، رغبة في حمايته من التأريخ الخاطئ والتأويلات المدلسة. ولفتت في حديثها، إلى الدور المتبادل بين المرأة والرجل اللذين يجري التفرقة بين إبداعهما، موضحة ذلك بقولها "الرجل قنديل الحياة والمرأة هي الأرض، فلتسقط جميع التصنيفات التي تفرق بين الرجل والمرأة". (3) تؤكد مالحة عبد الله، أن المرأة في الأدب قديماً، كانت لها حقوقها المعروفة، ولم ينظر لها أحد باعتبارها أنثى تقل شأناً عن الرجل، إذ شرحت في كتابها “موسوعة الجزيرة العربية» إن المرأة كانت تسمى القبيلة باسمها مثل «بني عاتقة، وبني جديل، وبنى مرة” حيث اعتزوا بها ولم يعتبروا اسمها سبة أو انتقاصاً، بل امتد الأمر لتذهب النساء مع الرجال في الحروب، وكان لهذا الأمر سببان: أن يستبسل الرجل أمامها، أن يتشجع في المحافظة عليها. وهو ما جعل وجود المرأة في الحرب ميزان قوة وليس ضعفاً. ونجد من يبرز دور المرأة في الأدب , لدرجة أن القبائل العربية منذ القدم كانت تسمي القبيلة بإسم امرأة !! مما مفاده الإعزاز والإعتزاز بالمرأة وعقلها وروحها وبالجسد الذي تسكنه هذه الروح ويعمل به هذا العقل , بما يدلل علي أن المرأة لاتقل شأناً وثقافة وإبداعاً عن الرجل , بل وبمقارنة المرأة بالكثير من الرجال نجد أنها تفوق عنهم وتتفوق في كافة مناحي الحياة العلمية والثقافية والفنية والإبداعية .. بل وفي النواحي الأخلاقية بما تمتلكه المرأة من مشاعر وأحاسيس فياضة ووجدان صادق يوجه النشء , والصغار , والكبار كذلك إلي السير بإتجاه منظومة القيم والأخلاق والفضائل والمثل العليا , ومن هنا نجد الأديبة الرائعة مالحة عبد الله تؤكد علي : " أن المرأة في الأدب قديماً، كانت لها حقوقها المعروفة، ولم ينظر لها أحد باعتبارها أنثى تقل شأناً عن الرجل، إذ شرحت في كتابها “موسوعة الجزيرة العربية» إن المرأة كانت تسمى القبيلة باسمها مثل «بني عاتقة، وبني جديل، وبنى مرة” "حيث اعتزوا بها ولم يعتبروا اسمها سبة أو انتقاصاً، بل امتد الأمر لتذهب النساء مع الرجال في الحروب، وكان لهذا الأمر سببان: أن يستبسل الرجل أمامها، أن يتشجع في المحافظة عليها. وهو ما جعل وجود المرأة في الحرب ميزان قوة وليس ضعفاً".(4)
ولذلك وحسبما تري:أمنية عادل , وتؤصل له بجملة من نماذج الأديبات في العالم العربي , تؤكد علي أنه : "رغم تشكل وظهور الحركة النسوية في القرن التاسع عشر، فلا تزال إلى الآن تطرح قضية المرأة الأديبة تحت عنوان كبير هو «الأدب النسوي»، نظرًا للظلم الذي يعاني منه هذا الأدب والذي لا يقتصر على المرأة فقط في ظل استمرار النظرة الذكورية لها، بل يمتد إلى التضييق على الانفتاح الإبداعي لها حتى ولو كان هذا الانفتاح في حدود العادات والتقاليد العربية ". "وبرغم هذا التضييق والتجاهل أحيانًا لكتابات حواء، ظهرت خلال الفترة الأخيرة نماذج مبدعات استطعن اجتياز هذه العقبات، بينهن رضوى عاشور، التي ترصد ملامح وأبعاد المرأة بشكل عميق ".
"كذلك أهداب سويف، وسلوى بكر، وأحلام مستغانمي، ونوال السعداوي التي واجهت المجتمع وكسرت كل التابوهات الممكنة، لتقدم رؤية حرة بعيدة عن أي قيود، إلا أنها في النهاية نماذج قليلة مقارنة بأعداد الرجال في مجال الإبداع؛ ليبقى التساؤل قائمًا: هل لازالت مجتمعاتنا تعاني من عقدة الرجل والمرأة والتفرقة بينهما حتى في الإبداع؟، وهل بات هناك مبرر لإطلاق تسميات مثل أدب الرجل أو الأدب النسوي، باعتبار الأدب يعبر عن حالة إنسانية، بصرف النظر عن جنس كاتبه؟ ". (5) وفي ذات الإتجاه يسير الكاتب صلاح عيسي , صاحب المواقف الثقافية والإبداعية والتي تناصر المرأة علي الدوام. فيري أن التفرقة هذه تفرقة عنصرية , قد فات أوانها وزمنها وعصرها , ومن ثم نراه وفي سياق نقدي، يقرر بأنه : "لا أعترف بما يطلق عليه الأدب النسوي، حيث إن الأدب معروف، ويتم تحديد جماليات من خلال أبعاد رسم الشخصيات، والسرد، والبنية الدرامية، وغيرها من الجوانب التي تقيس جماليات الأدب، بعيدًا عن نوع الكاتب، رجلاً كان أو امرأة"
ويضيف: «مصطلح الأدب النسوي أو حتى أدب الرجل، يعد حصرًا لإبداع الكاتب و تطلعات القارئ، حيث يتم حصر قيمة العمل، بشكل كبير، والأدب بشكل عام، يعتمد على تجارب صاحبه، التي تنعكس في أعماله بعد ذلك. "لا أجد مبررًا لوجود مثل هذه التسميات، حيث إن النساء أصبحن أكثر تحررًا وانفتاحًا ولم تعد المرأة تشهد قيودًا كالسابق، ففي الماضي كانت تلجأ المرأة للأدب لتعبر عن مشكلاتها مع المجتمع القهري، سواء في الغرب أو الشرق".
وأجد أن هذا المصطلح برز ونمى في مناخ كانت المرأة فيه مضطهدة أو لم تأخذ حقوقها كما ينبغي، فتوجهت المرأة للأدب حتى يكون متنفسًا لها، تواجه به العالم بمفاهيمه القهرية، فظهرت عائشة التيمورية وعائشة عبد الرحمن الملقبة بـ«بنت الشاطئ»، وغيرهما من الكاتبات اللاتي تألقن في سماء الأدب والكتابة العربية.
ويذهب صلاح عيسي إلي أن : "هناك العديد من الكاتبات الموجودات على الساحة الأدبية وبقوة، ولا أريد حصر أسماء بعينها، ولكن أؤكد أن الأدب لا يُقاس بجنس كاتبه، الكتابة فعل إبداعي ولا تعد حكرًا على أحد". (6) وإذا كنا نستشعر أن هناك من ينظر بنظرة تشاؤمية لوضع المرأة , وبرغم الصدق في هذا المضمار إلا أنه لايمكن أن يتم التناسي أو التعامي عن أدوار المرأة الحياتية بصفة عامة وأدواها الأدبية والثقافية علي وجه خاص .. حيث الإنتاج والإبداع النسائي صاؤت له مسارات وممرات يظهر ذاته من خلالها بين ممرات ومسارات الرجال , لدرجة تتساوي المرأة مع الرجل أو تعلوه شأناً في العديد من الأعمال والإنتاج الأدبي .
وليس من شك أن المرأة تعاني وتتألم من الواقع الذكوري العربي فهي : "مازالت تناضل وتجاهد في الخروج من عباءة الرجل لتصبح كيانا مستقلا ..لايقل مكانة عنه ولا يمس كرامته الذكورية .., وفي كثير من البلدان تعيش المرأة أوضاعا مذرية من التخلف ..والقهر . والفقر .والعنف الجسدي واذا نظرنا الي اتفاقية سيداو نلاحظ العديد من النساء في دول كثيرة يتعرضن للظلم . والعنف .والاغتصاب . وكان لابد من وضع قانون لحمايتهن ..وبرغم مظلة الحضارة ... نجد بعض الدول تنظر للمرأة من نافذة العار والعيب والعورة ....!! كما قال نزار قباني في احدى حوارته : نحن مجتمع خائف من جسد المرأة ..! ولذلك نتآمر عليه . ونحاكمه . وندينه .ونحكم عليه غيابيا بالاعدام ..! وقال : ربط الانوثة بالعيب والعار جعلنا مجتمعا محروما من الطمأنينة ..! ينام والسكين تحت وسادته ..!!"(7)
"هذه النظرة التشاؤمية أعاقت كثيرا حركة تقدم المرأة كما ساهمت في مشكلة تفشي الامية بنسبة عالية في ذلك ..
وتشير الاحصائيات بأن هناك 41 مليونإمرأة أمية في العالم تتفاوت أوضاعهن من بلد الى آخر ..!
فالحديث عن الادب النسائي أو الكتابة الانثوية لا يكون بمعزل عن تاريخ النشأة والتكوين وما صاحب هذا التاريخ من معوقات لعبت فيها الموروثات والتقاليد السالبة دورا كبيرا اضافة الى سطوة الرجل و مميزاته البيولوجية وهيمنته على المرأة عبر تاريخ طويل من الاستلاب ...! والمجتمع ايضا يدفع المرأة لتمارس دورها فى نطاق تكوين الاسرة فقط ...!!!!" " ولهذا تجيء الكتابة النسوية محاولة لتحرر من قيد الأسلاك الشائكة غير المبرر واختراق سلسلة من الممنوعات . والاشارات الحمراء ..(الوهمية الرثة ) ..والخروج من رق العبودية والوصايا الذكورية لتعبر هي عن نفسها كجزء أساسي وضروري وحيوي في نسيج المجتمع والعلاقات الانسانية وعن الحراك الاجتماعي ودورها فيه فاعلا ومشاركا ."(8) "أثبتت كثيرا من النساء وبجدارة ووعي ووقار بأنهن قادرات على التعبير عن مشاعرهن وعن رصد الفعل الانساني ,, وحققن في هذا الاطار نجاحا مذهلا ومن هنا ينبعث السؤال الحارق .. لماذا يتم في كثير من الاحيان اقصاء كتابات المرأة من المشهد الثقافي الذكوري ..!؟ ولماذا تظل المرأة دوما عالقة في الاشارة ..!!؟ ولماذا يقف الموروث البيولوجي والقهري حجر عثرة في طريقهن .ويجعل مجري الابداع ضيقا أمامهن ..!؟ وبرغم سلسلة الممنوعات ....استطاعت المرأة من خلال ثقب الحرية أن تكتب .. وتجاهر برأيها ... ولكننا نتحدث عن الغالبية التى ما زالت تعاني من وطأة المجتمع ومحاكمته لها بتهمة الانوثة !!!!"(9) ويستند الكاتب الفاتح ميكا إلي ماسردته الكاتبة والروائية غادة السمان في كتابها ( القبيلة تستجوب القتيلة ) حال كتبتها وإقرارها بالواقع المأزوم بأن : " الصدفة البيولوجية جعلتني أنثي ..!! – هل أحاكم لذلك -؟ ويتم استجوابي - ؟ وأضافت : قلمي لا يفرز هرمونات مؤنثة فقط ..., واذا كنت كتبت مرات عن حرية المرأة فما ذلك الا جزء عن دفاعي عن حرية الفرد العربي ذكرا أو أنثى .. وفي حديث أخر قالت : لم أعاني من كوني أنثى ....! لقد عانيت من أمة تعاني ..! ولكنني تألمت كثيرا لنساء عانين لمجرد كونهن نساء في مجتمع يعتبر تاء التأنيث نوعا من الرق ..!!!"(10) وحسبما تتجه رؤية البعض إلي أن الأدب النسائى : " لا يشكل وحدة منفصلة فى الاتجاه الأدبى وفى تشكيل النص المكتوب، ومن الصعب أن تحدده بمجموعة من الصفات الأدبية الخاصة به أو تقول أن له مميزات ورؤية مختلفة..
فلو قرأت نصًا ما لأنثى يتحدث عن حب الله، وقرأت نصًا لرجل فى نفس الاتجاه، فمن الصعب التحديد أيهما الرجل وأيهما المرأة سواء على مستوى الحكى الشعرى الوقتى أو الكتابة المستقرة فى الذهن والمعدة مسبقًا. فعلى مستوى الكتابة المستقرة والمعدة مسبقًا نجد فى الأغانى أن نابغة بني ذبيان كان تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء؛ فدخل إليه حسان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعره وأنشدته الخنساء قولها:
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علمٌ في رأسه ثار وإن صخراً لمولانا وسيدنا ... وإن صخراً إذا نشتو لنحار
فقال: لولا أن أبا بصيرٍ أنشدني قبلك لقلت: إنك أشعر الناس ! أنت والله أشعر من كل ذات مثانة. فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها. قال: حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما ولدنا بني العنقاء وابني محرقٍ ... فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما
فقال: إنك لشاعر لولا أنك قللت عدد جفانك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. فالتشكيل الجمالى هنا بين الخنساء وحسان متقارب ولكن الغلبة للخنساء، باعتبار أن حالتها النفسية وهى تنشد وتكتب قصائدها مرتبطة بفجيعتها على أخيها صخر، وقد جملت هذا بقدرة عالية على التعبير.. بينما حسان وفى الأغلب أنه كان حديث السن فى هذه الواقعة اعتمد على فورة الشباب فقام بالفخر والأفضل التروى فى أمر يتم فيه المفاضلة بين شاعر وآخر، وهذا لا يعتمد على الفرق البيولوجى بين حسان والخنساء أكثر ما يعتمد على القدرة التعبيرية الأقوى لدى الخنساء.(11) فالفن يوصف بكونه فنًا عند وجود القدرة على التشكيل الجمالى لما تريد قوله ووعيك بالقالب الذى تكتب من خلاله وليس على مستوى التفريق البيولوجى لأن هذا التفريق يتضح فى أقل الخصائص للأنثى مثل طبيعة التفكير والاتجاهات والميول وسيادة العاطفة، وقد حاول البعض أن يتخلص من المفهوم الجنسانى للفرق بين الرجل والمرأة وبدأت منظمة العمل الدولية فى استخدام مفهوم "الجندر" الذى يعتمد التفريق بين الرجل والمرأة على اساس الأدوار الاجتماعية والمسؤليات والحاجات الخاصة فى سياقها الاجتماعى والاقتصادى، فهو يتعلق بديناميكية الفعل وتحقيق الذات.. وهذا مما يتوقف المرء أمامه قليلاً لنرى أن ديناميكية الأدب الأنثوى فاعلة بقدر ما عند مواجهتها بديناميكية الأدب الذكورى، لأن واقع الخريطة الثقافية يقول أن عدد الأدباء الذكور أكبر بكثير من عدد الأديبات النساء، وبالتالى فالتفاعل والتلاقى الأدبى الذكورى أشد حماسًا وتطورًا –
هذا لو قمنا بعملية الفصل بين الأدبين- ونحن لا نفصل بين الإثنين وإنما نشير إلى أن مصطلح الجندر ما هو إلا خطوة فى طريق تحقيق مساواة غريبة تبخس كل فرد فى الخريطة الحياتية حقه، فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، وسيظل الأدب مرهون بالقدرة الجمالية وعبور الكاتب بالمتلقى من منطقة العادى أو المتعارف عليه إلى مناطق بكر لم يدنسها الواقع بمشاكله وشروره.(12)
وهناك من يؤصل بطريقة علمية وعقلانية للفروق بين المرأة والرجل فيري أن : "ما يفرق المرأة عن الرجل فينحصر في عنصرين: الأول: بيولوجي، حيث يترتب على المكونات البيولوجية بناء الجهاز الصوتي الذي يجنح للنعومة والرخاوة عند المرأة بينما يتميز عند الرجل بالخشونة وسيطرة حروف الاطباق والأصوات الانفجارية كالقاف والضاد التي تتجنبهما المرأة . الثاني: حدود وضعها المجتمع عبر العصور فالمجتمع الزراعي يختلف دور المرأة فيه عن دورها في المجتمع المدني أو البدوي.
نجد الكتابة النسائية تختلف باختلاف البيئات، ففي العصر القديم حيث سيطرت المجتمع الذكوري كانت المرأة تابع له لا تستطيع البوح بمشاعرها، وإن أتيح لها ذلك تعبر على استحياء ولا تجرؤ على تحبير تلك المشاعر.
• كما أن للمرحلة العمرية دور في مساحة الحرية الممنوحة للمرأة؛ فالصغيرة لا تملك حرية البوح عن مشاعرها، أما إذا ما كبرت وبلغت سن اليأس فإنها تصبح أكثر حرية في التعبير، ويسمح لها الاختلاط مع الرجال، أعطى الأستاذ الدكتور مثالا على ذلك ليلى الأخيلية التي ردت على من عيّرها بأنها امرأة قائلة:
تعرضني داء بأمك مثله .. وأي حصان لا يقال له هلا
لو كانت ليلي صغيرة السن لما أمكنها أن ترد بهذه الجرأة ."(13)
في حين يري الأديب نهاد سيريس حيث يقول: أنت تكتشف من الصفحة الأولى أسلوبية وهموما خاصة تتميز بها الكاتبات، مضيفا بأن هذا ليس عيبا أو انتقاصا لهن فطبيعي أن الأدب الذي يكتبه كاتب يقدم للقارئ كيف يرى هذا الكاتب عالمه. وكذلك ما تكتبه المرأة يكشف للقارئ عن رؤية المرأة كامرأة لهذا العالم، إلا أنه يقترح أن نقول أدب كتبه رجل وأدب كتبته امرأة. كذلك الباحثة السورية ماجدة محمود ترى أن : "للكتابة النسائية خصوصية تظهر في كتاباتها، ومنها أن صيغة المتكلم هي الأكثر انتشارا في رواية المرأة. أما منى المحافري فترى أن كتابة المرأة في اليمن لا تزال تتبنى الخطاب الذكوري، أي ترى نفسها من خلال عينيّ الرجل، وكأنها تكتب من أجل إرضائه وجذب أنظاره.
