بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 5794 - 2018 / 2 / 21 - 18:39
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات (108)
أماكن التجنيد
بشير الوندي
---------------
مدخل
---------------
دوائر الاستخبارات هي دوائر دولة , الا ان الفارق بينها وبين بقية الدوائر لايكمن فقط في الاهمية التي لاتنكر , ولكن الفارق يكمن في طبيعة المهام واماكن تلك المهام والسرية .
فرجل الاستخبارات يعمل اينما تتواجد المعلومة واينما يتواجد العملاء والجواسيس واينما يتواجد الاشخاص الذين يسهلون الوصول الى الهدف المراد من العملية الاستخبارية , اياً كان هذا المكان بكل ماللكلمة من معنى .
فاذا كان هذا المكان في داخل البلاد او بلد العدو او اي بلد ثالث او في بلد تتصارع فيه عدة اجهزة استخبارية , فلامجال للتردد ولو كان الامر على حساب غيابه عن اسرته ومدى تعرضه للمخاطر بعيداً عن مؤسسته التي تحميه .
كما ان طبيعة المكان المطلوب لايمكن ان تكون عائقاً امام تنفيذ المهام , فقد يتطلب الامر ان يكون المكان مسجداً او ان يكون ماخوراً او بيتاً للدعارة او نقابة مهنية او محطة وقود , لافرق , فاينما تكون المهمة فلابد من التواجد لتنفيذها .
ومن هنا فان تجنيد العملاء والمتعاونين يتطلب التواجد الاستخباري في ذلك المكان والزمان وفي البلد المطلوب , فالاجهزة الاستخبارية تنشر شباكها في كل مكان لصيد الضحية لأغراض التجنيد والعمل الاستخباري كمصادر او مخبرين او متعاونين , وهو جوهر موضوعنا عن ساحات التجنيد.
ولابأس من الرجوع الى مباحثنا السابقة لاسيما ثلاث منها هي
المبحث 20 (تجنيد العملاء) ومبحث 53 (المحطات الاستخبارية) ومبحث 81 (الغطاء الاستخباري).
---------------------------
ساحات التجنيد
---------------------------
تقسم ساحات تجنيد العملاء الى ثلاثة أنواع رئيسية هي :
1-ساحة بلد الجهة الاستخبارية(ساحة الوطن) : ونعني به البلد المطلوب التجنيد لأجله ولحمايته (الوطن),وتمتاز هذه الساحة بسهولة الحركة الاستخبارية , لان رجل الاستخبارات يعمل داخل وطنه , وبظهره مؤسسته التي تحميه , سواء كان المطلوب تجنيده من المواطنين او من الاجانب , وسواء كان الاجانب من البلد المستهدف او من جنسية ثالثة , وسواء كان التجنيد لغرض العمل داخل البلاد او خارجها .
ومن امثلة ذلك : تجنيد الطلاب والسياح وابناء جالية البلد المستهدف او موظفي البلد المستهدف العاملين في القنصليات والبعثات والوفود ومكاتب خطوط الطيران , وأيضا الدورات التدريبية والعناصر القادمة من ذلك البلد لغرض التدريب ضمن اتفاقيات حكومية .
2-ساحة البلد المطلوب التجسس عنه (البلدالمستهدف):ونعني به البلد الذي نحتاج للتجسس عليه واستهدافه , وتمتاز تلك الساحة بالخطورة البالغة وتحتاج الى حسابات دقيقة , لأن الغلطة فيها مكلفة , ولأن ساحة العدو متيقضة باجهزتها المكافحة للتجسس , لاسيما اذا كان المطلوب تجنيده من اهل البلد (المستهدف),ولعل الخطورة تكون احياناً اقل ان كان المطلوب تجنيده ينتمي الى بلدنا الام , ونقول (احياناً) لان الامر لايخلو من خطورة لاسيما اذا كان (مواطننا) المطلوب تجنيده في ارض العدو هو من المعارضين لنظام بلدنا , او انه من المتورطين في التعامل مع جهة استخبارية معادية.
