أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزالدين جباري - منطق الفقهاء















المزيد.....

منطق الفقهاء


عزالدين جباري
(AZEDDINE JABBARY)


الحوار المتمدن-العدد: 5825 - 2018 / 3 / 24 - 05:39
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تاريخ المسلمين هو تاريخ انكسارات، لم يهنأ المسلمون بفترة النبوة المجيدة حتى فزعوا لمدلهمة السقيفة، وكانت نارا لم يخمد أوارها إلا ذكاء الرجال الأوائل الأفذاذ، وكان التفاوض يدفعه دفق الإيمان الغضيض الثر الذي لازالت تذكيه في قلوب المؤمنين وجوه الصحابة الكبار.
وقد كان ما كان من حروب الردة، ومن طعنة الغدر الحقود، ثم انفجر الوضع في اغتيال الفتنة الكبرى. هنا انكشف الزيف الذي كان يتوارى خلف دعاوى الإيمان والتدين، وبدا واضحا جليا أن أمر السياسة جد لا هزل فيه، وبأس شديد.
التغافل عن حاجات المجتمع الماسة لم يدم أكثر من عشرين عاما، فظهرت بذور الشقاق تستفحل حينا بعد حين، ولا يدري العامة البسطاء ما الذي دهى الناس.
لم يكن منشأ الخلاف عقديا، بل تحول فيما بعد مع الخوارج، ومع انحياز بعض كبار الصحابة مثل عمرو بن العاص للعصبة الأموية، ومع التشيع للإمام علي وللأئمة الأسباط فيما بعد.
لقد كان سؤال الحكم، وتوزيع الثروات، والمساواة الاجتماعية التي تقتضيها الأخوة الإيمانية، بواعث التمرد والثورة.
فحقيقة الحكم هي شهوة الرياسة، وحب الظهور للنفوس الطامحة.
والتوزيع العادل للثروات هي نهزة الشرائح الواسعة من البسطاء والمحرومين للإقبال على وجه الحياة، وتحقيق السعي المحموم نحو التجلي والظهور.
أما المساواة فهي رفض الظلم، ورفض التفاوت الاجتماعي المتسارع بين من يملك نفوذا متزايدا من حاشية البيت الحاكم؛ ذلك النفوذ الذي يتجلى إرادة حرة مطلقة، أي وفرة مال، وإطلاق يد في البطش. إنها بواعث الحمية الجاهلية وقد شرعت سياج الدين وكأن الجاهلية كانت مكبلة ثم قد نشطت من عقال.
حين تنفرط عروة الحكم، ويستأثر البعض بالخيرات دون مبالاة بالمحرومين، ويصير وكد السلطة القائمة قمع كل رأي يخالف رأي أولي الأمر، والتنكيل بكل من سولت له نفسه تصحيح مسارات التفكير المعمم، أو تعديل الرؤية الرسمية المؤسطرة، والنظر لكل ذي موقف باعتباره " طالب ملك "، وليس طالب نصح لله ولرسوله وللمؤمنين، فإن سير التاريخ يتجه حتما نحو سكة الاستبداد.
ولكن، هل يخلو" حق النصح " من مطامع؟ أي مطامح مادية واجتماعية وربما سياسية؟ طبعا، لا يخلو. وهل احتياجات الناس إلا توسعة في المال، والمكانة والحظوة، والجاه والسلطة؟ فإذا كانت هذه طبيعة البشر جميعا، لم يختص بها البعض دون الغير؟ وبأي معيار تتأسس شرعية الاختصاص هاته؟ هل من خلال الدين وأحكامه؟ أم من خلال طبائع العمران؟
لقد سار التاريخ الإسلامي منذ لحظة الشقاق الأول رويدا رويدا نحو طبائع الإنسان البدوي القريب العهد بالجاهلية، فكان الدين مجرد غطاء يضفي الشرعية على نهم الحكام إلى السلطة، ما في ذلك من شك. ومما لا ريب فيه أيضا أن علماءنا الفاضل أدركوا دروسا عن طبيعة السنن التاريخية إلى حدود عصرهم، واجتهدوا لحفظ دار الإسلام من مزيد اقتتال يوشك أن يفني الأمة ويذهب ريحها ويطويها في رداه العدم. لقد أدركوا أن " منطق الحق " كما هو مثبت في القرآن الكريم، وهو الحكم بالعدل، قد يفضي إلى مزيد من التنازع والبغي، وأن نهايته المحتومة بلحاظ التاريخ وبنص التنزيل الفشل وذهاب الريح.
في هاته اللحظة الممتدة على قرون، وأمام ثورات آل البيت التي آلت إلى خذلان، وكثير من سفك الدماء - الغالية على عامة المسلمين وعلى معظم خاصتهم ممن لم يتورط في عصبة الشوكة الحاكمة – اتجه الفقه السياسي إلى ضرورة رأب الصدع، ودرء الفتنة الكبرى بفتنة صغرى، وأدخل " منطق المتغلب " فصارت الفتيا تخضع لقانون التغير في الأحوال، وعوائد الناس، في المكان والزمان، وتقرر أنه حيثما حلت مصلحة المسلمين فثمة شرع الله.
إن " منطق الفقهاء " كان منطقا تقدميا لأنه كان يستجيب لحاجات الناس في تلك العصور المظلمة، إذ لم تكن الصراعات السياسية والإيديولوجية تحتدم في الداخل الإسلامي بكل روافده الوافدة إلا الشق الذاتي في الدليل يوجه بنود الفتيا التقدمية. لقد كان التتار والمغول يدكون حواضر الأمة، وكان الصليبيون يترقبون من المسلمين ميلا عن وحدتهم فيميلوا عليهم ميلا عظيما، وقد كان لهم الميل في طرد الوجود الإسلامي من الأندلس، وكان الميل الأكبر في الحملات التوسعية في أمس القريب.
لم يكن الفقهاء المؤسسون لمنطق " جور الحكام مقابل قوة الشوكة في حلق العدو" أو " استبداد الراعي مقابل أمن الرعية " يعتقدون ديمومة أحكام فتاواهم، بل كانت شرعية المستبد أولوية كبرى في العصور الوسطى شديدة البأس وقد انطفأت من عيون الناس جذوة الإيمان، وضمرت روح الإنسانية.

