أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2














المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5823 - 2018 / 3 / 22 - 18:26
المحور: الادب والفن
    


أضحى أكثر تحمّساً للعمل، الرسامُ الفرنسيّ، على أثر عودة امرأته. ولو أنّ الكآبة بقيت على حالها، محنّطة في أعماقه كمومياء. ولعلها كآبته، من كانت تستحثّ " هيلين " على الإفلات من ربقتها. تماماً، بنفس قوّة تحفظ هذه المرأة المبدعة حيال أيّ شيء يُذكّرها بالماضي البعيد، وبالأخص طفولتها. فيما بعد، أي حينَ اعتادت هيَ على تحمّل وجودٍ غريب تحت سقف منزل المزرعة، جازَ للضيف الشاب أن يسألها يوماً عن معبودها الأدبيّ: " من قراءاتي لدستويفسكي، لاحظتُ أنّ بطل روايته يفتقدُ لحياةٍ متشكّلة وكما لو أنه ولِدَ بالغاً؟ ". قالت له مبتسمة، ببساطة من يدلي بدلوه في بئرٍ حفره بنفسه: " لأنّ ما كان يشغل دستويفسكي، بحسَب رأيي طبعاً، هوَ الفكر لا البشر "
" ربما أنّ هذا الرأي يُناقض الحقيقة البديهية، عن كون الفكر خاصية بشرية؟ "
" بلى، في الظاهر فقط. أعني، فيما يخصّ سؤالك عن دستويفسكي. سننحي جانباً مسألةَ الاختلاق في أدبه، وأنّ شخصياته هيَ خيالية لا تمسّ أرض الواقع إلا بشكل رمزيّ. علينا التريث عند ثيمة ثابتة عند دستويفسكي، تقرر أنّ همّه كان محصوراً في بث فكرةٍ عن ‘ المدينة الفاضلة ‘، الروسية، بوصفها خلاصاً مقترحاً للبشرية من محن الحروب والفقر والتطرف ". فلما قالت ذلك، فإنه أشارَ إلى نسخ من كتابها الأخير، كانت قد وصلتها حديثاً من ناشرها في نيويورك: " شخصيات قصصك، القصيرة منها والطويلة، تبدو لي أيضاً أنها بلا ذاكرة. أو أنها تهربُ من ماضٍ، ملوّث بشكل ما؟ "، عادَ ليسألها بطريقة مراوغة مُلطّفة. هزّت رأسها ببطء، في حركة غامضة أكثر منها علامة موافقة. كونها اجتازت سابقاً هكذا امتحان، لم يكن من السهل الآنَ وقوعها في مطبّ سؤال يطرحه شخصٌ ما يفتأ بالنسبة لها " فتىً غراً " ـ كما كان يحلو لها أن تدعو الضيفَ الشاب في كل مرة وجدت نفسها منزويةً في عزلة رجلها، الفنان.
وإنه زوجها نفسه، مَن داعبها ذات مرة بالقول، أنّ من تعتبره " فتىً غراً " هوَ في حقيقة الحال بمثل عُمرها، المُراوح على أعتاب الثلاثين. في مناسباتٍ أخرى، مختلفة، كان يُغضبها مجرّد تلميح أحدهم إلى موضوع عُمرها. ذلك، وفق خبرة الزوج، كان من أعراض مرض الوسواس القهريّ، المبتلية به " هيلين " مذ فترة افتراقها عن أسرتها. لقد بقيَ ماضيها بئراً مردوماً، حتى بالنسبة إليه؛ هوَ زوجها وربما الرجل الوحيد في حياتها. ولكنه تسنى له اصطيادَ شاردة من هنا وهناك، في غابة أعماقها. كانا في أوان التعارف بعدُ، حينَ أرسل أقدامه إلى متاهة الغابة تلك، معتقداً أنه بإمكانه مساعدتها في الشفاء. إذ لم يخفَ عليه آنذاك، ما في حالتها النفسية من توتر وقلق واضطراب. قبيل هجرانها لأسرتها ( لأمها تحديداً بما أن والدها توفيَ باكراً وهي وحيدتهما )، كانت من سوء الحال أنها أودعت لرعاية طبيب نفسيّ. أعوامٌ عشرة من عِشرة متواصلة، مضت عليهما هادئة وهنيئة. مؤخراً، وبشكلٍ غير متوقع، عادت أعراض مرضها إلى الانبعاث مجدداً من قاع بئر الماضي: هجرت هذه المرة سريرهما، مصممة على ألا تعاشره جسدياً أبداً. ثم ما لبثت أن قصّت شعرها، الطويل الكثيف، على طريقة الغلمان، بل وصار تكتسي بما يُشبه ملابسهم.
" سأصطفي شركاءً لمضجعي من جنسي، الأنثويّ. فلن أمنحك، بعدَ الآن، نعمةَ الغيرة عليّ! "
بتلك الكلمات الهاذية سبقَ أن أبلغته قرارها، وكانت حينئذٍ تعدّ حقائبَ سفرها إلى أوروبا. كان العديد من أصدقائهما المشتركين، الحميمين، يتواصلون معه بالمراسلة من القارة العجوز. بعض تلك الرسائل، صارَ منذئذٍ يفوح منه عطرُ فضائح المرأة غريبة الأطوار. " مسيو جاك "، كان يدرك ولا شك سببَ تفجّر رغبة امرأته بهذا الشكل المفاجئ، الشاذ. إذ كان يراقبها عن كثب دونَ أن يُشعرها بذلك، كيما يتفاقم خلافهما. ولكنها علمت لاحقاً بالأمر، عن طريق الخادمة " نفيسة ". هذه الأخيرة، كانت مكلفة من قبله بتتبع ما يتصل بحركات سيّدتها داخل وخارج المنزل. ما لم يكن ليتوقعه عندئذٍ، أنّ " هيلين " كانت قد دشنت شذوذها مع خادمتها بالذات.
كثيرون من معارف الزوجين، عدّوا الأمرَ في فترة لاحقة كنوعٍ من حنين إلى " موضة الهومو "، التي كانت قد اجتاحت أوساط مبدعي الغرب بعد الحرب العالمية الثانية. الأقاصيص المبكرة لامرأته، المداورة حولَ البيئة المغربية، لم تخلُ بدَورها من شخصيات من ذلك القبيل، نسائية ورجالية، تتبجّحُ بأفعالها الجنسية علناً سواءً في حفلة أو مقهى. بيْدَ أنه لم يكن مع رأي أولئك المعارف، بشأن الموضة على الأقل: كان يعلمُ، يقيناً، أن " هيلين " قد انحدرت إلى حضيض الإحباط واليأس بسببه هوَ؛ بسبب أنانيته وأثرته وغيرته. لم يعُد في وسعها تقبُّل الحقيقة المحزنة، وهيَ كونها مرآة يتمرأى فيها غيرُها وجهَهُ، جميلاً كانَ أم قبيحاً.