لكن ما لا يقبل مجالا للشك هو أن المرأة عموما والعربية خصوصا كتبت وأبدعت ، عبّرت عن همومها الشخصية وعن الهم الجمعي للوطن، وهي الأقدر على التعبير عن ذاتها كإنسان وأن ترسم معالمها وأن تحمّلها بلغة الكشف والبوح والأسرار، هذه المقدرة التي لا يجاري المرأة فيها أحد. وقد سجلت المرأة العربية نسبة أعلى من المرأة الغربية في الكتابة الأدبية.
وإن كانت كتب تاريخ الأدب تؤرخ للرواية العربية بصدور رواية (زينب) لحسين هيكل عام1914م . نجد الدكتورة بثينة شعبان تؤرخ لها برواية ( حسن العواقب أو غادة الزهراء) للكاتبة اللبنانية زينب فواز التي نشرت عام 1899م أي قبل خمسة عشر عاما من صدور رواية هيكل، وتلت رواية حسن العواقب رواية (قلب الرجل) للكاتبة لبيبة هاشم، وحسناء سالونيك للكاتبة لبيبة ميخائيل صويا، إضافة لست روايات للكاتبة عفيفة كرم من أشهرها(بديعة وفؤاد، وغادة عمشيت) وكل هذه الروايات صدرت قبل صدور رواية هيكل.(14) ولكن يتبقي السؤال الجوهري حول إشكالية سؤال البداية المطروح علي مأدبة أزمات المرأة وتحديتها للواقع المعاش . فيري الدكتور نبيل أبو علي ليثبت ويقرر : "إن الأدب لا جنس له، وما يحكم بأدبية الأديب هو امتلاكه لمقومات الأدب من استعداد فطري، لغة، عاطفة وصورة، بالإضافة لامتلاكه الخبرة والدربة " . (15 )
"نجد الكتابة النسائية تختلف باختلاف البيئات، ففي العصر القديم حيث سيطرت المجتمع الذكوري كانت المرأة تابع له لا تستطيع البوح بمشاعرها، وإن أتيح لها ذلك تعبر على استحياء ولا تجرؤ على تحبير تلك المشاعر. كما أن للمرحلة العمرية دور في مساحة الحرية الممنوحة للمرأة؛ فالصغيرة لا تملك حرية البوح عن مشاعرها، أما إذا ما كبرت وبلغت سن اليأس فإنها تصبح أكثر حرية في التعبير، ويسمح لها الاختلاط مع الرجال .
كتبت في المدح والفخر وفاقت بكتابتها الرجال، كما تجرأت بأن تندرت من الحجاج وأسمته "أبو الذباب ". وللغرض دوره في تغير الخصائص والسمات، فأفضل ما قيل في رثاء الرسول هو ما قالته فاطمة ابنته التي صورت الحياة بعد النبي وقد اغبرّ آفاق السماء وكورت شمس النهر وأظلم العصران، والأرض بعد النبي كئيبة ". (16)
ثم إن مساحة الحرية الممنوحة للمرأة تضيق وتتسع بحسب الحاكم والعصر الذي تحياه المرأة. فالعصر العباسي وإن كان فيه اختلاف إلا أنه خلاف لا يخرجه عمّا رأيناه في المجتمع المدني في المدينة المنورة، فالمولدات أدخلن كثير من الحرية؛ لكن المرأة الحرة بقيت تابعة للمجتمع الذكوري ولا يتاح لها التعبير في الحرب وبعض الشئون الخاصة بالرجل. في العصر العثماني والمملوكي دخلت المرأة الحرملك وعانت من ضغوط كثيرة لم تتح لها حرية التعبير عن حبها حتى لابنها، ومع ذلك هناك بعض النساء خرجت للحياة العامة.
في العصر الحديث تقدمت فلسطين على باقي البلدان العربية إذ احتلت المرأة مكانة مرموقة قبل نساء الوطن العربي، وذلك بفعل البعثات التبشيرية التي دخلت فلسطين من القرن السابع عشر، حتى أن الاسكندر البيتجالي بدأ يطالب بالحد من حرية المرأة، حيث كانت المرأة تباهي في الحديث عن حبها". (17)
أما عن السمات الدقيقة للإبداع الأدبي عند المرأة فأجملها الدكتور نبيل في لفظ ومعنى، عاطفة وخيال، ولأن العاطفة لدى المرأة تسبق العقل فهي أكثر تفوقا في لونين من الشعر هما: الرثاء والغزل. مصادر الصورة عند المرأة في القديم محكوم بمشاهداتها، أما في العصر الحديث فمحكوم بثقافتها. ينضاف إلى ذلك رقة اللغة ورخاوة الأصوات" .(18) وعن بعض الأقطار العربية , نجد أن القطر الليبي يعبر عنه كتابه ونقاده حال تعرضهم للرواية النسائية في ليبيا بأنه :" لو تحدثنا عن الرواية النسائية الليبية فتجريب هذا المسلك جاء متأخرا مقارنة بغيره من أجناس الابداع الأخرى وذلك لعدم تفرغ الكاتبة الليبية لممارسة الابداع الادبي عامة والروائي خاصة بسبب التزاماتها المهنية والعائلية، فيكون انتاجها في شتى تنويعاته نتاج هواية لا وليد احتراف وتفرغ، والسبب الأخر قصر نفس الكاتبة الليبية التي سرعان ما تتوقف عن الكتابة الروائية لتواصل الكتابة في فن أدبي أخر، وهذا ما يعلل عدم تبلور تجارب روائية نسائية ليبية تمتلك العلامات الدالة على خصوصيتها ممل يمثل عائقا أمام الناقد وذلك بسبب عدم تبلور تجارب كاتباته اللاتي لم يتجاوز أغلبهن الرواية الواحدة”.(19) ولذلك يقول الدكتور بوشوشة بن جمعة : ” بداية تشكل معالمه الأولى من خلال تحسس كاتباته الرائدات، في الخمسينات من القرن الماضي عددا من أجناس الإبداع الأدبي المستحدثة كالخاطرة والمقال والقصة القصيرة ولاحقا الرواية مع مطلع السبعينات، والتقليدية كالشعر منذ الستينات”.. ويضيف بن جمعة: ” إلا أن تاريخ هذا الأدب النسائي وما تميز به من جهود وحفل به من إسهامات وجدت في المجال الإعلامي صحفا ومجلات، فضاءها المتميز لطرح قضية المرأة الليبية واقعا وآفاقا بالأساس، وبعض القضايا القومية كالقضية الفلسطينية بشكل خاص والمسائل الحضارية كالتقدم والفلسفة والكيان والمصير. وهي الكتابات التي شكلت مقومات الحركة الأدبية النسائية الليبية”، موضحا أن هذا الأدب لم يحظى بالعناية اللازمة من قبل القراء والنقاد بل ظل على سيرورته التاريخية بسبب إمعان الأغلبية المثقفة في إنكار وجوده والانتقاص من قيمته بالتحامل على نصوصه وكاتباته في آن، بتأثير من المنظور الذكوري السائد والمهيمن على المجتمع الليبي حتى الفئات المثقفة منه، والذي يسعى إلى تكريس الإبداع الأدبي للرجل وتأكيد تفوقه ومن ثم تميزهابل تهميش إبداع المرأة، والعمل على تغييبه، وتجريده مما قد يتوفر عليه من سمات إيجابية تضفي القيمة على البعض من نصوصه وتجاربه إلى جانب اعتباره إبداع “قلة”، لم يدرك بعد مرتبة النضج.(20)
دخل مصطلح «الأدب النسوي» حقل التداول الثقافي والنقدي في العقد السابع من القرن التاسع عشر في فرنسا، ولعبت الصحافة الأدبية دوراً هاماً في هذا المجال إذ كانت أول من طرح المصطلح للتداول الأدبي، مما جعل المصطلح يشير في معناه إلى الأدب الذي تكتبه المرأة، رغم أن الهدف الأول منه آنذاك كان التخلص من ظلم وقمع المجتمع البطرياركي"الأبوي " .
والعودة مرة أخرى للمجتمع الأمومي الأول، حيث إن أصل المجتمعات أمومية وتعتمد على المرأة بشكل كامل، حتى ظهر الرجل والاستراتيجية التوسعية التي اتبعها، فكانت في صورة الفتوحات وأوجه الاستعمار بعد ذلك مع مرور الزمن.
يعتبر الباحثون التوجه النسوي لازال حديث العهد سواء في التنظير أو التكوين، مما يجعله لا يقف على أرض ثابتة، مؤكدين أن الأدب النسوى مازال غير واضح المعالم بالمعنى الكامل، سواء في الغرب أو الشرق، لاسيما مع ظهور كاتبات تتطرق إلى القضايا النسوية في أعمالها. ويرجع الباحثون ذلك إلى خصوصية الأدب النسوي الذي يصدر من وعي محدد لدى المرأة أو الكاتبة، دون أن تبالي بالجوانب المحيطة بها، ولفتوا أيضًا أن الكاتبة تظل في بحث طوال الوقت حول مفهوم الحرية محاولة تحقيقه، دون أن تصل إلى نتيجة، لاسيما أن بحثها يكون عن مفاهيم مجردة مثل «الحرية والعدالة والمساواة»، الأمر الذي يجعلها أسيرة لذلك ". (21)
الفصل الثاني ما بعد النسوية
وإذا كان هناك بعض التوجهات النقدية التي تري أن الأدب النسائي قد اتخذ أبعاداً رائعة في تحديه للواقع وتأزماته , لدرجة أن يصف البعض في مرحلة من المراحل بعد أن ظهر التوجه المسمي والواقع تحت عنوان " مابعد النسوية " , تشبيهاً وتوصيفاً لمابعد البنيوية , أو لما بعد الحداثة , وتأصيل بعض المصطلحات والمفردات الحداثية فقد ظهر مصطلح «ما بعد النسوية» :" في ثمانينات القرن العشرين، وظهر لتفادي التناقضات الملحوظة التي ظهرت في الحركة النسوية الأولى، ويتناول التوجه الجديد أمرا هاما وهو أن لا علاقة بين الجنس والمعايير الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وينبغي أن تكون الأمور مناصرة للمرأة دون أن تكون ضد الرجل.(22)
التمييز السلبي
ومازالت الأصوات الي تصدح في سماوات الأدب والفن والإبداع تري أن هناك تقدماً واضح الملاح في الأدب النسائي , حيث تميل الشاعرة اللبنانية تغريد فياض إلى أن : " المرأة المبدعة وصلت بالفعل إلى بعض حقوقها، ولكن النساء المهمشات، في غالبيتهن، يحتجن إلى دعم هن الأخريات، مضيفة إن الوعي والعلم هما كفة الميزان الراجحة لإعطاء الدعم للمرأة، إذ أن التربية هي السبيل الوحيد لمحو تلك النظرة من وجهة نظرها. كما تشير تغريد إلى أنها ضد فكرة الأدب النسوي..
فوضع المرأة داخل هذا الإطار يقدم تمييزاً سلبياً للمرأة نفسها، فالمرأة والرجل نصفين لا يختلف أحدهما عن الآخر، بل يمكن للمرأة نفسها، أن تكتب كل الأحاسيس التي يعانيها الرجل، لافتة إلى أن المرأة لا تطلب حقوقها من الرجل بل من المجتمع بوجه عام، والذي يظلم بدوره الطرفين". (23 )
بينما تري الكاتبة المصرية سحر حلمي : " أن تلك النظرة: «الانتقاص من منزلة وقيمة الأدب الذي تنتجه المرأة»، دائماً تأتي من كون البعض يعتقد المرأة ضعيفة. رغم أنه، وعلى العكس، المرأة أقوى، إذ أنها هي من ساهمت في تربية الزعيم نفسه، بل سبق وحصلت هي على مناصب حكومية. وتشدد الكاتبة على أن الغلبة في النهاية للمنتج الجيد، والذي يطرد بدوره المنتج الإبداعي الفاسد".(24 )
وبمطالعة التاريخ وتبيان وثائقه ومخطوطاته نجد أنها : "تكشف الوثائق والمخطوطات والكتب الخاصة بتاريخ العرب، أن المرأة، ومنذ القدم، لعبت كبير الدور في إثراء المجالات الإبداعية الفكرية المتنوعة، ذلك دون أن يكون هناك فرز وتصنيف، بين نتاجها ونتاج الرجل. وهو ما يثبته بوضوح دور المرأة في الأدب خلال العصر الجاهلي الذي برزت فيه الشاعرة الخنساء التي استطاعت أن تحجز مكاناً رفيعاً بين شعراء ذلك العصر..
رغم كونهم فصحاء وطلقاء. وكذا الحال في عصر الإسلام. إذ برزت نساء أديبات مهمات. وتبدى ذلك بقوة في العصر العباسي الذي شهد ظهور شاعرات نافسن الرجال بحق، في عذوبة ألفاظهن وجزالة عباراتهن، مثل: كعَلِيَّة المَهْدِيَّة، رابعة العدوية. وفي غرناطة بالأندلس، ظهرت الشاعرة حمدة بنت زياد بن تقي التي سميت بخنساء المغرب، واعتبرت عالمة عصرها. وهناك ولادة بنت المستكفي.
وأما في العصر الحديث، فكانت الشاعرة نازك الملائكة مثالاً على التطور الذي شهدته القصيدة في العراق، إذ اعتبرت رائدة التطور في القصيدة العربية الحديثة، لتخلفها الشاعرة مي زيادة، والتي مارست النقد، بجانب الشعر، مؤسسة عديداً من النظريات الأدبية، والرؤى الفكرية التي تضيف إلى الشعر العربي، كما ظهرت أيضاً عائشة عبد الرحمن والتي كانت أول امرأة تحاضر في الأزهر الشريف، بالإضافة لحصولها على جائزة الملك فيصل في فرع الآداب. سهير القلماوي أول فتاة مصرية تحصل على الماجستير في الأدب كان بروز وعطاء الدكتورة سهير القلماوي، في حقول الإبداع الفكري، نقطة تحول كبيرة في المجمعات العربية، إذ لمعت معها الأدوار الفاعلة للمرأة. فمهدت للجيل القادم من الفتيات الطريق نحو استكمال الدراسات العليا. وهي أول فتاة مصرية تحصل على الماجستير - عن رسالتها في أدب الخوارج في العصر الأموي، ذلك بعد أن كان ينظر إلى الفتيات على أن مكانهن البيت فقط ولا غير". (25)
يوضح نقاد عديدون، أن للمرأة العربية، دوراً حيوياً في حقول الأدب، لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن ينتقص منه أحد. إذ إنها حافظت على استمرار اللغة العربية، بل وعلى مفردات الأدب الشعبي، من خلال الحكايات المتوارثة، التي لاكتها ألسنة النسوة المتعطشات للأدب العربي، تلك الحكايات التي توارثتها النسوة جيلاً عن جيل، فأسهمن معها في حفظ العديد من نصوص التراث العربي الغائب في غياهب المخطوطات". (26 )
التمرد علي الواقع
ظهرت العديد من الأديبات والروائيات علي المسرح الإجتماعي الثقافي متحدية كافة المعوقات والعراقيل التي تقف في وجه نبوغ المرأة , وتميزها في الأدب والفن وعلي وجه خاص الرواية موضوع المبحث الخاص بهذه الدراسة , ففي "جعلونى متمردة: " عنوان كتاب الأديبة , سونيا الحبال، وهى أحدث عنقود فى شجرة الأدب النسائى المصرى.. وحسب اعترافها فى أكثر من حديث صحفى فقد حرمتها التقاليد الأسرية وأيضا قيود الزواج من إعلان وجودها كأديبة.. وكانت تضطر للكتابة فى بعض الصحف باسم مستعار .. وأحيانا باسم رجل.. وهو ما يذكرنا بتجربة الأديبة الفرنسية الشهيرة جورج صاند التى احتفلت الأوساط الثقافية الفرنسية بذكرى مرور مائتى عام على ميلادها فى يوليو الماضى. فــ "جورج صاند عرفت بداية باسم «جى صاند» ثم اشتهرت بـ«جورج صاند» وهى واحدة من أعظم وأكبر أدباء القرن التاسع عشر، وهى أول متمردة على احتكار الرجال للأدب فى أوروبا، وتعمدت أن تستعير اسم جورج ثم نشرت صورتها بعد ذلك وهى تدخن واعتبرت نشر الصورة أول مسمار للتمرد على تقاليد الإيليت والنبلاء فى فرنسا ". (27) سونيا الحبال صاحبة «جعلونى متمردة» ليست الأولى فى باب التمرد النسوى فى ميدان الأدب، فقد سبقتها أجيال من الأديبات الكبيرات المصريات والعرب، مثلا الدكتورة لطيفة الزيات صاحبة أول رواية مكتملة تحمل خطابا نسويا بعد الحرب العالمية الثانية هى «الباب المفتوح»، التى تحولت لفيلم سينمائى، ويعدها الناقد الراحل الدكتور عبدالقادر القط أهم من كثير من روائيات غربيات مثل فرانسوا ساجان، ويعد الدكتور على الراعى لطيفة الزيات مؤسسة الكتابة النسوية وأدب السيرة للمرأة العربية.. طبعًا فى الشعر هناك كثيرات مثل ملك حفنى ناصف فى مصر التى نشرت باسم مستعار فى بداية القرن العشرين، ثم ظهرت نازك الملائكة فى العراق، وفى جيل الوسط هناك غادة السمان فى الشام وحتى نصل لجيل سلوى بكر وأحلام مستغانمى، وهن جيل بدأت تلاحقه كاتبات يطلق عليهن الدكتور مدحت الجيار بأنهن صناعة الشبكة العنكبوتية، لأن الكتابة عندهن تأثرت بلغة السوشيال ميديا «فيس بوك، وتويتر، وإنستجرام» ..
