أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر ثابت - بين الظاهر والعمق والمغزى، يتخبط المدافعون عن النصوص المقدسة















المزيد.....

بين الظاهر والعمق والمغزى، يتخبط المدافعون عن النصوص المقدسة


ناصر ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 5811 - 2018 / 3 / 10 - 20:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في حوارات بيني وبين المدافعين عن النصوصو المقدسة بأنواعها، يعتقد هؤلاء أنهم يفاجئونني عندما يقولون إنهم لا يأخذون النص بظاهره، بل بمعانيه العميقة التي لم يجدها الأصوليون.
هؤلاء يحاولون أن يفعلوا التالي: أن يتحرروا من سطوة الدين بطريقة ما، وأن يعيشوا حياتهم دون تأثير منه ولكن في نفس الوقت الادعاء أنهم مؤمنون ومسلمون، على طريقتهم الخاصة.
وحسبما يقولون، هم ينظرون إلى عمق النصوص ومغازيها، وليس إلى ظاهرها. أي أنهم بما أنهم مؤمنون، يجدون في أنفسهم الحق للدفاع عن دينهم، ولكن دفاعهم يأتي بطريقة اتهام من ينتقد النص بأنه لم يفهمه بعمق وأنه فهمه بظاهره فقط.
مشكلة هؤلاء أنهم يعتقدون أنهم يطرحون فهماً ليبيرالياً لنص ديني مقدس. والنصوص المقدسة هي أكثر النصوص ابتعاداً عن الليبرالية، وأكثرها تجاهلاً للإنسان وعقله وحريته وخياراته. هي نصوص جاءت لتفرض على الإنسان قيوداً، ولتحدَّ من انطلاق العقل، ولتهذب صاحبه ولتطوعه على طريقتها وتجعله سهل التسيير. لذلك نجدها مليئة بالتهديد والوعيد، ومليئة بفرض ذاتها وخياراتها على الإنسان، حتى يصبح مسلوب الإرادة ولكن في غلاف من ادعاء الصلاح والخير.
بمعنى آخر، هم لا يعرفون أنهم لا يستطيعون الجمع بين الليبرالية والعلمانية والانطلاق، وبين النصوص المقدسة الجامدة التي في ظاهرها وباطنها جاءت لقيادة الإنسان وليس لتحريره.
الأمثلة هنا كثيرة: أنت حرٌّ ولكن لا يُسمح لك أن تأكل كذا ولا أن تشرب كذا، وأنتِ حُرة لكن عليك أن ترتدي زياً معيناً. إلى آخره من الأمثلة التي لا حصر لها أبداً.
منطقياً، في التعامل مع أي نص من النصوص المقدسة وغير المقدسة، لا يوجد عندنا كبشر إلا الخيارات التالية: النص موجود، وأنت إما أن تتعامل معه، وإما أن تتركه وتتخلى عن كل ما فيه. فإذا تركتَه قلباً وقالباً أصبحت حراً. أما إذا قضيت عمرك تدور في فلكه فلا يحق لك ادعاء الحرية.
حتى لو قلتَ: أنا أفهم النص كما يحلو لي وليس كما هو ظاهر في منطوقه، فأنت ما زلت تدور في فلك النص.
أنت تبرره، وتجمِّله، وتحاول أن تعطيه أبعاداً هو لا يملكُها أصلاً.
ولنأخذ آية "للذكر مثل حظ الأنثيين" مثالاً، لا نقصد به حصر المقال ليكون حولها، لأن ما سنقوله عنها ينطبق على معظم النص القرآني.
بدأ الحوار حول هذه الآية من منطلق أنها واضحة الظلم للمرأة، ولا يختلف اثنان، أو هكذا كنا نعتقد، أنها تنتقص من حقوق الإناث بشكل واضح وصريح. فإذا قررت أن تنظر إلى هذه الآية وأن تقيم لها وزناً وأن تستخدمها في حياتك، فأنت أمام عدة خيارات هنا:
أولا: أن تعمل بالآية كما هي. فتعطي للوارث الذكر ضعف نصيب شقيقته، ثم تدور في حلقة مفرغة وأنت تحاول أن تبرر ذلك وان تخبرنا الحكمة من وراء هذا الظلم الصريح، بل وأن تقنعنا أن العالم المتحضر يتوجب عليه أن يتبع هذه الطريقة العبقرية في تقسيم الميراث.
ثانياً: أن تقضي وقتك في ليِّ عنق الآية، وكلماتها، ومحاولة إظهارها كأن تفسيرها ليس كما يبدو لنا نحن البشرَ العاديين. وهذا ما يفعله الكثيرون من أمثال الدكتور محمد شحرور، والذي يلتف على كلمات الآية ويقرؤها بطريقة مختلفة حتى يظهر لك أن النص لم يقصد توريث الذكر ضعف حصة الأنثى، بل قصد التساوي بينهما.
ثالثاً: أن تقرَّ أن الآية قصدت توريث الذكر ضعف حصة الأنثى، ولكن في نفس الوقت تضع لنا سياقاً تاريخياً معيناً يقنعنا أن هذا الأمر كان جيداً بطريقة ما في ذلك الزمان، ولكن ليس بالضرورة أن ينطبق على زماننا، وكأنك تؤمن بإله ينظر إلى الزمن بطريقة متسلسلة متتالية مثل البشر، ولم يكن يعرف أننا سنصل إلى عام 2018 يوماً ما، وسينادي كثيرون بالتحرر من النص بشكل كامل لأنه ظالم للنساء.
رابعاً: أن تقول لنا إن الآية لها معنى أعمق من مجرد ظاهرها. وأن تقضي وقتك في محاولة شرح هذا المعنى العميق الذي لا يفهمه الناس مثلما تفهمه أنت.
في الحقيقة إن هذه الحالات المتعددة لا تتعدى كونها محاولات لطمس صراعات داخلية يعيشُها أصحابها. فهم يحاولون أن يبرروا نصاً ظالماً للمرأة في منطوقه الحرفي العادي، ولكن في نفس الوقت لا يستطيعون الفكاك من تأثيره السحري الشديد عليهم.
لقد نشأوا على تقديس النص وتنزيهه من أية شوائب، وعلى احترامه بشكل لا يشبه احترامَهم لأي نص أو فكرة أو قيمة أخرى، لذلك عندما يأتي احدهم لانتقاده وطرح الأسئلة المحرجة عليه، وعرضه على العقل والمنطق، ووضعه تحت مجهر التدقيق والتمحيص، تجدهم يرتبكون في الدفاع عنه، ويتحولون إلى الهجوم بشكل لا إرادي. فأنت حينها سطحي لا تفهم النص مثلهم، هم أصحاب العمق والفهم المتعدد. وأنت لا تعرف المعنى والمغزى مما يقوله النص، ولا تفهم الحكمة منه.
النص المقدس واحد، ولكنه نص توقف عن التطور لحظة وفاة صاحبه، والمعاني التي فيه حتى وإن كانت كثيرة فواحد منها صحيح فقط. بمعنى أن النص لم يأت ليترك للناس الخيارات مفتوحة، خاصة فيما ذكره حرفياً بين دفتيه، ولم يأت ليضع أمامهم أطباقاً من المعاني الشهية يختارون منها ما يستطيبون طعمه ويتركون الباقي.
مرة أخرى، النص له معنى صحيح واحد. والتعدد في الفهم والتفسير لا يعني أنه أصبح له عدة معانٍ صحيحة. بل أن هناك معنى واحد منها فقط صحيح والباقي خاطئ.
فلو كان النص يريد لنا أن نفهم توريث الرجل والمرأة بالطريقة التي نراها مناسبة، فلا أعتقد أنه كان سيخجل من قولها صراحة وبطريقة غير قابلة للتأويل، دون الحاجة إلى علوم التفسير والتحليل. ولكن ما يحدث الآن، وما كان يحدث في الماضي، هو عملية مضنية من أخذ كل كلمة وعرضها على طيف واسع من المعاني والمقاصد والتحليلات.
عودة إلى نصِّ آية التوريث. هناك مقصد صحيح واحد فقط لمنطقوها ظاهره وباطنه، وقد جاء ليقول لنا شيئاً محدداً، والاختلاف في معرفة هذا الشيء وصعوبة وضع يدنا عليه (إن أقرَّ أحدُنا بتلك الصعوبة رغم وضوح الكلمات) لا يبرر التخبط ولا يعطي لواحد من التفسيرات أن تفرض نفسها على التفسيرات الآخرى.
هناك معنى واحد صحيح، والسؤال ما هو؟ ومن هو المسؤول عن ايجاده وتحديده وتعريفه بشكل كامل؟
إن كثرة التفسيرات والتبريرات لنص واضح كهذا لا يبشر بخير. فما الذي سنفعله إذا نظرنا إلى آيات أخرى أكثر غموضاً وتعقيداً؟
وفي الخلاصة: إن النص المقدس له معنى صحيح واحد فقط، والسؤال ما هو؟ أما محاولة الادعاء أن للنص معانيَ متعددة هو ادعاء لا يدعمه المنطق البسيط. إلا إذا قصد صاحبه (أي مصدر النص الأصلي) أن يربكنا بدل أن يعلمنا ويضع لنا معالم الطريق التي يريدها لنا واضحة وسهلة



