نـــــداء
قامت مجموعة من المركز المصرى الاجتماعى الديمقراطى برفع دعوى ضد كل من رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، وزير الدفاع، وزير الخارجية، وزير النقل، تطالبهم بمنع مرور السفن الحربية الأمريكية من قناة السويس وهى السفن التى تتوجه إلى منطقة الخليج استعداداً للعدوان على الشعب العراقى، مستندين فى ذلك إلى كافة المواثيق والأعراف الدولية التى تعتبر أن هذه الحرب خروج عن الشرعية الدولية والإنسانية وتدخل فى عداد الحروب العدوانية الصريحة، ومستندين أيضاً إلى أن قناة السويس مصرية وأن هناك اتفاقية دفاع عربى مشترك تعتبر العدوان على أى بلد عربى هو عدوان على مصر، ونحن ندعو جميع المصريين للتضامن مع الزملاء اللذين رفعوا الدعوى وهم : مجدى عبد الحميد، وفريد زهران، وصابر بركات، كمال مغيث، عبد الباسط عبد الصمد، زياد العليمى.
وذلك من خلال توكيل : خالد على عمر، وأحمد فوزى، وأحمد راغب المحامون بالقاهرة، ومقرهم 35 شارع الشيخ على يوسف – المنيرة الشرقية بالدور الثالث – ت:7943586.
هذا وقد أخذت الدعوى رقم 12984 لسنة 57 قضائية دائرة أفراد (أ) بمجلس الدولة ، ونص الدعوى منشور على الموقع WWW. geocities.com/sedegc.
السيد المستشار رئيس محكمة القضاء الإدارى ونائب رئيس مجلس الدولة
تحية طيبة وبعد
مقدمه لسيادتكم كلاً من :
1- زياد عبد الحميد زكي العليمي
2- صابر محمد بركات
3-عبد الباسط عبد الصمد عبد الرحمن
4- كمال حامد مغيث
5- مجدي عبد الحميد فرج
6- محمد فريد سعد زهران
وموطنهم المختار مكتب الحرية لأعمال المحاماة والقانون 35 شارع الشيخ على يوسف – المنيرة الشرقية – الدور الثالث شقة 33
ضــــــد
السيد / رئيس الجمهورية بصفته
السيد / رئيس الوزراء بصفته
السيد / وزير النقل بصفته
السيد/ وزير الدفاع بصفته
السيد / وزير الخارجية بصفته
أتشرف بعرض الآتى
الطاعنون من مواطنى جمهورية مصر العربية يعارضون كل الممارسات الأمريكية الرامية للسيطرة على العالم بشكل عام والعدوان على العراق بشكل خاص شأنهم فى ذلك شأن الـ 80 مليون مواطن الذين خرجوا من كل بقاع الأرض يوم 15/2/2003 للتعبير عن رفضهم للهيمنة الأمريكية وضرب العراق والعدوان عليه دون مبرر ودون وجود قرار من مجلس الأمن بذلك ففى الوقت الذى يندفع فيه الآلة العسكرية الإسرائيلية لتقتل وتدمر مقدرات الشعب الفلسطينى دون وازع أو رادع تحشد أمريكا كل قواها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية للعدوان على العراق تحت مزاعم واهية مرة بزعم إزالة أسلحة الدمار الشامل فى العراق ومرة بزعم تغيير النظام العراقى لإرساء قواعد الديمقراطية التى تزعمها.
إلا أن العالم يعلم ما تسعى إليه أمريكا وما تحاول السيطرة على منابعه فالبترول العراقى هو كلمة السر فى هذا العدوان حيث يمثل بترول العراق ثانى أكبر احتياطى عالمى، ويذهب البعض إلى أن أمريكا تهدف من ذلك أيضاً إلى إعادة تخطيط المنطقة ووضع خريطة جديدة للعالم العربى تخدم مصالحها ومصالح إسرائيل، كما تذهب العديد من الآراء إلى أن هناك خريطة عالمية جديدة تسير بالتوازى مع الخريطة العربية وأن أمريكا بعد أن قضت على الاتحاد السوفيتى تسعى جاهدة إلى ضرب أى قوة أخرى تحاول أن تظهر، لذلك كانت الحرب الشرسة فى أفغانستان واليوم العراق بالنسبة لأمريكا سوف يكون مجرد ميدان رماية تستعرض فيه أمريكا قواتها وعضلاتها لإرهاب أعدائها الجدد والقابعين فى الصين وأوروبا الموحدة.
(انظر صوت الأمة العدد 117 – الإصدار الثانى 24/2/2003 صـ6)
"وهذا ما اكده المركز المصري الاجتماعي الديمقراطي فى بيانه من حق الشعوب في مواجهة ومقاومة العدوان على شعب العراق وان هذا لا يعني تأييدا للنظام العراقي الذي اذاق شعبة الذل والهوان".
وها هى شعوب العالم تستمر فى التعبير عن رفضها للعدوان على العراق وتساندها فى ذلك كل التكتلات الدولية بداية من مجلس الأمن الذى رفض قرار ضرب العراق وقرار إتاحة فرصة أخرى للمفتشين وها هى دول عدم الانحياز تعلن من جديد أن دورها لم ينتهى وتعلن رفض العدوان على العراق وها هو الشعب الإيطالى يقوم بتعطيل ومنع القطارات التى تنقل المعدات العسكرية إلى القواعد الأمريكية فى شمال إيطاليا والتى أطلقوا عليها قطارات الموت وقد انضم إلى الجموع الشعبية الإيطالية الداعية إلى السلام النقابات العمالية وحزب إعادة التأسيس الشيوعى وانتشروا على قضبان الحديد ومحطات السكك الحديدية القريبة من القواعد الأمريكية كدروع بشرية (انظر الأهرام بحافظة المستندات).
وها هى الحكومة النمساوية ممثلة فى وزير دفاعها تعلن أنها حظرت عبور القوات والمعدات الأمريكية من أراضيها قبل صدور قرار من مجلس الأمن وهو ما أرغم أمريكا على المرور بأربع دول أوروبية أخرى كطريق بديل.
(انظر الحياة – العدد 14572 – حافظة المستندات).
وفى مصر خرجت المظاهرات من الجامعات المصرية ونقابات المحامين واتحاد المحامين العرب والقوى الشعبية بالسيدة زينب وتحالف القوى السياسية باستاد القاهرة وها هو مجلس الشعب يعلن رفضه للحرب وها هى تصريحات الحكومة المصرية تعلن أنها ضد العدوان على العراق بدون قرار من مجلس الأمن.
إلا أن إعلان الحكومة المصرية لم يترجم لواقع عملى شأن النماذج التى سبق ذكرها وها هى قناة السويس مفتوحة لمرور السفن والقطع البحرية الحربية من القوات الأمريكية والإنجليزية وحلفائهم للذهاب للعدوان على العراق مما عدى بالطاعنين إلى إرسال تلغرافات إلى المطعون ضدهم يطالبون فيه بعدم التصريح ومنع السفن الحربية الأمريكية وحلفائها من قناة السويس والتى تهدف إلى التهديد والعدوان والحرب على العراق ومنذ إرسال التلغرافات لم تعلن الحكومة المصرية عن أى قرار عملى بشأن القناة وقد طالعتنا الصحف بأنه جارى إرسال حاملة طائرات جديدة إلى الخليج بالإضافة إلى القوات الأمريكية التى تتحرك الآن للمرور بالبحر المتوسط ثم عبور القناة.
الأمر الذى عدى بالطاعنين إلى الطعن على القرار السلبى بالامتناع عن عدم التصريح ومنع مرور السفن الحربية الأمريكية وحلفائها من قناة السويس والتى تهدف إلى التهديد والعدوان والحرب ضد العراق بدون قرار من مجلس الأمن والأمم المتحدة بذلك.
وهذا للأسباب التالية :
أولاً : الخطأ فى تطبيق القانون:
قبل أن نعرض لوجه الخطأ الذى أصاب القرار نعرض مدخلاً عن قناة السويس ونشأتها لتبيان التطور التاريخى لهذا الشريان وما تحملته مصر فى سبيل إنشائه.
