أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وليد المسعودي - المدنية السومرية .. نظرة تاريخية في الاصالة والإبداع (1)















المزيد.....

المدنية السومرية .. نظرة تاريخية في الاصالة والإبداع (1)


وليد المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 5820 - 2018 / 3 / 19 - 00:13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


المدنية السومرية .. نظرة تاريخية في الاصالة والإبداع

وليد المسعودي



يبدأ التكوين الفلسفي او رؤية السومريون للعالم من خلال اعتقادهم بان كل شيء ولد من بحر كبير الكون ، السماء والأرض (ان – كي ) والغلاف الجوي بينهما والاجرام السماوية ، ولم تولد الحياة إلا بعد انفصال السماء عن الارض (1) وكل ذلك كونته الارادة او الكلمة الصادرة من قبل الالهة لتكوين الخلق ، والآلهة السومرية متعددة وخالدة ، تشبه البشر ، ولكنها غير مرئية ، تمارس دورها بشكل جزئي وفق للمهام الموكولة اليها ، ويرأسها اله اكبر وهكذا وصولا الى اكبر الالهة ، والكلمة الحرة او المطلقة سيكون لها دورا كبيرا ورئيسيا في جميع فلسفات الخلق التالية في انحاء الشرق الاوسط ، وكل ذلك تم استنتاجه من مختلف المواضيع المتعلقة بالأدب السومري كالملاحم والأساطير والحكايات التي تتحدث عن الالهة وأعمالها وصفاتها وتأثيرها على حياة البشر انفسهم (2)
وهكذا الحال مع وجود جنة بدائية تم محوها عن طريق الطوفان ، الذي اغرق الكثير من المدن السومرية " حيث خلده الشعراء في ملاحمهم وعدوه عقابا لهم بسبب ذنب ارتكبه احد ملوكها "(3) نجد الاصالة والإبداع الاولي موجود هنا في ارض سومر حيث صورة الفردوس النقية ، التي لا تعرف سوى الخلود " دلمون " جنة عدن مسكن الالهة ومقرها ، وقصة هذه الجنة مذكورة في لوح سومري مكون من 278 سطرا ، وفحواها ان اله الماء انكي امر اله الشمس " اوتو " بخلق جنة سماوية لا تعرف للوجع امر مليئة بالثمار والأنهار والبساتين . انبتت الالهة ننيهورساج(4) في هذه الجنة بعد ان ولدت بلا وجع من الاله انكي ، وعندما رغب الاله انكي بتذوق نبات الالهة واكل ثمارها غضبت هنا الالهة ننهورساج وأحلت عليه لعنة الموت بعد انسحابها من مجمع الالهة ، وبالفعل ساءت صحة انكي وتدهورت ثمانية اعضاء في جسده ، ومع عجز الالهة الكبير في اقناع ننهورساج في العودة ومعالجة انكي ياتي دور الثعلب ليؤثر عليها ويعيدها الى مجمع الالهة وهكذا تعيد اليه الحياة ، حيث يذكر ان احد الاعضاء المعادة اليه وهو الضلع يسمى حواء (5)
اليس في هذه القصة دليل على انتقال الافكار واقتباسها فيما بعد من قبل العبرانيين ، حيث تأثيرات السومريون انفسهم على الكنعانيين سكان فلسطين قبل سيطرة العبرانيون عليها ؟
ولكن كيف الحال مع العالم الاخر او فكرة البعث او القيامة ؟
العالم الاخر هو العالم السفلي الذي تسكنه الاموات ويسمى " كر " يذهب اليه الموتى بواسطة " قارب يقوده ملاح خاص عبر نهر عباب " (6) حيث يشكل بداية هذا العالم اي ذلك النهر ، ويسمى في اللغة السومرية " LU –RU-GU ، I " وفي اللغة الاكدية يسمى " خبر" ( HUBUR ) اما ذلك الملاح الذي يقود الموتى يسمى " خمط – تبال " اي خذه على عجل (7)
لا توجد قيامة اجساد وبعث بشكل جماعي او بشري لدى السومريون ، هناك حالات خاصة فردية وبمناسبات خاصة ايضا ، على سبيل المثال عودة انكيدو من عالم الاموات من اجل معانقة صديقة جلجامش الذي ينتظره على الارض (8) ولم يعانق جلجامش سوى شبح انكيدو الذي اخذ يسرد له جميع ما يجري ويحدث للموتى في عالمهم ضمن حوارية بين سؤال جلجامش وجواب انكيدو ، وهكذا يحكي انكيدو هول العالم السفلي بينما يبكي جلجامش بشدة على الموتى حيث اقصى العذاب الذي يلاقيه الميت هو الاكل من فضلات المدينة والخبز اليابس فضلا عن اكل التراب وهؤلاء هم من لا يجدوا اية عناية بأرواحهم من قبل الاخرين بينما يتحدد اقصى الثواب بالرقود على سرير النوم وشرب الماء الصافي وهؤلاء هم من ماتوا فجأة ، وهكذا هناك حالات بين بين تشمل عدم الراحة في العالم الاخر والبكاء او العكس حيث الراحة والسرور والفرح وهؤلاء تحدد درجات حالهم او وضعهم بقدر ما يملكون من ابناء ، فكلما زاد العدد كلما حصل الميت على وضع افضل (9)
ويبدو لنا ان طبيعة العذاب او الثواب لا علاقة لها بالأفعال للخير والشر بقدر علاقتها بمنظومة ثقافية واجتماعية تحددها سلطة الالهة حسب حاجتها واستفادتها من الناس او البشر الاحياء للعمل والخدمة فتعدد الابناء مهم وضروري ليس للعمل فحسب بل لأمور دفاعية وقتالية في الحروب على سبيل المثال .