وربما هذا ما جعل الأصناف الأدبية لدى أديبات الجيل الحالى تتداخل وتتأرجح وسط الأشكال التقليدية مثل كتاب «جعلونى متمردة» للكاتبة سونيا الحبال، الذى يتماهى مع القصة القصيرة والأقصوصة، وأيضا السيرة الذاتية والفضفصة النفسية. وهكذا تمضى سونيا الحبال فى «جعلونى متمردة» فى رصد أسباب تمردها من خلال مشاهد حياتية واقعية للأنثى المصرية من الطفولة وحتى الأمومة، وفى الأخير تمنح قارئتها الأنثى بعض النصائح من نوع : «لا تسمحى بتسريب مشاعرك أو تهريبها لا تتركى نفسك لطلاق صامت لا تدعى الحياة تسير لمجرد أنها تسير لا تتركى حياتك لمن يستعبدها واكسرى قيودك فقد خلقنا الله أحرار ولم يخلقنا تراثا أو عقارا للرجال". (28 )
ويري الكاتب السوداني الفاتح ميكا إلي أنه ومن وجهة نظره : "بأن ليس هناك أدب ذكوري وأدب نسائي بهذه الحدة والصرامة ..! فالادب هو الأدب بغض النظر عن كاتبه ذكرا أم أنثى ..! ويخضع لتقيمه وفقا للمعاير الفنية المتعارف والمتفق عليها ولكل أدب أدواته وشروطه التي تميزه عن الجنس الآخر .. ولكل كاتب ثقافته وبصمته بحجم اطلاعه . وتجربته .واستيعابه للواقع وهضمه بدون تشنج وعصبية . وكلمة الأدب النسائي لا تعني التميز كالاسود والابيض -! ذكرا . وانثى . وانما هي محاولات لرصد كتابات المرأة السودانية التي كانت نتاج لتاريخ طويل من المعاناة والكفاح والصبر ..! منذ الاستعمار وحتى بداية الاستقلال وهي تعاني ..وتسد أمامها المنافذ .. ويعتبر حتى خروجها من البيت والانخراط في الحياة العامة والعملية نوعا من العيب ..!حتى الكتاب السودانيون في تلك الفترة كانوا يجنحون للكتابة عن المصريات . والشاميات .واليونانيات وغيرهن من الجاليات – والحديث في هذا المنحى حديث يطول شرحه ..!! والنماذج كثيرة لمثل هذه الكتابات الخالده ..وحتى عند ظهور المسرحيين الشباب يمثلون أدوار النساء !! وكان صوت المرأة الثقافي واهنا جدا ...!
برغم محاولات الجمعيات النسائية والمساعي الجادة التي كان يبذلها نادي الخريجين 1918 بأمدرمان بضرورة الوعى الجماهيري والمطالبة بحقوق المرأة .. والمرير .......تظل تمارس عليها العادات والطقوس بحجة الجمال ...!!!! وفي الحقيقة بانهم يقومون بقتل مراكز الاحساس فيها ...!! (للحد من شهوتها ) !!!! من تشريط خدودها ( الشلوخ ) وثقب الشفاه بالابر (دق الشلوفة ) ! وثقب حلمة الاذن ..! والحجول ... ثم الطامة الكبرى ( الخفاض الفرعوني ) !!! وهي كلها ظواهر سالبة من قبل الميلاد من العهد المروي 350-75 !! . (29) ولكن : "هذا القهر الاجتماعي والعنف الجسدي ألقى بظلاله الداكنة على مسيرة تطور المرأة ./ ولهذا تعذر رصد وتوثيق الكتابات النسائية في تلك الفترة .وكان المجتمع قاسيا جدا تجاه الكتابة النسائية بحجة صونها . ( هذا العطف القاسي أعاق كثيرا مسيرة المراة الثقافية)
في عام 1947 بدأ بعض الانفراج وبرز اسم ملكة الدار ككاتبة ( علما بأنها كانت تكتب قبل ذلك ) وفتحت الاذاعة أبوابها من خلال مسابقة للقصة القصيرة .فازت بها ملكة الدار ثم نشر لها المجلس القومي لرعاية الفنون والاداب 1973 روايتها ( الفراغ العريض ) وكانت ضمن احدى عشر كتابا أصدره المجلس . ومنذ ذلك التاريخ لم يكن هناك غير الصمت المطبق ! مع انني على يقين بأن هناك كاتبات كثيرات لم تتاح لهن الفرصة للنشر وبعضهن كان يكتب بأسماء مستعارة .. وبالتالي لم يتم التوثيق لهن . استمر الصمت الثقافي النسائي منذ رواية ملكة الدار حتى أواخر الثمانينات وبداية التسعينات و في ظل التطورات السياسية والتحولات الاجتماعية والثقافية التى طرأت على المجتمع وانتشار الوعي والانفتاح الثقافي ... بدأت الكتابات النسائية تنساب . ومنذ عام 200 حتى الان تدفقت الكتابات النسائية بصورة مكثفة ومذهلة في مختلف دروب الابداع شعر , قصة . رواية . حتى الفنون التشكيلية . وتوالت الاصدرات سواء كان ذلك على النفقة الخاصة أو دور النشر التي باتت تولي اهتماما مقدرا بالكتابات النسائية وتفسح لهن المجال . وكنموزج بسيط وعلى سبيل المثال فقط وليس الحصر نذكر منهن / زينب بليل . بثينه خضر مكي . روضةالحاج . احسان ابراهيم . ملكة الفاضل . رانيا مامون . أميمة عبدالله . سعاد عبدالرحمن . غاده الحاج . سمية هندوسة . فاطمة عتباني . منال محمد الحسن .خالده محمد عبدالرحمن . آيه يوسف . أسماء بنت الشمالية . نجلاء فتحي . سعدية عبدالرحيم . ايمان آدم .ابتهال مصطفي . وجدان صباحي . حكمت يسن . هيفاء أبوكشوة .عوضية فضل الله . علوية البدري . أسماء محمد الحسن .......الخ وغيرهن كثيرات ,,, لا يتسع المجال لذكرهن .. وهي بحق تظاهرة ثقافية هائلة اجتاحت كل الصمت السابق ..! وثورة على الركود المزمن الذي عاشته المرأة ..!(30)
و.. "هذه الكثرة في الانتاج بالرغم من انها مؤشر صحي ثقافي وجهود مقدرة ولكن قياس للابداع ليس بالكثرة ,,! وحقيقة ليس كلما نشر ناضجا .! ولكنها محاولة لكسر حاجز التحنيط ... هناك كتابات ناضجة وجديرة بالقراءة وتعد اضافة حقيقية لحركة الابداع .. وأخري أفسدتها العجلة على النشر .وأرهقتها التقريرية وأتخمها السرد المباشر لظروف وتجارب حياتية جعلت توازنها الفني يختل ..!!! وبرغم الانفتاح الثقافي واتساع مجري النشر تظل الحركة النقدية تنظر لذلك التدفق النسائي بتحفظ !. (31)
الفصل الثالث الرواية النسائية بين الواقعي والمتخيل
لم يكن الخيال بعيداً عن الواقع , فهو متلازم له , إذ لاخيال لأموات , والأحياء وحدهم هم من يتخيلون , ولذلك نجد أصحابنا الأحياء بكتاباتهم وإبداعاتهم هم من تم تخليدهم عبر كتاباتهم , فالكاتب لايموت , ولذا نري بعض المقولات الرائعة عن الخيال نستحضر منها العديد من رؤية البعض لها : جورج برنارد شو : بعض الناس يرون الأشياء كما هى ويتسائلون لماذا ، وآخرون يحلمون بأشياء لم تكن أبداً ويتسألون لم لا ؟! جبران خليل جبران : بين خيال الانسان وادراكه .. مسافة لا يدركها سوى حنينه : بايرون : الحقيقة دائما أغرب من الخيال. البرت أينشتاين : المنطق سوف يأخذك من ألف إلى باء، والخيال سوف يأخذك إلى أي مكان الخيال أهم من المعرفة. بالخيال نستطيع رؤية المستقبل . باتلر : للشباب أجنحة تطير بصاحبها سريعا إلى بلاد الخيال فلا يرى أمامه إلا الأفراح و المسرات و لا يعلل نفسه إلا بالآمال و الأماني . محمد علي كلاي : الذي لا يوجد لديه الخيال ليس له أجنحة. كارل ماركس: ما يميز أسوأ مهندس معماري عن النحلة الأكثر خبرة، هو أنه قد بنى الخلية في ذهنه قبل بناءها في الواقع. كارل ساجان : غالباً ما يحملنا الخيال الى عوالم وهمية ، و لكن من غير الخيال لا يمكننا أن نذهب الى أي مكان كولن ويلسون : الخيال الجيد لا يستخدم للهروب من الواقع و انما لخلقه
فيليب بون : الخيال سمة الانسان المنتج سيدني هاريس : السبب في أن الحقيقة أغرب من الخيال هو أن الخيال يجب أن يربطه خيط منطقي ليجعنا نصدقه ، أما الحقيقة فقد تكون لا منطقية تماماً أحلام مستغانمي : لا افقر ممن يفتقر إلى الخيال ! دينا عماد : كم تخيلت أن يجمعنا بيتاً وكنت أرسم تفاصيل حياتنا في مخيلتي لم أعلم أنها حياة في الخيال فقط . سلمى مهدي : الكتابة حالة إنسانية يمتزج فيها الواقع بالخيال…نهرب بها من سوء الواقع إلى مثالية الخيال .
سلمى مهدي : في عالم افتراضي أقرب ما يكون إلى الخيال ترقُد أحلام الصغيرات في سلام
عبده خال : هل نحن كائنات متخيَّلةتعيش في الخيال وليس هناك واقع البتة؟
محمود درويش: النسيانُ تدريبُ الخيال على احترام الواقع بتعالي اللغةواحتفاظُ الأمل العصاميّ بصورةٍ ناقصةٍ عن الغد
منال القاضى : الخيال بالخيال تصل الي تلك المدينة و الي اقصي منها منال القاضي ،حكايات المدينة السرية .
نبال قندس في كل عبارة نكتبها القليل من الحقيقة و الكثير من الخيال أو ربما الأمنيات !
هاروكي موراكامي : إن الأشخاص الذين يفتقدون الخيال هم أول من يبادرون إلى التبرير لأنفسهم.
هاروكي موراكامي : يمكنك وأنت مستيقظ أن تقمع الخيال ، أما الأحلام فلا يمكنك قمعها ..
ولذلك فإن الأدب والرواية بخاصة تقع بين مراتب عليا من الخيال لتتيح لها النظر إلي الواقع من دائرة أبراج الخيال المرتفع السامي بأبعاده ورؤاه ونظراته وتصوراته عن كل الوقائع الحياتية المعاشة منذ الميلاد وحتي بلوغ مابعد الحياة , وما بعد الموت , ومايحدث فيما بين هذه العوالم , من أحداث فردية صغيرة أو تجارب مجتمعية عظيمة أو أحداث كونية هائلة , الرواية تجعل الإنسان يتعرض لكافة الأمور , ليس أمور الحب والعاطفة والوجدان والشوق والتوله .. ولكن أمور الحرب والقتال والدماء والحرائق والدمار , وكذا أمور الحياة السعيدة والطبيعة الجميلة , بل وتتعرض للصراعات الإنسانية والصراعات الدولية والكونية حول الطاقة والغاز والبترول والمياه والحدود , حول أجواز الفضاء . والمساحات التي احتلتها الدول العظمي القوية , فهذا هو الأدب الروائي الذي يعتمد علي مخيال الأديب الروائي , الذي كلما اتسعت أفق خيالاته وتعاظمت كلما صار واقعه الإبداعي متشابه مع عظمة خياله ومخياله الرائع في السرد الروائي لوقائع حياتنا المعاشة أو بحث ماكان موجود قبل حياتنا ومابعد الحياة والممات ..
و حاجة الرواية إلى الخيال الكلي أو الخيال الكوني , لها أعظم الإهتمام لدي الرواية .. فالخيال هو بمثابة ارتداء الرواية للخيال المتمثل في الصوت ومدي تدرجاته إرتفاعاً وانخفاضاً , حديثاً أو همساً أو هسهسة , واللون بكافة أطيافه التي تحتاجها الرواية وتتمظهر بواقعياتها المعاشة .. والحركة الدائبة المستمرة أو حالة السكون كمضاد للحركة , إضافة لكون الخيال يجمل الرواية ويبديها في أبهى الأزياء والحلي , ولذلك فإن الرواية حينما يحتل فيها الخيال فهي كما تحتل الروح للجسد ,فتدب فيها الحياة وتحل فيها ومن هنا تتقبلها الأسماع والأذان , ومن هنا تكمن قوة الرواية وعظمة منتجتها في الوصول لقلوب القراء والقارءات , و الولوج إلى عالم الخيال الكلي , والخيال الكوني لكافة العوالم والأحياء وماتحتويه الطبيعة والكون , مما يجعل القراء كالفراشات التي تزين الفضاء وتزين الأزاهير والورود وأغصان الأشجار اليانعة على وينقلهم من إرهاف سمع للصوت إلى تحديق عينين باللون والحركة .
إن الخيال يتماس مع السمع والبصر , وهو بمثابة البصيرة من العقل النابه فإذا لم لم يتجه الخيال إلى حاسة الشم أو التذوق أو حاسة اللمس والإحساس بالأشياء ؟ ولذلك فإن الرواية بلا خيال تصير جامدة جافة وألفاظها صلبة متحجرة، وما تعنيه الرواية هو الوصول بالفكرة والرسالة إلى القراء متبلورة في صوت كأنه يسمعه وحركة ولون كأنه يشاهدهما.
وانظلاقاً من الحقيقة والواقع إلي مرافيء الخيال الخصب وحقوله الغناء , نري أنه : "يمكننا البدء من أطروحة مفادها أن الحقيقي والواقعي مرتبط بوعي وإدراك الإنسان له؛ لذلك يكون الواقعي مرتبطا بالنظر إليه، والطريقة التي ننظر بها إليه. وإذا كان الأدب شكلا من أشكال التعبير الفني الواعي بالتجربة الإنسانية، فإننا نكون قد أسلمنا أنه شكل بالضرورة، لكنه شكل منتج للمدلولات المتعددة. هذه المدلولات المحملة بمرجعيات فكرية متعددة لا تكون عائمة ومطلقة، وإنما ترتبط بنسق معين، فـ" في الأدب لا يوجد خطاب مباشر: فالأمر ليس ماذا تقول، بل كيف تقول. إن الكاتب الأدبي لا يقدم معلومات، لا عن الموضوع ولا عن حالته الذهنية: إنه يسعى إلى ترك الشيء يأخذ شكله الخاص، سواء كان هذا الشيء قصيدة أو مسرحية أو رواية أو أي شيء آخر.". إنها أدبية الأدب كما دأب "الشكلانيون الروس" على تسميتها، تلك التي لا تكتسب تفردها من موضوعات بعينها، وإنما من الطريقة التي تتشكل بها. إذا كان هذا هو التأكيد الأساسي على الأدبية باعتبارها ذات طبيعة لغوية و اشتغال شكلي فإننا نكون أمام مرونة مميزة تنقل اللغة من طبيعتها الشفافة (اللغة العلمية) إلى لغة مليئة بالمرجعيات لأن "الأدب من خلال طبيعته يتضمن الأفكار. ذلك لأنه يتعلق بالإنسان في المجتمع؛ بمعنى أنه يتعلق بالصياغات والتقييمات والقرارات، البعض منها مكشوف والآخر خفي. كل نظام حسي"يعمل" على أساس أن المتعة مفضلة على الألم.. لكن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يصيغ أو يتمثل هذه على أنها فكرة ويكون السبب في أنها تقود إلى أفكار أخرى. إن وعيه للذات يجرد هذا الأساس للفعل من سلوكه ويجعله بداية لعملية تفكير أو مسألة تثير الدموع و الضحك. وليست هذه إلا واحدة من الافتراضات أو الأفكار التي هي المكون الحقيقي للأدب "(32) ومن هنا : "يمكننا أن نشير هنا أن النظام اللغوي الذي يعتمده الأدب يعيد صياغة التجارب التي يمر بها الإنسان، وهو بذلك يبين عن قدرته على التعبير عن وعيه بذاته ومحيطه وتشكل معارفه المتعددة المشارب داخل هذا التعبير الأدبي المختلف الأشكال كذلك. هذا ما يقودنا إلى ما يعتبره "مارتن هايدجر" (Martin Heidegger) "الحقيقي" فهو، سواء كان شيئا أو حكما.. هو ما يتوافق ويتطابق. الحقيقي والحقيقة يعنيان هنا التوافق، وذلك بطريقة مزدوجة: أولا كتطابق بين الشيء وما نتصوره عنه، ثم كتطابق بين ما يدل عليه الملفوظ وبين الشيء ". يربط "هايدجر" بين الحقيقي و الواقعي، فهو الحقيقة الملموسة التي يجب على اللغة أن تعتمد وسائلها من أجل صنع التوافق بين بنياتها والأشياء الواقعية التي ترتبط بها وتنشئ تصورا عنها، لكن هذا الحقيقي عندما يدخل نطاق التخيّل يتم تغيير ملامحه وتصوير واقع مختلف عنه. وهو واقع الإمكانات التي تتحقق في واقع لغوي بحت.
إذا كان وعي الإنسان هو الذي يميز تجربته، فالمميز أكثر أنه يملك القدرة على إعادة تشكيل هذه التجربة، وهو ما يجعل الأدب ينتمي "إلى العالم الذي يشيِّده الإنسان، وليس إلى العالم الذي يراه، إلى بيته وليس إلى بيئته. عالم الأدب هو العالم البشري الملموس للتجربة المباشرة. إن الشاعر يستخدم الصور والأشياء والأحاسيس أكثر مما يستخدم الأفكار المجردة.. والروائي يهتم بسرد القصص لا بإثارة المجادلات" ؛ حيث نفرق من هنا بين الواقعي والمنظور الذي نراه به. فالواقع يقع خارج النص الروائي الذي يحوله عبر العمليات التخيّلية ليصنع من خلاله عالما أكثر عمقا و تأثيراً. لأن المبدع ينقل تجاربه من الواقعي إلى المتخيل ثم إلى نموذج تعبيري لغوي ؛ حيث "يبدأ الفن من جهة أخرى، بالعالم الذي أنشأناه، وليس بالعالم الذي نراه. إنه يبدأ بالخيال، ثم يعمل باتجاه التجربة العادية: أي أنه يحاول أن يجعل نفسه مقبولا و معترفا به قدر الإمكان".(33)
يبدو الخيال إذن وسيلة الإنسان إلى رسم تصوراته عن العالم و تقديمها إلى الآخر، ومع ذلك يبقى مرتبطا بالآليات التي يعمل بها الواقع، ليكون المتخيل مقبولا على مستوى التلقي، وأكثر تأثيرا على القارئ.