1- قناة السويس – الفكرة مصرية
لم تكن فكرة ربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط بعيدة عن أذهان المصريين فقد كانت مصر بمثابة سوق لتبادل التجارة بين الشرق والغرب وكان من الطبيعى أن يفكر المصريين فى شق هذا الطريق الملاحى ونتيجة للخوف من إغراق مياه البحر للأراضى المصرية حيث كان هناك زعم بأن مستوى سطح البحر أعلى ارتفاعاً من سطح البحر الأبيض المتوسط فكان التفكير فى الربط بين البحرين عن طريق غير مباشر وهو ما حدث فى عام 1887 قبل الميلاد حيث تم توصيل البحرين عن طريق نهر النيل وذلك فى عهد سنوسرت الثالث وهو من الأسرة الثانية عشرة حيث كانت السفن القادمة من البحر المتوسط (بحر الشمال) تسير فى الفرع البيلوزى (والبيلوزى نسبة إلى مدينة بلوزيوم الأثرية التى كانت تقع على مقربة من بورسعيد) من النيل وهو أول فرع شرقاً من فروعه السبعة حتى بوبست (الزقازيق) ثم تتجه شرقاً إلى بلدة تيخاو (أبو صير) وكانت تقع على البحيرات المرة التى كانت وقتذاك فى نهاية خليج قناة السويس، ومن بلدة تيخاو إلى البحر الأحمر والذى كان يسمى ببحر كاموريت وقد افتتحت هذه القناة فى 1874 قبل الميلاد وسجل افتتاحها فى لوحة منحوتة على واجهة معبد الكرنك بالأقصر.
وما زالت آثار هذه القناة واضحة تماماً حتى يومنا هذا فى محاذاة المجرى الملاحى الحالى لقناة السويس بالقرب من بلدة جنينة (والتى تقع على مسافة 28 كيلو متر من مدينة بور توفيق) ويمكن تتبع مسارها حتى الكيلو 138 حيث حفرت قناة المياه الغرب فى مجرى القناة القديمة نفسه، وفى عام 1310 قبل الميلاد سُميت بقناة سيتى الأول، وفى عام 609 قبل الميلاد سُميت بقناة نخاو حيث كانت القناة قد امتلأت بالرمال إلى حد أن الرمال عزلت خليج السويس عن البحيرة المرة بطول 30كم تقريباً فبذل الفرعون نخاور ويعرف كذلك باسم نيقوس أو نيخوس) غاية مجهود لإعادة شق القناة إلى الحد الذى اختلط على المؤرخين الذين ذهبوا إلى وصفه بأنه أول من شق القناة ومن هؤلاء هيردوت، ثم سميت قناة دارا الأول أو قناة الفرس وذلك فى عام 510 قبل الميلاد إثر احتلال الفرس لمصر، وفى عام 332 قبل الميلاد اهتم الإسكندر الأكبر بإعادة حفر القناة لعبور سفنه الحربية من ميناءى الإسكندرية وأبى قير إلى البحر الأحمر عن طريق الدلتا والبحيرات المرة، كما اهتم بمشروع حفر قناة الشمال التى تصل بحيرة سيربونيس (بحيرة البردويل حالياً) ببحيرة التمساح، ومنها إلى البحيرات المرة وبدأ العمل فى تنفيذ المشروعين غير أن المنية عاجلته قبل إتمامهما.
وفى عام 285 قبل الميلاد سميت بقناة بطليموس الثانى أو قناة الإغريق، وفى عام 45 قبل الميلاد عاد الإهمال إلى القناة فى أواخر عهد البطالمة مما أدى إلى عدم صلاحيتها للملاحة على الإطلاق.
وفى عام 98 ميلادية سميت بقناة الرومان حيث رأى الرومان إعادة استخدامها للملاحة لضرورات التجارة فحفر الإمبراطور تراجان الرومانى (98 – 117 ميلادية) فرعاً جديداً عرف بقناة تراجان يبدأ من بابليون (القاهرة) عند فم الخليج وينتهى فى العباسية حيث يتصل بالفرع القديم الذى يصل بوبست (الزقازيق) بالبحيرة المرة، وفى عام 400 ميلادية فى عهد البيزنطيين دب الإهمال فى القناة من جديد وتراكمت فيها الرمال حتى أصبحت غير صالحة للملاحة، وفى عام 642 ميلادية سُميت بقناة أمير المؤمنين حيث أعاد عمر بن العاص قناة الرومان إلى الملاحة من الفسطاط (القاهرة) إلى القلزم (السويس) وقد خطر له أن يشق قناة مباشرة بين البحرين إلا أن الأمير عمر بن الخطاب أثناه عن ذلك اعتقاداً منه بأن شق البرزخ يعرض مصر كلها لطغيان مياه البحر الأحمر، وظلت القناة مفتوحة للملاحة على مدى أكثر من مائة وعشرون عاماً حيث تم ردمها فى عام 767 ميلادية بناءً على أمر من الخليفة العباسى ؟أبى جعفر المنصور، وفى عام 1820 ميلادية أمر محمد على باشا بإصلاح القناة لرى المنطقة الواقعة بين العباسية والقصاصين، وفى سنى 1860 أخلت على هذه القناة بعض الإصلاحات لتوصيل مياه النيل إلى الإسماعيلية والسويس، وقد تقاربت الآراء حول القناة إلا أنه يستخلص منها جميعاً أنها كانت قناة مياه عزبة تغذى من النيل وصالحة للملاحة عند ارتفاع منسوب المياه فيه، ويبلغ طولها 150 كيلو متر وعرضها أكثر من 25 متراً وعمقها من 3 إلى 4 أمتار، وكانت هذه الأبعاد مناسبة تماماً لحجم السفن وقتذاك.
(قناة السويس من القدم إلى اليوم – جورج حليم كيرلس – دار المعارف – الطبعة الثالثة – 1988 من صـ 37 إلى 97).
2- القناة منذ بداية أعمال الحفر فى العصر الحديث
فى 30 نوفمبر 1854 تمكن فردينان دي ليسبس من انتزاع موافقة من والى مصر محمد سعيد باشا على شق برزخ السويس حيث أصدر والى مصر فرمان الامتياز الأول بمنح دى ليسبس حق إنشاء الشركة العالمية لقناة السويس البحرية لشق قناة تربط بين البحرين ( بند ا ) وامتياز استغلال مدة 99 سنة من تاريخ الافتتاح ( بند2) ومنح الشركة بدون أدنى مقابل جميع الأراضى اللازمة لشق القناة البحرية ( بند 3) وتوزع صافى الأرباح السنوية للشركة كالتالى : 75% للشركة و15% للحكومة المصرية و10% للأعضاء المؤسسين (بند 4) وتقدير تعريفة العبور بالاتفاق مع والى مصر على أن تكون متساوية لجميع الدول ودون منح أى منها ميزة خاصة (بند 5) وهكذا جاءت باقى البنود مجحفة لمصر والتى تتكون من 12 بند.
ثم كان الفرمان الثانى فى 5 يناير 1856 وأصدره محمد سعيد باشا ويتكون من 23 بند مؤكداً على ما جاء بالفرمان الأول وأضيف إليه بعض المواد المتعلقة بنسب عمالة المصريين فى القناة وشق تفريعات للقناة لربطها ببحيرة التمساح إلا أن أهم بند جاء بها هو البند 16 والذى نص على أنه فى حالة احتفاظ الشركة بامتيازها لمدد متتالية، قدر كل مدة منها 99 عاماً تزاد حكومة المصرية إلى 20% للمدة الثانية و25% للمدة الثالثة وهكذا بمعدل زيادة قدرها 5% عن كل مدة على ألا تزيد الحصص عن 35% من الأرباح السنوية الصافية للشركة.
وقد حرر كلا الفرمانين باللغة التركية وترجما إلى الفرنسية ونص فيهما على وجوب الحصول على موافقة الباب العالى بتركيا قبل البدء فى تنفيذ المشروع.
وفى 15 ديسمبر 1858 تأسست شركة قناة السويس تحت مسمى (الشركة العالمية لقناة السويس البحرية) برأس مال قدره 200 مليون فرنك فرنسى (7715000 جنيه مصرى آنذاك) مقسم على 400000 سهم قيمة كل منها 500 فرنك، خصصت الشركة لكل دولة من الدول عدداً معيناً من الأسهم فكان نصيب مصر 91096 سهماً، ونصيب إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية والنمسا وروسيا 1855 سهماً غير أن هذه الدول رفضت رفضاً باتا الاشتراك فى الاكتتاب فاضطرت مصر إزاء ذلك استدانة 28 مليون فرنك (1080000 جنيه) بفائدة باهظة لشراء نصيبهم من الأسهم، وبلغت الأسهم التى تملكها مصر 176602 سهم بقيمة 88.3 مليون فرنك فرنسى (3406000 جنيه) تقريباً أى ما يقرب من نصف مال الشركة.
وفى 25 إبريل 1859 ضربت الفأس الأولى فى أعمال حفر القناة فى أرض مدينة فرما (موقع بورسعيد حالياً) بعمالة قدرها 20 ألفا من السواعد المصرية التى كانت تُجبر على العمل فى الحفر تحت ظروف قاسية منها نقص الماء وقلة الغذاء وحرارة الشمس المحرقة صيفاً وبرودة الطقس القارصة شتاءً فضلاً عن انتشار الأمراض الفتاكة التى تحصدهم حصداً حتى قضت على عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء الذين طوت رمال الصحراء عظامهم على طول القناة، وفى 18 نوفمبر 1862 تم توصيل البحر الأبيض ببحيرة التمساح.
