|
مراد وهبة: واهم من يظن إن العالم العربي والاسلامي يعيش في القرن الحادي والعشرين
حيدر ناشي آل دبس
الحوار المتمدن-العدد: 5822 - 2018 / 3 / 21 - 15:04
المحور:
مقابلات و حوارات
الفيلسوف مراد وهبة احد اهم المنظرين للفكر التنويري في العالم العربي، تبنى وهبة مشروع اعادة احياء فلسفة ابن رشد التنويرية لتتماهى مع واقعنا الراهن، أسس البروفيسور مراد قسم الفلسفة في جامعتي الاسكندرية وعين شمس، ألف وترجم عشرات الكتب الفلسفية، التقيناه في القاهرة واجرت معه الحوار التالي.
* نعتقد ان الفلسفة اخفقت في بلورة مشروع اصلاحي نهضوي في العالم العربي، ما تعليق استاذ الفلسفة مراد وهبه بأعتباره احد رواد المشاريع الاصلاحية العربية؟
- للاسف لا توجد رؤية فكرية مستقبلية، وفي تقديري ان تيار فكر الاخوان المسلمين هو المهيمن على العالم العربي والاسلامي، ولا يوجد تيار مضاد له وانما افكار لم تشّكل لغاية الان تياراً. وللتوضيح في ما وجه لي انا اتُهمت بأن لدي فوبيا اخوانية من قبل الاخوان واليسار والناصريين، فكنت وحيداً في هذا الميدان. اذكر اثناء وجودي في مجلة الطليعة عام 1980 عملنا على تكوين تيار تنويري، وشرعنا في اقامة مؤتمر عن التنوير، لكن فوجئنا بعدم موافقة اي دولة عربية على تنظيم هذا المؤتمر، فأقمناه في باريس، ولك ان تتصور ان مؤتمر عن التنوير العربي يقام خارج الدول العربية، وبالنتيجة كان المؤتمر الاول والاخير، فهو جنين ولد ميتاً، إلا اننا الان نحاول من خلال صالون ابن رشد تكوين تيار يسمى (الرشدية الجديدة) لمقاومة الفكر الاصولي على اختلاف تنويعاته، رغم انها ليست المحاولة الوحيدة في احياء فكر ابن رشد، اذ عقدنا مؤتمر (ابن رشد والتنوير) عام 1994 وفي هذا المؤتمر اسسنا الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير والتي الحقت بالاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية، لكننا لم نستطع تنظيم ندوة واحدة عن ابن رشد في داخل الاتحاد، وهذا يعني ان هنالك مقاومة من الاخوان المسلمين داخل الاتحاد.
* هناك تحفّظ على تيار الرشدية الجديدة، اذ يحاول العودة الى السلف التنويري مثلما يقوم دعاة السلف التكفيري، والاثنان يقعان في مطب تجاوز الزمكانية المنتجة لهذه الافكار، لذا بأعتقادي ان القطيعة الفكرية مع الماضي هي التي تخلق مشروعاً تنويرياً حقيقياً، ما تعليقك؟
- نحن نعاني من وهم فكري، هو اننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، بينما في الحقيقة نحن نعيش اما في القرن الثاني عشر حيث ابن رشد مضطهد، او القرن الثالث عشر حينما تحكم ابن تيمية، فأستخدام السلف اعتبره لفظاً وهمياً، واذا اردت استخدامه عليك تجاوز الماضي والتراث وانشاء شيئاً جديداً، وابسط مثال على ذلك هو الحركة الوهابية التي أنشئت في القرن الثامن عشر، وتأسست بناءً عليها الدولة السعودية، وهذه الدولة ما زالت حتى الان تتحكم بها الوهابية، اذن انها تعيش في فترة تأسيس الحركة. في عالمنا العربي والاسلامي لا توجد سلفية اطلاقاً لاننا نعيش في زمن ابن تيمية وفكره حياً ومتغلغل في جميع المؤسسات الحكومية والاجتماعية.