ومن امثلة ذلك تجنيد ابناء جالية الوطن الام للتجسس على ابناء الجالية , او تجنيد موظفين من مواطني البلد المستهدف من العاملين في اماكن حساسة .
3-البلد الثالث (البلد البديل ) : وهو على اربعة انواع :
أ- فأما ان يكون بلداً محايداً .
ب- اوان يكون البلد ساحة مفتوحة لصراع الاجهزة الاستخبارية العالمية والاقليمية (كما هو الحال في العراق الذي يشهد صراعاً استخبارياً لامثيل له حتى وصل الامر بمجاهرة البعض بعمالتهم ).
ج- بلد صديق لنا .
د- بلد صديق للبلد المستهدف.
فالبلد المحايد (أ) والبلد المفتوح للصراعات الاستخبارية (ب) والبلد الصديق والمنحاز لنا (ج),فيمتازون بسهولة الحركة وبضعف آمن البلد وجهازه الاستخباري , وتردد الجالية ومواطني البلد المستهدف إلى هذا البلد , واحياناً يستفاد من التشابه العرقي او المذهبي او اللغة , الا ان الامر لايسلم من بعض المخاطر , لا من اجهزة البلد الثالث الامنية فقط , وانما من الاجهزة الاستخبارية المتصارعة التي لايمكن الاطمئنان لها , رغم ان العكس قد يحدث احياناً من خلال تعاون اكثر من جهاز استخباري على التجنيد , كما ان البلد المحايد مهم للقاء العملاء بعد تجنيدهم .
اما البلد الصديق للبلد المستهدف والمتحالف معه والذي يرتبط معه بمصالح مشتركة او البلد التابع او المتبوع للبلد المستهدف , وهو النوع (د) , فان ساحة تجنيد العملاء فيه لاتخلو من خطورة تأتي من الاجهزة الامنية للبلد الثالث , والاجهزة الاستخبارية للبلد المستهدف , ولايستبعد ان يؤدي التعاون الاستخباري الى تعقيد مهمة تجنيد العملاء مما يتطلب الفطنة والحذر.
ان اختيار الساحة البديلة له مجموعة من الاسباب اهمها :
1-خطورة او صعوبة التجنيد في البلد المستهدف.
2-حفظ سلامة المصدر .
3-عوامل أمنية تفرض عدم استخدام ساحه البلد المستهدف من قبيل قوة جهازه الاستخباري وسيطرته.
وتتخذ بعض الدول من بلد او بلدين او أكثر ساحات تجنيد راسخة لها , فالمشهور عن إسرائيل أنها تمتلك استخبارات محترفة , وأغلب جواسيسها الذين جندتهم كانوا في ساحات بديلة كلبنان وجنوب افريقيا وقبرص واليونان.
------------------------
اماكن التجنيد
------------------------
تحدثنا في الفقرة السابقة عن ساحات التجنيد والتي نعني بها الدول التي يسعى رجال الاستخبارات فيها لتجنيد العملاء , اما اماكن التجنيد فنعني بها النقاط التي يتم خلالها رصد العاملاء المراد تجنيدهم وفيها يتم التعرف عليهم عن قرب والاحتكاك بهم ودراسة تصرفاتهم وردود افعالهم وانفعالاتهم .
فهي الأماكن التي تختارها الاستخبارات لأغراض التجنيد والاتصال والتشخيص واستقطاب العنصر البشري , وغالباً ما تكون أماكن عامة مفتوحة يرتادها الجميع لا تثير الشك والريبة , وفي اغلب الاحيان تكون من اختيار الشخص المستهدف وفق هواياته واتجاهاته الفكرية والعقائدية او وفق لذاته , الامر الذي لابد من دراسته مسبقاً وتوجيه رجل الاستخبارات الى تلك الاماكن التي لاحصر لانواعها .
ان أماكن التجنيد هي نفسها متوفرة في الساحات الثلاث التي تطرقنا اليها ولا تختلف سواء كان البلد الأم او الهدف او البديل , كما ان علينا ان نلتفت الى ان التجنيد بمختلف أنواعه وأشكاله الا ان اساليبه واماكن التجنيد فيه متشابهة , سواء كان التجنيد لصالح استخبارات وطنية او استخبارات عالمية او استخبارات معادية او استخبارات دول الجوار او عصابات جريمة منظمة او مافيات لأغراض المخدرات والتهريب او الفساد الإداري والمالي , وهو ليس بمستغرب فالاساليب والاماكن تتشابه الا ان الاهداف هي التي تختلف .