وفى 6 يوليو 1864 تم تعديل فرمان الامتياز حيث أن الخديوى إسماعيل إثر اعتلائه للعرش بعد وفاة محمد سعيد باشا عدل الفرمان بإلغاء السخرة فى أعمال القناة وتخفيض مساحة الأراضى الممنوحة لها لاسترداد قناة المياه العذبة التى تم حفرها فى 2 فبراير سنة 1862 لتوصيل مياه النيل لمواقع العمل ووافق دى ليسبس على طلبات الخديوى مقابل منح الشركة تعويض قدره 84 مليون فرنك (3240000 جنيه) بناءً على تحكيم نابليون الثالث إمبراطور فرنسا وزعت على النحو التالى (38 مليون فرنك لإلغاء أعمال السخرة فى القناة و30 مليون لاسترداد 60 ألف هكتار أى 600 كم2 من الأراضى الممنوحة للشركة بواقع 500 فرنك للهكتار، و6ملايين لاسترداد قناة المياه العذبة و10 ملايين مقابل المصروفات التى قامت بها الشركة لأعمال القناة العذبة، وتم سداد هذه المبالغ على أقساط نصف سنوية من 1864 إلى 1870 وأقساط سنوية من 1871 إلى 1879.
وفى 23 فبراير 1869 طلب الخديوى إسماعيل من الشركة أن تتنازل عن حقها فى الإعفاء من الرسوم الجمركية وعن بعض الامتيازات الأخرى الممنوحة لها بمقتضى فرمان الامتياز الأول والثانى ووافقت الشركة على ذلك مقابل منحها تعويضاً قدره 30 مليون فرنك فرنسى (1157000 جنيه) فاضطر الخديوى إزاء عجزه عن سداده إلى التنازل عن الأرباح السنوية للأسهم التى تملكها مصر فى القناة لمدة 25 عاماً.
وفى 18 أغسطس 1869 انتهت أعمال الحفر وتلاقت مياه البحرين، وجدير فى النهاية أن نسوق ما ذكره د. بول هرمان أستاذ التاريخ والجغرافيا بجامعة برلين فى كتابه عن قناة السويس (... وبذا تحققت نبؤة رجال الدين إلى فرعون مصر "نخاو" لا تشق القناة أيها الفرعون إذ أنك بشقها لن تخدم مصر وإنما تخدم الغزاة الجشعين) . (المرجع السابق جورج حلين كيرلس).
3- أوجه الخطأ فى تطبيق القانون
أ- مخالفة اتفاقية الدفاع العربى المشترك :
العدوان على العراق هو عدوان على مصر والامتناع عن اتخاذ التدابير اللازمة للدفاع عن العراق يناهض ويخالف اتفاقية الدفاع المشترك ولعل مطلب الطاعنين فى الدعوى لا يرقى إلى كامل تطلعات الشعب المصرى فى قيام مصر بواجبها والتزامها القانونى قبل دولة عربية وقعت معها اتفاقية للدفاع المشترك فمنع مرور القوات الحربية المتجهة لضرب العراق من قناة السويس هو الحد الأدنى لمطالب الطاعنين السياسية ولكنها فى الدعوى الماثلة مطلب الطاعنين الوحيد .
فقد جاء فى ديباجة اتفاقية الدفاع العربى المشترك "رغبة منها فى تقوية وتوثيق التعاون بين دول الجامعة العربية حرصاً على استقلالها ومحافظة على تراثها المشترك واستجابة لرغبة شعوبها فى ضم الصفوف لتحقيق الدفاع المشترك عن كيانها وصيانة الأمن والسلام وفقاً لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة ولأهدافها وتعزيزاً للاستقرار والطمأنينة وتوفيراً لأسباب الرفاهية والعمران فى بلادها قد اتفقت على عقد معاهدة لهذه الغاية .....".
وجاء بالمادة الثانية من الاتفاقية "تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها اعتداءً عليها جميعاً ولذلك فإنها عملاً بحق الدفاع الشرعى – الفردى والجماعى – عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معاونة الدولة أو الدول المعتدى عليها بأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما فى ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما.
وتطبيقاً لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية والمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة يخطر على الفور مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء وما اتخذ فى صدده من تدابير وإجراءات".
وهكذا جاء نص المادة صريح وقاطع بأن الاعتداء على أى دولة فى المعاهدة هو اعتداء عليها جميعاً وبالتالى فعلى الجميع أن يبادر إلى معاونة الدولة المعتدى عليها ولا يحق لأى دولة أن تتقاعس عن ذلك وأنه يحق للموقعين على هذه الاتفاقية القيام بذلك فرادى أو جماعات وذلك حتى لا تتخل أى دولة عن التزاماتها بزعم صدور قرار جماعى وقد أتاحت الاتفاقية قيام الدول بجميع التدابير حتى استخدام القوة المسلحة.
وجاءت المادتين الثالثة والرابعة للتأكيد على ذلك حيث نصت المادة الثالثة من الاتفاقية على "تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينها، بناءً على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضى أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها. وفى حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها فى اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التى يقتضيها الموقف".
ونصت المادة الثالثة على "رغبة فى تنفيذ الالتزامات السالفة الذكر على أكمل وجه تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها. وتشترك بحسب مواردها وحاجاتها فى تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية لمقاومة أى اعتداء مسلح".
كما جاءت المادة العاشرة بأنه يحظر على الدول الموقعة على الاتفاقية أن تسلك فى علاقاتها الدولية مع الدول الأخرى مسلكاً يتنافى مع أغراض هذه الاتفاقية وقد شهد الواقع العربى تطبيقات لنصوص هذه الاتفاقية واستفاد منها الشعب المصرى فى حروبه مع العدو الإسرائيلى، كما قامت مصر بواجبها فى مراحل عديدة من التاريخ العربى وأخرها قيام مصر واستناداً إلى اتفاقية الدفاع العربى المشترك بالمشاركة مع قوات التحالف الدولى فى تحرير الكويت فى أوائل العقد الماضى.
وفيما يتعلق بعدم التصريح بمرور السفن العربية المتجهة لضرب العراق فإن هناك تطبيقات مشابهة لذلك قامت بها مصر فى عقد الخمسينات من القرن الماضى حيث كانت مصر تمنع مرور السفن الحربية أو التجارية الإسرائيلية ولم يسمح لها بالمرور إلا بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد والتى أتاحت حرية الملاحة للسفن الإسرائيلية شأن باقى الدول.
ب- مخالفة الالتزام الدولى بمواجهة جريمة العدوان :
يختلف قانون الأمس عن قانون اليوم، ذلك لأن القانون الدولى خلال العقود الماضية شهد تطورات بشأن مبدأ تحريم استخدام القوة وانتهى بضرورة مواجهتها فالقوة والقانون لا يجتمعان وقد تزامنت محاولات وقد تزامنت محاولات منع استخدام القوة مع تطور القانون الدولى منذ بدايته، وهو ما يستدعى رصد هذا التطور للوصول إلى الواجب الدولى الواجب اتخاذه فى مواجهة الحرب والعدوان(1) وهو ما سنحاول الحديث عنه بشكل مختصر قدر استطاعتنا.
1- الحرب وجريمة العدوان والقانون الدولى التقليدى :
كانت فكرة الحرب فى القانون الدولى التقليدى شأن المحكمة فى العلاقات بين الأفراد، فكما يلجأ الأفراد إلى المحكمة للحصول على ما يرونه حقاً لهم عن طريق إلزام خصومهم بأداء التزامات بعينها كذلك فإن الدولة تلجأ للحرب لحسم الخلافات التى قد تنشأ بينها وبين غيرها من الدول لقهر إرادتها وإملاء ما ترغب من شروط إذا ما حققت النصر وكان ذلك راجعاً إلى افتقاد المجتمع الدولى فى تلك المرحلة إلى السلطة العليا التى تعلو إرادة الدول لافتقاده وجود منظمة تعبر عن المجتمع الدولى الأمر الذى كان يجعل مواجهة فكرة الحرب أو العدوان أمراً عسيراً ولكن بذلت بعض الجهود الدولية لأنسنة الحرب بدلاً من تجريمها أى إخضاعها لبعض الضوابط والقيود التى تستهدف توفيراً لمزيد من الحماية للمدنيين وما إلى ذلك مثل اتفاقية جنيف 1864 واتفاقيات لاهاى لعامى 199 و 1907.
فقد عنيت اتفاقية جنيف بتحسين قواعد الحرب حيث تضمنت بعض المبادئ كوجوب الاعتراف بحياد سيارات الإسعاف والمستشفيات العسكرية وتقديم المساعدة والعناية بكل الجرحى بغض النظر عن جنسياتهم، ولكنها لم تخلوا من وضع قواعد للحرب البحرية.
