|
هل يمكن أن تقوم دولة المواطنة بغياب ركائزها ؟
صادق محمد عبدالكريم الدبش
الحوار المتمدن-العدد: 5790 - 2018 / 2 / 17 - 05:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل يمكن أن تقوم دولة المواطنة بغياب ركائزها ومقومات وجودها ؟
سؤال قديم ... جديد .. متجدد ! منذ أن جاء الاحتلال الأمريكي البغيض الى العراق عام 2003 م ، والصراع على أشده بين مكونات شعبنا المختلفة وقواه السياسية ! وهذا الصراع كان يأخذ أشكال وصور مختلفة ، وبدوافع ومبررات متنوعة ، ويستمد قوته وديمومته من قوى إقليمية وعربية ودولية ، وكل حسب قدرته على التأثير في المشهد العراقي ! ولا نريد أن ندخل في تفاصيل ذلك ، فهو معروف حتى للبعيدين عن هذا المشهد المثير للكثير من التساؤلات والاستغراب من أطراف داخلية وخارجية ، وقد تم تناولها وبإسهاب ممل من قبل كتاب ومفكرين وساسة وعلماء سياسة واجتماع وجي سياسي ، وهو أمر طبيعي لبلد مثل العراق ( تأريخ وحضارة وموقع وثروات وتراث ) وهذا ليس بجديد على هذا البلد ( بلد ما بين النهرين ) فقد شهد خلال فترة ما بعد التأريخ حروب واحتلالات ونشوء ممالك واندثار أخرى !.. وهكذا هي حركة التأريخ الإنساني .
حين نتحدث عن الدولة !.. فإننا نتحدث عن الدولة الحديثة ومقومات وجودها ونجاحها في التعبير عن إرادة الناس وبشكل متساوي وعادل ، وضمن بقعة جغرافية محددة ، ومعترف بها من قبل المنظمات الدولية وبالتحديد ( الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ) والتي تكتسب الشرعية القانونية عالميا من خلال هذه المؤسسات . وهنا سنأتي لبيت القصيد ( أو على مربط الفرس كما يقال ) .
هناك ركائز لهذه الدولة ( دولة المواطنة ) والتي يجب أن تعبر عن إرادة الناس وعن تطلعاتهم وتصون كرامتهم وتحمي أرواحهم وممتلكاتهم وتحمي حقوقهم وحرياتهم ، وتضمن لهم حقهم في التعبير عن الرأي وتوفير فرص العمل والسكن اللائق والتعليم والتطبيب والعلاج ، وغير ذلك من الحقوق ، وتثبت تلك الحقوق والواجبات في عقد اجتماعي مُلْزِمْ ( للدولة ومؤسساتها المختلفة كطرف مكلف ووفق هذا العقد المبرم مع المجتمع ) والذي عبرنا عنه وأسميناه بالعقد الاجتماعي أو الدستور .
ومن هذه الركائز الأساسية والواجب توفرها :
1- وجود مؤسسة أمنية وعسكرية واحدة وَمُوَحًدة ، وطنية ... مستقلة ومهنية ، ويكون السلاح بيدها حصرا ، دون سواها ، ولا تَخْضَع الى السلطة السياسية وأحزابها ، وتتشكل من كل الطيف المجتمعي ومن دون تمييز وإقصاء ولا تهميش . ولا يجوز تشريع أي قانون يتعارض مع شروط وثوابت واستقلال ووطنية هذه المؤسسة وتحت أي ذريعة أو مبرر أبدا . إن وجود ما أصبح يطلق عليه اليوم ( بالحشد الشعبي ،، والذي تشكلت نواته من عدد من الميليشيات الطائفية ، المعروفة بنهجها الذي يتبع لقوى وأحزاب ومراجع الإسلام السياسي ) وذلك للإبقاء على تواجدها على الساحة العراقية بعديدها وعدتها ، ولإيهام الناس تظليلا وخداعا وكذب ، بأنها أصبحت وفق القانون شرعية ، وقد باركتها المرجعية الدينية من خلال ما أصبح يعرف بالحرب على داعش أو ما يطلق عليه ( الجهاد الكفائي ) ، وتم تشريعه بقانون من قبل الكتل الشيعية المتنفذة ، والتي تمتلك الأغلبية في مجلس النواب ، بعد أن تمكن داعش من احتلال أكثر من ثلث مساحة العراق ..من المحافظات الغربية . وهذه تأشر الى مخالفات عديدة : أ - هذه المجاميع المسلحة ( الميليشيات ) هي مثل ما ذكرنا لها نهج وسياسة الدولة الدينية وتابعة لأحزاب السلطة وتأتمر بإمرتها وتسير وفق نهجها ، وهي طائفية في رؤيتها وفلسفتها وغير وطنية . ب - سلاحها وعدتها وألياتها تخضع لمراجعها ولأحزابها في كل شيء ، ولا توجد للدولة أي سطوة أو تأثير على هذه المجاميع ، وهو إخلال بوحدة وسلامة المؤسسة الأمنية والعسكرية ، ومخالف للدستور والقانون . ج - من خلال هذه الميليشيات والمجاميع ، تجد السلاح منتشر في كل المناطق الوسطى والجنوبية ، ولا قدرة للدولة على الحد من انتشاره وتأثيره سلبا على حياة الناس وعلى أمنهم وسلامتهم ، وتهديد للسلم الأهلي . د - وجود هذه المجاميع المنفلتة والسائبة ، يهدد سلامة القضاء والسلطة القضائية في قدرته على تحقيق العدالة وبسطها في المجتمع ، كون السلاح هو بالضد من القانون ومن بسط سيادة الدولة لسلطتها في البلد .