* التنظيمات ذات المنظور السلفي المتشدد مثل داعش والقاعدة اماطة اللثام عن مواجهة فكرية داخل التراث، برأيك الى ماذا تفضي نتيجة هذا الاحتدام؟
- ان داعش والقاعدة وحزب حسم وحماس وغيرها من التنظيمات متفرعة من الاخوان المسلمين، واذا قلنا ان هذه فروع قائمة بذاتها ونحاول مناطحتها والنضال ضدها فهذا وهم، نحن نناضل في حقيقة الامر ضد فكر الاخوان المسلمين او بالادق فكر ابن تيمية، والدليل ناقش احدى هذه الفروع حول مشروعية إعمال العقل في النص الديني سيقول لك ممنوعاً وهكذا جميع الفروع الاخرى التي انبثقت من الاخوان، اذن لدينا الاصل هو المتحكم، اما هذه تنويعات تضلل بها المقاومة وتدخلها في خانة الشك، وكل تصريحاتهم حول وقوفهم ضد هذه المنظمة او تلك عبارة عن تشتيت، وأفكارهم حية، فأبن تيمية يقول " ان الآيات القرآنية كلها معناها ظاهري وليس لها معنىً باطنياً" وكل من يقول خلاف ذلك يكفره، وانهى إعمال العقل في النص الديني، وهبط بالعقل ووضعه بمستوى الحس، فهو لغى التفكير لصالح الغريزة، وخصوصاً الغريزة الجنسية التي من خلالها عمل على تحطيم وتدمير المرأة، حتى لا تكون عبئً ووسيلةً للتحرر، ولابد من ذكر ان اصل نشأة الحضارة مردود الى المرأة، فهي التي ابتدعت التكنيك الزراعي، وكذلك اغلب الالهة في الديانات القديمة من الاناث، لكن حصل بعدها انقلاب ذكوري بقيم عنيفة، فكانت بداية لتأسيس النظام البطرياركي، وفي ظل هذا النظام سيكون من الصعوبة جداً تحرير المرأة.
* نشهد في وقتنا الراهن سيطرة امراء البترول الخليجي على سياسات الدول العربية كيف تنظر الى مآلات حياتنا في المستقبل القريب والمتوسط وفق المعطيات الحالية؟
- جميل هذا السؤال، انا الان اتطلع برؤية ايجابية تجاه السعودية في اطار السياسة التي يتبناها الجيل الجديد من الشباب عن طريق ولي العهد محمد بن سلمان، اذ قال عبارة مهمة لم يلتفت اليها احد " نحن بدأنا نصحو من عام 1979" ومغزاها العمومي قيام الثورة الايرانية حينذاك، لكن في تقديري هي اوسع من ذلك لانه في هذا العام بزغت الاصوليات الدينية في جميع انحاء العالم، وهي كذلك سنة وفاة احد اكبر منظّري الاصولية الاسلامية (ابو الاعلى المودودي). واتذكر في عام 1975 دُعيت الى المؤتمر الفلسفي الاسلامي في باكستان، وقدمت بحث افضى الى جدل حاد بيني وبين اساتذة الفلسفة الباكستانيين لانني قلت فكرة محورية ان العالم الثالث تنقصه حركتين وهما اعمال العقل في النص الديني والتزام العقل في تغيير الواقع، وقيل لي ان افكار المودودي هي المتحكمة في التعليم بدلاً من محمد اقبال، بالنتيجة انظر الى المستقبل بعد التغييرات التي حصلت في السعودية بشيء من التفاؤل.
* من ضمن مخططات امريكا واسرائيل اشغال المنطقة العربية بما تسمى حروب الجيل الرابع، اي حروب الانابة، وقد ساهمت عدد من الدول العربية تسهيل حدوثها، ما هي الحلول الناجعة برأيك للخلاص من هذه الكوارث؟
- ان سؤالك يعني وجود مؤامرة من الخارج، ويشير ايضاً الى ان العالم العربي مفعول به وليس فاعلاً وانا ضد هذا التوجه، حيث اعتز بكلمة قالها مالك بن نبي وهي "العالم الاسلامي لديه القابلية للاستعمار" اي انه يُحب ان يُستثمر، وحينما يحصل ذلك يكبت طاقاته الابداعية والسبب الرئيسي في ذلك فكر ابن تيمية، وبالتالي من حق القوى الخارجية استثمار هؤلاء الذين يكبتون طاقاتهم الابداعية، اما الحلول تكمن في التحرر الداخلي من الفكر الاصولي، وبعد ذلك تبحث عن دور لك على كوكب الارض، ولا احد يستطيع مقاومتك اذا فكرت بتأدية هذا الدور، لاننا نعيش الان في ما يسمى (بالكوكبية) فلسنا في اطار الدول المغلقة او المستقلة تماماً، الحدود والمسافات منتفية بين الدول والشعوب، لذلك الطريق متاحاً للتأثير والتأثر وتأدية دوراً كوكبياً، ولا توجد عقبة كالسابق مثل الحدود وقواعد التعامل بين الدول، لكن في العالم العربي والاسلامي يعتبر برؤية خاطئة هذا المفهوم هو الاستعمار.