أما اتفاقية لاهاى 1899 حيث كان يمثل ذلك أول مؤتمر دولى للسلام حضرته 26 دولة وتناولت الاتفاقيات المبرمة الحلب السلمى للمنازعات الدولية وتقنين قوانين وعادات الحرب البرية وتعديل مبادئ الحرب البحرية التى أقرت فى جنيف 1864، كما أوجد المؤتمر محكمة التحكيم الدائمة فى لاهاى حيث عنيت بفض المنازعات الدولية بالطرق السلمية أما مؤتمر لاهاى الثانى فقد انعقد سنة 1907 بحضور ممثلين عن أربع وأربعين دولة، وقد نتج عنه إعلاناً وثلاثة عشر اتفاقية تتضمن تجديد الرغبة فى تجنب الحروب والدعوة إلى نزع السلاح وتثبيت دعائم السلام العالمى والملاحظ فى هذه المرحلة أن الدور الدولى اقتصر فى المعاهدات على وضع قواعد للحرب مع التشجيع على تجنبها واللجوء إلى التحكيم لتسوية المنازعات ولكن دون أن تعنى بفرض الجزاءات على المعتدى ولا بتحريم الحرب بنصوص صريحة وقطعية وكان من الطبيعى أن ينتهى ذلك بالحرب العالمية الأولى.
2- الحرب وجريمة العدوان وعصبة الأمم :
فى عام 1914 نشبت الحرب العالمية الأولى واستغرقت أكثر من أربع سنوات وقسمت العالم إلى معسكرين حيث بلغ تعداد الشعوب التى أعلنت الحرب ضد بعضها البعض 1.5 بليون نسمة ينتمون إلى 23 دولة قامت بتعبئة 70 مليون مقاتل وبلغت خسائرها البشرية 10 مليون قتيل و20 مليون جريح فيما بلغ حجم الخسائر المادية 208 بليون دولار.
وكانت هذه الخسائر نتيجة طبيعية للفوضى الدولية ولتراخى المجتمع الدولى عن تجريم الحرب لذلك ظهرت العديد من الدعوات الشعبية الرسمية للاتجاه بالعلاقات الدولية نحو المزيد من التنسيق والتنظيم كى لا يتكرر ما حدث فبعد الحرب أنشئت لجنة مشتركة باسم لجنة هيرست – ميلر مكونة من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع مشروع عهد عصبة الأمم والذى تدارسته الدول فى مؤتمر فرساى وحرصت على أن تضمنه فى معاهدات صلح سنة 1919 وقد تمت الصياغة الفعلية لعهد عصبة الأمم فى الاجتماع العام لمؤتمر السلام الذى عقد فى 28/4/1919 وأصبح جزءً لا يتجزأ من معاهدة فرساى ودخل دور التنفيذ بصفة رسمية فى 10/1/1920.
وقد حاولت العصبة تجنيب العالم ويلات الحروب والكوارث التى شهدها العالم قبل إنشائها وبالتالى كان من الطبيعى فرض القيود على شن الحروب وصولاً إلى تحقيق السلام للبشرية. وقد ميز العهد بين نوعين من الحروب، الحروب المشروعة والحروب العدوانية غير المشروعة.
والحروب المشروعة بمقتضى عهد عصبة الأمم كانت فى الحالات الآتية :
1- لجوء الدولة إلى الحرب بغية فض نزاع دولى تكون طرفاً فيه بعد عرض هذا النزاع على التحكيم أو القضاء أو مجلس العصبة أو مرور ثلاثة أشهر من تاريخ صدور قرار الهيئة التحكيمية أو حكم القضاء أو تقرير مجلس العصبة بشرط أن يكون الطرف الأخير للنزاع قد رفض الانصياع لقرار هيئة التحكيم أو الحكم القضائى أو لتقرير مجلس العصبة.
2- لجوء الدولة إلى الحرب بغية حسم نزاع دولى تكون طرفاً فيه متى قبلت عرض الأمر على مجلس العصبة، وذلك كلما عجز ذلك الأخير عن اتخاذ قراره فى هذا الشأن بإجماع الآراء، بشرط أن تلتزم الدول فى هذه الحالة بعدم اللجوء إلى الحرب قبل مضى ثلاث أشهر من صدور قرار الأغلبية.
3- لجوء الدولة إلى الحرب بغية حسم نزاع تكون طرفاً فيه متى تعلق ذلك النزاع بمسألة تندرج فى صميم السلطات الداخلى لتلك الدولة، وقد استغلت الدول الاستعمارية هذا النص من أجل قمع حركات التحرر الوطنية داخل مستعمراتها حيث كانت تتمسك بقيد السلطات الداخلى بغية تبرير عدم اختصاص العصبة بنظر تلك المنازعات.
4- حالة الحرب الدفاعية وهو ما يستنتج بمفهوم المخالفة من نص المادة العاشرة من العهد والخاصة بحظر العدوان، ذلك أن الحرب الدفاعية ترتبط بالحق الطبيعى للدول فى استخدام القوة المسلحة بغية رد كل عدوان قد تقع ضحية له.
5- لجوء الدول إلى أعمال الانتقام العسكرى التى لم يلحقها الخطر الصريح بمقتضى عهد عصبة الأمم.
أما الحروب غير المشروعة :
يذهب العهد إلى أنها تلك التى يتم اللجوء إليها قبل استنفاذ وسائل التسوية السلمية للمنازعات الدولية وقد تم تحديدها فى ثلاث حالات :
1- التجاء الدولة إلى الحرب بغية حسم أى نزاع دولى قد تكون طرفاً فيه قبل عرض ذلك النزاع على التحكيم أو القضاء أو مجلس العصبة.
2- لجوء الدولة إلى الحرب بعض عرض النزاع للفصل فيه بإحدى هذه الطرق ولكن قبل مضى ثلاثة أشهر من تاريخ صدور التحكيم أو الحكم القضائى أو تعزيز مجلس العصبة الذى يصدر بالإجماع.
3- لجوء الدول للحرب بغية حسم أى نزاع دولى تكون هي أحد أطرافه كلما قبل الطرف الآخر للنزاع قرار التحكيم أو الحكم القضائى أو التزام بقرار المجلس الصادر بالإجماع ولو بعد مضى ميعاد الثلاث أشهر المتقدم.
وقد اشتمل عهد العصبة فى مادته رقم "10" على مصطلح العدوان لأول مرة ويرى البعض أن نص المادة يضع معياراً موضوعياً للعدوان وهو أن كل ما من شأنه المساس بالسلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسى للدول الأعضاء يعتبر عملاً غير مشروع يستوجب تدخل مجلس العصبة لمنع وقوع العدوان أو لردعه فى حالة وقوعه، وجاء النص على النحو التالى "يتعهد أعضاء العصبة باحترام أقاليم جميع أعضاء العصبة واستقلالها السياسى القائم والمحافظة عليها ضد أى عدوان خارجى وفى حالة وقوع عدوان من هذا النوع يشير المجلس بالوسائل التى يتم بها تنفيذ هذا الالتزام".
والملاحظ فى ذلك أن مفهوم الحرب المشروعة والحرب غير المشروعة لم يكن بالقدر الكافى لمنع نشوب الحرب لأنه من ناحية لم يربط مفهوم العدوان (الحرب غير المشروعة) بمفهوم المساس أو تعديل الأوضاع الإقليمية لأن معنى هذا المساس أو التعديل كان مباحاً حتى بواسطة استخدام القوة "اللجوء للحرب" وذلك بعد اتباع الإجراءات المشار إليها فى المواد من 12 حتى 15 من العهد.
ومن ناحية ثانية هشاشة الفروق بين الحرب المشروعة والحرب غير المشروعة استناداً إلى الإجراءات السابق بيانها لاسيما أن العهد ألزم الدول الأعضاء باتخاذ تدابير جزائية وفرض عقوبات على الدول التى تلجأ إلى شن الحروب العدوانية فى الوقت الذى أعطى فيه كل دولة مطلق الحرية لتقدير ما إذا كان ما تم ارتكابه يعد عدوان أم لا ولذلك كان من الطبيعى أن تختلف الدول وتصدر قرارات متباينة بصدد الفعل الواحد وذلك تبعاً لما تقتضيه ظروفها السياسية لذلك فإن التطبيق العملى لنصوص عهد عصبة الأمم لم يكن كافياً لحظر العدوان وتحريمه ولم تكن المحاولات التالية كافية لمواجهة الحرب والعدوان مثل مشروع المساعدة المتبادلة وبروتوكول جنيف وميثاق باريس وانتهت كل هذه الجهود بالفشل وقامت الحرب العالمية الثانية .
(انظر جريمة العدوان صـ 133 حتى 149ـ المرجع السابق).
3- الحرب وجريمة العدوان والأمم المتحدة :
نشبت الحرب العالمية الثانية شهدت البشرية أهوالاً ومصائب وراح ضحيتها ملايين البشر والضحايا ما بين قتيل وجريح ومعاق وأسير فضلاً عن الخسائر المادية الجسيمة التى أنفقت على الحرب ولعل الفائدة الوحيدة هى محاولة إنشاء تنظيم دولى جديد يكون أكثر قوة ويحل محل عصبة الأمم التى انتهت فعلياً بقيام الحرب العالمية الثانية.
