|
من وحي عبد الواحد حبابو: الإدارة تأكل أبناءها
ابراهيم منصوري
الحوار المتمدن-العدد: 5796 - 2018 / 2 / 23 - 09:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعرف الكل أن جل بلدان العالم الثالث تصوغ وتنفذ قِطاراتٍ من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وذلك من أجل تحسين التنافسية العامة للبلد ومن ثمة ترتيب الأمة على مستوى أعلى بين الاقتصاديات الوطنية على المستوى العالمي. من بين الإصلاحات التي تبناها المغرب منذ فجر الاستقلال، تجدر الإشارة إلى إصلاح المنظومة التربوية التي يشير إليها الكثيرون في المغرب وفي جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنها فعلاً قطاع مريضٌ. مهما أصلح المصلحون ربما بنواياهم الحسنة، أفسد المفسدون ربما بنواياهم السيئة.
كنت قبل كتابة هذه المقالة أتجاذب أطراف الحديث مع موظف من موظفي الكلية التي أعمل فيها مدرساً للعلوم الاقتصادية. قال عبد الواحد، ذلك الإداري الذي أفنى زهرة شبابه من أجل الكلية وفيه غصة من الغصات التي لا تندمل: "كيف يدافع الأساتذة الجامعيون عن أنفسهم تحت شمس الاكتظاظ الجامعي وفي ظل نقابتهم العتيدة ونحن الإداريون لا نستفيد من ذلك كله إلا الفُتات؟".
استرسل عبد الواحد مُتَنغصاً: "لقد عشت يا سيدي كل السنوات الأكاديمية في كلية حقوق مراكش ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي إلى ألآن بكل اكتظاظها الطلابي المُتنامي وبكل أمزجة عمدائها المحترمين؛ لقد تعبت وكللت وهَرِمْتُ ولم يتبق لي إلا بضعة أيام لأُحال على المعاش المغبون". عقبتُ على الإداري فقلت: "ألا تدري يا سيدي عبد الواحد أن الوظيفة العمومية تأكل أبناءها لكي تعيش كما تفترس أمهات التماسيح صغارها حتى لا تندثر؟ هذه هي اللعبة يا سيدي كما قرأناها في نظرية الألاعيب، أ إدارياً كنت أم أستاذاَ جامعيا، إنما الجامعة تأكل أبناءها إداريين وجامعيين رغم كل الفوارق التي تراها ثم تتصورها". يقول المثل المغربي: "لا يُحِس بالمزود إلا من ضُرِبَ بِهِ". كم أستاذ هناك في تلك المدرجات العامرة يحاول مرة بعقله ومرة بأعصابه أن يتحكم في جحافل الطالبات والطلبة وهو يكد ويجتهد لإيصال حفناتٍ من العلم إلى الوافدين الجُدُد والقُدامى في إطار بيداغوجي ربما أراد صناع القرار أن يكون غًير ملائم؟ قطاع التعليم والتربية عندنا سقيم عليل فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. إنه لَقطاع مريضٌ يُثير الشفقة في كل مستوياته فلنعترف قبل فوات الأوان يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.
ماذا تنتظر من ابنتك أو ابنك الذي يحفظ عن ظهر قلبٍ قانون التجاذب الكوني عند "نيوتون"ّ؟ ماذا تنتظر منهما وهما يحفظان عن ظهر قلب قيمة العدد الأسي؟ و...و...ماذا تنتظر منهما وأنت تتبجح بدور الرأسمال البشري في التنمية؟ لماذا تحث بناتك وأبناءك على رفض النظريات العلمية ثم توبخهم على علاماتهم المتدنية في العلوم؟ لماذ؟ لماذا؟...
أيها الإداريون، يا أخي عبد الواحد وأنت منهم، لقد عرفت أنك مجاهد من المجاهدين ومجتهد من المجتهدين كغيرك من زملائك في مهنة إدارة المؤسسات الجامعية. لقد رأيت منك الإخلاص ونكران الذات كما رأيت الشيء ذاته من موظفين وأساتذة آخرين آثروا الناس على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة. يا أخي عبد الواحد، لقد جاهدت كما جاهد أُناس قبلك وكما سيجاهد أُناسٌ آخَرون بعدك في التعليم كما في الإدارة. إنما منظومتنا التربوية يا سيدي عبد الواحد، منظومة عليلة سقيمة حتى النخاع؛ ولا شك يا سيدي أن هذه المنظومة السقيمة ستنظر للإداريات والإداريين كما للأستاذات والأساتذة بأعين دٌنيا مع بعض الفرق الطفيف. قال لي مسؤول إداري سابق ذات يوم بعد إحالته على المعاش: "لقد أحالوني على المعاش يا سيدي، ثم نظموا لي حفلا بمعية زملائي الآخرين؛ فقال كبيرهم الذي لم يحل على المعاش بعدُ إن فُلانا برع من قبلُ في توقيع وتوزيع الشواهد على الطالبات والطلبة بلا عياء ولا كلل؛ وكأن المتقاعد الجديد لم يكن يحسن إلا التوقيع والتوزيع".
إن انطبقت هذه القصة الواقعية على هذا الإداري فإنها ستنطبق على جميع الإداريات والإداريين بل حتى على الأستاذات والأساتذة المحالين على المعاش. ربما سيأتي كبيرهم يوما ليودع أستاذة أو أستاذا فيقول: "لقد برعت الأستاذة أو برع الأستاذ في نيل الرضا؛ وربما يكون ذلك بالتوقيع والتوزيع أيضا".
يا أخي عبد الواحد، لقد عرفت فيك كل إخلاص وتفانٍ ونكران ذات؛ لكن الإدارة تأكل بناتها وأبناءها كما تفترس أمهات التماسيح أنسالها لكي لا تنمحي من الوجود، خاصة في بلد جنوبي كالمغرب. يقول المثل الألماني بعد الحرب العالمية الثانية: "أنظر إلى الإدارة من فوق لا من تحت، إن نظرت إليها من تحت دهستك ثم أكلتك"...ودُمْت ذخرا للصالح العام...
#ابراهيم_منصوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أُس صِفْر
-
شِعْرٌ فِي اللحميةِ والنبَاتِي
-
شعر في النباتي
-
النباتي والكهرباء والماء وأنا
-
في رثاء الفنان موحى اٌلحُسيْن أَشِيبَان
-
الرافعة الواقعة: حِوار بين شَيْخ ومُرِيد
-
هيثم يبكي
-
الزايدي وباها بين اللجة والسكة
-
عن فاجعتي أحمد الزايدي وعبد الله باها
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|