قيامة تموز وعشتار

هناك ايضا قصة بعث تموز وعشتار ، وكلاهما إلهين تموز اله الرعاة السومري وانانا " عشتار " الهة الحب ، وقصتهما لها علاقة بالحب والولع الشديدين حيث عشق تموز لانانا وانتظاره وصبره الطويل من اجل الحصول عليها " انانا " ذات الجمال الباهر ولكن الاحلام شيء والواقع شيء اخر حيث طموحات انانا سيدة السماء العظيمة والفردوس التي لا تنتهي قادت بها الى النزول الى العالم السفلي من اجل السيطرة عليه وحكمه ، وهكذا ذهبت انانا الى العالم السفلي بينما يقف تموز بانتظارها ، ذهبت وفي عدتها الكثير من الحذر والإجراءات الصارمة التي ينبغي الالتزام فيها كي لا يكشف امرها ويحكم عليها بالموت ، ارتدت عشتار اجمل الثياب والمجوهرات ودخلت عالم الاموات من ابوابه السبعة وكلما اجتازت بابا سلبت منها قطعة من ملابسها ومجوهراتها الى ان وصلت عارية تماما ، وهنا كشف امرها وحكم عليها بالموت والمكوث في العالم الاسفل . وهكذا لم تستطع انانا العودة الى الارض بالرغم من المحاولات التي سعى اليها وزيرها الخاص حيث توصياتها بالذهاب الى " انليل " اله الهواء و" نانا " اله القمر من اجل الطلب لإنقاذها ، ولم يساعدها احد من الالهة سوى " انكي " الذي عمل على خلق مخلوقين عديمي الجنس مع تزويدهما بخبز الحياة وماء الحياة من اجل نثرهما على جسد انانا الميت (10)
وتعود عشتار الى الحياة ولكن ضمن شروط وهي ايجاد البديل ، وبالفعل سمح لها بالذهاب برفقة بعض الشياطين القساة من اجل البحث عن البديل وكل مكان تذهب اليه تجد الطاعة والولاء حد التمرغ في التراب ، فلا تستطيع ان تفعل شيئا ازاء الالهة المطيعة لها ، وحده تموز سوف يستقبلها بحلته الفاخرة وتاجه الملكي رافضا الانحناء لها والتمرغ في التراب ، الامر الذي اغضبها كثيرا ، فحدقت به بنظرات مميتة وسلمته الى الشياطين القادمين معها لتنتهي حياة حبيبها وزوجها في العالم الاسفل ولم تنفع معه كثرة التوسلات للالهة او الهروب والاختباء في حظيرة الاغنام مع كثرة الضربات التي يتلقاها هذا الاله الحزين من قبل الشياطين وبالتتالي في كل مكان من جسده حتى وصوله بين ايديهم ميتا ومعذبا (11)

يتحول تموز الى رمز للندب والبكاء والاحتفال ، حيث سيأخذ دوران ، دور المعذب القتيل المبكى عليه ، ودور المبعوث بالحياة والخصب ، بعد ان وافقت الالهة انانا على بعثه بشرط البديل ، وهنا متمثل بأخته التي ستحل محله كل ستة اشهر ضمن دورة سنوية متتالية للنبات " القمح " الذي سيتم الاحتفال بظهوره مع عودة " السيد " الى الحياة ، ولكن قبل العودة هناك النحيب والعويل والبكاء الى درجة تمزيق الثياب كل ذلك ضمن طقوس عيد مدته ثلاثة ايام ، في اليوم الثالث ينقلب الحال الى احتفالات صاخبة ماجنة راقصة بقيامة تموز تلك التي تشيع البهجة في النفوس حيث الاطمئنان بظهور النبات والربيع وما يحمل من خيرات كثيرة ، وما ان تأتي فترة الحصاد حتى يتم ارسال تموز مرة اخرى الى الجحيم (12)
والسؤال هنا لماذا يبكي الحصادون على تموز الراعي المقتول ؟
ان الحصادون هم عبدة عشتار التي كانت تتحمل المسؤولية الكبرى ازاء موت وتعذيب تموز ، حيث مات الاخير بين سيقان النبات الامامية والخلفية على حد سواء كما تقول بذلك بكائية سومرية لانانا (13)
فتحول فيما بعد الى طعام بعد ان كان يبحث هو بدوره عن الطعام ، وهنا الامر له علاقة بالولادة والموت بولادة القمح وحصاده وعودته مجددا كل عام بين الجحيم او العالم الاسفل وبين البعث والقيامة وهنا يكون الجواب ضمن تصورنا له علاقة بظهور الزراعة وطغيان قيمها وأفكارها على مرحلة الرعي ، ولربما علاقة القتل هذه شبيهة بالحادثة التي جرت بين قابيل وهابيل حيث الاول يعمل في الارض والثاني راعيا ، وكانت النتيجة التي حصل عليها قابيل هي التيه في الارض وعدم الراحة بسبب سفك دم اخيه هابيل الراعي الذي تم قبول قربانه من الرب ، كذلك الحال مع عشتار وعبادها نصيبهم الندب والبكاء كل عام (14)