وقد حاول واضعوا ميثاق الأمم المتحدة تلافى عيوب التنظيم السابق وعورات عهده لذلك كان أهم أهداف الميثاق والتنظيم الجديد هو وضع الضوابط الكفيلة بالقضاء تماماً على مبدأ استخدام القوة وبالتالى حظر العدوان ومنعه نهائياً على أمل أن تنعم البشرية بالسلام والأمن [وقد كانت أول إشارة إلى هذا المبدأ العام وإلى نظام دائم للسلام فى – تصريح الأطلسى – الذى أصدره الرئيس الأمريكى روزفيلت ورئيس وزراء بريطانيا تشرشل فى 14/8/1941] الذى انضمت إليه فيما بعد – 47 دولة – جاء فيه (يتعين على شعوب العالم جميعاً أن تنبذ لأسباب روحية وواقعية استخدام القوة بشكل نهائى).
- ثم وردت أول إشارة إلى اسم الأمم المتحدة فى تصريح الأمم المتحدة الصادر فى أول يناير 1942 والذى أعلن فيه ممثلو ست وعشرين دولة فى واشنطن نصاً مشتركاً أكدوا فيه إيمانهم بالمبادئ التى قررها تصريح الأطلسى.
- فى 20/10/1943 أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتى والصين –تصريح موسكو- والذى طالبت فيه بضرورة التعجيل بإنشاء هيئة عالمية تقوم على أساس المساواة فى السيادة بين جميع الدول المحبة للسلام.
- ثم بدأت مباحثات دومبارتون أوكس فى واشنطن عام 1944 بدقة مشروع إنشاء الهيئة الدولية الجديدة.
- وفى 25/2/1945 اجتمع روزفيلت وتشرشل وستالين فى مؤتمر يالتا بالاتحاد السوفيتى لبحث أهم الثغرات التى كانت قائمة فى اقتراحات دومبارتون أوكس.
- ثم وجهت الدعوة لحضور مؤتمر سان فرانسيسكو فى 25/4/1945 وقد ضم هذا المؤتمر خمسين دولة واستمرت اجتماعاته حتى 26 يونيو 1945، حيث تم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة (الذى دخل دور التنفيذ فى 24/10/1945) وقد جاء الميثاق متضمناً مبدأ حذر استخدام القوة فى العلاقات الدولية وهو المبدأ الذى يستهدف أساساً منع العداوات والحيلولة دون وقوعها أو ارتكابها تحت أى مسمى، ويلاحظ ذلك فى مقدمة الميثاق التى جاء بها : "نحن شعوب الأمم المتحدة قد ألينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب التى جرت مرتين فى حياتنا وجلبت على الإنسانية أحزاناً يعجز عنها الوصف ..... نؤكد مجدداً .. اعتزامنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معاً فى سلام وحسن جوار وأن نوحد قوانا من أجل صون السلام والأمن الدوليين وأن نضمن قبولنا للمبادئ والأساليب اللازمة لها بعدم استخدام القوة فى غير الصالح العام..).
وتمت الإشارة لهذا المبدأ بصورة قاطعة وجازمة فى المادة – 2/4 – من الميثاق والتى تنص على : "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً فى علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لأية دولة أو على أى وجه آخر لا يتفق وممارسات الأمم المتحدة".
وهكذا جاءت باقى نصوص الميثاق واعتبرت خطوة أساسية وتقدمية فى سبيل الحد من الحروب حيث أن الميثاق لم يفرق بين الحروب العدوانية وغير العدوانية فحرمها جميعاً فكل حرب فى حكمه محظورة سواءً كانت حرب اعتداء تستهدف الحصول على مزايا ومنافع أو كانت وسيلة لحسم نزاع لم يستطع أطرافه التوصل إلى تسويته بالطرق السلمية. وتتميز صياغة المادة 2/4 بأن الحظر لم ينصرف فقط إلى استخدام القوة وإنما يمتد ليشمل – مجرد التهديد باستخدامها – كقيام دولة بحشد قواتها ووضعها دون مبرر على حدود دولة أخرى بغية إجبار هذه الدولة على تنفيذ مطلب معين.
كما أن المادة تجاوزت الثغرة التقليدية الخاصة بعدم تطابق مفهومى حظر اللجوء إلى الحرب – الحرب – واللجوء إلى – القوة – وهو مصطلح هنا يتجاوز حالة الحرب بمعناها الفنى الدقيق مثل اعلان الحرب كما كان يشترط القانون الدولى التقليدى.
كما تميز الميثاق بأن حظر استخدام القوة يشمل الأعضاء وغير الأعضاء وذلك حتى لا يسمح للدول غير الأعضاء بالتهرب من تنفيذ أحكام الميثاق وإطلاق يدها فى استخدام القوة.
ويحسب كذلك للميثاق أنه أدرك أن مواجهة العدوان لا تبدأ بمجرد اقتراف هذا الفعل وإنما تسبق وقوعه بهدف الحيلولة دون ارتكابه.
وهو ما يعنى أن على المجتمع الدولى واجب مواجهة الحرب وجريمة العدوان طالما كانت خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
لأن الأمم المتحدة دأبت منذ مولدها حتى اليوم على ضرورة منع استخدام القوة أو التهديد بها وسايرتها فى ذلك المنظمات الإقليمية، الأمر الذى سار معه تحريم استخدام القوة مبدأ من مبادئ القانون الدولى، فميثاق الأمم المتحدة هو قانون الجماعة الدولية واستناداً إلى هذا الميثاق فإن الخروج عليه هو خروج على الجماعة الدولية مما يوجب مواجهته.
(راجع الوسيط الغنيمى – قانون السلام – منشأة المعارف – من صـ 298 إلى 300).
الأمر الذى يجعل من قيام مصر بعدم التصريح ومنع مرور السفن الحربية الأمريكية وحلفائها واجباً والتزاماً دولياً طالما أنه لم يصدر بهذه الحرب قراراً من مجلس الأمن والأمم المتحدة مما يُعد قرار المطعون ضدهم السلبى بالامتناع – المطعون عليه – خطاًً فى تطبيق القانون والالتزامات الدولية.
ثانياً : عدم مشروعية القرار :
عدم إصدار قرار منع السفن الأمريكية الحربية وحلفائها المتجهة لضرب العراق من قناة السويس لحين صدور قرار من الأمم المتحدة ومجلس الأمن بذلك يصيب مشروعية هذا القرار حتى لو استند إلى اتفاق أو التزام بمعاهدة اتفاقية القسطنطينية لذلك سوف نستعرض هذه الاتفاقية والظرف التاريخى الذى نشأت فيه وحدود التزام مصر بها ثم نتناول حق الدفاع الشرعى وحماية البيئة البحرية بقناة السويس وذلك على التفصيل التالى :
1- اتفاقية القسطنطينية :
وقعت اتفاقية القسطنطينية عام 1888 بهدف وضع نظام نهائى لضمان حرية جميع الدول فى استعمال القناة، وجاء بالمادة الأولى أن تظل القناة بصفة دائمة حرة مفتوحة فى زمن السلم والحرب لجميع السفن التجارية والحربية بدون تمييز، واتفقت الدول المتعاقدة على عدم إلحاق أى مشاكل بحرية فى استعمال القناة فى زمن السلم أو الحرب.
وجاء بالمادة الثانية تعهد الدول العظمى بعدم المساس بسلامة القناة ومنشأتها وعدم إتيان أية محاولة لسدها.
وجاء بالمادة الثالثة تعهد الدول العظمى بعدم المساس بالمهمات والمنشآت والمبانى والأعمال الخاصة بالقناة.
وجاء بالمادتين الرابعة والخامسة للحديث عن حياد القناة فى زمن السلم والحرب وعدم جواز إغلاقها، وتحدثت المادة السادسة عن توزيع الغنائم، وجاءت المادة السابعة لتحظر بقاء السفن الحربية فى القناة وتسمح بذلك فى الموانئ فقط بحد أقصى اثنين لكل دولة وحظرت استعمال ذلك على الدول المتحاربة.
أما المادتين الثامنة والتاسعة تتحدث عن التزام مصر بالقيام بالتدابير الضرورية التى تضمن تنفيذ المعاهدة.
وجاءت المادة العاشرة للنص على حق تقييد الملاحة إذا اقتضى ذلك أمن مصر والتى لا تلتزم إلا بإخطار الدول الموقعة على المعاهدة.
ثم المادة الحادية عشر والتى أكدت على عدم إغلاق القناة عند استخدام مصر لحقها فى تقييد الملاحة أى فرقت بين تقييد الملاحة وحرية استعمالها، فالتقييد على الدول التى تهدد أمن مصر دون أن ينال ذلك غيرها كما يكون على السفن الحربية دون أن ينال من السفن التجارية.