ماهية الفرد المسلم ووجوده

لقد كان على العلماء المسلمين الاضطلاع بمهمة الارتقاء بنفوس المسلمين، وإعادة بث روح الدين في نفوسهم، وتأسيس عقولهم تأسيسا جديدا يستند إلى النص الذي لا يطاله الباطل من بين يديه أو من خلفه، وذلك لهول الجرائم التي ارتكبت في حق كل المتمردين، ولتعمق الهوة بين ماهية الفرد ووجوده.
لم ينج من هذه العملية التأسيسية كبار المفكرين والعلماء، وحوادث مثل محنة مالك في فتوى عدم جواز طلاق المكره، وفتنة خلق القرآن، ونكبة ابن رشد بعد تأليفه كتاب " الضروري في السياسة " شواهد معبرة وكافية.
إن أمرهم يشبه أمر المثقفين والمفكرين في عصرنا الذين يأملون صادقين في إزاحة الغشاوات من العقول، وجر البسط من تحت سلط الاستبداد عن طريق نشر المعرفة التنويرية الحداثية، وتجديد الخطاب الديني، والانفتاح على مجتمع المعرفة، وعلى القيم الإنسانية السامية كلها...إلخ
بيد أن العصر غير العصر، فالعصور الوسطى امتد سلطانها في شبه استقلال للأمم عن حركة بعضها البعض، رغم الحروب والغارات بين الفينة والأخرى، فقد الكيانات الداخلية تتأسس بثبات داخل كل أمة على حدة، كأنها أشباه جزر عائمة في محيط لا يربط بين أطرافه إلا القوافل التجارية أو الخميس العرمرم أو السفن الحراقة.
أما في عصر الشبكة المعلوماتية، وغزو البر قبل الفضاء، وتلويث الضمائر والأذهان بسيل عرم من الصور المضخمة التي لا تعكس دائما الحقيقة؛ أما في عصر الامبراطورية الكونية المسيطرة على الأطراف، وفي عصر البرجماتية والأخلاق الفردانية، فإن النخب بكل ألوانها وأحجامها لم تعد تواجه سلطة الحكم المركزي فقط وإنما صارت تواجه - حين تتولى الثورة في وجه الفساد والاستبداد - النظامَ العالمي الجديد بقيادة صناع الظلم من الشرق والغرب. ولنا في نموذجي سوريا و قبلها فلسطين خير دليل.
واجه العلماء السنة بالأمس أمر طغيان الحكام بحكمة لم نشهد نظيرا لها في تاريخ الإصلاحات الدينية في الأمم الغربية مثلا. فقد توصلوا من خلال معايشاتهم للأحداث الجسام، ومن خلال الاستعانة بأحاديث الفتن التي تصف زمانهم بالعض والجبر إلى السير بالأمة سيرة حسنة تحفظ للأمة مصادر دينها، وتبني فيها بتؤدة وثبات صروح العلم والأخلاق والتاريخ والأدب والثقافة. بيد أن الذي لم يكن يخطر على بال معظمهم - وليس من بينهم مفكر أصيل مثل ابن خلدون مثلا – أنهم بتكريسهم لثقافة الاستبداد قد قتلوا روح الفرد وأهدروا معناه الإنساني ليصير كائنا غفلا يندرج في سلك الرعية المنظوم، فصارت دعوة ربعي بن عامر كأنها صرخة طُوِّحَ بها في واد سحيق.
لقد أسس الفقهاء مفهوم السلك بديلا عن الفرد، فإذا ما انفرط الفرد عن الجماعة مات ميتة جاهلية، وتناثر البنيان، وانهار الكيان الذي تأسس على العدوان منذ قرون، كيان سيف الراعي وطاعة الرعية.
