|
هل يعبد المسيحيون ثلاث الهة ؟
صباح ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 5789 - 2018 / 2 / 16 - 20:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يدعي شيوخ السلفيين والمغالين في عدائهم للمسيحية و الاديان الاخرى الغارقين في بحر التناقضات القرآنية الكثيرة ، ان النصارى ولا يسمونهم المسيحيين لغرض احتقارهم ، انهم يعبدون ثلاثة الهة ، استنادا لقول القرآن : [ لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم] المائدة 73 لتوضيح عقيدة المسيحية الحقة التي لا يفهمها اولئك الشيوخ الغارقين في الجهل و عصر البداوة ولازالوا يعيشون في القرن السابع نقول لهم : عقيدة المسيحية لا تجزأ الله الى ثلاثة اجزاء ، ولا تؤمن بثلاث الهة ، وليس هم من الكفرة او المشركين كما يصفهم غلاة السلفية والوهابية و الجهلة . من يدقق في معاني كلمة الاية اعلاه سيجد كلمة ( لقد كفر الذين قالوا) ، وهذا يعني بعض الناس من الذين قالوا ، وليس كل الناس قالوا . فهذا الكلام لا ينطبق على كل اتباع السيد المسيح المنتشرين في كل بقاع العالم . من هم المعنيون ب (الذين قالوا ) ، والذين يقصدهم القرآن بالذات ؟ كان في جزيرة العرب ايام الرسالة المحمدية ، طائفة صغيرة من هراطقة المسيحيين والذين اطلق عليهم القرآن اسم النصارى ، وهم لا يمثلون مسيحيي العالم ، كانوا هاربين من الشام بسبب محاربتهم لخروجهم عن المسيحية الحقة و هرطقتهم وشذوذهم عن العقيدة الصحيحة ، فلجئوا الى صحاري و وديان جزيرة العرب هربا من العقاب. وقد نشروا تعاليمهم الشاذة هناك ، وسمع بها محمد ، فاعتقد ان هذا هو الايمان المسيحي الصحيح لكل اتباع المسيح . كان اولئك القوم الهراطقة يؤمنون بمريم الاها مع الله ، ولهذا جاء النص القرآني ليدينهم قائلا : [ واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله ؟] المائدة 116 جاءت تلك الاية تكفر اولئك القوم الضالين . وهذا لا ينطبق على كل مسيحيي العالم . فلا يوجد مسيحي واحد في العالم يؤمن ان مريم الاها . الا ان الشيوخ الحاقدين يتمسكون بما جاء في ضرف القرن السابع ويعمموه على كل مسيحيي العالم الى نهاية الزمان رغم علمهم بالحقيقة ، وان تلك الفئة الضالة قد انقرضت ولم يبق احد يؤمن بعقيدتها الفاسدة اليوم . اما التكفير الاخر لنصارى مكة والمدينة فقد جاء بصيغة انهم يعتبرون ان الله ثالث ثلاثة . وهذه فرية اخرى لا تنطبق على مسيحيي اليوم المنتشرين في ارجاء العالم من اتباع السيد المسيح . العقيدة المسيحية لا تجزأ الله القدوس الى ثلاثة ، وهذا راجع لسوء الفهم لتعبير (الآب والأبن والروح القدس ) . فاتحة صلاة المسيحيين تبدأ كالاتي : [ باسم الآب و الأبن والروح القدس ، اله واحد آمين ] فهل من المعقول ان يؤمن المسيحيون بثلاثة الهة او يقسمون الله الواحد الى ثلاثة اجزاء ثم يقولون في صلاتهم اله واحد – آمين ؟ باي منطق يفهم البعض هذا التناقض ؟ المسيحية تؤمن بالوحدة الجامعة لله الواحد . فالله له ذات ، حي بروحه ، ناطق بكلمته . وهذه صفات ثلاثة وليست اجزاء ثلاثة . وسمى المسيحيون الذات الالهية بالآب وليست الأب . اي بالمدة وليست بالهمزة . وهناك فرق بالمعنى بين الأثنين . وسمي الكلمة الناطقة للآب بالأبن ، لأنك الكلمة تلد من الفكر ، ويقال الكلمة (بنت) الشفة او بنت العقل . وسمي روح الله بالروح القدس ، فكل تلك الصفات هي لرب واحد هو الله الروح خالق السماء والارض ، وليس ثلاث الهة . [فالآب والأبن والروح القدس] صفات او اسماء الله الحسنى كما وضع المسلمون لله تسعا وتسعين اسما . يؤمن المسيحيون بالوحدانية الجامعة لله ولا يثلثون الله الى ثلاثة . وما جاء بالقرآن ( كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة ) لا ينطبق على الايمان المسيحي . جاء في سفر التثنية 4:6 من الكتاب المقدس الاية التالية : « اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ « اين هم الالهة الثلاث اذن ؟ و في انجيل مرقس اصحاح 29:12 كرر السيد المسيح بنفسه قول هذه الاية من توراة موسى حيث اجاب احد السائلين : يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. " فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَنًا، سَأَلَهُ: «أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟ فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ ."