نستطيع من هنا أن نشكل تصورا عاما للمنظور الذي نؤسس به لما سنأتي على ذكره بعد حين، المتمثل في كون هذه التجربة التي يعيشها الإنسان عموما و المبدع على وجه الخصوص مرتبطة بعالمه الداخلي .. أو بعبارة أخرى مرتبطة بالطريقة التي يدرك بها عالمه الخارجي وتواصل من خلالها معه، وهذا يعيدنا إلى قضية مهمة تحكم الرواية وهي علاقة التخيّل بالواقع في هذا النمط من النصوص. يقوم المحكي الروائي في الأساس على التشابك بين الواقع و الخيال، ولعل هذا يعود إلى طبيعة الفنون، فالفنون اللغوية تعمل منذ البداية على القاعدة اللغوية الجوهرية التي تفصل الدال والمدلول عن المرجع الواقعي. إن الإنسان يعيش داخل اللغة ويفكر ويعبر بها. ومن هذا المنطلق ما تعمل الرواية على سرده من وقائع وأحداث وكل الآليات التي تتبعها في ذلك يقع في دائرة المتخيل و علاقته بالواقع، لا تتجاوز علاقة العلامة اللغوية بمرجعها. وإن تجاوزته فهي تحاول قدر الإمكان إعطاء القارئ انطباع الواقعية دون التنازل للسقوط في الواقع.(34)
يمكننا أن نبدأ بقول : "روبرت شولز"(Robert Scholes) في مقالته"صناعة الخرافة والواقع":"إن ما تنتجه المخيلة هي أشياء حقيقية، كما يقول بيرس، بمعنى أننا نتخيلها فعلا. إن تكون لدينا فكرة أو حلم، فإن التفكير والأحلام هي في ذاتها أشياء حقيقية.." ، وهو ما يعني أن نتاج الفعل التخيلي حقيقة لكنه حقيقة من نمط آخر، وهو الأمر الذي نستطيع تطبيقه بيسر على العالم الروائي.
يقودنا هذا إلى الاعتقاد بأن علاقة الواقع والتخيّل بالرواية علاقة جوهرية، فالرواية شكل من أشكال الكتابة.
وهي بذلك تقدم لنا عالما متخيلا متناسقا شبيها بالعالم الواقعي من خلال استثمار عناصر منه: مثل الأحداث والشخصيات، والأمكنة والأزمنة،تشكل عالمها الخاص، فعلينا أن نعرف حدود تداخل هذا العالم المتخيل مع العالم الحقيقي. يعيدنا هذا إلى أن التخّيل الخاصية الأكثر أهمية التي تحكم تشكيل المحكي الروائي فـ" التخييل يشابه الحياة على نحو ما، وأن المصطلحات الملائمة للحكم – يمكن أن توجد بمقارنة التخييل مع ما يحدث فعلا في الحياة، وأن الرواية أكثر الأشكال الأدبية اختلاطا لذلك هي أكثرها استجابة للضغوط الآتية من خارج الأدب، ومع زيادة معرفتنا الأدبية بالتخييل من حيث هو بنية في اللغة تستخرج من بنيات أولية تحددها بدقة أداة اللغة ذاتها"(35)
يبدو لنا أن العلاقة بين الرواية والواقع لا يمكن إخفاؤها، لكن هذا لن يحوِّل الرواية إلى واقع، لأنها ليست إلا قطعا جزئيا منه. هذا القطع منفصل عن أصله، فالرواية تستثمر ملامحه، لكنها تضيف له من الخيال ما يجعله أكثر إثارة من العالم الحقيقي، ومشحونا بالعواطف والانعكاسات أكثر فأكثر.. لكنها مع ذلك تبقي على هذه العلاقة.. لكي توهم القارئ بكونها تمنحه الحقيقة، وما هي إلا حقيقة زائفة أو نفضل أن نقول : إنها حقيقة أخرى غير تلك التي استثمرتها. وبذلك تطرح الرواية "الأدب المتصور أنه ملاحقة الممكن يتجاوز كثيرا محض التطابق حتى إن نقاط اتصاله بالواقع لا تبدو إلا عرضية"
مما يجعلنا نقول إن مجاورة الرواية للعالم الواقعي من خلال تسخير اللغة والسرد لإعادة إنتاجه؛ التي تقود السرد ذاته إلى استخدام بعض العناصر الواقعية في تشكيله لعالمه الخاص، وهذا تكون نتيجته المباشرة مرتبطة في الأساس بإدراك المتلقي لهذا العالم، الذي يعيد آليا وضعه وقراءته مباشرة بالمرجعية التي يملكها عن عالمه الواقعي.. وهو أمر ضروري لأسباب عديدة أهمها التأثير على القارئ وإيهامه بصدق ما يجري، وإن لم يكن تصديقا تاما سيكون على الأقل تعاطفا مع ما يجري. ولكن هذا الأمر الذي يجعلنا نتصور مسارات عديدة ممكنة للارتباط بالواقع، ليس إلا ارتباطا أكثر ما يمكن القول عنه إنه جانبي ومتجاوز.. ذلك أن العالم المرجعي الذي تحمله الرواية ليس عالما كاملا، وإنما جزءًا منه من جهة، وهذا يجعلنا نتعامل معه انطلاقا مما تكونه التجربة الإنسانية، التي تمنحنا رؤية ثقافية ينتجها الإنسان ذاته، ومن جهة أخرى لا تختلف هذه الرؤية الاجتماعية كثيرا عن العالم المحتمل الموجود داخل الرواية.. لأنه يتشكل أيضا من خلال تجربة إنسانية ما ويدخل دائرة الثقافة أيضا، وكل هذا لا يعني إلا أمرا واحدا، أن العالمين ليسا مستقلين عن الإدراك الإنساني الذي ينتجهما. وهما يعيدان إنتاج البنية الثقافية للمجتمعات على حد سواء، لذا لا يمكننا وفق هذه الرؤية أن نقول إن العالم الحكائي نسخة عن العالم الواقعي أو تشويه له، ما دام كلاهما نتاجا فكريا، يعيد الإنسان صياغته بطرائق مختلفة فقط.(36)
نتحدث هنا عن وعي الإنسان بالشكل الاجتماعي الذي يريد أن يحيا به، لذلك يركز "نورثروب فراي" (Northrop Frye) على أن "نبدأ بمعرفة أين يكون الخيال في مخطط الشؤون البشرية. إنه القدرة على إنشاء نماذج ممكنة للتجربة البشرية، ففي عالم الخيال كل شيء ممكن، ولكن لا شيء يحدث واقعيا. فإن كان لابد من الحدوث، فمن الضروري الانتقال من عالم الخيال إلى عالم الحدث." ، يمكننا هنا أن نحدد وظيفة التخّيل في الرواية، فهو الآلية التي تعمل على إعادة تشكيل التجربة الإنسانية (الواقع) من أجل صنع واقع بديل هو الواقع الذي يتفاعل معه القارئ ويفرض عليه منطقه الخاص. و هو ما يفسر ما يقوله "روبرت شولز" في حديثه عن الخرافة لأن صناعتها" لا تعني التنحي عن الواقع، بل هي محاولة لإيجاد مطابقة أكثر دقة بين الواقع الذي هو خيال و الخيال الذي هو واقع.
إن صناعة الخرافة الحديثة تقبل، بل وتؤكد، على قابليتها للخطأ، وعلى عدم قدرتها على الوصول إلى الطريق المؤدي إلى الحقيقة، ولكنها تستمر في النظر باتجاه الواقع. إنها تهدف إلى أن تسرد حقائق كما يمكن أن يسردها الخيال منطقيا بأساليب خيالية على نحو ما".(37)
ومن ثم فإن الرواية تعمل على صناعة العالم الواقعي وتحويل مرجعياته باختلافها عن طريق الفاعلية الإدراكية المتمثلة في التخيّل والخيال والمقارنة بين الواقع المعاش وماتتغياه الروائية من البلوغ للرقي والرفاهة والحياة السعيدة البعيدة عن المنغصات والألام والوصايات المكذوبة الملعونة , وصولاً للحرية الإنسانية بمعانيها ومضامينها اللانهائية حيث حرية الإنسان وعزته وكرامته في فضاء من الحريات وصولاً للتحرر الإرادي الكامل بواسطة النساء بالأدب النسائي والرواية السائية عبر إبداعهن الفردي ووعيهن الفردي بإتساقاته مع الواقع والخيال ..
الفصل الرابع دور المخيال والخيال في بناء جمالية العوالم الأدبية
يميز "كانط" في نظريته الجمالية بين "الجميل" و"الجليل" : لقد اعتاد الناس العاديون، وربما المثقفون أيضا، على التمييز، أو لنقل الفصل التعسفي، بين الخيال وبين العقل وكأنهما مجرتان بعيدتان عن بعضهما البعض بملايين السنوات الضوئية، ولكن الدراسة تكشف لنا عما يناقض تماما هذا الزعم. فالخيال والمخيال الأدبي الروائي والواقع يعملان معاً بقوة دفع من إراة التغيير والكبت والضغوط الإجتماعية أو السياسية ويكون الخيال بمثابة :" قوة “تعمل على استثارة الرصيد الثقافي”، وعلى “استرجاع الحالة الشعورية التي انبعثت عن التجربة وصاحبتها”.. وزيادة على هذا فإن الخيال “يقوم بخلق نوع من العلاقات الخاصة بين الأشياء الخارجية وينتقي الأحداث، ويختار المواقف”، و”ينسقها” في صور جديدة، إلى جانب توفير “الأشكال الفنية، ويصبها في صور مترابطة ومنسجمة”. قبل عرض بعض الأفكار حول دور الخيال والمخيلة في الفكر والفنون أرى أنه ينبغي التذكير بأن الشاعر التونسي الشابي (1909-1934) كتب منذ عقود عديدة، وهو في ريعان شبابه، كتابه “الخيال الشعري عند العرب” الذي هو في الحقيقة مقارنة بين الخيال الشعري عند الشعراء العرب و بين الخيال عند الشعراء الغربيين . ولكن جهد الشاعر الشابي بقي يتيما حيث أنه لم يستكمل ويطوّر في النقد العربي المعاصر بدراسات متخصصة لها ركائز مؤسسة على علم جمال إنتاج المخيلة . وفضلا عن هذا فإننا لا نجد أعمالا فلسفية عربية معاصرة نسقية ومتكاملة مكرسة لبناء نظريات بخصوص دور المخيلة والخيال في الفن الشعري وفي جماليات المعمار، وفي كل المجالات الحيوية في مجتمعاتنا بما في ذلك التخيل الجمالي السياسي . ففي الفلسفة الغربية وكذلك الفلسفة الإسلامية القديمة هناك اهتمام كبير بدور الخيال والمخيلة في إنتاج المعرفة وفي بناء التجربة الشعرية. في هذا السياق نقدم في ما يلي بعض أفكار الفلاسفة والنقاد على النحو التالي: يعتبر إيمانويل كانط (1724-1804) أن المخيلة ليست ملكة مستقلة عن ملكات العقل الأخرى بل هي مكملة للملكات: الفاهمة، والحساسية والتخطيطية.
وهكذا فإن دور المخيلة ضمن إطار عمل العقل يتمثل في تعاونها مع الفاهمة لتأليف “المجتمع الحسي” وجعله موضوعا مفردا قابلا للتعيين المفهومي” حسب تحليل “كانط” وكما يوضح الباحث الفلاحي في رصده للتناقض بين الإمام الغزالي وبين “كانط” بخصوص مكانة المخيلة ضمن عمارة العقل البشري. كما نعرف فإن الأنا التي نفكر لا تفكر في العدم.. بل إنها تفكر في الرسوم الذهنية التي تقيمها الذات عبر المخيلة لأجل خلق وسائط بين المفاهيم القبلية وبين التمثيلات الحسية، كما يقول الباحث عبد الحق منصف في معرض دراسته لنظرية كانت في مفهوم وعمل العقل البشري الكوني بالمقارنة مع الإمام الغزالي.(38)
وهكذا ندرك أن ملكة الفهم عند الإنسان تعتمد على المخيلة في تعقل وإدراك وتصنيف ما تقدمه الحساسية الخارجية، وبذلك نفهم أن المخيلة تنتمي إلى مجال الحس الداخلي للإنسان، ودونها لا يمكن إنجاز، أو تحقيق المعرفة أو الإبداع الشعري والفني.
لا بدّ من التذكير هنا أن كانط يميز في نظريته الجمالية بين “الجميل” وبين “الجليل” أو الجلال كما يرصد علاقة كل واحد منهما بالمخيلة. وفي هذا السياق يوضح وفقا لشروح الباحث زكريا إبراهيم أن «المتعة التي يولدها لدينا “الجميل” نجدها قائمة على التوافق ألانسجامي بين المخيلة والفهم. أما في ما يخص جمالية الجليل في الإبداع الفني والشعري منه بالخصوص فلها وضع مختلف تماما حيث يوضح هذا الدارس أن الجليل أو«الجلال الحقيقي لا يكمن في الطبيعة، بل في الذهن. ونحن نطلق لفظ “الجليل” على ذلك الشيء الذي يبدو كل ماعداه بالنسبة إليه صغيرا أو ضئيلا. ولكن المحيط الهائل الذي تثور فيه العواصف ليس في حد ذاته “جليلا” وإنما هو بالنسبة إلينا مجرد مناسبة لتنشيط مخيلتنا، ودفعها إلى تصور اللامتناهي. (39) و.. "نظرا لمركزية الخيال والمخيلة في العملية الإبداعية والمعرفية نجد الشاعر والناقد الأنكليزي الشهير صمويل تايلور كولردج يولي أيضا أهمية جد حيوية لملكة المخيلة في الإبداع الشعري، الدارس العربي عدنان حسين قاسم خصّص مساحة مهمة في كتابه المذكور أعلاه، يبرز فيها النظرية الرومانتيكية قائلا بأن “الخيال الشعري يمكن أن يفعل فعله في المادة التي يجمعها. "
وووفقا لما يري عدنان حسين قاسم , في كتابه “الخيال التصويري” : "فإن الخيال حسب نظرية كولردج “ينقسم إلى نوعين: القسم الأول منه يقوم بوظيفة الإدراك والجمع، أما القسم الثاني فيقوم بوظيفة التحليل والنشر والتجزيء لكي يخلق من جديد”. أما الناقدة إليزابيث درو فترى أن مهمة المخيلة الشعرية تتمثل في “تنسيق الواقع وجزئياته في صور فنية جديدة”. ففي التراث الفلسفي الإسلامي نجد اهتماما بالمخيلة والخيال عند ابن سينا وعند ابن رشد والفارابي وغيرهم. فابن رشد على سبيل المثال يميز بين “قوة المخيلة وبين قوة الظن وبين الحس الخارجي الذي يتمثل في نشاط الحواس الخمس”. المخيلة تشتغل على المستوى الباطني، ولهذا السبب يخلص هيوم إلى استنتاج مفاده أن الخيال يؤثر في العواطف في هذا السياق يرى أن المخيلة “ليست مركبة من كلا الظن والحس”، وفي الوقت نفسه نجده يؤكد على الصلة بين الحس وبين التخيل. فالتخيل عند ابن رشد وحسب استنتاج الدارس ماجد فخري “لا يوجد منفصلا عن الحس، بينما قد يوجد الحس منفصلا عن التخيل في الحيوانات الدنيا”.
أما ابن سينا فله رأي مهمّ وطريف في الكيفية التي يدرك بها التخيل وذلك بعد تمييزه عن إدراك الوهم، وإدراك الحس وإدراك العقل. بعد القيام بهذا التمييز بين هذه الأركان الثلاثة فإننا نجده يبرز بوضوح أن إدراك الحس يكون عندما “يأخذ الحس الصورة عن المادة بحيث لا يحتاج في وجودها فيه إلى وجود المادة، وإن غابت أو بطلت فإن الصورة تكون ثابتة الوجود في الخيال، إلا أنها لا تكون مجردة من اللواحق المادية.
جهد الشابي بقي يتيما حيث أنه لم يطور في النقد العربي المعاصر بدراسات متخصصة كما نلاحظ أيضا أن ابن سينا يفصل الخيال عن العقل خلافا للفيلسوف الألماني “كانط”.. و مع ذلك فإنه يسلم بدوره الأساسي في إنتاج المعرفة المخالفة تماما لإدراكات الوهم لأن الوهم كما يقول ابن سينا لا يتعامل إلا مع “المعاني التي ليست هي في ذاتها مادية. (40 )
على ضوء ما تقدّم فإن المخيلة تشتغل على المستوى الباطني، وربما لهذا السبب : " يخلص الفيلسوف ديفيد هيوم (1711- 1776) في كتابه “في الطبيعة البشرية” إلى استنتاج مفاده أن الخيال يؤثر في العواطف، وأن الاثنين أي الخيال والعاطفة معا يتأثران بما يحدث لأيّ منهما، وذلك بسبب علاقة الوحدة الرابطة عن قرب بينهما.(41)
وهناك من يرص ويصف التخيل بأنه :"كل التخييل تخييل. كل التخييل يبزغ من وعي الكاتب الفرد، ولذلك يتخذ شكله بالطريقة التي يدركه فيها الوعي.(42)
المادة الأساسية للرواية هي الكلمات، فهي الوسيلة التي يبني بها كل وعي ويرتبه، وبها يغدو العالم الخصوصي مشتركا. الشكل الأساسي للتخييل هو أن يستخرج من اللغة الإمكانات التي يتخيلها الكاتب نحو أفضل تحقيق لقيمه قابل لن يشاركه فيه الآخرون. مهما كانت الطاقة السائدة في معظم التخييل، نظرته، حادثية (نسبة إلى الحادث)، أو ظاهريا لا شكل لها، فهي ليست تمثيلا للواقع بل تشكيل للتجربة المستخلصة..