#ناصر_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينَ أسقطُ في الموتِ مرتين!
- كيف تنهض الأمة العربية من هذا الحضيض؟
- رسالة أبي عبيدة بن الجراح إلى أهل ايلياء
- رحمَ الله امرءً عرفَ قدرَ نفسِه
- تاءٌ مربوطة
- نعم إرهابية، وليست -استشهادية-
- المشي ليلاً
- مهما فعلتَ ستهزمك عناصر العدم
- الهواء من حولي مالح
- قصيدة من وحي اللاشيء
- عن الموت والحياة والروح.
- مؤتمر آخر لفتح، المزيد من الضبابية والتشرذم
- -التطبيع- - ديكتاتورية اللغة ودورها في قمع الأفكار.
- تصحيح المسار، فلسطينيا. كيف يكون؟
- لستُ صوت أي شيء
- التعارض بين العقل والإيمان، إلى أين يقودنا؟
- حجر على جنب الطريق
- الخط الفاصل بين الموج الأزرق والرمل
- آلان كردي، ومأساة ضميرنا الجمعي
- تعذيب الساعدي القذافي، على طريقة الربيع العربي.


المزيد.....




- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر ثابت - بين الظاهر والعمق والمغزى، يتخبط المدافعون عن النصوص المقدسة