أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - مشهد عراقي زمن الحصار














المزيد.....

مشهد عراقي زمن الحصار


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5827 - 2018 / 3 / 26 - 03:44
المحور: الادب والفن
    


كنت في شرفة شقـتي أترشف قهوة الساعة الواحدة بسجائرها المعتادة التي أتابع فيها خيوط الدخان التي تغطي الأحزان في مساحة الوطن العربي الكبير. تـقع شقـتي في الدور الرابع حيث يطالعني شارع الامام علي الكئيب الممتع في مدينة الحلة العراقية. كان ذلك في اواسط سنة 1997. يقابلني ما يمكن اعتباره من أصناف الفنادق حسب تعريف المكان و الخدمة التي يقدمها. هو في الأغلب فندق للجنود اللذين يتدربون في معسكر الحلة.
بقدر ما تكون قهوة شرفة الدور الرابع مطاردة لأطياف أرواح الناس اللذين أحبهم و بعيدون عني، بقدر ما تجعلني أتابع تأملاتي الفكرية المنسابة بفعل السحر الذي يغدقه على قلبي هواء العراق الطيب الذي يملأ القلب بغبطة غريبة.
فالغرف في الفندق المقابل لشقـتي مجردة من الاثاث و كأنها معبد للزهاد من المتصوفة. فالخدمة في الجيش العراقي هي شكل من أشكال التصوف. الغرف مكشوفة بفعل الواجهة البلورية العريضة. شهد هذا الفندق عدة أحداث لا وقت الآن لذكرها.
طفلان يلعبان فوق سطح الفندق. أحدهما ولد و الآخر بنت. يحملان كل ما يحمله الأطفال من براءة، لكنها براءة كستها ملابس رثة و تطلع غامض و كئيب الى الدنيا. إننا نتحدث عن زمن الحصار. يقـتربان الى بعضهما البعض و يلامس أحدهما الآخر و في يد الولد ورقة و هما يتحدثان. يبدو انهما يفكران فيما يصنعان بالورقة. الحياة هي أن نفعل شيئا. هي أن نعمل شيئا ما. الملابس الرثة و الحصار للطفولة العراقية( الذي يمثل أكبر جريمة مورست على شعب بتواطؤ عالمي رهيب باستـثـناء القلة القليلة من الشرفاء. الحصار على الشعب العراقي الأبي ذو الكبرياء العظيم سيبقى وصمة العار العالمية و العربية اساسا)، كان عاجزا عن قتل الرغبة في الحياة و بالتالي في العمل و في فعل شيء ما..
ليس غريبا ان يصنعا بالورقة صاروخا. يقذفان الصاروخ. يتابعان طيران الصاروخ. اختـفى عنهما الصاروخ. أردت أن أصيح و أرشدهما أن يتحولا الى الجهة المشرفة على شارع الامام علي. ( الامام علي الذي جعلني كثير من العراقيين أحس انه لازال حيا في النجف). تركت فنجان القهوة و وقـفـت أشير لهما بيدي و أصيح، إلا ان صوتي لم يصلهما و حركات يدي لم تصلهما فهما متوجهان ببحثهما و نظرهما الى جهة جانبية حيث سطح البنايات المجاورة.
جعلا لنفـسيهما هدف البحث عن الصاروخ و لكنهما في حقيقة الامر كانا يتمتعان بالهرولة سويا و القـفز عبر تلك الجدران القصيرة التي تـفصل الأسطح المختلفة للبنايات المتجاورة.. الحركة متعة و هي جوهر الحياة. الكون الذي يريد ان يضم نفسه هو المطلب الجوهري. بيدين متـشابكتين كان الولد و البنت يهرولان بكلمات و صيحات و ابتسامات و ضحكات. كانا يعيشان جوهر الامور في ذاتها، اما انا فكنت انظر الى المسألة من زاوية أخرى و لكنها في العمق هي تعبير عن نفس جوهر الأمور..
ربما ما حصلته هو بعض الضحكات الساخرة للمارة في الأسفل من صيحاتي التي لا تصلهم كلماتها و انما يصلهم مشهد شبه سريالي لرجل يهتـز لوحده و يصيح منفردا لوحده. حين انتبهت الى ذلك تملكني الخجل فرجعت الى المقعد و فنجان القهوة، إلا أني واصلت تتبع سقوط الصاروخ عبر موجات الدخان الغزير المتـفجر من جوفي الى أن غدا الصاروخ ورقة تدوسها الأقدام في الشارع..
في النهاية فقد صنعا مرحهما و عنفوانهما.. عنفوان الحياة..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيما يمكن أن يفيدنا الاستقلال؟
- بورقيبة بين التأليه و الشيطنة
- في درب الديمقراطية
- الإحتباس الحراري الإنساني
- المؤمن و الثوري
- يوم غضب الصحفيين التونسيين
- التاريخ ينتقم
- التموقعات الجديدة الممكنة في تونس
- مهزلة السياسي في تونس
- نبذة عن آية الله الخميني في العراق
- الثورة على الثورة في ايران
- الحرية بما هي العود الى الجوهر القرآني
- قائمة -الحق الطبيعي-
- الثالث المرفوع الماركسي
- سوريا و الثورة
- النبي الجديد
- المثقف و السلطة و الثورة
- لروحه السلام أبيك و أبي..
- اليسار بين الصعلكة و التحررية
- -ترامب- أو المشهد الأخير


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - مشهد عراقي زمن الحصار