*رغم التحضر في طبيعة القوانين والانظمة الاوربية، إلا اننا نجد الكثير من المسلمين المقيمين هناك ذهبوا بأتجاه التشدد الديني، ما هي اسباب ذلك؟
- انا لا استخدم لفظ التشدد، انما اسميه الاصولية الدينية، وقد قامت جامعة شيكاغو بتفريغ فريق عمل من العلماء لبحث هذه الظاهرة، فأصدروا كتاب (المشروع الاصولي) وهو من خمسة اجزاء، اذ رصدوا فيه كل النشاط الاصولي في العالم رغم تنوعه وتعدده، حيث ان هذه الاصوليات تشترك في سمات معينة منها عدم إعمال العقل في النص الديني، وتكفير اي نظرية علمية يشعروا انها ضد المعنى الظاهري للنص الديني، والتكتل ضد العلمانية العدو الاول للاصولية الدينية، والعلمانية في تعريفي هي "التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق" فعندما تعرض اي ظاهرة انسانية او طبيعية تعرضها في الاطار النسبي، واعني الاطار العقلي وليس المطلق الذي يعني الفتاوى لانك بعكس ذلك تضلل البشر فلايمكن السماح للفتاوى التحكم بالمسائل الدنيوية التي يحكمها العقل والعلم. ان المسلمين الذين تتحدث عنهم اصوليين ويقومون بعزل انفسهم عن محيطهم لتصل الى مرحلة التصادم والصراع الحتمي مع الدولة المستضيفة لهم، وجدير بالذكر ان الارهاب اعلى مراحل الاصوليات الدينية، والارهاب نفسه في حده الادنى التكفير وفي حده الاعلى القتل.
* بعد ان عانى الانسان الموصلي من تنظيم داعش الارهابي، طيلة ثلاث سنوات من قتل وتهجير وانعلاق تام عن العالم، كيف ستكون نظرته الى الدين بأعتقادك؟
- امامه طريقين اما ان يعي اسباب تحرره او لا يعي. ان وعيه مرتبط بتحرره الداخلي وسيكون في هذه الحالة بداية وعي بشرور الاصولية، لذا على الانسان العراقي البحث عن المناعة العقلية التي يحتاجها في الوقت الراهن حتى لا تتكرر المأساة التي مرت عليه. اود ان اذكر حادثة سابقة في العراق، اذ كنت على علاقة بمستشاري صدام حسين ومن ضمنهم (محسن خليل) المستشار الصحفي، فطرحت فكرة عبارة عن اجراء حوار تخيّلي بين صدام والخميني، فالاول علماني والثاني اصولي، وطلبت الاذن بذلك وتمت الموافقة، ثم عملت على كتابة هذا الحوار الذي من المفترض تقديمه اثناء حضوري الى بغداد في احتفالات ذكرى ثورة 14 تموز، لكن بشكل مفاجئ تلقيت اتصالاً من بغداد ابلغوني فيه ان صدام الغى الاحتفال بذكرى الثورة، وبالتالي الدعوة الموجهة اليك ملغاة، وعرفت السبب ان صدام حسين التقى بستة من قادة الاخوان المسلمين من بينهم (عصام العريان واحمد سيف الاسلام) ابن حسن البنا، واتفقوا على تبني صدام للنهج الاسلامي، والاخوان بدورهم سيدعموه، وبعد ذلك بشهر تقريباً تم عزو الكويت عام 1990. شاهد القول ان الشعب العراقي محكوم بالتيار الاصولي الاسلامي.
#حيدر_ناشي_آل_دبس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة موضوعية في خطبة عبد المهدي الكربلائي
-
بنت ليل
-
تساؤلات شيوعية
-
ناي
-
من هو الفاسد السياسي ام المجتمع؟
-
حدباء الكون
-
متى تتوقف سرقة آثارنا؟
-
الفنان العراقي يموت برداً
-
الخيانة العظمى في تفجيرات الكرادة
-
العراق بعد الانتخابات الامريكية
-
معركة الموصل والتحديات الواجب انجازها
-
مفرداتٌ تائهة
-
مقتدى الصدر وخيانته المتوقعة
-
القبلةُ العائمةُ
-
تنسيقية مستمرون والتطلعات المؤجلة
-
نافلة الكلم..... الى حياة شرارة
-
حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب
-
اللاعب علي عگله ومحاربته المستمرة
-
الهور.... مع التشاؤم
-
النضال السياسي برؤية الرفيق فهد
المزيد.....
-
شاهد..برازيلية تخوض تجربة قفز مثيرة من جسر شاهق بأمريكا
-
فيديو يوثق مواجهة مضيفة طيران لراكبة متسللة بعد رحلة من نيوي
...
-
سوريا.. خريطة تحركات وسيطرة فصائل المعارضة ووضع بشار الأسد..
...
-
-رويترز- : أوكرانيا مستعدة لتقديم تنازلات عن أراضيها وفقا لخ
...
-
الجيش السوري يشن -هجوماً معاكساً- ويستعيد مناطق من المعارضة
...
-
في غزة.. مأساة مستمرة وأثمان باهظة في حرب بلا نهاية وتل أبيب
...
-
ألمانيا.. عدة ولايات تطالب الحكومتين الحالية والمقبلة بتشديد
...
-
مدفيديف يتوقع نهاية حتمية لزيلينسكي ويوجه رسائل إلى عدد من ق
...
-
معركة القسطل.. يوم قال الحسيني للجامعة العربية -أنتم مجرمون-
...
-
تشكيل مجلس شراكة سعودي فرنسي خلال زيارة ماكرون للرياض
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|