ليس ما جعل أوربا تتقدم هو اختلاف نوعي في الثقافة، أو في المعرفة العلمية بحد ذاتها، وإنما الذي حقق هذا التغلب الهائل على الجميع في قرون قليلة، ثم في عقود متلاحقات هو تحرير روح الفرد، و إطلاق عبقرية الإبداع، وإعادة بناء المنظومة الأخلاقية من جديد على هذا الأساس : على إطلاق حرية الأفراد.
وأقصد بذلك أن الحرية هاته هي الجوهر المحرك، والذي انطلق من عقاله وسار في اتجاه العقلانية النقدية، والتجريبية العلمية، وتلبس بروح جديدة هي روح مقاصد الشريعة، أو بلغة مونتسكيو بروح الشرائع التي تصب في النهاية عند واحة الكرامة الإنسانية ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا.
اتجهت عجلة التاريخ بعربة المجتمع الإنساني إلى ضاحية الحضارة التي تسخر الطبيعة لأجل أهدافها في تحقيق التعايش والتساكن والتحرر من قيود الاستبداد والتقليد.
هذا أفق الحضارة المهيمنة في عصرنا. فهل من وراء ذا الأفق أفق جديد؟
_ أجل، وراءه سؤال تولية الوجه لله. أو بلغة فلسفية موضوعية فإن وراء السعي المحموم لامتلاك أسباب الثراء وجودة العيش ينتصب هم عظيم يسائل فيه المرء الوجود عن معنى الوجود. يتساءل المؤمن كيف تتحقق الرؤية الكونية الصحيحة التي يستحق من خلالها الإنسان رتبة الخلافة في الأرض. ويتساءل المنكر اللا أدري: ما للنبض مني يتخطى الإخلاد للتراب ويقذفني لروح الإمكان؟



#عزالدين_جباري (هاشتاغ)       AZEDDINE_JABBARY#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة وفراغ الوجود .
- الظاهر والباطن، أو محنة الوجود.
- الحرية نداء الوجود
- مساواة أم تماثل ؟ بحث في الرؤيا الكونية.
- هل كل خطاب يحمل حقيقته في ذاته ؟
- في الموقف الفلسفي، أو الموقف من الحقيقة .
- في ماهية القول الفلسفي وضرورته .


المزيد.....




- مصر.. رئيس غرفة الدواء لـ CNN: الشركات حصلت على جزء من مستحق ...
- ناشطة أوكرانية: الوضع في الجبهة أسوأ من أي وقت مضى
- حادثة هزت الشارع الموريتاني في سابقة غير مألوفة أغتصاب جماعي ...
- سكان الضاحية الجنوبية في بيروت يعيدون بناء منازلهم بعد الهجم ...
- سكان كيبوتس -عين هاشولشا- يعيدون بناء المنازل التي تم تدمير ...
- شولتس يرفض التكهنات بشأن وجود قوات ألمانية في أوكرانيا
- من حرّض ترمب للتهديد بـ-جحيم- في الشرق الأوسط؟.. إعلام عبري ...
- بيتر نافارو يعود للبيت الأبيض
- المرشح الرئاسي الأوفر حظا في رومانيا يتعهد بوقف المساعدات ال ...
- فوائد مدهشة لشرب القهوة يوميا!


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزالدين جباري - منطق الفقهاء