2 - المؤسسة الدينية : هناك فارق كبير بين الدولة وسلطتها ! وبين الدين وسلطته ! فلا يمكن لأي دولة حديثة ، تقوم بتحقيق العدالة بين مكونات الشعب المختلفة ، وتجمع معها السلطة الدينية في الوقت نفسه ! كونهما يسبران في خطين متوازيين ومتعارضين تماما ! ولكل من هاتين المؤسستين لهما شروطهما وقواعدهما وفلسفاتهما الخاصة بكل واحدة من هاتين السلطتين ! فكيف لنا أن نتبع القوانين الوضعية وما أقر من قواعد وحقوق ومواثيق لمنظمات دولية وحقوقية ، وتم الاعتراف بها وإقرارها وتضمينها بدستورنا العراقي ..كيف ؟
الفصل بين الدين والدولة هو شرط أساسي وجوهري ، من شروط قيام دولة المواطنة ، ولا وجود لهذه الدولة بوجود وهيمنة المؤسسة الدينية ورجال الدين على صنع القرار السياس ، وعلى التدخل في التشريع وصنع القرارأبدا .
3 - تسيس العشائر وإقحامها وإتباعها لسلطة المؤسسة السياسية وأحزاب السلطة : القبيلة والعشيرة هي مؤسسة إجتماعية نشأت في ظروف ما قبل قيام الدولة ، والدولة الحديثة ، ولها ضروراتها وصيرورتها وركائزها في شكل من أشكال التنظيم في المجتمعات المختلفة ! وبعد قيام الدولة الحديثة ، انحسر تأثير وسطوة وأحكام وأعراف العشيرة ، وتطورت بما ينسجم وتنظيم المجتمع الحديث وانبثاق الدولة الحديثة .
محاولات العودة بالمجتمع الى أعراف وقوانين ما قبل قيام الدولة الحديثة ، يعني بأننا نسير عكس قوانين التطور الطبيعي للمجتمع وللحياة . وهذا يتعارض تماما مع ركائز بناء الدولة الحديثة ( دولة المواطنة ) وهو إلغاء صريح وواضح لقيم وأعراف وضوابط الدولة المراد قيامها ، وهو تسفيه وإلغاء للقضاء ولسلطته ولهيمنة الدولة ، والرجوع خطوات الى الخلف ، مثلما نشاهده اليوم ومنذ فترة من صراع ونزاع عشائري مرير ، وشرعنه للسلاح في محافظات الوسط والجنوب ، وهذا هو تغييب للدولة وللقضاء ، من خلال إعادة الحياة للأعراف والقوانين العشائرية وأحكامها وسلطتها ، وهذا يرفضه العقل والمنطق ، وترفضه منظومة قيم وركائز وأعراف الدولة الحديثة .
إن ترسيخ مفاهيم الدولة وأعرافها وفلسفتها ، ضرورة وطنية وحضارية ، إذا كنا راغبين في إعادة بناء دولة المواطنة وتحقيق العدالة .
