رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5816 - 2018 / 3 / 15 - 00:03
المحور:
الادب والفن
السلاسة في مجموعة
"يوم مختلف"
عائشة عودة
من قراء روايتي "أحلام بالحرية، وثمنا للشمس" يعلم بأن "عائشة عودة" كاتبة متميزة، فمن يستطيع أن يتحدث عن التعذيب والقهر بالتأكيد يستطيع أن يتحدث عن الحياة، كنت أعتقد بأنني سأكون أمام أحداث قصصية موجعة كتلك التي جاءت في الروايات، لكن تفاجأت إيجابيا عندما قرأت هذه المجموعة، فهي تتناول العديد من نواحي الحياة، الصراع مع المحتل إلى نقد السلوك السلبي للمجتمع، إلى المشاعر الإنسانية عند القاصة، وسنتوقف عند النقلة النوعية التي قدمتها "عائشة عودة" في قصة "أما مجانين!" التي تتحدث فيها عن حواجز الاحتلال التي جعلتها تتأخر عن حفلة عيد ميلاد "يزن" ولم ترد أن تحدثه عن السبب الحقيقي لتأخرها، لكي لا تزعجه، وتكدر مزاجه وتعكر صفوة طفولته: "ماذا أقول له؟ أأشرح له ليعرف الحقيقية فاغتصب براءة أحلامه؟ أم أكذب أملا في الحفاظ على تلك البراءة؟" ص78، اعتقد بأن هذه المسألة الأهم عند القاصة، فهي التي ذاقت ويلات المحتل على الحواجز ترى أن ابتعاد "يزن" عن تلك الأجواء السوداء والمؤلمة أفضل من تعكير صفوته طفولته، ورغم أنها تحمل في داخلها الضغط والقهر، إلا أنها ارتأت أن تتجه نحو إبقاء الطفل في عالمه الجميل بعيدا عن ويلات المحتل، فاختلقت قصة السيارة المعطلة والبحث عن جحش والتي سردتها بهذا الشكل: "تعطلت السيارة حين أصبحنا في الوادي، رحنا ندفشها فلم تمش، قررنا البحث عن حمار، فوجدنا حمارا، لكنه كان جائعا، نزلنا إلى الحقل وجمعنا له الحشيش، وانتظرناه حتى أكل وشبع، لكنه أصبح عطشانا، فبحثنا عن ماء، فشرب.." ص78، ورغم انسيابية القصة والطريقة السلسة التي قدمت فيها واندماجه معها، إلا أن "يزن" وجد أنه كان من الأنسب: " أما مجانين!، ليش ما مشيتوا بدل ما تبحثوا عن حمار جوعان وعطشان؟!" ص78.
من خلال هذه القصة يمكننا القول أن الفلسطيني يهتم بالحياة وبالأطفال أكثر من اهتمامه بالبكائيات والحزن والتحسر على ما فات، فهو ينظر إلى المستقبل بعين الأمل والفرح، لهذا تم اختلاق قصة الحمار لتحافظ القاصة على صفوة الطفولة الحساسة والمرهفة من الخدش، وكأن القاصة من خلال قصتها، تقول للمحتل، رغم كل ما تفعلوه بنا ما زلنا نحافظ على أطفالنا من وحشيتكم، ولن تستطيعوا أن تسرقوا طفولة أطفالنا كما سرقتم طفولتنا.
المجموعة تضم ثلاثين قصة، وفي غالبيتها كانت لغة السرد سهلة وسلسة رغم قسوة بعض الأحداث، إلا أن اسلوب "عائشة عودة" المرن جعلها سهلة العضم وخفيفة على الروح، وبكل تجرد أقول بأن الكاتبة كانت متألقة في كتابة القصة كما كانت متألقة في كتابة الرواية.
المجموعة من منشورات دار الشروق، رام الله، الطبعة الأولى 2007
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