*
تستندُ " سوسن خانم " إلى مقعد مكتبها، المظهَّر بالجلد الأسود. مرفقاها على الطاولة، يفصل بينهما مخطوطةُ المذكرات. تعبيرُ وجهها، لحظة غلقها للمخطوطة على صفحة معينة، كأنما كان أيضاً بمثابة الفاصل بين الماضي والحاضر. أظننا نعلمُ ما يشغلُ حاضر هذه السيّدة السورية، طالما أنه متواشجٌ إلى هذا الحدّ أو ذاك مع ماضٍ محبوس بين دفتيّ الكتاب، شأن رسالة وداع أودعها بحارٌ مُشرفٌ على الغرق داخل زجاجة مغلقة.
إنها تقريباً في سنّ امرأة الرسام، في آونة انحدار هذه المسكينة إلى الحضيض. لا وجهَ للمقارنة هنا، إلا من زاويةٍ مَحض مبتسرة. لدينا أيضاً مفارقة في الموضوع، وهيَ أنّ الخانم قد عقدت فيما سلف علاقة سرية مع " الشريفة "؛ ابنة تلك الخادمة، الماكرة. لا مندوحة أنّ امرأة الرسام، وقعت تحت تأثير سحرٍ ساحق، شرير. فالابنة وتمتعت بفتنة تمتّ كثيراً لعِرْق النصارى، فماذا يمكن القول إذاً عن والدتها المُعرّفة بدمامة ملامحها إبّان صباها: " ثمة سحرٌ، والحالة تلك، يُحيل إلى ما امتلكته تلك المرأة من شخصية متسلطة تمكنت من خلالها استعباد سيّدة أجنبية على قدر كبير من الثقافة والجمال وعلو المقام! "، كذلك انتهى تفكيرُ الخانم وكانت عندئذٍ عابسة السحنة تتنفسُ بعسر.





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق إلى الغوطة
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 1
- المطعم
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 2
- الهاوية
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 5


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2