الدولة وبنائها هو كل متكامل ومتصل ببعضه وغير منفصل بين أجزائه أبدا . مثلما ذكرنا بأن الدولة تقوم على ركائز وأعمدة وقواعد ، ذكرنا البعض من ذلك ، وترسيخ هذه المفاهيم تحتاج الى بناء مؤسساتي لدمقراطية الدولة الحديثة ، من انتخابات وتشريع القوانين الضامنة لانتخابات شفافة وديمقراطية وتوفير مستلزماتها ( مفوضية مستقلة .. قانون شفاف يعبر عن رؤية القوى السياسية وبشكل عادل .. قانون أحزاب وطني وحقيقي .. تشريع قانون من أين لك هذا ، ومنع المال السياسي من أن يتدخل في التأثير على سير العملية الانتخابية ، والتنافس الشريف في الدعاية الانتخابية .. المراقبة الوطنية والدولية لسير العملية الانتخابية وبشكل شفاف ) .
هذا غيض من فيض يجب أن تنهض به السلطات الثلاث ، وتعمل بموجبه وتسير بهديها ، لتعيد بناء الدولة ، وفي سبيل دحر الإرهاب بشكل كامل ، ومحاربة الفساد والمفسدين قولا وفعلا ، والكشف عنهم وعن جرائمهم التي اقترفوها بحق الناس وبالمال العام ، وإعادته الى خزينة الدولة ، ومحاكمة الجنات ، وعلى وجه الخصوص الكبار منهم . ومن صلب مهمات هذه السلطات الثلاث ، التصدي للطائفية السياسية وللعنصرية وللمحاصصة ، ولكل أشكال التمييز والقهر ، ومحاربة الفقر والجهل والمرض ، والحفاظ على تماسك نسيجنا الاجتماعي وعلى السلم الاهلى ، والإسراع في عملية التنمية وتحريك عجلة الاقتصاد وعدم الاعتماد على الاقتصاد الريعي ، وتحفيز الكفاءات العلمية والمهنية لتساهم في عملية التنمية المستدامة ، من خلال استغلال كل طاقات المجتمع في عملية متكاملة ومدروسة ، تصب في خير وتقدم ورخاء العراق وشعبه ، وليحل الأمن والسلام والتعايش يبن جمي العراقيين .
صادق محمد عبد الكريم الدبش 16/2/2018 م
#صادق_محمد_عبدالكريم_الدبش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قول على قول !.. حزبنا الشيوعي العراقي والزمن الرديء .
-
يوم الضحايا الشيوعيين 14 شباط.
-
ناغيت قلبي عندما هَوَتْ مَراكِبُهُ !
-
مبكرة سيدتي !... ماذا دهاك؟
-
هناء ادور مناضلة وناشطة ديمقراطية مرموقة .
-
عن الحق لا تحيد !
-
ما زاد حنون في الإسلام خردلة ؟
-
الحزب الشيوعي العراقي عرين الرجال .
-
العبادي في قائمة النصر والإصلاح ؟
-
هذا زمن الطاعون .. !!
-
عاما جديدا !.. وهل فيه من جديد ؟
-
تغريد السيد العبادي اليوم !
-
هل شعبنا يشعر بولادة سنة جديدة ؟
-
لا أدعي الفراسة والحذاقة .. ولست بعلام للغيب ؟.. ولكن ؟
-
بهرز ... والرفيق حسان عاكف حمودي .
-
حول ما يجري من حراك في الأقليم !
-
في أخر الليل !...وقفنا عند ضحكتها !
-
لغة التصابي .. كلمتها !
-
إعادة إنتاج الأزمات !
-
أين الدولة ؟.. من العراق وشعبه ؟
المزيد.....
-
ليدي غاغا تخلت عن شجاعتها في مواجهة -هارلي كوين-
-
السبت.. إليكم آخر تطورات المواجهات العسكرية بين حزب الله وال
...
-
-التعامل مع إسرائيل أصبح صعبا-.. تقرير أمريكي يكشف عن نقاش م
...
-
إسرائيل تصدر أوامر بالإخلاء الفوري لمناطق في وسط غزة
-
عام على هجوم السابع من أكتوبر.. أبرز التداعيات على المنطقة
-
غارات إسرائيلية بالضاحية وطرابلس وحزب الله يستهدف قاعدة جوية
...
-
الإمارات تؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في لبنان وحماية المدنيين
...
-
مصر.. سرقة على متن رحلة جوية وأجهزة الأمن تكشف عن مفاجأة
-
سفير سوريا في موسكو يتهم واشنطن بالمشاركة المباشرة في العدوا
...
-
الإمارات تمنح شركة وين ريزورتس أول ترخيص لأنشطة القمار في ال
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|