نخلصُ هنا إلى الشرط الأول الذي يتبع علاقة التخيّل بالواقع ألا وهو "التجاوز"؛ حيث تبدأ الرواية من الواقع، ولكنها تنتهي إلى تجاوز معطياته لبناء معطيات جديدة لتفسر بالنظر إلى السياق النصي من جهة وعلى غايات المؤلف ووجهات نظره من جهة أخرى، هذا لأن " المتخيل يتجاوز الموجود ويتخطاه .. ولكنه يتمثل في كل لحظة المعنى الضمني للواقع. ولذلك إذا كان السلب – أو التجاوز – هو المبدأ اللامشروط لكل مخيلة، فإنها بالمقابل، لا يمكن أن تتحقق إلا في ومن خلال فعل تخيلي. إذ ينبغي أن نتخيل ما نتجاوزه"، وهكذا يتحقق التفاعل بين الواقعي والمتخيل داخل النصوص الروائية ؛ حيث تمنح قراءة النص للمتلقي الربط بين مستويين، الأول يتعلق بصورة المرجعي داخل الرواية كما يديرها المحكي والثانية بربط هذه الصورة مع عالمه الواقعي الذي يعيشه ويتواصل معه، ويمكنه بعدها أن يتعرف على الخلفيات والتغيرات التي طرأت عليها ويحاول إعادة تشكيل فهم لها وتأويلها.(43)
الفصل الخامس تاريخانية الأدب النسائي وغياب الأدب السردي علي حساب الروائي الرواية والسيرة الذاتية تتماثلان في الكثير من الوجوه والوجود والروابط الأدبية والنفسية والتشكلات الإجتماعية والنفسية , ولذلك إرتبك تاريخ الأدب النسائي بتاريخ الرواية حضوراً وغياباً , وجوداً وعدماً , لأن الرواية بمثابة إعلان عن الذات أو الأنا أو الـــــ نحن , في حين أن الرواية السردية أو السيرة الذاتية النسائية تكاد تكون منعدمة في الأدب النسائي , لأنها مرتبطة بأعمال باطنية سرية يحرمها المجتمع ويحرم الكشف عغنها والبوح بها ..
ومن ثم فقد :"أدى التطور الفني للسيرة الذاتية إلى ارتباطها بالرواية التي لم تنشأ من العدم، و إنما نشأت في محض التجارب الذاتية؛ حيث يستعيد الكاتب تجربته الشخصية ويمزجها بالجانب التخيلي فيصوُغها صوغا فنيا يتناسب مع متطلبات السرد، لينشأ نوعا جديدا سمي رواية السيرة الذاتية.وعادة ما يكون هذا النوع الجديد أول ما يستفتح به الكاتب مشواره الروائي، ليكون له عونا على انفتاح قريحته في الكتابة.. وقد وجد فيها الكتاب العرب عموما والجزائريون خصوصا ملاذا لبداية مشوارهم الفني، حيث غذت ( الرواية الجزائرية في معظمها، إن لم تكن كلها روايات مادتها الأساسية سيرة الكاتب الذاتية في صورة واقع يتم الانفصال عنه تدريجيا و التحليق في عالم الخيال الأرحب، ثم العودة إلى هذا الواقع ثانيا للانفصال عنه مرة أخرىو هكذا ) ، ومن بين الروائيين الجزائريين الذين وظفوا سيرهم الذاتية في كتاباتهم مرزاق بقطاش في (طيور في الظهيرة) و ( البزاة ) – وهما جزءان لرواية واحدة – تبعا للمقولة القائلة بأن : " معظم الروايات الأولى هي سير ذاتية "، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ثنائية بقطاش الروائية سيرة ذاتية؟ وهل استوفت شروط السيرة الذاتية؟ وإلى أي مدى تتطابق مع الواقع؟ وما موقف السارد ورد فعل المتلقي؟ وبصيغة أخرى: هل أثر مرزاق في المتلقي وحمله على تصديق أقواله، وبالمقابل هل تفطن القارئ لمناورات الروائي أم وقع ضحيته، فكذب ما هو حقيقي وصدق ما هو وهمي؟.(45)
وحسب المعيار التاريخي الزمني , فقد :" خضعت الحياة الأدبية مع توالي الحقب الزمنية لاعتبارات نقدية صنفت أدبها إلى أدب جيد و أدب رديء، وما يحكم هذه الاعتبارات غالبا معيار الأدبية، لذا يستخف الناقد بكل نص لا يحققها، ويضعه خارج الأدب الاحترافي. وتعد الكتابة عن الذات إحدى الأنواع التي لاقت إهمالا وتجاهلا واحتقارا، لأنها تكتب لإثارة القارئ وإمتاعه بمغامرات وحكايات و أحداث من صلب الواقع، ولا تتضمن أي بعد استيتيكي ( جمالي ) -كما لو أنها عديمة النص أو اللانص أو نص مُفرغ-، لدُنو مستواها الأدبي إلى جانب صعوبة تحديد جنسها ومنزلتها الأدبية، لأنها أدب العامة.. فالكتابة عن الذات ديمقراطية، كل إنسان يجرأ عليها وله القدرة على البوح بما تستضمره هويته من حقائق وأسرار واستيهامات فهي له، سواء كان سياسيا أو اقتصاديا، محاميا أو أديبا، مغمورا أو مشهورا. والكتابة عن الذات أنواع تتداخل فيما بينها، لا يستطيع الناقد تمييزها أو تصنيفها. لكن أهم ما يجمعها هو الصدق الفني، والرغبة التي تنمو في الذات الكاتبة وتحث صاحبها على تدوين وفضح المعاناة من شتى ضروب الحيف والتعسف والتهميش التي وصلت إلى أقصاها وفاضت بها نفسه، لتأمر القلم بالقول بما لم يستطع اللسان البوح به في مسودات ربما تُعرف ذات يوم وتنشر ويذاع صيتها، و يصبح قائلها بعد ذلك معروفا لدى القارئ، حتى وإن كانت نيته عند الكتابة عن خلجات ومكنونات نفسه و أسرارها، تحقيق نوعا من الارتياح بعد ذلك الاستفراغ النفسي أو الاستفراغ المكبوتاتي.. فالشهرة تأتي من قصد أو بدون قصد، غير أن مثل هذه النصوص أو الأنواع ظلت خجولة مهمشة بعيدة عن الساحة الأدبية، خربشات عرفت طريقها إلى إحدى هذه الأنواع الذاتية: اليوميات( journal intime )، المذكرات(mémoires)،الاعترافات(confessions)، التراجم (traductions)، السيرة(Biographie)...،بدأت تحظى السيرة بالاهتمام في الدراسات الغربية، خاصة و أن الدراسات في خضم الثقافة المعاصرة أصبحت تهتم بالفنون المركزية.. فيما يعرف بالأدب الهامشي أو الموازي (para littérature)، وهذا يعني إعادةالاعتبار لما يكتبه المرء عن ذاته، كما أبرزت إمكانات تشخيص التجربة الذاتية من زوايا وخلفيات متنوعة، وللكتابة عن الذات أسماء أخرى منها: الأدب الشخصي (littérature personnelle) أو الكتابة عن الأنا (écriture du moi) أو الأشكال السيرية (formes biographiques).. (46 )
ولقد :"لاقت السيرة الذاتية - كما ذكرنا سابقا – النصيب الأكبر من الرعاية الأدبية والنقدية، لتصبح في مرحلة متأخرة جنسا قائما بذاته، اتجهت نحوه الأقلام الأدبية الغربية و أبدعت فيها ومزجتها مع أجناس أخرى، ثم انتقل الاهتمام إلى الساحة الأدبية العربية بعد التأثر و الإعجاب بهذا الجنس الجديد الفاضح لعيوب الذات والمُعري لحقيقة الإنسان،غير أن الكتاب العرب.. و بحكم التقاليد العربية التي تميل إلى التكتم والتستر والطابوهات التي تحكم المجتمع العربي، آلت دون الانغماس في هذا النوع، والكتابة فيه بكل جرأة وصدق دون الأخذ بالاعتبار لأي سلطة انطلاقا من سلطة النفس ذاتها، واكتفت الأقلام العربية أو الراوي العربي بتدوين سيرته الفكرية ومشواره العلمي منذ عهد الطفولة إلى وقت كتابته، مرورا بمراحل حياته والصعوبات والعراقيل التي واجهته لتحقيق ما وصل إليه الآن، خاصة الظروف الاجتماعية.. ولعل أول من استوفى جميع عناصرها الفنية في الأدب العربي الحديث طه حسين في كتابه ( الأيام ) (1926)، لتتوالى بعده النصوص معجبة ومتأثرة ومقلدة له مثل: ( أنا )لعباس محمود العقاد، ( حياتي ) لأحمد أمين، ( سبعون ) لميخائيل نعيمة. (47)
إنها نصوص تأسيسية، تمهيدية لهذا النوع، انفجرت فيما بعد بطريقة مغايرة و أسلوب مختلف عن تلك السير الفكرية القديمة – كما أسميها – إلى سير موازيةلنظيرتها الغربية، فظهر كتاب قادهم تيار هذا الجنس الجديد وشروطه اللادغة إلى بعيد، فكسروا الحواجز، وحطموا قيما عربية ضاربة في القدم متجذرة في أصالتها المتينة القُحة، في سبيل الاستيفاء بشروط السيرة الذاتية وتحقيق مطالبها في الكشف والفضح والمصارحة.. ليعد محمد شكري في (الخبز الحافي )– في نظري – أول من كتب سيرة ذاتية بحق، واجه الطابوهات والمسكوت عنه، وتجاوزها أو تحداها ليكتببكل صدق وعفوية، بكل جرأة ولا مبالاة، قصة حياته بجُلَ فضائحها و معاناتها معاناة الفقر والجوع، ومعاناة سلطة الأب القاهرة التي جعلت منه إنسانا متوحشا فكريا، قاهرا للحياة ومآسيها ولأبوة متمردة أفرغها في أوراق بلغة بديئة همجية، لكنها تعبر بصدق عن محمد شكري الحقيقي المهمش، مدمن الحانات، كثير النزوات، لتدفعه روايته إلى الشهرة والبروز بعد تحد كبير، لكنه واجه عيونا لادغة نهشته من كل جانب، لكن تظل هناك عيونا معجبة بجرأته وقوته التي لم يستطع غيره فعلها، إنه – بحق – بغض النظر عن ألفاظه البديئة يعد أول من كتب سيرة ذاتية بما هي معروفة عليه عند الغرب وبكل خصائصها.(48)
لم نعرف في الثقافة العربية كتابا عن السيرة قبل كتاب إحسان عباس ( فن السيرة ) 1956 ولم يول اهتمام يذكر بهذا النوع الأدبي إلا ما جاء في الفصل الذي خصصه عبد الرحمن بدوي للسيرة الذاتية في كتابه ( الموت والعبقرية) 1945، إلا أن إحسان عباس يعد أول ناقد عربي يقف على أصول هذا الفن وقواعده وعن جذوره في التراث العربي والغربي، فكتابه كتاب تأسيسي له مقدرة فذة وبصيرة نافذة قدَم من خلالها جملة من النظرات النقدية والتأملات الفلسفية العميقة التي جعلت منه عملا نقديا مهما وحافلا بالأفكار الجديدة رغم قدمه.. ففي تعريفه لهذا النوع قال بأنه: ( تجربة ذاتية لفرد من الأفراد، فإذا ما بلغت هذه التجربة دور النضج و أصبحت في نفس صاحبها نوعا من القلق الفني فإنه لا بد أن يكتبها ) ، فهذا الوعي النقدي لا يقل أهمية عن الكتب النقدية الغربية التي اهتمت بهذا الفن.(49)
الفصل السادس تاريخ الرواية النسائية العربية
يسرد إسماعيل الملحم حال عرضه لمؤلف الدكتورة بثينة شعبان , حول دراستها الهامة المعنونة : (100 عام من الرواية النسائية العربية- 1999 حيث تطرح الدراسة بجرأة موضوعية إشكالية الأدب النسائي العربي وتدين تهميش دور المرأة في ريادة الفن الروائي العربي. وتؤرخ الدراسة، كما يقول -محيي الدين صبحي- للوعي النسائي العربي بالفن والمجتمع.
وعبر فصول الكتاب كافة تتحدث الباحثة عن (الرواية النسائية العربية خلال قرن كامل عبر فرش اقتصادي اجتماعي سياسي نضالي تحرري) (محيي الدين صبحي في مقدمة للكتاب) من الخرافة القول إن المرأة خلقت للإنجاب والأعمال المنزلية فقط.
هل تدرج المشكلة في باب المنافسة بين الرجل والمرأة على أي منهما كانت له ريادة هذا الجنس الأدبي أو ذاك؟ وهل الكتاب استمرار في نهج التأريخ لما عرف بالشعر الحديث أهي نازك الملائكة رائدة هذا النمط الشعري؟ أم أنه السياب أو غيره من الشعراء الرجال؟
فالدكتورة بثينة شعبان وجسب مايذهب إسماعيل الملحم يري أنها :"تقوم بقراءة شاملة، أو أنها تجري مسحاً شاملاً واسعاً تضعه على مائدة المتلقي عبر عرضها لروايات كتبتها نساء عربيات من مشرق الوطن العربي ومغربه.. منذ السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر (رواية حسن العواقب أو غادة الزهراء لزينب فواز 1899) وبدايات القرن العشرين (قلب الرجل) للبيبة هاشم 1904، حسناء سالونيك للبيبة ميخائيل صوايا 1904 حيث تجد فيها الباحثة الحقيقة التي لا لبس فيها أن النساء العربيات قد أسسن للرواية العربية قبل أي رجل. وذلك من خلال أن المرأة قادرة على السرد وأن شخصيتها ووظائف الأمومة لديها مساعدان على هذه الوظيفة. وصورة الجدّة ليست صورة غريبة على أحد ولعلها إحدى تجليات قدرة المرأة على السرد.
وفي إجابة غير مباشرة على أولئك الذين يستنكرون تصنيف النتاج الأدبي إلى أدب نسائي وآخر ذكوري تقول الباحثة : " إن الرجال والنساء يكتبون بشكل مختلف لأنهم مخلوقات تحمل تجارب تاريخية ونفسية واجتماعية وثقافية مختلفة. وأن رفض بعض الأديبات (لطيفة الزيات..) مصطلح الأدب النسائي لأنه برأيهن ينتقص من اهتمامات النساء قد ساعد على تثبيت الفكرة القائلة: إن وصف أدب ما بذلك هو من الأمور المهينة، أو أنه يبقي الأعمال النسائية في الدرجة الثانية.. وتصر الباحثة في مواضع مختلفة من الكتاب على كون كل من الجنسين يكتب بطريقة مختلفة عن الجنس الآخر. وأن هذا الرأي ليس بدعاً، فقد سبق إليه كل من (فيرجينيا وولف) و(سيمون دوبوفوار) وسواهما..
وتلتقي الباحثة مع الكاتبات الغربيات (وولف، دوبوفوار، وديل سبيندر) في أن الأدب النسوي تعرض خلال التاريخ إلى الإهمال والتهميش. وتضيف أن تاريخ الأدب العربي أيضاً يفصح عن هذا الأمر عبر مراحله المختلفة، بل يكاد الإهمال والتهميش أن يكون السمة البارزة فيه.. فمعظم الشعر العربي الذي أبدعته شاعرات عربيات إما أنه لم يسجّل أو أنه ضاع بعد تسجيله مع أن ما وصلنا منه يشير بجلاء إلى اتساع المساحة التي ارتادتها الشاعرات في معالجة قضايا الحرب والسلم والعدالة وتوزيع الثروة.. كما أن شعرهن اتصف بشجاعة وجرأة قد لا تمتلك مثلهما الأديبة المعاصرة بخاصة في مجال العشق والحب ومطارحة الغرام (مثال ليلى الأخيلية).(50)
وفي العودة إلى الفن الروائي تثبتالدكتورة بثينة شعبان في أكثر من موضع :" أسبقية النساء في فعل القص. فالنساء هنّ القاصات الأول في تاريخنا.. ومن ينسى منا شهرزاد راوية (قصص ألف ليلة وليلة) وبطلتها. لكن الأدب النسوي أهمل حين تم تدوين التراث الشفوي ..
وإن ما يقال عن أن رواية (أروى بنت الخطوب 1949) لوداد سكاكيني هي الرواية النسوية الأولى في تاريخ فن الرواية العربية فإن فيه الكثير من التجاهل أو الجهل فقد ظهرت روايات بأقلام نساء عربيات عديدة قبل ذلك التاريخ رواية (حسن العواقب) صدرت في بيروت عام 1899 وبعد ذلك تعاقب صدور الروايات النسائية. أي أن حسن العواقب قد سبقت (زينب) لمحمد حسين هيكل بخمسة عشر عاماً.