ثم نصت المادة الثانية عشر على مبدأ المساواة بين جميع الدول فى استخدام القناة دون تمييز.
ثم المادة الثالثة عشر التى تناولت التأكيد على عدم المساس بسيادة مصر.
ثم المادة الرابعة عشر والتى أكدت على أبدية المعاهدة وعدم تحديدها بمدة.
ثم المادة الخامسة عشر التى نصت على عدم جواز تعارض نصوص الاتفاقية مع التدابير الصحية المعمول بها فى مصر.
ثم المادة السادسة عشر والتى تتعهد فيها الدول العظمى بإبلاغ المعاهدة إلى علم الدول غير المتعاقدة ودعوتها للانضمام للمعاهدة.
ثم المادة السابعة عشر التى حددت قواعد التصديق على المعاهدة (انظر المعاهدة بحافظة المستندات).
ومما سبق عرضه يتضح أن الاتفاقية لم تمنع مصر من تقييد الملاحة بالقناة متى كان هناك خطراً يتهددها فقد نصت المادة العاشرة على : "كذلك لا تتعارض أحكام المواد 4، 5، 7، 8 مع التدابير التى قد يرى عظمة السلطان وسمو الخديوى اتخاذها باسم صاحب الجلالة الإمبراطورية ليضمنا بواسطة قواتهما فى حدود الفرمانات الممنوحة الدفاع عن مصر وصيانة أمنها.
وإذا رأى صاحب العظمة الإمبراطورية السلطان، وسمو الخديو ضرورة استعمال الحقوق الاستثنائية بهذه المادة، فإنه يجب على حكومة الإمبراطورية العثمانية أن تخطر بذلك الدول الموقعة على تصريح لندن، ومن المتفق عليه أيضاً أن أحكام المواد الأربعة المذكورة لا تتعارض إطلاقاً مع التدابير التى ترى حكومة الإمبراطورية العثمانية ضرورة اتخاذها لكى تضمن بواسطة قواتها الخاصة، الدفاع عن ممتلكاتها الخاصة الواقعة على الجانب الشرقى من البحر الأحمر."
وكذلك المادة الثالثة عشر والتى نصت على : "فيما عدا الالتزامات المنصوص عليها فى هذه المعاهدة، لا تمس حقوق السيادة التى لصاحب العظمة السلطان وحقوق صاحب السمو الخديو وامتيازاته المستمدة من الفرمانات".
فالاتفاقية تنص على إتاحة حرية الملاحة فى كل وقت ولكل السفن الحربية والتجارية دون تمييز ولا تقييد الملاحة إلا فى حالة خطر يهدد مصر أو سلامة القناة أو منشآتها أو ينال من سيادتها على أنه يجب على مصر أن تقوم بالتدابير التى ترأها بشرط ألا يؤدى ذلك لإغلاق القناة وإنما تستمر أيضاً حرية الملاحة بما يفيد أن التقييد يقتصر على السفن مصدر الخطر دون أن ينال غيرها وهو المبدأ الذى استخدمته مصر ضد السفن الإسرائيلية حيث كانت تمنع مرورها ولم تتمكن السفن الإسرائيلية من عبور القناة إلا بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد فما قامت به مصر كان يستند إلى سبب صحيح فى الاتفاقية وانطلاقاً من حقها فى السيادة على إقليمها.
(راجع القانون الدولى العام – د. صلاح الدين عامر – الطبعة الثانية – دار النهضة العربية – صـ536 و537).
فالسيادة مفهوم قانونى يتمثل واقعاً سياسياً معيناً هو القدرة على الانفراد بإصدار القرار السياسى فى داخل الدولة على وجه النهائية وفى خارجها ومن ثم القدرة الفعلية على الاحتكار الشرعى لأدوات القمع الداخلى وعلى رفض الامتثال لأية سلطة تأتيها من الخارج.
(راجع الغنيمى الوسيط فى قانون السلام – منشأة دار المعارف هامش ص 381).
ويستخلص من أقوال الفقهاء عن السيادة بأنها سلطة الدولة التى لا توجد سلطة أخرى تعلوها أو تشاركها فى إدارة شئون إقليمها، فالدولة هى السيد الأعلى الذى لا يعترف بسلطان يعلو عليه ولها أن تتخذ كل ما تراه كفيلاً بتأكيد سيادتها على الإقليم ولا يجوز بحال أن ينزع منها شئ من اختصاصها ولكل دولة ذات سيادة أن تقدر بحرية تامة المراكز الدولية التى تعنيها وتقرر سيادتها بالنسبة لها وذلك لا يتنافى البتة مع احترام الدول لأحكام القانون الدولى ولالتزاماتها الدولية.
(راجع قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة – د. مصطفى الحفناوى – دار النهضة العربية – صـ 27، 28).
وقد وجدت تطبيقات قضائية تقرر حق الدولة صاحبة القناة فى تقييد استخدامها إذا كان هناك خطر يتهدد سلامتها أو أمن وسلامة الدولة صاحبتها، فقد ذهبت المحكمة الدائمة للعدل الدولى فى حكمها الشهير فى القضية المعروفة باسم (قضية ويمبلدون) أن يحق للدولة صاحبة القناة أن تحول دون استعمالها متى جاء ذلك هذا الاستعمال على نحو يهدد أمن تلك الدولة وسلامتها.
(راجع مبادئ القانون الدولى العام – د. سعيد جويلى – صـ 133).
2- الواقع الذى نشأت فيه الاتفاقية :
كان الواقع الدولى السائد عند توقيع الاتفاقية بعيداً كل البعد عن ضوابط العدالة بل كان متجاهلاً للضوابط الأخلاقية والإنسانية والثقافية فقد كان يسيطر عليه شهوة احتلال الآخر والعدوان عليه ونهب ثرواته، فلم يكن لعدالة الباعث على الحرب أو مشروعيته أى تأثير على قيام الحروب أو تبريرها، ولم تخضع تلك الحروب لأية قيود أو ضوابط إنسانية بل خضعت لشريعة الغاب إلى الحد الذى جعل الفقيه _ Hougo Grotius – ويعد من أبرز رواد فقه القانون الدولى فيما يعده الكثيرين أول مؤسس قواعد هذا القانون – يذهب إلى :( إننى أرى من العالم المسيحى إفراطاً فى الحرب تخجل منه حتى الأمم المتوحشة لأسباب واهية وحتى بلا سبب، فيندفع الناس إلى السلاح ولا تراعى فى الأسلحة المستخدمة لا القانون الإلهى ولا القانون الإنسانى كما لو لم يوجد سوى قانون واحد هو قانون التسابق لارتكاب أنواع الجرائم ).
من هذا الواقع نشأت ووقعت اتفاقية القسطنطينية وحملت بداخلها تناقض حرية الملاحة للسفن المدنية والحربية على السواء دون تمييز فالأولى تغنى بالتقدم والإنماء وزيادة الثروات والثانية تعنى بالخراب والدمار.
وفى الحقيقة فإن واقع المجتمع الدولى اليوم يطرح ضرورة تعديل كل الاتفاقيات التى تسهل الحرب ومنهابلا شك اتفاقية القسطنطينية التى تتيح حرية الملاحة للسفن فلابد من تقييد هذا الحق أو تضييقه وإعطاء حق المرور فى كل القنوات للمرور الذى يستهدف أعمال تحت غطاء الأمم المتحدة أو المرور للوصول إلى نقاط التدريب أو المناورات أو الزيارات على أن يمنع المرور للسفن الحربية المتجهة للعدوان والحرب خارج إطار الأمم المتحدة وإذا كان ذلك متضمن ضمنياً من خلال فقه القانون الدولى ومن خلال القواعد الدولية الجديدة المستمدة من ميثاق الأمم المتحدة والإعلانات الصادرة عنها إلا أنه صار من الواجب النص صراحة على ذلك حتى لا يكون هناك مجال للتأويل أو المناورة.