فقد نحتاج لشخص قريب من أسرار او معلومات , او يعمل في منظمة إرهابية او قريب من شخصيات سياسية او يعمل في مكان مهم في مؤسسة مالية او بحثية اقتصادية او أمنية او مطار اومنفذ حدودي , او حتى شرطي حارس في سجن قد يستهدف لتسهيل عمل التواصل مع داخل السجن , فالغايات كثيره جدا ومختلفة.
اما مكان التجنيد فقد يكون مكان استخباري بغطاء او ان يكون مكان عام , أي أن المكان قد يكون مموهاً لغرض التجنيد بشكل مكتب تجاري مثلا , او مثابه للإرهاب لكن في محطة وقود , او ان يكون المكان مما يرتاده المراد تجنيده .
وبالتاكيد فان الاماكن لاتحصى كالسفارات والقنصليات والفنادق ودور العبادة ( بالنسبة للإرهاب هو أفضل مكان للتجنيد ) والجامعات ( غالبا ما تكلف الاستخبارات أحد الأساتذة لرصد الطلبة أصحاب العقول )وشركات السياحة والسفر والاماكن السياحية والمنتجعات ومقرات الأحزاب ( وتعتبر من أشهر أماكن التجنيد العقائدي ) والنوادي بأنواعها ( ليلية , اجتماعية , رياضية ) وصالات الرياضة وصالونات التجميل وأوكار السحر والشعوذة والروحانيات والمطارات والمنافذ الحدودية والموانئ ومعاهد تعليم اللغات وبيوت الدعارة ودور القمار والمقاهي ومكاتب التجارة ومؤسسات المال ( صيرفة , مؤسسة مالية , مصرف ) ومنظمات المجتمع المدني والقرى الحدودية واوساط اللاجئين في البلد واوساط الجالية التابعة للوطن الام في الخارج ودور الصحافة ومكاتب الإعلام وشركات البريد والاتصالات والنت ودور السينما وغير ذلك كثير .
----------------------------
الاماكن الافتراضية
----------------------------
لقد اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية من الوسائل الفعالة في التجنيد عن بعد دون الحاجه إلى اللقاء القريب , ولاسيما بعد انتشار التنظيمات الارهابية المتطرفة .
وقد اثبتت تلك الوسائل عمق تأثيرها في استقطاب الالاف من الارهابيين وتجنيدهم , حيث امتازت بالامان للجهة المجنِّدة وان المستهدف هو من سيأتي بقدميه الى البلد الذي ينشط به التنظيم وهو امر شاع في تنظيمات القاعدة وداعش وغيرها .
بل ان الامر تطور مع اواخر العقد الاول من القرن الحالي ليصل الى ذروته بادارة عمليات ارهابية فردية عن بعد عبر الانترنت وغرف الدردشة المتنوعة لينتج لنا ظاهرة الذئاب المنفردة الخطيرة (والتي سنفرد لها كتاباً سيصدر قريباً بإذنه تعالى) .
--------------
خلاصة
--------------
اماكن التجنيد هي الاماكن التي يتم استدراج الاشخاص اليها لغرض تجنيدهم , بالاضافة الى الاماكن التي تتواجد فيها الاجهزة الاستخبارية لغرض تجنيد العملاء , وتلك الاماكن لاحصر لها حيث تمتد من دور العبادة الى دور اللهو .
وتتواجد تلك الاماكن حيثما كان بالامكان تجنيد العميل سواء كان في بلدنا او في بلده او في بلد ثالث , فالمهم بساحات التجنيد (الدول) واماكن التجنيد ان كليهما لابد ان يبدوان من الطبيعي ارتيادهما , وفي ذات الوقت ان يجري استدراج او توريط او اقناع المراد تجنيده بمنتهى الحذر والسرية , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