ولا تكتفي الباحثة في عرض روايات لجيل الرائدات (زينب فواز، عفيفة كرم، لبيبة هاشم، فريدة عطايا..) ولكنها تتابع الرحلة مع تطور فن الرواية العربية النسائية مرحلة مرحلة ولا تبخل في عرض العديد من هذا النتاج الروائي. وتتوقف الباحثة عند ما تراه نكسة عظيمة تعرضت لها مكانة المرأة في العقود الثلاثة التي سبقت منتصف القرن العشرين بسبب من ظهور نزعات تسلحت بالقومية الاشتراكية (النازية)، ومن ما أثير في الاتحاد السوفييتي من آمال في تحطم الآمال من نظام المجتمع الأبوي ومما عانته الحركات التحررية في أمريكا من تغلغل الأفكار الفرويدية التي رأت فيها الباحثة خدمة للمواقف الرجعية من قضية المرأة بعامة. لكن هذه الفترة بالنسبة للوضع العربي كانت مختلفة فقد لعبت النساء دوراً هاماً في حركات التحرر من الانتداب وقد تأسس الاتحاد النسائي العربي عام 1928 أي قبل إنشاء جامعة الدول العربية بحوالي العشرين عاماً. واستمر النشاط النسائي متفاعلاً مع الأحداث معبراً عن آمال التحرر والوحدة والتقدم..(51 )
وقد برز ذلك في الروايات النسائية التي لم تكن متشابهة مع ما أصدره الرجال بل عبرت عن فرص متكافئة معهم وأصبحت أصواتهن - أي النساء- تسمع بشكل أفضل. وهو ما تقرأه الباحثة في رواية (أسرار وصيفة مصرية) لزينب محمد وفي (الرهينة) لأميلي نصر الله مروراً بـ (أروى بنت الخطوب) و(جريمة رجل) لصبرية محمد و(الرجل هو الجاني ) و(الحجاب المهتوك) لهند سلامه و(الحب والوحل) لأنعام مسالمة. وتتوقف الباحثة بدهشة إلى موقف النقاد من الرواية النسائية في تلك الفترة وما تلاها وتتوقف عند نقد (حسام الخطيب) لرواية (في الليل) لهيام نويلاتي، وهو الموقف الذي أثر في جيل من طلبة وطالبات كلية الآداب بدمشق ممن تتلمذوا على يديه. وتفتتح الكاتبة بعرض رواية (الجامحة) للمصرية (أمينة السعيد) مبينة أوجه الاختلاف بينها وبين روايتي (أنا أحيا) لليل بعلبكي، و(أيام معه) لكوليت خوري. وتعرض لما تعرضت له بعلبكي من هجوم ونقد أفصحت عنه الأخيرة في مقدمة روايتها التالية (الآلهة الممسوخة) وتكشف كل من كوليت وليلى عالم المرأة بتفاصيله الدقيقة وأبعاده الواسعة وهو ما تابعته سعاد زهير في (اعترافات امرأة مسترجلة). القاسم المشترك في روايات هذه المرحلة هو إبراز القضايا الرئيسية التي تشغل بال النساء العربيات.
ويغطي الكتاب الفترة من 1960 إلى 1967 حيث يبرز الكتاب خطل من يرى أن الروايات النسائية لا تركز إلا على الحب والأسرة والأطفال. فمع مشروعية هذه المواضيع وأهميتها بالنسبة للمرأة وهي الخبيرة والفاعلة في هذا المجال.. إلا أن روايات هذه الفترة كانت سياسية أكثر منها اجتماعية وهذا ما تصل إليه الباحثة من خلال قراءتها لروايات: لطيفة الزيات، ليلى اليافي، منى جبور، كوليت خوري، حياة بيطار، ماجدة العطار، وإميلي نصر الله .. إنهن -كل على طريقتها- يحللن الواقع ويقومنه من نواحيه الاجتماعية والسياسية ويستحضرن رؤيا جديدة تضع الأسس من أجل إعتاق كل من الرجال والنساء ومن أجل البقاء السياسي والازدهار المستقبلي للأمة العربية بكاملها.(52)
لقد استغرقت الروائيات العربيات عميقاً في المصير الوطني والقومي وساهمن في كشف عيوب المجتمع، إنهن كن مساهمات في أدب الحرب ونسجن نسيجاً واسعاً من العلاقات يلعب فيها حدوث الحرب دوراً واسعاً، بينما انصرف الرجال للحديث عن خطر الجبهة وساحة الوغى. وهذا ما وجدته الباحثة في قراءة (دمشق يا بسمة الحزن) لالفت الإدلبي (عصافير الفجر) لليلى عسيران (الدوامة) لقمر كيلاني (وداع مع الأصيل) لفتحية محمود المانع (تشرق غرباً) لليلى الأطرش (سأمر على الأحزان) لبلقيس حوماني (ليلة المليار) لغادة السمان و.. في قراءتها لروايات حميده نعنع، حنان الشيخ، هدى بركات، أحلام مستغانمي ترى أن مرحلة جديدة قد بدأت في تاريخ الرواية العربية التي كتبتها النساء. صار لهذه الروايات قراء أكثر عدداً في الوطن العربي وفي خارجه من خلال ترجمة العديد منها إلى الانكليزية بخاصة. وحققت هذه الرواية قفزة هامة تمثلت في عمق تفهمها للأوضاع السياسية وفي النهج الذي يستند إلى مقولة أن ما هو شخصي هو سياسي في النهاية.
كما اتضح هذا التطور الكبير في التقنيات التي اتبعتها الروائيات وهي مختلفة عندهن عن ما هو لدى الرجال، حيث امتزج الاهتمام بتحرير المرأة مع الهم الوطني وهو ما يشير بوضوح وجلاء إلى أن المرأة لم تعد ترضى بالعيش على هامش الأحداث في أكثر أوقات الاضطراب في الحياة العربية. انخرطت المرأة في مصير البلاد وفي التفاصيل الدقيقة كمعركتها ضد التمييز والقمع وهذا كله أتى تحت عنوان (تجليات) لتنتقل الباحثة إلى فصل جديد جعلت عنوانه (سيدات المهنة)، بثقة لا لبس فيها انخرطت المرأة الأديبة والكاتبة في العمل السياسي تنقب في الماضي وتطرح رؤاها عن المستقبل العربي.. وهو ما فعلته كل من : الفت الإدلبي (سورية) ليلى أبو زيد (المغرب) أحلام مستغانمي (الجزائر) عالية ممدوح وسميرة المانع وهادية سعيد (العراق) عروسية النالوتي (تونس) رضوى عاشور ونوال السعداوي (مصر) إلى ليل العثمان (الكويت). فتحن الأبواب المحرمة في الميدان السياسي والاجتماعي، وكشفن الأقنعة وفضحن مظاهر الخوف (الخوف الذي يطارد الناس، الخوف من الحكم، الخوف من المخبر، الخوف من حكم الإعدام) هذا الخوف الذي لا يُعرف له مسوغ.(52)
ثبتت الأقلام النسائية أقدامها بجرأة وجدارة فأصبحت روايات: سلوى بكر، نجوى بركات، سمر خليفة موضع اهتمام النقاد وموضع نقاش على مساحة الساحة الأدبية العربية وقد حصد بعض أولئك جوائز أدبية هامة.
فإذا قررت الباحثة منذ البداية أن زينب فواز كانت أول من خط الرواية في الأدب العربي وقد أهملها النقاد طويلاً فإن سحر خليفة قد حضرت بقوة إلى ساحة النقد ولم يعد بإمكان أي ناقد جاد أن يتجاهل الرواية النسائية بخاصة روايات (سحر خليفة). فمن يتجاهل بعد الآن (الميراث) و(الصبار) و(عباد الشمس) وقد تعدّت شهرة هذه الروايات حدود الوطن العربي لتترجم إلى لغات عدة. فقد أثبتت خليفة أنها روائية لها قضية وهي كاتبة جادة وملتزمة أتقنت فن الرواية وامتلكت ناصية اللغة.. وهي مع الوقت تزداد كتابتها شاعرية وألقاً بخاصة في : (مذكرات امرأة غير عادية -1986).
وتتساءل الدكتورة بثينة شعبان , وتطرح تساؤلاً خطيراً هو الأساس النظري والفعلي في الواقع العربي بكافة أتراحه وأفراحه لتصيغ السؤال مرة أخرى: "هل استطاعت المرأة العربية حسم الصراع بينها كذات وبين المجتمع؟ وتجيب من خلال قراءة سحر خليفة مجدداً ما زالت الفتاة العربية تعيش أزمة هوية وهنا يكمن جوهر رواية (سحر) رواية المقاومة مقاومة المرأة لواقع ورثته دون أن ترتضيه لنفسها أو تستكين له، لكنها لا تزال لا تستطيع أن تتجاوزه.
في رواية (باب الساحة- 1990) تقدم سحر كاشفة عن دور المرأة في الانتفاضة والمقاومة. إنها العمود الفقري للمواجهة فما زالت المرأة تخاف من نتاج حملها (صبي أم بنت) وهي التي تظهر الصلابة ولا تبخل في التضحية في مواجهة العدو .. فهي تدعو إلى صوغ صورة جديدة للمرأة. وفي (الميراث) الرواية العربية الوحيدة التي ناقشت بجرأة وواقعية والتزام وشعور أكيد بالانتماء وإيمان كامل بالمصير العربي وبمستقبل الأمة [إن (الميراث) كابوس يحل على القارئ العربي الوطني فيشعر بالإحباط والقلق والغضب أيضاً. كما تري أن :" (نجوى بركات) تعد بميلاد موهبة روائية جديدة ذات شأن على مستقبل الرواية العربية وذلك من خلال قراءة كل من روايتي (باص الأوادم) و(يا سلام) ولا تغفل الباحثة في هذا الفصل عن الإشارة إلى ما أحدثته راويات أخريات في تطور الرواية النسوية وذلك في عرضها لرواية (العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء) لسلوى بكر ورواية (فوضى الحواس) وهي الجزء الثاني من (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي. وكذلك تعرض لرواية (الباذنجانة الزرقاء) لميرال الطحاوي ولرواية (حوار بلا كلمات) لليلى عسيران. لقد قدمت الباحثة د. بثينة شعبان من خلال هذا الكتاب معلومات غنية وتحليلات ذات قيمة عالية أثرت المكتبة العربية. وسيكون كتابها هذا بلا شك مرجعاً لا غنى عنه لكل من سيبحث مستقبلاً في تاريخ الفن الروائي العربي بعامة وفن الرواية كما ظهر على أيدي كاتبات عربيات.. ويقدم هذا الكتاب ببلوغرافيا شاملة عن الروايات التي خطتها أقلام النساء العربيات. ولا يستطيع المتلقي إلا أن يشيد بالجهد المبذول وبالمسح الشامل الأفقي والعامودي لهذا الفن الأدبي وهو جهد كريم يفصح عن سعة في إطلاع الباحثة وفي امتلاكها ناصية البحث لما أبرزه هذا الكتاب عما صرفته من الوقت والعمل والتنقيب الذي لا يبذله إلا كل باحث صبور دؤوب وعالم نزيه.
وفي تفاؤل رائع بالمستقبل النسائي في الفن والثقافة و الأدب والرواية يصهل صوتها ويغرد ويعلن عن التفاؤل عبر قولها: " إن المرأة التي نقلت حرفة النسيج من جيل إلى جيل هي ومنذ شهرزاد ملكة القص والحكاية".(53)
و يري إسماعيل الملحم كذلك بأنه : "لربما كان للقص والحكاية عند العرب رائدات أخريات سبقن شهرزاد خلال الحقب الأبعد من تاريخنا الموغل في القدم".
الفصل السابع الأدب النسائي الروائي المصري توجه أحد الباحثين إلي البحث في الأدب النسائي المصري عبر الإشارة إلي :"خمسة، و عشرين نصا روائيا لثلاث عشرة كاتبة مصرية، يمثلن اتجاهات متباينة في الكتابة النسائية ..
فثمة كتابة تؤكد التمرد، والسؤال المتجدد للهوية؛ مثل نتاج لطيفة الزيات، وأخرى تنحاز للأفكار النسوية؛ مثل نتاج نوال السعداوي، وميرال الطحاوي، وسحر الموجي، وسلوى بكر، ونعمات البحيري، وأخرى تتجه للتأويل التاريخي، والتواصل الحضاري بين الأنا، والآخر؛ مثل نتاج رضوى عاشور، وأهداف سويف، ونجوى شعبان. وذهب الباحث إلي أن : " الرواية النسائية التي تشكل مادة بحثه هي الرواية التي تكتبها المرأة المصرية، ويرى أنه رغم اهتمام بعض النصوص المعروفة في الأدب العالمي، أو العربي بالمرأة ؛ مثل "نساء طروادة" ليوريبيدس، و"العذراء والغجري" ل د.ه لورنس، و"بيت الدمية" لإبسن، و "دعاء الكروان" لطه حسين، و"ليلة القدر" للطاهر بن جلون، وغيرها، فإن اختيار رواية المرأة نفسها يؤكد أننا أمام وعي أنثوي يقدم تجربة لا تقتصر على روح التعاطف، والتوحد التي يقدمها الرجل للشخصيات النسائية – رغم أهميتها الكبيرة وريادتها – ولكنها تعبر عن روح المغايرة في وعي الكاتبة، وأخيلتها، وعوالم شخصياتها الداخلية .
وعرض للمنهجين النقديين اللذين استخدمهما في الدراسة؛ وهما "النقد الموضوعاتي"، و"رؤية العالم"، وقد جمع الباحث بينهما؛ لحل إشكالية الجمع بين كل من الكشف عن البصمة الإبداعية الخاصة بوعي المبدعة من جهة، ودرجة تجانس رؤيتها الاجتماعية مع الكاتبات الأخريات؛ فالنقد الموضوعاتي يقوم على حصد التيمات المميزة لكل مبدعة على حدة من جهة، وتحديد التيمات الأكثر حضورا في الرواية النسائية – بوجه عام – من جهة أخرى .. ولأن النقد الموضوعاتي قد ارتبط – في بعض توجهاته – بمدلول الأنيما؛ وهي الطاقة الأنثوية العامة المولدة لأحلام اليقظة طبقا لباشلار، فقد كان من أنسب المناهج النقدية في الكشف عن الخصوصية الخيالية المميزة لأدب المرأة. أما رؤية العالم كما هي عند لوسيان جولدمان، فهي تحدد ما إذا كانت الرواية النسائية المصرية قد مثلت فئة اجتماعية معينة ذات تصور فكري يرتبط بتطور المجتمع، وتراتبية فئاته، وطبقاته المختلفة في الفترة المشار إليها ". (54) وعن مجموعة من أشار الباحث إلى مجموعة من الدراسات التي سبقته في بحث الرواية النسائية المصرية؛ مثل :" دراسات جورج طرابيشي، والدكتورة شيرين أبو النجا، والدكتورة سوسن ناجي. ويحسب لدراسات طرابيشي اهتمامها المبكر بدراسة النوع في الرواية العربية..
أما الدكتورة شيرين أبو النجا فقد جاء نقدها للنوع أقرب للمفاهيم النسوية الأمريكية، ويحسب للدكتورة سوسن ناجي الاهتمام بأدب المرأة في مصر، وإن اختلفت عن هذا البحث في الفترة المدروسة، والتوجه النقدي. ومن أهم الدراسات السابقة للمناهج النقدية ما كتبه د. سعيد علوش في مجال النقد الموضوعاتي، والطاهر لبيب في رؤية العالم، دون أن يتناول كل منهما موضوع الرواية النسائية.. وقد تحدث عن أهم النتائج التي توصل إليها من دراسته النقدية التطبيقية للرواية النسائية المصرية؛ وهي: أولا: يكشف التحليل الموضوعاتي عن الاختلاف داخل الاتجاه الفكري الواحد، أو استخدام التيمة الفنية نفسها لدى أكثر من مبدعة؛ فكل من نوال السعداوي، وميرال الطحاوي، وسحر الموجي تكتب ضمن اتجاه نسوي، ولكن نوال السعداوي تبحث عن الجذور الأنثوية في الذات، والتراث الحضاري.. بينما ترصد ميرال الطحاوي الممارسات الذكورية في ثقافة المجموع، بما تحويه من نماذج للمرأة التقليدية المتسلطة، كما تعيد قراءة شخصيات المجتمع البدوي بوعي أنثوي، وشاعرية جديدة.. أما سحر الموجي فترتكز على تطوير الذات النسبية شعريا من خلال الوعي المبدع للبطلة. ثانيا: من أبرز التيمات الصاعدة، أو المشتركة بين الروائيات المصريات؛ نقد القيم الأبوية، وتجديد الهوية الثقافية، وتأويل التاريخ، وبطولة الشخصية النسائية، وتداخل الأزمنة، وشاعرية النص السردي. وتعكس هذه التيمات اهتمام الروائيات بالهوية الجديدة للمرأة المبدعة، وكذلك الاهتمام بالبنى الثقافية للمجتمع، وإمكانية تجددها. ثالثا: تقوم رؤية العالم في الرواية النسائية المصرية على الانحياز للموجة النسوية الثانية في الغرب، وكذلك تبني رؤى التمرد لدى اليسار الجديد في المجتمع ما بعد الصناعي بقدر تأثر الشروط المنتجة لها بالسياق العالمي، وعززت – من خلال الوعي الممكن للطبقة – من الفاعلية التعديلية للنص في تفاعلها مع الأبنية الاجتماعية السائدة، وتأسيسها لتوسيع دائرة اللغة الأنثوية في المسافة التداخلية بين النص، والواقع من جهة، وبناء فاعلية مجازية للطبقة تقوم على الاستقلالية الفردية، والحلم بالعدالة في آن". (55)
ماينقص الواقع الروائي للمرأة
فحسبما يري الدكتور حسن البنا عز الدين حال مراجعته لموضوع الرواية النسائية وما يتعلق بها من القضايا الفنية، والمنهجية , فكانت له ملاحظات عن الأمور التي غابت عن واقع الدراسة , ويتوجب علي الأديبات والروائيات أن تأخذ بهذه الملاحظات في المستقبل الأدبي والروائي , أولا: أسلوب الباحث يتميز بالإيجاز، والتكثيف بحيث لا يوجد فائض للمعنى. ثالثا: التعامل المباشر مع النصوص، دون الدخول في تفاصيل النظريات النقدية.: ويري الدكتور حسن البنا عز الدين عدة ملاحظات يوجزها في الأتي : أولا: ضرورة ذكر رؤية العالم في العنوان الرئيسي للدراسة ثانيا: أهمية وضع رابط علمي مضاف للزاوية المنهجية بين فصول المبحث الأول؛ مثل درجة التشابه، والاختلاف بين أجيال الكتابة النسائية. ثالثا: مناقشة بعض المشكلات المنهجية المتعلقة بأصول النقد الموضوعاتي. رابعا: أهمية توسيع الحديث عن تيمة شاعرية لغة السرد؛ وعدم تكرارها وقد وضع الدكتور حسن البنا بعض المقاطع النقدية في البحث في البؤرة مثل المقطع الذي يتناول فيه الباحث رواية الخباء لميرال الطحاوي؛ فالباحث محمد سمير عبد السلام يرى أن علامة الشجرة تشكل ارتباطا بين نقد الأبوية عند ميرال، وأصولها التراثية، والأسطورية في الغصن الذهبي لجيمس فريزر؛ إذ شكلت مركزا أنثويا بديلا عن التصور الأبوي. وعقب بحديث نقدي عن الشجرة، ومغزاها، وارتباطها بملك الغابة في كتاب فريزر، ورمزيتها في الثقافات القديمة.. وعقب الدكتور مراد عبد الرحمن مبروك، و ارتكز حديثه على لغة الباحث النقدية، وبعض القضايا النقدية المتعلقة بفن الرواية مثل تيار الوعي، والتأثر بالأسطورة، وبعض إشكاليات النوع، واختلاف كتابة المرأة عن الرجل، وقضايا منهجية أخرى . (56)
والملاحظ أن السيرة الذاتية كعمل روائي نسائي برمزياته المتعددة في الواقع والخيال , مازال غائباً عن الساحة الأدبية النسائية في العالم العربي , ووجوده يكاد يكون من الندرة بمكان , وهذه الكتابة نتمني أن يكون لها مستع في العمل الروائي النسائي , لما قد تثمر به الواقع وتثري الفنون والأداب , وتكون نبراساً مضيئاً للتعرف علي أخطاء أو خطايا الإنسان بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة , خاصة وأن الرواية السردية , تعتبر بمثابة بوح مفتوح بين الذات والأنا والروح .. وعلاقة الجسد بالذات والخارج عن الذات من عوالم أخري . ولذلك فإن : "تمثل الكتابة الذاتية إحدى ابرز الانتاجات الخطابية المتميزة لتكريس ثقافة تواصلية فاعلة ومثمرة بطريقة مبنية على المكاشفة والمصارحة ، تضمنت أشكال مختلفة وأنواع متعددة. لكن تعد السيرة الذاتية أشهرها.. حيث لاقت اهتماما أدبيا غربيا حتى أصبحت جنسا قائما بذاته له معاييره وشروطه الفنية، لتتداوله الأقلام العربية فيما بعد، بعد تأثرها بالمنجزات الغربية. وكانت بدايتها خجولة إلى أن تم مزجها بالرواية ليجتمع الواقع والمتخيل في قالب جديد سمي برواية السيرة الذاتية" . (57 )
الفصل الثامن سيميائية الجسد والرواية العربية
مازالت هناك علاقة قائمة مرتبطة الصلة بكينونة الإنسان وذاته وروح , وجسده , الذي يحمل الروح والنفس ويعبر عن الذات عبر العقل والجسد , وتتبدي أهمية الجسد في أطروحات الروايات بصفة عامة والأدب الروائي النسائي بصفة خاصة حيث : " يعتبر الجسد موضوعا فكريا ثقافيا و اجتماعيا، حيث يلقى اهتماما بالغا في الابداع العربي سواء أكان ذلك في السينما، أو المسرح أو الصورة أو الشعر أو الرواية. برزت في الرواية العربية ظاهرة الكتابة عن الجسد بشكل لافت و صريح و بكل جرأة و حرية في إظهار العري ووصف الجسد ورغباته وشهوانيته واندفاعه.