3- حق الدفاع الشرعى :
الدفاع الشرعى هو القيام بتصرف غير مشروع دولياً للرد على تصرف غير مشروع وقع ابتداءً ويشهد فى الدفاع الشرعى دفع أو رد الخطر الجسيم من قبل المعتدى والعمل على إيقافه لحماية أمن الدولة وحقوقها الأساسية ويذهب جانب من الفقهاء إلى أن الدفاع الشرعى لا يعد حقاً شخصياً ولكنه عبارة عن مركز أو رخصة أو أنه أحد أسباب انتفاء عدم المشروعية عن تصرف الدولة ولا ينطبق عليه مفهوم الحق لأنه عبارة عن المركز الذى يخول لصاحبه استخدام القوة طبقاً للقانون والدفاع الشرعى فكرة عرفتها كافة الأنظمة القانونية فعرفته كل الشرائع كحق طبيعى وغريزى ونُرد هنا بعض النصوص الحديثة ففى قانون عقوبات الثورة الفرنسية 1791 نص على (فى حالة الدفاع المشروع لا توجد جريمة مطلقاً ولذلك لا يحكم بأى تعويض مدنى) وهو ما جاء بكل الشرائع القانونية والدينية وتأكد كمبدأ أساسى فى القانون الدولى فجاء فى كتاب روح القوانين (إن حياة الدول مثل حياة الناس، فكما أن للناس حق القتل فى حالة الدفاع الطبيعى فإن للدول حق الحروب لحفظ بقائها) وقد جاء النص على حق الدفاع الشرعى فى الاتفاقية الخامسة من اتفاقيات لاهاى لسنة 1907 (لا يمكن أن يعتبر عملاً من أعمال القتال الفعلى الذى تأتيه الدول المحايدة ولو كان متضمناً استعمال القوة لدفع الاعتداء على حيادها).
وفى عصبة الأمم جاء النص عليه كذلك وإن جاء بطريقة غير مباشرة حيث تم النص عليه بعد ذلك صراحة فى بروتوكول جنيف لسنة 1924 فى مادته الثانية (أن الدول الموقعة قد اتفقت على أنها سوف لا تلجأ إلى الحرب كوسيلة لفض المنازعات بأى حال إلا فى حالة مقاومة أعمال العدوان).
وقد تأكد هذا الحق بعد النص علية صراحة فى الميثاق فى مادة 51 حيث نص على (ليس فى هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعى للدول فرادى أو جماعات فى الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء – الأمم المتحدة – إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى والتدابير التى اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تُبلغ إلى مجلس الأمن فوراً ولا تؤثر تلك التدابير بأى حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسئولياته من أحكام الميثاق ومن الحق فى أن يتخذ فى أى وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلام والأمن الدولى أو إعادته إلى نصابه).
وبموجب هذا النص أصبحت الدول تتمتع بحرية للجوء إلى استخدام القوة المسلحة بعيداً عن السلطة المركزية الدولية التى تحتكر استخدام القوة المسلحة فى هذا المجتمع الدولى – مجلس الأمن – وذلك فى حال الدفاع الشرعى طبقاً للشروط المحددة لمشروعيته وكذلك فقد اعترف الميثاق للدول بإمكانية ممارسة حق الدفاع الشرعى سواءً بشكل فردى أو بأسلوب جماعى، ويكون الدفاع فردى عندما تقدم الدولة المعتدى عليها وحدها باتخاذ التدابير اللازمة لدرء الاعتداء.
أما الدفاع الشرعى الجماعى فهو الذى تقوم به مجموعة من الدول توجد بينهما الصلات والمصالح المشتركة ما يبرر العدوان الواقع على إحداها هو عدوان على المجموعة كلها.
وقد يتم ممارسة الدفاع الشرعى الجماعى من خلال وجود ترتيبات أو تنظيمات إقليمية قائمة ومثال ذلك معاهدة حلف الأطلنطى الموقعة فى واشنطن فى 4/4/1949 والتى تم تعديلها فى 22/10/1951، وكذلك اتفاقية الدفاع العربى المشترك الموقعة فى القاهرة بتاريخ 13/4/1950 حيث نصت المادة الثانية على (تعتبر الدول المتعاقدة على اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها اعتداءً عليها جميعاً ولذلك فإنها عملاً بحق الدفاع الشرعى – الفردى والجماعى – عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معاونة الدولة أو الدول المعتدى عليها بأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما فى ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما).
(جريمة العدوان من صـ201 إلى 209).
ولا يتبقى بعد ذلك إلا مجرد قيام المدافع بإعلان مجلس الأمن بالتدابير التى اتخذتها للدفاع الشرعى (51 ميثاق)، وإبلاغ مجلس الأمن من القواعد الآمرة فى النظام العام الدولى وبالتالى فإنه لكل ذى مصلحة مباشرة كانت أو غير مباشرة أو لكل عضو فى الجماعة الدولية حق الإبلاغ عن التدابير التى اتخذتها الدولة المدافعة استناداً إلى حق الدفاع الشرعى.
(راجع جريمة العدوان – مرجع سابق – من صـ 233 إلى 235).
4-حماية البيئة البحرية :
تُعد مشكلة التلوث البيئى من المشاكل الهامة التى تشغل بال البشر باعتبارها هماً إنسانياً تطلعاً نحو بيئة أنظف فى عالم أفضل فليس من العجيب أن تظهر جماعات تدافع عن البيئة ويصبح لهم ممثلون فى برلمانات الدول المتقدمة وذلك لوجود خطر شبه دائم وداهم من انهيار الطبيعة بسبب التلوث ولم يكن ذلك ببعيد عن فقهاء القانون الدولى ورجال العدالة بشكل عام فطالبوا (ولا يزالون) بالتزام دولى قانونى تجاه حماية البيئة وكان لهم الفضل الأول فى تطور القانون الدولى فيما يخص الحماية البيئية وفى القلب منها حماية البيئة البحرية لما تمثله من أهمية بالغة فى النظام الكونى حيث تمثل البحار والمحيطات على كوكبنا نسبة كبيرة (تتزايد باستمرار). غنى عن البيان ما للحروب من تأثير بالغ الضرر على البيئة البحرية والإنسان ونذكر فى ذلك على سبيل المثال لا الحصر حادثة (هيروشيما – نجازاكى) النووية وضحاياها.
وتماشياً مع هذا الاهتمام فقد عقدت معظم الدول اتفاقيات دولية وإقليمية تهدف إلى الحفاظ على البيئة بشكل عام والبيئة البحرية بشكل خاص ومن هذه الاتفاقيات على سبيل المثال لا الحصر الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، إعلان استكهولم حول البيئة يونيو 1972، ووثيقة إعلان ريو دى جانيرو بشأن البيئة والتنمية 1992 (قمة الأرض)، اتفاقيات جنيف 1998، اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، وكذلك اهتمت الدساتير الوطنية والتشريعات القانونية لمختلف دول العالم بذات الموضوع (ومنها جمهورية مصر العربية) تنفيذاً لالتزاماتها الدولية وواجبها الدولى نحو البيئة بالإضافة إلى الأحكام القضائية التى تعتبر نبراساً يهتدى به البشر نحو الحرية والعدالة فقد اهتمت المحاكم بتأكيدها على الحق فى البيئة وواجبنا نحو المحافظة على الثروات الطبيعية وهو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا بجمهورية مصر العربية بقولها : "وإذا كان تراكم الثروة يقتضى جهداً وعقلاً واعياً فإن صون الموارد المائية من ملوثاتها يعتبر مفترضاً أولياً......".
(الفقرة الرابعة من الطعن رقم 34 لسنة 15 بتاريخ 2/3/1996 المكتب الفنى 7).
حماية البيئة البحرية فى قناة السويس :
تتمتع قناة السويس بوضع قانونى خاص فهى من ناحية مياه داخلية لأنها بكاملها داخل الأرض المصرية ومن ناحية أخرى تنظم الملاحة فيها طبقاً لأحكام القانون الدولى باعتبارها ممراً دولياً هاماً، أى أن مصر لها السيادة الكاملة على القناة باعتبارها جزء من الإقليم المصرى الوطنى فيما لا يعارض الاتفاقيات الدولية المبرمة بشأن القناة وأهمها اتفاقية القسطنطينية الموقعة فى أكتوبر 1888 (رغم اعتراضنا على تلك الاتفاقية كما أشرنا) ؟
على أن هذه الاتفاقية سالفة الذكر تخول لمصر الحق فى الدفاع عن قناة السويس وتلزمها بالمحافظة عليها باعتبارها ممراً ملاحياً دولياً أمنا وصالح للملاحة، وعلى ذلك فإن أهم ما يترتب على ذلك هو أن مياه قناة السويس تعتبر مياه داخلية ومن ثم فهى تخضع أساساً للسلطان الإقليمى لمصر ولا يحد من ذلك إلا الالتزامات الدولية الملقاة على عاتق مصر بموجب اتفاقية القسطنطينية أو غيرها من الوثائق الدولية النافذة والملزمة لها، كما أنه يحق لمصر دون سواها اتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير للدفاع عن قناة السويس بل إنه واجب عليها طبقاً لنص المادة 9/1 من الاتفاقية سالفة الذكر التى تنص على : " تتخذ الحكومة المصرية فى حدود سلطاتها المستمدة من الفرمانات، وبالشروط الواردة فى المعاهدة الحالية، التدابير اللازمة التى تحمل على احترام تنفيذ المعاهدة المذكورة".
