أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الطريق إلى الغوطة














المزيد.....


الطريق إلى الغوطة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5817 - 2018 / 3 / 16 - 12:11
المحور: الادب والفن
    


بابُ البيت، سلّمني إلى مشهد الزقاق المشمس، الربيعيّ. شبان وفتية أصغر سناً، كانوا يتعاونون على رفع ما يشبه السقالة الخشبية عند عتبة البيت. عملهم، أعتمد على أغصان شجر الحَور وخصوصاً في تثبيت السقف. استفهمتُ من أحدهم، ما إذا كان الأمر يتعلق بحاج قادم من أرض الحجاز المباركة. أجابني، وهوَ يحدّق فيّ كما يفعل المرءُ بإزاء رجل غريب: " لا، يا عم. السقالة من أجل عشية العزاء ".
موكبٌ من الناس، ما لبثَ أن زحفَ إلى موقفي من ناحية مدخل الزقاق. وإذا هيَ جنازة الميت تتقدّم أولئك المشيعين. عبثاً، كانت محاولتي تمييزَ شخصٍ منهم أعرفه. خيبتي دفعتني لسؤال صبيّ يافع: " جنازة من هذه، يا بُني؟ ". شعورُ الحزن حلّ بمحل الخيبة، حينَ أعلمني الصبيّ أنها جنازة ابن جيراننا. قلتُ في نفسي متحسراً: " قبل بضعة أعوام فقد ابنه في الغوطة، وكان منشقاً عن الجيش الخائن ". الموكب، كان ما يفتأ يمرّ من قدامي وقد تصاعد صوتُ مكبر صوت سيارة التشييع بآيات قرآنية، شجية. فكم كانت دهشتي كبيرة، لما ميّزتُ بين المشيعين " الميتَ " نفسه وكان برفقة شقيقه الكبير. هذا الأخير، كان صديق طفولتي. أقتربت منه مُخترقاً الصفوفَ، لكي أحييه. الدهشة انتقلت إليه، آنَ رحتُ أعانق شقيقه بحرارة. بعد ذلك، سرنا صامتين في حضرة المشهد المحزن. أثناء مرورنا من أمام منزلهم، الكائن في صدر الزقاق، قلت لهما بنبرة مرحة: " رائع ما أراه! ". كنتُ أشير إلى سقالة أخرى، يتدلى منها عناقيد العنب الزيني. واستأنفت القول بلهجة تعجب هذه المرة: " لم أعرف قبلاً، أن عنب الزيني ممكن أن ينضج في الربيع؟ "
" الحرب؛ لقد غيّرت كل شيء في البلد، حتى المناخ "، أجابَ صديق الطفولة مومئاً برأسه إلى جهة الجنوب. أدركتُ أنه يقصد ريف دمشق والغوطة. هممتُ بطرح سؤال آخر، وإذا بموكب التشييع قد أختفى كله خلفَ المنعطف. رأيتني وحيداً مع ذلك الصبيّ ذاته، الذي نقل لي خطأ اسمَ المتوفي. تشاءمتُ منه، فلم أرغب بسؤاله عن جهة الجنازة: أهيَ متجهة إلى " مقبرة الآله رشية "، القريبة، أم إلى " مقبرة النقشبندي "، الأبعد منالاَ؟
أخترتُ السيرَ إلى الجهة الأخيرة، مُقدّراً أن صدى مسجل صوت الجنازة آتٍ من هنالك. خطوة خطوة، تتقدم قدماي في دروبٍ خاوية على عروشها يُجللها الصمتُ وكأنما هيَ في حِداد. الجادّة، انتهت بي إلى ساحة الحيّ الأكبر. توغلتُ بعدئذٍ في الدرب المؤدي إلى سوق الجمعة، ماراً تحت أسقف قناطره وأقواسه، الخشبية والحجرية. بين الفينة والفينة، أتوقفُ تحت سقالة خشبية لأمد يدي وأقطف بعضاً من ثمار عرائشها الشهية. إلى أن وجدتني بمواجهة جدار عال، سدّ عليّ الطريق. عدتُ أدراجي، لأنعطف نحوَ جهة الجنوب عبرَ دخلة فسيحة تتراصف عليها المحلات والمتاجر والمطاعم والبسطات. النزلة، أضحت أكثر وعورة وبدت كأنما لا نهاية لها. أخيراً، بانت الجادّة مجدداً. خطواتي صارت أيضاً كأنها آلية، تدفعني نحو مجموعة من عمال الأثاث. ألقيت عليهم التحية: " هذا الطريق إلى اليمين، يوصل إلى مركز المدينة؟ "، سألتهم متنهداً بارتياح. ثم شجعتني وجوههم البشوشة للاستفهام عن الطريق إلى الغوطة. نظروا إلى بعضهم البعض، مبدين عدم فهمهم لمرادي: " ما هذه، الغوطة؟! ". أحدهم، أشارَ إلى ثلة رجال معمّرين يتحلقون حول طاولة صغيرة عليها أقداح مترعة بشراب ساخن أخضر اللون: " اسألهم، يا عم، فإنهم أدرى منا بأماكن الشام ". ها أنذا بمقابل أولئك الشيوخ الطاعنين بالسنّ، أعيد عليهم سؤالي. عجوزٌ جدّ هرم، أمسك بيدي وهوَ يحدق فيّ بعينيه القاتمتيّ الزرقة، ليقول بنبرة وعيد: " ولاه، من تريد أن تخدع أنتَ؟ أعرفك جيداً! أنا المساعد الأول ـ فلان ـ وكنتُ قبل تقاعدي مسؤولاً عن قسم الذاتية في اللواء ـ كذا. أنت مطلوبٌ منذ سنوات لخدمة الاحتياط، ولم تلب الواجب حتى خلال الحرب ". ثم أضافَ مدمدماً كلماته من بين أسنانه الصناعية، مسروراً بما ظهرَ من رعب على ملامحي: " سأرسلك من توّي إلى سجن تدمر، كي تدفع هناك ثمن خيانتك للوطن! ".









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 1
- المطعم
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 2
- الهاوية
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 4


المزيد.....




- تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر ...
- تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها ...
- مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي ...
- السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم ...
- إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال ...
- اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
- عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
- موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن ...
- زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
- أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الطريق إلى الغوطة