ولذلك فإن السيمياء بإشاراتها ودلالتها الظاهرية المعبرة عن الجسد تقوم بـ "كشف واستكشاف لعلاقات دلالية غير مرئيّة من خلال التجلّي المباشر للواقعة، إنّها تدريب للعين على التقاط الضمني المتواري و المتمنع" داخل النص السردي. يشير الجسد لغة ضمن كل المعاجم العربية أو الأجنبية إلى "جسم الإنسان"، أمّا في المعجم الفلسفي فيرتبط بـ "مبدأ الفعل والانفعال، وهو الجوهر المركّب من مادّة وصورة ". ولقد كان الجسد عبر الحضارات القديمة خاصة الفرعونية يرمز إلى الخلود، في حين يرى الصوفيون إلى أنّ الجسد يوحي إلى الفناء، والروح هي التي تبقى لأنّها أطهر وتعبّر على الأزلي والأبدي. ووفق هذا المنحى، يعرّف مصطفى محمود الجسد بأنّه "هو الضّد الذي تؤكّد الرّوح وجودها بقمعه وكبحه وردعه والتسلّق عليه" .. إذ يتبيّن لنا من هذا المفهوم أنّ هناك تقابل بين الروح والجسد، أي بين الطهارة، الصفاء وبين مصدر الشهوة والرغبة والتحرّر، أمّا في بعض كتابات التراث الإسلامي فينظر إليه على أنّه عورة يجب حجبها على الآخرين. إنّ الجسد ليس مسكنا للروح أو حاملها، بل هو : علامة تتكلّم، تتحرّك، تشارك، تتفاعل وتدافع على هويّتها ". إنّه كلّ وأجزاء في الوقت نفسه، إنّه يولّد معطى انفعاليا وغريزيا وثقافيا عاما، ولكن هذا المعطى، لا يدرك إلا من خلال الأجزاء، ولا يستقيم وجود هذه الأجزاء إلاّ من خلال اندراجها ضمن هذا الكلّ الذّي هو الجسد". كما أنّه "لا يتحدّد إلاّ عبر اشتغاله الذّي يوفّر له درجات معينة من الاندماج" ؛ ويوظّف على "أنّه قوة فاعلة لها لغتها المعبرة وحقيقتها المتنامية فالجسد سكون بلا اضطراب، واضطراب بلا سكون".(58)
والجسد يظهر متموضعاً في بعض الأعمال الروائية , وتكاد تراه :" منفتحا ومنفلتا أحيانا ومتعدّد الدّلالات، فهو لا يحمل المعنى الجنسي والرغبة والإغواء فقط. بل يرمز للفكر وللهويّة الصحراوية والحضور والقيادة والإرادة والسلطة كما يرمز إلى الذكاء في كيفية استعماله، إذ يتكلم، يتحرك، يتشارك يندمج وينصهر مع الآخر مدافعا و معبّرا عن هويّته ووجوده.
تعتبر ثنائية الجسد/الهوية الركيزة الأساسية التي ينطلق منها الكاتب، ليتضح الحضور القوي للغة الجسد والمشاهد الجنسيّة ولغة الإغواء، لتنفلت اللغة والسر د .. وتنهمك في رسم تفاصيله، وتوجهاته واستيهاماته، فيكون مثيرا للإعجاب والحفاوة والرغبة، وهي حفاوة تقود إلى ظهور نوع من السرد الكثيف الّذي ينشغل بالجسد ورغباته وخفاياه"(59 )
ويستخدم البعض من الكتاب اللجوء إلي :" حالات كثيرة في الرواية متعلقة بالجسد مستخدما التورية والتلميح في سرد المشاهد الجنسية، موضّحا في ذلك أنواعه، كما أنّه يكثر في وصف الجسد الأنثوي بوصفه جسد المتعة.. إذ نجد الرجل مرة يروي عن جسد الأنثى وانفلاته و مرة أخرى عكس ذلك تماما. نلتمس من قراءتنا لنص "تلك المحبة" عدة ثنائيات على شاكلة الجسد بين الطهارة والرذالة، أو بين عالمي الدناءة والطهارة (السمو)، أو بين الجسد /الدّين. فهو يخضعه إلى سلطة الدّين والمجتمع، ويصوغ ذلك ضمن المربع السيميائي باعتباره مجموعة منظمة من العلاقات المبرزة لتمفصلات الدّلالة والذي يهتم بتمثيل المعنى ودلالات النصّ وإظهار العلاقات التي تمثّل شكل المحتوى : يبقى كل من المصطلحين المتمثلين في "الطهارة والرذالة (النجاسة) حاملين لشحنتين متعارضتين تخّولان لأحدهما أن يجدب والآخر أن ينبذ، وتجعلان الأول شريفا يبعث على الاحترام والحبّ والتقدير، والثاني خسيسا يثير النفور والرعب والاشمئزاز". (60)
الفصل التاسع رمزية الجسد الأنثوي والغواية في الرواية النسائية يمثل الجسد الأنثوي في المتعارف عليه جسد الإغواء والجمال، حيث يرمز دائما عبر الحضارات القديمة إلى جسد الخير والخصوبة والنمو والحياة "، كما وُصف أيضا بضعفه ومكره واحتياله وفراسته، ويتمثل أيضا بوصفه مدنّسا يجب إهماله، معتبرا إياه مصدر الخطيئة والرذيلة، والنجاسة، والرضوخ إليه يعني ارتكاب المعاصي. تمارس المرأة سلطة الحبّ على الرجل مستعملة سلاح الغواية والتودّد، واستخدام أساليب الإغراء ولفت الانتباه، ولإثارة الرجل ترمي سهامها "طالبة له، قاصدة إليه، باحثة عنه مشتهية لملاقاته جاذبة له، لو أمكنها كالمغناطيس والحديد قوة جوهر المغنطيس المتصلة بقوة جوهر الحديد"، ليصبح هذا الأخير خاضعا لها، تريد الاستحواذ عليه من خلال طرقها الخاصة. لأنّها ترى في نفسها "جسدا مثيرا"، ومكانا للاستقبال و التوالد، تسعى إلى تحقيق رغباتها، وليجد فيها هو الآخر منبع الحبّ والهدوء والاستقرار، وارتمائه في أحضانها باحثا عن الرغبة وتحقيق رجولته، وليكون" أمامها بين حالتين إحداهما سمو والأخرى هبوط. فإن هو استجاب لدواعي الروح، وحرر نفسه من قيد الجسد، فسيتحوّل إلى طائر يغرد في سماء الحب البهية، ويصير عذريا لصورة يستخلصها خياله من ما يفيض به وجدانه في معاني الجمال والحب والهيام". وقد تستفيد المرأة في كثير من القضايا للوصول إلى ما تطمح إليه لتلقي سلاحها المتمثل في الاستمالة والتودّد والتقرب "ليحسّ في قربها حنينا ورغبة مبهمة، ثم يزدادان قربا وتآلفا وتبدد الرغبة المبهمة رويدا في اتصال بدني حميم".(61)
وتري الدكتورة حنان بوكيرة أنه :" كثيرا ما كرّست الذاكرة الجماعية عالم الكتابة في ارتباطه بالفحولة والسّيادة الذكورية لم تكن فيه المرأة سوى موضوعا للحكي ملهمةً المبدع / الرجل.مفعولا به لا يملك حق دخول الحصن الذكوري . وأرجح الظن في فعل الكتابة النسوي أنّ المرأة الكاتبة استطاعت بوعيها الجديد ونضجها الثّقافي الذي وُلد جرّاء الصّراعات الاجتماعيّة -خاصّة-أن تتخطّى خطوطها وتلاحق الرّجل في إبداعه.فتساوت معه في إنتاج النصوص ليس احتداءا أو محاكاة له في نقل الواقع بل كشفا عن عالمها الإبداعي الخاص لأن "الكاتب إنسان يعيش على حافة الحقيقة ،ولكنّه لا يحترفها بالضّرورة..إنّه في الحقيقة يحترف الحلم"( ) من هذا المنطلق اكتسبت الكتابة النسائيّة وجودها المستقل كون الإبداع باب مفتوح أمام والجه لإبداء كلمته والتّنفيس عن خوالجه وانشغالاته .(62)
وثمة علاقة وجودية قائمة منذ وجود الإنسان تشكل ثلاثية خطيرة أخذت أبعادها الإنسانية في التشكل والتطور عبر مراحل طويلة من الحقب الزمنية إلي أن وصلت لعصرنا الحديث وواقعنا المعاصر :"فنجد ثلاثيّة ؛ الفكر، اللّغة والجسد, من أبرز العناصر الدّاعية إلى الاهتمام والدّراسة لما تكتسيه من مكانة في عالم الإبداع نثرا وشعرا.
حيث يكاد يصادفنا عنصر من هذه العناصر إن لم يكن عنصرين أو العناصر الثلاث في كلّ قصيدة أو كلّ رواية،والفارق بين حضورها من عمل إلى آخر يعود حتما إلى مقصديّة المُبدع ومبتغاه. فلا يمكن لأحد أن ينفي أهميّة اللّغة في إبداء الأفكار والإيديولوجيّات من جهة وأهمّيتها في إمكانيّة الإطّلاع والانفتاح على الآخر من جهة أخرى. كما لا يمكن هنا إقصاء هيمنة الفكر على مبدعه سواء بالإنسياق وراء أفكارٍ خارجة عن ذات المبدع أو في محاولة إيصال تلك الأفكار الرّاسخة في ذهنه. وبما أنّ كلّ من اللّغة والفكر مكوّن لثنائيّة متكاملة فيما بينهما فإنّ العنصر الثّالث في هذه الدّراسة *الجسد*أصبح مع الوقت مكوّنا أساسيّا في صقل أفكار المبدعين بلغة متميّزة فيكون حضوره بصفة شبه ثابتة إمّا بالسّلب أو بالإيجاب حيث نراه في الأعمال الثّورية ذلك الجسد المعذّب المقهور أو المهزوم أحيانا ويحضر في الكتابات العاطفيّة كجسد يستميل قلب الطّرف الآخر إمّا بالخضوع أو التّمرد. ومن هذه الأهمية التّي يكتسيها كلّ من الفكر ، اللّغة(.............) . فلماذا تُنفى الإيجابيّة عن هذا الثّالوث المُلتحم في الكتابة النّسويّة؟ هل يُفصل الفكر عن الجسد؟ وهل تنفصل اللّغة هي الأخرى عنهما؟ ما دخل المادي بالمعنوي؟ و كيف أقحم الجسد وسط متماهيين؟ ما علاقة العناصر الثّلاث ببعضها وإلى أيّ مدى ساهم في صقل الإبداع النّسوي؟ كيف تعكس اللّغة علاقة الفكر بالجسد؟ ما دلالة الجسد بلغة المرأة ومن منطلقها الفكري؟ والسّؤال الذّي يفرض نفسه على ساحة النّص(..) : لماذا هذه اللّحمة بين هذا الثّالوث دون سواه؟ كيف كان التّأثر والتّأثير فيما بينهم؟ وما السّبب في ذلك؟ لمعرفة خصوصيّة كلّ طرف وعلاقته بالأطراف الأخرى سنحاول استنطاق النّص من زاوية نفسيّة واجتماعيّة انطلاقا من موضعيّة الكتابة النّسوية في المجتمع الذّكوري ".(63 )
والملاحظ في العديد من النصوص الأدبية والروائية لابد وأن :" يدرك تماما أنّ محور السرد هو الاحتفاء بالجسد "الأنثوي والذكوري" كونه محمّلا بإشارات كثيرة )الإغراء، اللذة، الرغبة، الشهوة، الانصهار، التلاحم، المحبة. العشق..) ؛ إلاّ أنّ الكاتب لا يظهر الجسد فقط على أنّه "مجرد جسد يفيض لذة وشهوة"، بل يعلن عنه مشيرا إلى الجانب الفكري والثقافي والفلسفي لدى المرأة (المرأة الصحراوية) في ذكائها ودهائها وفي حبّها ومكرها، وأسرارها ...
تمثل المقابلة بين الطهارة والرذالة المولّد لمقابلات أخرى تهدف إلى تنظيم الدلالة والمعنى عبر نص تلك المحبة، فهي تتضمن تيمة الطهارة على النبل والشّرف والمودّة، والحياة والاحتواء والاستمرار، وتتضمن أيضا تيمة الرذالة على موت الجسد، والألم، واللاشرف، والمكر والخداع واحتقار الذات واللاإنتماء والمثلية والاغتراب والتهميش".(64 )
ونري بعض الأدباء والروائيين يطرحوا :"الدّلالة العميقة للجسد وعلاقته بالآخر وبهويّته، وبالمكان محاولا الكشف عن التركيبة النفسية للعلاقة الجسدية ليتعرّض إلى الجانب الفيزيولوجي لكلّ من الذكورة والأنوثة.. إذ يرمز هذا المفهوم إلى عالم تؤججه "علاقة فعل وانفعال إيجاب وسلب، ومن ثمّ سيطرة ورضوخ". إنطلاقا من هذا سنتحدث عن أنواع الجسد بين عالم الذكورة والأنوثة. أ. الجسد الذكوري، الجسد الذكوري والسلطة الجسد الذكوري بين القمع والمنع ب. الجسد الأنثوي والغواية الجسد الأنثوي المتسلط الجسد الأنثوي المقموع والممنوع الجسد الذكوري يوحي عالم الذكورة على مرّ التاريخ الإنساني وعبر الدّيانات القديمة إلى عالم السلطة والقوّة والسيطرة من جهة، ومن جهة أخرى ينظر إليه على أنّه روح سامية" والمرأة أدنى منه، والتي تعتبر المخلوق الشيطاني التي تغويه بجسدها وبدهائها الخارق في حين تتميز العلاقة بين الذكر والأنثى بالثنائيات انفعال/انتصار، سيطرة/ رضوخ، كر/وفر، حرب/سلام..