وورد استثناء على التزامات مصر الدولية تجاه قناة السويس طبقاً لأحكام تلك الاتفاقية فقد نصت المادة العاشرة من اتفاقية القسطنطينية على : "وكذلك لا تكون أحكام المواد 4، 5، 7، 8 عقبة دون التدابير التى يضطر جلالة السلطان وسمو الخديوى باسم جلالته فى حدود الفرمانات الممنوحة لسموه إلى اتخاذها بقواتهما الخاصة لضمان الدفاع عن مصر وحفظ النظام العام وفى حالة ما إذا أخطر جلالة السلطان أو سمو الخديو إلى الاستفادة من الاستثناءات المذكورة فى المادة الحالية فإنه يجب على الحكومة الإمبراطورية العثمانية أن تحيط الدول الموقعة على تصريح لندن على ذلك".
وبناءً على ما تقدم فإنه يُستفاد من تلك النصوص أنه يحق لمصر أن تتخذ تدابير معينة ومنها منع مرور سفن معينة للدول معينة وذلك لكى تكفل تنفيذ أحكام تلك الاتفاقية أو للدفاع عن مصر أو حفظ النظام العام فإن هذه التدابير تعتبر مشروعة طالما أنها لا تمس حرية استخدام القناة بالنسبة للدول الأخرى أو تمنع العبور فى القناة منعاً باتاً.
وغنى عن البيان أن هذا الظرف الاستثنائى قد تحقق بالفعل واستخدمت مصر حقها وممارسته طبقاً لأحكام اتفاقية القسطنطينية وذلك فى أعقاب الإعلان عن قيام الكيان الصيونى على فلسطين عام 1948 وقيام الحرب العربية – الإسرائيلية.
هذا بالإضافة إلى التزامات مصر الدولية طبقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التى تنص فى المادة 192 منها على : " الدول ملزمة بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها".
م/ 221 " ليس فى هذا الجزء ما يمس حق الدولة عملاً بالقانون الدولى الغرض منه والاتفاق فى أن تتخذ وتنفذ خارج بحرها الإقليمى تدابير تتناسب والضرر الفعلى أو الداهم لحماية ساحلها أو مصالحها المرتبطة به بما فى ذلك صيد الأسماك، مما يترتب على حادث بحرى أو على أعمال تتصل بهذا الحادث من تلوث أو تهديد بالتلوث يندفع إلى حد معقول أن يسفر عن آثار ضاره كبرى" وبناءً على تلك النصوص فإن مصر عليها التزام دولى بموجب تصديقها على تلك الاتفاقية سالفة الذكر باعتبارها تدخل ضمن النصوص الواجبة التطبيق طبقاً للمادة 151 من الدستور المصرى وهذا الالتزام هو حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها وهذا الالتزام لا يتناقض مع الالتزام باتفاقية القسطنطينية (على الرغم من أن اتفاقية قانون البحار من القواعد الدولية الآمرة والتى لا يجوز مخالفتها) .
وحيث أن قناة السويس جزء من المياه الداخلية التى هى بدورها جزء من الإقليم البحرى المصرى الخاضع للسيادة المصرية على مصر تنفيذ لالتزاماتها الدولية أن تلتزم بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها فى قناة السويس وأن تحافظ على حركة الملاحة بها، ومن نافلة القول أن هناك استعدادات لشن عدوان على الشعب العراقى تحت زعم امتلاكه لأسلحة دمار شامل دون أن يكون ذلك تحت غطاء من الشرعية الدولية كما أن هناك خطط لتقسيم المنطقة العربية فيما يعرف "سايكس ـ بيكو القرن الواحد والعشرون" كما أن الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة التحالف (عدوان الشر) قد صرحت أكثر من مرة باستعدادها لضرب العراق نووياً بالإضافة إلى أن القوات الأمريكية التى تمر عبر قناة السويس "تحت بصر السلطات المصرية" تحوز على أعتى أسلحة الدمار الشامل فى التاريخ من صواريخ وقنابل وطائرات ... الخ ولن نتحدث هنا عن عدم مشروعية هذا العدوان – ونكتفى بما سبق وأشرنا إليه- مما يهدد أمن وسلامة قناة السويس وتسيير حركة الملاحة بها بما يخالف التزامات مصر الدولية طبقاً لاتفاقية القسطنطينية سالفة الذكر، بالإضافة إلى أن ذلك مخالف لاتفاقية قانون البحار التى وقعت عليها جمهورية مصر العربية فإن هذه السفن التى تمر هى خطر داهم على قناة السويس من زاوية لأنها قد تصطدم لأى سبب ما (فليس هناك ضمان) أو تنفجر إحدى هذه الأسلحة المبيدة للشعوب والمسببة للكثير من الكوارث التى تصل إلى فناء جنس البشر على وجه كوكبنا أو على الأقل (أقل تقدير) إهدار البيئة البحرية لقناة السويس بل البيئة المصرية عموماً ومن زاوية أخرى فإن مرور هذه السفن يمثل انتهاك لمبادئ القانون الدولى فيما يتعلق بحماية البيئة البحرية فى العالم حيث أن هذا التلوث البحرى الناجم عن مرور سفن حربية محملة بمئات الأطنان من أسلحة الدمار الشامل يهدد البيئة البحرية لعالم البحار عموماً لاتصال البحار ببعضها من زاوية ومن زاوية أخرى لأن القناة المصرية فى قلب العالم الملىء ببلاين البشر المتطلعون نحو (بيئة أنظف – حياة أفضل).
وبناءً على ذلك فإنه يجب على السلطات المصرية تنفيذاً لالتزاماتها الدولية تجاه المجتمع الدولى باعتباره أحد أعضاء هذا المجتمع أن تمنع مرور هذه السفن والبوارج الحربية (رسائل الموت والدمار). من المرور فى قناة السويس حماية للبيئة البحرية والإنسان المصرى وكذلك حفاظاً على مصدر من أهم المصادر للدخل القومى المصرى فى ظل ما تعانيه الدولة المصرية من أزمات اقتصادية شديدة وكالحة على مدى عشرون عاماً، حفاظاً على أرواح ملايين المصريين وبلايين البشر يجب على السلطات المصرية وقف هذا الاعتداء الصارخ والمهين لقواعد القانون الدولى وقواعد القانون المصرى، يجب على كل الباحثين عن العدالة الانتصار لقواعد القانون الدولى التى وضعها البشر بدمائهم ونضالهم من أجل عالم أكثر عدالة.
أما عن طلب وقف التنفيذ :
فيلزم للفصل فى الشق المستعجل قيام أسباب جدية إلى جانب قيام حالة ضرورية مستعجلة تبرر وقف التنفيذ مؤقتاً للفصل فى طلب الإلغاء.
أما عن الجدية :
فليس أدل على ذلك من التجهيزات الحربية الأمريكية والإنجليزية الموجودة فى الخليج وكذلك التهديدات الأمريكية العلنية لضرب العراق والإعلان عن توجه القطع البحرية الأمريكية للانضمام للقطع الموجودة بالخليج .
(راجع حافظة المستندات – الأهرام العدد 42453 السنة 127 بتاريخ 1/3/2003).
أما عن الاستعجال :
فإن القطع البحرية الأمريكية سوف تتحرك خلال الأسبوع الأول من مارس للتوجه للخليج عبر قناة السويس للانضمام إلى باقى القوات.
لـــذلــك
يلتمس الطاعنين بعد تحديد أقرب جلسة :
أولاً : بصفة مستعجلة بعد قبول الطعن شكلاً وقف تنفيذ القرار السلبى بالامتناع عن عدم التصريح ومنع مرور السفن الحربية الأمريكية وحلفائها من قناة السويس والتى تهدف إلى التهديد والعدوان والحرب ضد العراق طالما لم يصدر قرار من مجلس الأمن والأمم المتحدة.
ثانياً : وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه بما ترتب على ذاك من آثار.
وكيل الطاعنين
خالد على عمر
أحمد فوزي
أنه فى يوم الموافق
بناءً على طلب كلاً من :
1- زياد عبد الحميد زكي العليمي
2- صابر محمد بركات
3-عبد الباسط عبد الصمد عبد الرحمن
4- كمال حامد مغيث
5- مجدي عبد الحميد فرج
6- محمد فريد سعد زهران
وموطنهم المختار مكتب الحرية لأعمال المحاماة والقانون 35 شارع الشيخ على يوسف – المنيرة الشرقية – الدور الثالث شقة 33
أنا محضر محكمة انتقلت وأعلنت :
السيد / رئيس الجمهورية بصفته
السيد / رئيس الوزراء بصفته
السيد / وزير النقل بصفته
السيد/ وزير الدفاع بصفته
السيد / وزير الخارجية بصفته
وأعلنتهم بصورة من هذه الصحيفة للعلم بما جاء بها.
ولأجل العلم
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كل المقتطفات بشأن التطور الذى شهده القانون الدولى بشأن مواجهة جريمة العدوان من رسالة دكتوراه بعنوان "جريمة العدوان ومدى المسئولية القانونية الدولية عنها" إبراهيم زهير – كلية الحقوق – جامعة عين شمس – 2002.