اين هم الالهة الثلاثة التي يكفّر القرآن بها النصارى ؟ انها قيلت بزمانها للهراطقة الضالين، ولا علاقة لها باتباع المسيح اليوم . فما سبب التمسك بها الى اليوم واتهام شيوخ السلفيين والوهابية كل مسيحيي العالم بها غير الحقد الاسود و المغالاة في التطرف ؟
كما اوصى السيد المسيح تلاميذه قبل صعوده الى سماء المجد الذي كان به اولا قبل نزوله الى الارض : [ فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.] لم يقل لهم عمدوهم (بأسماء) الأب و الأبن والروح القدس ] لأنهم ثلاثة ، بل (بأسم) مفرد وهذا يدل على الوحدانية في الثلاث . فالله في العقيدة المسيحية ليس ثالث ثلاثة وانما اله واحد لا يتجزأ . في انجيل يوحنا 44:5 قال السيد المسيح لتلاميذه : [كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟ ] الاله الواحد .... ولم يقل الالهة الثلاث !!!
يتسائل القرآن بقوله : " بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة " الانعام 101 وهذا اتهام للمسيحية بانها تؤمن ان لله صاحبة وان المسيح ولد لله !! هذا فهم خاطئ وتعدى على قدسية الله . بالتشكيك بأن له صاحبة حاشا لله من هذا . الله لم يكن له ولد في يوم من الايام ولم تكن له صاحبة ، فهذا ليس من الايمان المسيحي بشئ . الله قادر ان يتجلى باي صورة يشاء ، فقد تجلى لموسى بالنار المشتعلة بشجرة العليق على جبل سيناء ، ولا يعجزالقادر على كل شئ ان يتجلى بهيئة بشر بالمسيح الأنسان الذي وصفه القرآن بانه آية للعالمين ، وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين . فقد ارسل الله كلمته ببشرى الملاك جبرائيل لمريم العذراء القديسة وقال لها مبشرا بأدب و وقار : [ اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. ] انجيل لوقا 35:1
نتسائل هنا للمشككين : هل هناك اتحاد مادي حدث بين الله وصاحبة ؟ وهل تمت عملية الحلول لروح الله بعملية نفخ في الفرج ؟ ام كلمة الله تجسد بارادته وصار انسانا و دعى ابن الله القدوس بحلول روح القدس على مريم الطاهرة التي لم يمسسها بشر . " قالت رب انى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ، قال كذلك الله يخلق ما يشاء اذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون "ال عمران 47 ما الحاجة الى النفخ في الفرج اذ يخلق الله ما يشاء بكلمة كن ؟ لقد اكد القرآن هذا الاتحاد الروحي للكلمة حين قال : [انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه ] النساء 171 كلمة الله ... و روح منه القاها الى مريم . فاين هي الصاحبة المزعومة ، والصاحبة حسب لغة العرب تعني الزوجة ؟ يتسائل القرآن باستغراب: [بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة] ؟ الانعام 101 المسيحية لا تقول ان المسيح ولد الله ، بل تقول ابن الله ، وهناك فرق في المعنى ، فالقرآن يقول ابن السبيل ، فهل السبيل يتزوج وينجب اولادا ، ونقول العراقي هو ابن الرافدين ، والمصري ابن النيل ، فهل تزوج الرافدان والنيل من صاحبة وانجبا ولدا ؟ كلمة (ابن) هنا مجازية تفسر الانتساب للاصل وليس الولادة بالجسد والناسوت واتحاد جنسي بين رجل بأمراة . مدير المدرسة يخاطب الطلبة قائلا : ابنائي الطلبة . فهل كل طلبة المدرسة هم اولاد المدير من زوجة وصاحبة ؟ ان عدم فهم حقيقة اللاهوت المسيحي اوقع كاتب القرآن في متناقضات كثيرة ، فقد اعطى للمسيح كل صفات وقدرات الله المعجزية من خلق و شفاء الاكمه والاعمى واحياء الموتى وعلم الغيب وما يأكل الناس وما يدخرونه في بيوتهم ، وهذه كلها من قدرات الله التي منحها الله للمسيح فقط ، واعترف بها القرآن . فمن يكون المسيح الذي سيأتي في آخر الزمان ليكون ديانا للعالمين ، والدينونة لله وحده فقط . ومن يكون المسيح الحامل اذن الله وقدراته معه اينما حل ورحل ، وارتفع بروحه وجسده الى السماء وسيأتي في نهاية الزمان . لماذا المسيح وحده من دون كل الانبياء و البشر يمتلك كل صفات وقدرات الله ؟ لماذا المسيح وحده امتاز بهذا الشرف الرفيع والمجد الالهي ولم تمنح لغيره ؟
#صباح_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل اثبت العلم وجود الله ؟
-
اقتباسات القرآن من المصادر اليهودية والمسيحية
-
فساد برزاني بوثائق امريكية
-
هل تحب قريبك كنفسك ؟
-
تعليقات على اخطاء القرآن
-
المسلمون اصبحوا سمكا يأكل بعضه بعضا في بحيرة يجف ماءها تدريج
...
-
حقوق كردية على حساب حقوق الوطن
-
نقد افكار الفيزيائي ستيفن هوكينج حول خلق الكون
-
هل يعبدون شيطانا
-
الاخطار التي تهدد الحياة على كوكب الارض
-
شئ من اخطاء القرآن
-
سفر التكوين بين الخلق والتطور
-
رسالة مسعود البارزاني و التعليق عليها
-
الشفرة الوراثية والتطور
-
مصدر الحياة على الأرض
-
ما معنى واصل كلمة الله أكبر
-
عادت نينوى لاحضان الوطن رغم انف الدواعش
-
اسئلة الى اله القرآن
-
مؤتمر بروكسل وموقف الكنيسة الكلدانية منه
-
اسرار الروح والحياة
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|