ممثلا إياها جورج الطرابيشي في قوله "فالحرب رجولة والسلام أنوثة، والقوة رجولة والضعف أنوثة". أمّا على مستوى التركيبة النفسية والبيولوجية فـ "يظهر الرجّل باعتباره مكمّلا لمقتضيات الأنوثة، ويلعب دور رفيق الدرب الذّي يغذّي معنى الأنوثة لدى المرأة"محاولاً إثبات رجوليته انطلاقاً من فرض سيطرته وتحكمه وقوّته. إذ منذ الطفولة توجّه الأنظار إليه على أنّه الحامل والحامي لإسم العائلة، وتسند إليه كلّ المسؤولية، وفي الوقت نفسه يكمّل المرأة، فهو "يريد الجسد والمتعة واللذة"، واستمرارا لاسمه، فيمنحها صفة المرأة ويكسبها معنى الأمومة.(65)
يتّسم عالم الذكورة (..) في بعض الروايات بالغموض وباللاّوضوح والارتباك. حيث يقوم الروائي على تعريةهذا العالم ؛ ليأخذ بعداً لا أخلاقياً وأسطورياً أحياناً، يصوّر فيها الكاتب التركيبة النفسية والفيزيولوجية لكلّ شخصية. كما يبرز من خلال النص نوعاً من العلل النفسية التي تتعارض مع الحياة والدّين، والممثلة في صور مجموعة من الشخصيات التي تعيش تحت ما يسمى "المثلية الجنسية" ؛ أي خاضعة لسلطة الجسد ولرغباته ونزواتهم المستمرة والتي تنعت أيضا بالانحراف الأخلاقي "
ينفتح المسار الصوري ضمن سياقات مفتوحة على الانعتاق وتحرّر الجسد وخرق القيم والمبادئ وعقد الالتزام الذي ينصّ على عدم ارتكاب الخطيئة، والخضوع إلى رغبات الجسد ولهيبها، وليتجانس دلالي مع التردّد والخوف من الرّدة، و التحوّل إلى عالم مجهول يحيل إلى الخطورة والتيهان والضياع.(66)
الجسد الأنثوي والغواية
وعليه، فإنّ المرأة "تقدّم للرجل ارضائيا لكي يشبع نهمه الذكوري"، مانحة إياه المتعة والمحبّة والجسد والأبوة، وهي بذلك تسعى الى تحقيق التوازن من خلال أنها "تلعب دورا ايجابيا وفعّالا، وميلها الطبيعي إلى التجّمل واستخدام أساليب الإغراء والجذب يساعدها على القيام بهذا الدور، ثم عليها في نهاية الأمر أن تستسلم وأن تقبل طيّعة راضية ما يبدو في الظاهر أنّه هزيمة، في حين أنّه في واقع الأمر تلبية المرأة لنداء الحياة الجاهدة في البقاء" والعديد من النصوص وبعض الأعمال الروائية تتنوع في :"طرح دلالة الجسد مانحا جسد المرأة بعدا جماليا أسطوريا مازجا بين الخيال والواقع بوصفه هوية أنثوية خاصة، فهو يرى فيها كل شيء جسد الجمال والمتعة، وجسد القوة والقدرة والإرادة والسلطة، الذي يتمثل في الأنواع التالية :
الجسد الأنثوي والسلطة :
يتمثل الجسد المتسلّط في جسدين بارزين لكلّ من البتول ونجمة. فالبتول ؛ نلمح أنّ جسدها يتأرجح بين الرغبة والسلطة وبين التخويف، محاولين سلب إرادتها وحرّيتها والإيقاع بها، فهي تتمتّع بالجمال والرشاقة والذكاء : "... إنّك كلما أمعنت فيها وهي في الفراش مستورة بغلالة من العري، تَمَثَّلتها بعدا من رمل العرق المتحولة ألوانه في يوم من أيام توبر، بضياء الشمس صبحا وضحى إلى تبر، ظهرا وزوالا ".. وفي ملفوظ آخر يقول السارد : "تشعان عليك أنوثة ترفرف رغبتك وتقبسان في عينيك لغة تقف دونها لغة الحروف عاجزة فتصير هي النطق والإشارة والدلالة ما زخمت بالشهوة مثلها لغة ". تتحقّق صورة الأنوثة بكلّ أبعادها الدالة في الملفوظ الأول والثاني، حيث ينبني الملفوظ الأول على التكوين الخطابي ليدلّ على الأنوثة وما تختزنه من محبّة وجمال وعلى مدى علاقتها بالصحراء وليأخذ لون الرمل معنى هويتها وارتباطها به لتتجلى هي .(68)
والشكل والعلامة والدلالة والرمز حينما :"يشتغل باعتباره شكلا تركيبا أوليا للدلالة، أي أنّه يحيل على الصيغة العامة التي تختصر السلوك الإنساني من حيث هو فعل موجه نحو غاية"، فسندرج ضمنه سلسلة من التغيّرات والتحولات "( .... ) فيتبدي الجسد الأنثوي المقهور(والممنوع) : تمثّل كل من (..)شخوص أي رواية جسدين مقهورين و ممنوعين، كلاهما يعيشان مشكلة مع الماضي، فهناك من تعيش مشكلة البحث عن ذاتها، كونها تجاهد في خطف الأضواء (..) يتّضح من خلال بعض الروايات أنّ الجسد المتحرر يرغب في الحياة والحريّة، إلاّ أنّها محصورة بين الرغبة والتخويف وبين حضور الحبّ وانحباسه، نتيجة الحب الشديد ، والذي تجد صعوبة في التواصل معه كونه ممنوعا من أن يستسلم للجسد وللحبّ، لتكون ثنائية الجسد /الدين هي الثنائية الرئيسية للأعمال الأدبية والروائية ونمثلها عبر سيمياء الجسد
"يمثّل الجسد التحرّر والانعتاق والرغبة، في حين يمثّل الدين المانع والالتزام والتمسك به وبالقيم، فهو يقمع الجسد ويضبطه ويحميه من الانفلات والاختراق".(69)
الفصل العاشر عن الجسد في الرواية النسائية
يذهب العديد من الكتاب إلي أن :" استئثار الجسد بحضوره الخاص في الرواية النسوية ينبع من أسباب متعددة، بعضها يعود إلى(أسباب متصلة بنظرة المجتمع إلى الجسد عموما وما ولده ذلك من إحساس عند المرأة، من أنها مرغوبة على مستوى الجسد، وليس لشيء غيره. وهكذا فإن السبب الخاص بشعور المرأة يترتب ضمن نسق ثقافي شامل تفضي هيمنته إلى اختزال الأنوثة إلى مجرد جسد)
في حين أن السبب الآخر المناقض للأول فيتأتى من داخل الوعي النسوي الذي يرى أن اتخاذ المرأة من الكتابة(وسيلة لحل متناقضاتها مع الرجل أو المجتمع بشكل عام، قد اتسم بتفجر طاقاتها الجسدية الأنثوية، أي اتخذ من اختلاف الجسد وطبيعته منطلقا لعرض قضيتها)
ومما يلحظ في هذا المستوى أن هذا الوعي المركز بالهوية الأنثوية بدأ مع بداية اكتشاف المرأة لجسدها بوصفه قيمة تستمد منها غناها، ويجب استرداد حريته وملكيتها له باعتباره عنوان هويتها الأنثوية، وأساس كينونتها ووجودها، على خلاف ما كانت تكرسه الثقافة الأبوية من مفاهيم تجعل من المرأة كائنا ضعيفا وملحقا بالرجل. لكن الغريب أن تعرف المرأة إلى عالم جسدها وخباياه ومجاهيله المسكونة بالإثارة واللذة، كما تجلى عند العديد من بطلات الرواية النسوية من خلال العلاقة مع الرجل، الذي قادها إلى اكتشاف أغواره وأسراره وجغرافيته الحسية المسكونة بالإثارة، ما كشف عن رؤية جديدة ووعي جديد به بعد أن ظل زمنا طويلا مناطا بالوظائف البيولوجية والاجتماعية المرسومة له في مجتمع أبوي اختزل المرأة في صورة جسدها ووظيفته الجنسية الشهوانية والبيولوجية" .(70)
لقد جعل الوعي الجديد بالجسد عند المرأة على حد تعبير سعيد بنكراد بعدا بؤرياً تتمظهر فيه الذات الأنثوية وتدور حوله كل الأشياء لأنه(الشكل الذي تنطلق منه، وتلتقي عنده كل الأشياء. إن الجسد حاضر في كل شيء…. وكل شيء يدور حول الجسد، ولا شيء يوجد خارج ما تشير إليه الكلمات والأوضاع، أو ترسمه الأفعال من صورة «اللذة»، كما إن الجسد أصبح مساويا للهوية الذاتية عند المرأة . ما جعله يحتل مساحة واسعة في السرد النسوي المشغول بهموم المرأة وبحثها عن ذاتها ودفاعها عن حريتها ووجودها، الذي تحاول تحريره من الاستبداد الذكوري والنظرة الدونية إليه، للخروج من الهامش الذي ظل ملحقا بالمتن الذكوري". (71) أما على صعيد السرد الروائي النسوي، فإن (قراءة الفعل الإنساني عبر «مقتضيات الجسد» الحسِّية، هي التي أدت بهذا الجسد(..)إلى أن يكون مادة السرد الأولى والأخيرة. إنه النقطة التي تتولد انطلاقا منها الموضوعات). حيث أصبحت اللغة والخيال في الكتابة النسوية وسيلتين للتعبير عن الرغبة النسوية القوية في الانفتاح جسديا على الحرية والتجدد والعالم والذات وأداة لاكتشاف تلك الذات واستحضار معانيها المادية والرمزية والروحية ". (72)
وإذا كان انشغال الرواية النسوية المكثف والعميق بموضوع الجسد، ومحاولة توحد الكتابة معه في تلك التجارب قد كشف عن سعي حثيث لردّ الاعتبار له، وجعله مصدرا للشعور بالتمايز والاعتزاز بالكينونة الأنثوية، فإن هذا الانشغال والتمركز حوله عبر ما قدِّم من تمثيلات سردية له في الروايات النسوية مقترنا باللذة، قد اختزل المرأة في صورة أحادية هي صورة الجسد الأنثوي في مواجهة الجسد الذكوري، الأمر الذي يجعل هذا السرد النسوي يختزل وجود المرأة في جسدها باعتباره جسدا مرغوبا به وموضوعا للإثارة والشهوة، ويعيدنا مرة أخرى إلى تلك الثنائية المتقابلة التي رسمتها الثقافة الذكورية للعلاقة بين الرجل والمرأة، ولذلك فإن الاستغراق في عالم الجسد بعيدا عن ارتباطه الوثيق والحي بقضايا المرأة والواقع على مختلف الصعد الاجتماعية والوجودية والثقافية، يجعل وعي المرأة بجسدها ناقصا، ويختزلها فيما حاولت التحرر منه للانفتاح على ذاتها وكيانها الإنساني الشامل وسط محيطه العام الذي تعيش فيه، وتتداخل معه دون أن يعني ذلك تجاهل انشغالها به أو الاحتفاء به وتحريره من قيوده التي فرضتها الثقافة الذكورية عليه بوصفه تابعا ومنفعلا ليس إلا " .(73 )
محتويات الكتاب إهداء الفصل الأول : الرواية النسائية في العالم العربي بين توحدالذات والمقارنة الذكورية الفصل الثاني : ما بعد النسوية الفصل الثالث : الرواية النسائية بين الواقعي والمتخيل الفصل الرابع : دور المخيال والخيال في بناء جمالية العوالم الأدبية الفصل الخامس : تاريخانية الأدب النسائي وغياب الأدب السردي علي حساب الروائي الفصل السادس : تاريخ الرواية النسائية العربية الفصل السابع : الأدب النسائي الروائي المصري الفصل الثامن : سيميائية الجسد والرواية العربية الفصل التاسع : رمزية الجسد الأنثوي والغواية في الرواية النسائية الفصل العاشر: عن الجسد في الرواية النسائية
بيبليوغرافيا
1. آية إيهاب _الأدب النسوي.. تصنيف عنصري يناقض الإبداع . صحيفة البيان الإماراتية .عدد 10 – 4 - 2015 2. المرجع السابق 3. المرجع السابق 4. المرجع السابق 5. .. أمنية عادل . اختلاف في صفوف الكاتبات حول مفهومه واتجاهاته الراهنة , «الأدب النسوي».. إشكالية المصطلح وهموم المبدعات . صحيفة البيان الإماراتية .عدد 11 – 7 - 2014 6. المرجع السابق 7. .. الأدب النسائي المرأة السودانية أنموذجا .. بقلم: الفاتح ميكا . سودانيل نشر في سودانيل يوم 16 - 07 – 2013. https://www.sudaress.com/sudanile/56286 8. المرجع السابق 9. المرجع السابق 10. الكاتب السوداني فاتح ميكا , ناقلاً عن الروائية غادة السمان في ماورد ودونته في كتابها , مع التنويه أن غادة السمان برغم إبداعتها في المجال الأدبي إلا أنها تعبر بصدق عن النشاعر والأحاسيس المعتملة في النفس الإنسانية والذات المهترأة في الواقع العربي المأزوم للمرأة 11. أحمد عبدالجوارد . الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب . الأدب النسائي . http://www.wata.cc/forums/showthread.php?40299 12. المرجع السابق 13. سمات الكتابة النسائية بين الماضي والحاضر . صحيفة دنيا الوطن . https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2004/03/08/3887.html 14. المرجع السابق 15. المرجع السابق 16. المرجع السابق 17. المرجع السابق 18. المرجع السابق 19. الأدب النسائي الليبي بين رهن الذات والمجتمع المحافظ . خلود الفلاح . 20. حيث يستعرض الباحث بوشوشة بن جمعة في كتابه “الأدب النسائي الليبي: رهانات الكتابة ومعجم الكاتبات”، الطبعة الأولى_2007 ، 21. المرجع السابق 22. صحيفة البيان عدد 11 - 7 - 2014 مرجع سابق 23. المرجع السابق 24. صحيفة البيان الإماراتية عدد 10 - 4 - 2005 25. المرجع السابق 26. المرحع السابق 27. محمد الغيطي . صحيفة اليوم السابع المصرية . عدد 18 - 8 - 2016 28. المرجع السابق 29. المرجع السابق 30. الفاتح ميكا . مرجع سابق 31. الفاتح ميكا . مرجع سابق 32. الواقعة الروائية بين سلطة المتخيل ومرجعية التاريخي في رواية "حوبه ورحلة البحث عن المهدي المنتظر" . http://www.crasc.dz/ouvrages/index.php/en/books/60-le-roman-alg%C3%A9rien-de-1990-%C3%A0-nos-jours-faits-et-t%C3%A9moignages-dans-les-%C3%A9criture-fictionnelles/728-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AE%D9%8A%D9%84-%D9%88%D9%85%D8%B1%D8%AC%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D8%A8%D9%87-%D9%88%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%B1 33. المرجع السابق 34. المرجع السابق 35. المرجع السابق 36. المرجع السابق 37. المرجع السابق 38. صحيفة العرب السعودية _ عدد مارس 27, 2014 39. المرجع السابق.. 40. المرجع السابق.. 41. المرجع السابق.. 42. المرجع السابق.. 43. المرجع السابق.. 44. المرجع السابق.. 45. الاستاذة: حليمة بولحية _تمظهرات السيرة الذاتية في الرواية الجزائرية_(https://revues.univ-ouargla.dz/index.php/numero-07-2014/2120-20-1955.html) 46. المرجع السابق.. 47. المرجع السابق.. 48. المرجع السابق.. 49. المرجع السابق.. 50. اسماعيل الملحم_تأريخ الرواية النسائية العربية _ مدونة عالية ممدوح(http://www.alghulama.com/index.php?option=com_content&view=article&id=333:2012-08-26-10-00-57&catid=40:mutabaat&Itemid=58) .. 51. المرجع السابق.. 52. المرجع السابق.. 53. المرجع السابق.. 54. الدكتور محمد سمير عبدالسلام .الرواية النسائية في مصر .. في أطروحة دكتوراة . موقع نقطة ضوء _ ونشرفي : (https://www.masress.com/ndawa/619 ) 55. المرجع السابق 56. المرجع السابق بتصرف بسيط يخدم علي الدراسة هذه , بإعتبارها نقاط مضيئة يتوجب التفاعل معها حال إنتاج أي عمل روائي في المستقبل .. 57. الاستاذة حليمة بولحية _تمظهرات السيرة الذاتية في الرواية الجزائرية. مرجع سابق . 58. سيميائية الجسد في رواية "تلك المحبة" للكاتب الحبيب السايح..... المرجع السابق 59. المرجع السابق 60. المرجع السابق. 61. المرجع السابق 62. الدكتورة : حنان بوكيرة _ثلاثية( الفكر ،اللغة و الجسد) في ذاكرة الجسد لأحلام مستغانميhttp://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=2691 صحيفة أصوات الشمال 63. الاستاذة حليمة بولحية _تمظهرات السيرة الذاتية في الرواية الجزائرية. مرجع سابق . 64. المرجع السابق 65. المرجع السابق. 66. المرجع السابق 67. المرجع السابق 68. المرجع السابق 69. الجسد فـي السرد النسوي استعادة القيمة الغائبة للذات علوية صبح نموذجاً _صحيفة نزوي العمانية عدد 1 _ 10 _ 2012 70. المرجع السابق 71. المرجع السابق 72. المرجع السابق
هذه الدراسة ليست نهائية : ومازالت قيد البحث , خاصة الجانب الخاص بسيمياء الجسد , لما له من أهمية بنسبته إلي الأدب النسائي والرواية النسائية , وتم النشر للتعرف علي أوجه القصور والضعف , وتلافيها في الدراسة الكاملة ..
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلي روح الشهيد خالد المغربي : لن نقول وداعاً ..
-
التأويلية _ الفصل الثالث _ التأويلية بين العولمة والتاريخاني
...
-
التأويلية _الفصل الثاني _ التأويلية بين التداولية والعقلانية
-
عن التأويلية ..
-
التأويلية _ الفصل الأول _ التداولية كأداة للتأويلية
-
عن النص ..
-
عن الإختلاف ..
-
يوميات عبقري : جنون سلفادور دالي المعقول
-
جدل السيادة وتنازع المصالح : صنافير وتيران .. وتظل إيلات مصر
...
-
عن حصار قطر .. مفتي السعودية وشعبان عبدالرحيم : إرادة أنظمة
...
-
قطر ودول الخليج : الإستبداد والإرهاب وبداية التقسيم !!
-
الشهقة الأخيرة .. عن مذبحة أقباط المنيا !
-
محمد عبدالله نصر : من جدل نقد التراث إلي جدلية محاكمة النقد
...
-
أكذوبة توكيلات السماء .. وفكرة الخلاص الجماعي !
-
سأخبر الله بكل شيء ..
-
إلي العمال : الجنة الآن !!
-
علي حين غرة
-
لما لا .. !؟ الفصل الأول 4
-
لما لا .. !؟* الفصل الأول 3
-
لما لا .. !؟ الفصل الأول 2
المزيد.....
-
-الزمن الهش- للإيطالية دوناتيلا دي بيتريانتونيو تفوز بأرفع ا
...
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|