المصادر
1- كريمر ، س ن – هنا بدأ التاريخ(حول الاصالة في حضارة وادي الرافدين)الموسوعة الصغيرة – بغداد – دار الجاحظ للطباعة ، وزارة الثقافة والإعلام – 1980 – ص 64
2- المصدر ، نفسه – ص 66 . والإنسان نفسه مكون من نتاج انكي الاله بالتعاون مع الالهة ننماخ والالهة نمو الهة الولادات السبع ، حيث تقول الاسطورة السومرية ان الالهة الصغار بدئوا يتذمرون من العمل والإرهاق الجسدي فقدموا طلبا الى الاله انكي بإنقاذهم ، وبالفعل قرر خلق نوع الانسان فكانت المادة الاولية من الطين ، المستخلص من مياه الاعماق " الابسو " يراجع هنا خزعل الماجدي ، الاساطير السومرية.. تصور ميثولوجي لنشوء الانسان والكون والإله ، صحيفة العرب ألعدد ، 9324 ص 15 .
3- ديورانت ، ول – قصة الحضارة ، الجزء الاول ، الباب الاول – ص 210
4- اوجلان ، عبد الله – من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية ، ص 21 – يذكر عبد الله اوجلان في كتابه هذا ان ننيهورساج هي الهة النظام الجبلي في الشرق والغرب ويستدل عليها بالنجمة " ستيرك " في اللغة الكردية وهي في الموقع الثاني في نظام الدولة الذكوري للسومريين .
5- كريمر ،، س ن – هنا بدأ التاريخ ( حول الاصالة في حضارة وادي الرافدين ) ص 76-80
6- المصدر ، نفسه ص 81
7- باقر ، طه – مقدمة في ادب العراق القديم – جامعة بغداد – كلية الاداب 1976 ، ص 225 . وهنا طه باقر يورد اسم النهر من السومرية دون وجود ترجمته الى العربية كما هو الحال مع الترجمة من الاكدية في حين يظهر خمط – تبال وكأنه قريب الى اللهجة العراقية اي اخذه على عجل ، وهذا جزء من بقايا اللغة السومرية متداولة بيننا وهناك الكثير من المفردات غيرها .
8- كريمر ، س ن ، هنا بدأ التاريخ .. ص 85
9- باقر ، طه – مقدمة في ادب العراق القديم ، ص 230 – 231
10- كريمر ، س ن ، هنا بدأ التاريخ ص 88 . وهنا نتساءل عن العلاقة بين الماء والخبز في احياء جسد عشتار " انانا " الا يعني ذلك ضمن تصورنا الاولي قوة وسطوة الزراعة او مرحلة المدن الزراعية على حياة الرعي القديمة ، خصوصا وان دموزي هو اله الرعاة السومري الذي سوف يأخذ الدور بالتبادل سنويا مع اخته كل ستة اشهر من حيث القيامة والنهوض ، ص 91 .
11- السواح ، فراس - لغز عشتار – الالوهة واصل الدين والاسطورة ، الطبعة الثامنة 2002 ، ص 296
12- المصدر ، نفسه ، ص 299
13- المصدر ، نفسه ، ص 297
14- مع مرور الزمن سوف تتغير الاسطورة فيبعث تموز ويكون النصيب ليس البكاء فحسب هناك الاحتفال والفرح والرقص والغناء ضمن عيد مدته ثلاثة ايام كما ذكرنا سابقا .



#وليد_المسعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- افلاك المسعودي 4
- عجلة الماضي
- تعريف الفراق
- هايبون : مواعيد
- افلاك المسعودي 3
- هايبون : رسالة الى جبل
- افلاك المسعودي 2
- افلاك المسعودي (1)
- الاصطفاف بين الغيوم
- تعريف الموت
- تمرة جنوبية
- نائحة على وجه المدينة
- جسدي عبر العصور 6
- جسدي عبر العصور5
- هايبون : مدينة بلا سؤال
- هايبون : سكاكين
- في المستشفى
- هايبون : فقدان
- هايبون : انحناء
- رأس مفتوح - رأس مغلق


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وليد المسعودي - المدنية السومرية .. نظرة تاريخية في الاصالة والإبداع (1)