|
منظمات المجتمع المدني و آفاق الإصلاح
نضال العبود
الحوار المتمدن-العدد: 1482 - 2006 / 3 / 7 - 11:06
المحور:
المجتمع المدني
يرتبط العقل السياسي العربي الرسمي بعلاقة مشوهة مع منظمات المجتمع المدني، فهذا الأول يقوم على الاستبداد و الثاني يكرس أنشطته و جهوده من أجل إصلاح الفساد. فالأنظمة الاستبدادية الممثلة لهذا العقل تناصب شعوبها العداء و تمنعها من الوصول إلى حقوقها عن طريق التنكيل و التجهيل حتى تكرّس في اللا وعي الجمعي لهذه الشعوب بأنها فعلاً لا حقوق لها و ما عليها إلا واجبات حمد السلطان و تمجيد اسمه و التغني بمناقبه و فضائله لإبقائها حية على قيد الحياة ، وهذه منّة ما بعدها منّة !
فنشأ المواطن مأسوراً، مكسوراً، مقهوراً لا يقو و لا يجرؤ على المطالبة بحقوقه التي ولدت معه و التي سلبت منه بقوانين جائرة تحرسها أجهزة قمعية لبست لبوس حقوقي يتأتى من شرعية الدولة التي تماهت معها عبر تاريخها الطويل، و أصبح المواطن لا يفرق بين السلطة و الدولة و أضحى المفهومان مفهوم واحد بالرغم من اختلافهما بالمعنيين الواقعي و السياسي.
إن تغول الدولة و طغيانها على المجتمع الذي أوجدها جعل أداتها و هي السلطة تقلص من حرياته بحجة تأدية وظيفة الدولة التقليدية القائمة على نظرية الأمن و الحفاظ على السلم الأهلي و درء الأخطار الخارجية التي يمكن أن تهدده سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً و ثقافياً. لكن مع تقدم التاريخ و اكتسابه أبعاداً جديدة أصبح مناط بالدولة أدواراً و وظائف أخرى لم تعترف بها الدول التي تديرها أنظمة استبدادية، و من أهم هذه الوظائف احترام حقوق الإنسان، و من هنا نشأ الخلاف بين هذه الدول و مجتمعاتها المحاصرة بين سندان الداخل و مطرقة الخارج.
لذلك تنظمت أجزاء من هذه المجتمعات للقيام بمهمات ذات صفة تطوعية غير ربحية و أهداف محددة و كونت ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني و أخذت على عاتقها مهمة سد الفجوات التي لم تعمل فيها الدولة بالرغم من أهميتها.
بالرغم من عراقة منظمات المجتمع المدني في المنطقة العربية التي تعود إلى قرون خلت لكن عملها ظل محصوراً في المجال الديني (الأوقاف). و لم يتطور ليشمل أبعاداً أخرى بسبب كبح الدولة لنشاطاتها عندما تصل إلى المطالبة بالحقوق السياسية و هذه الدول تدعي بأن فكرة المجتمع المدني فكرة غربية كحجة للتلكؤ في الإصلاحات.
تعمل منظمات المجتمع المدني في ظروف بالغة الصعوبة نظراً لغياب الديمقراطية ، و أهم القضايا التي تضطلع بها في المنطقة العربية هي قضايا الإصلاح، الإصلاح السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي. فالحكومات المستبدة تتحدث عن الإصلاح و ترفعه شعاراً لها و هي عندما تتحدث عنه تعترف ضمنياً بأن هناك فساد نتيجة حكمها الطويل. و قد تعمد فعلاً إلى الإصلاح و لكنه إصلاح ذو طابع ديكوري غرضه الالتفاف حول الضغوط الخارجية التي تأتي من أطراف دولية و خاصة الولايات المتحدة الأمريكية لها أجندتها الخاصة الغير متوافقة مع مصالح الشعوب العربية. و مهما يكن من أمر فإن اعتماد منظمات المجتمع المدني على الخارج يفشل عملية الإصلاح لأنه كما أسلفنا أن للخارج أجندته الخاصة التي يريد أن يمررها عبر دعمه هذه المنظمات لذلك يبقى الاعتماد على العناصر الذاتية للأمة و الرهان على شعوبها كفيلاً بنجاح مهماتها و أهدافها السامية و يكسبها المصداقية أمام الشرائح التي تتكلم باسمها و التي تسعى لتحقيق مصالحها.
قضية الإصلاح في المجتمعات العربية تعني محاربة الفساد و التقليل من آثاره على تقدمها و على برامجها التنموية، و الفساد سببه الاستبداد لذلك الإصلاح كهدف يتجلى في السعي نحو الديمقراطية و الشفافية. الحكومات العربية تدرب شعوبها على التبعية و تمنعها من المشاركة في رسم مستقبلها و ما زالت تعاملها بمنطق الوصاية كرعايا و ليس كمواطنين. لذلك فإن من أولى مهمات منظمات المجتمع المدني هي تثقيف المواطن العربي و تعريفه بحقوقه الأساسية و زيادة وعيه و نشر الثقافة الديمقراطية و التربية على المواطنة.
بالرغم من ادعاء الحكومات العربية محاربة الفساد إلا أنها في الوقت نفسه تحرص على التعتيم و لا تلتزم أدنى حدود الشفافية فهي تمنع المواطن من الحصول على المعلومات مما يجعل محاربة الفساد من الصعوبة بمكان، و عملية الرقابة و المحاسبة ضرب من المستحيل. فحتى الآن لا توجد أية قواعد للشفافية تسير عليها في معرفة ما يمكن أن تعرفه شعوبها أو لا تعرفه. فعدم الشفافية يؤدي إلى الشائعات والشائعات المضادة مما يفقد الحكومات مصداقيتها و يعريها من الملابس البراقة التي تلبسها في كل مناسبة.
لا شك أن منظمات المجتمع المدني في البلدان العربية ما زالت في أو ل الطريق و طريقها ليست معبدة بالورود و الوقوف أمام قطار السلطة العربية يتطلب ثباتاً و جرأة ، لذلك فمن الواجب تفعيل مؤسسات المجتمع المدني و عدم انتظار الحكومات للقيام باستحقاقات التغيير و تكوين جماعات ضغط للقيام بهذه الإصلاحات لتقليل المسافة بين الواقع و الطموح.
#نضال_العبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حماس و روسيا
-
القوة العالمية الثالثة
-
البحث العلمي بين الشعار والتطبيق
-
هل المرأة حقاً هي شرف الرجل؟
-
حماس تلج المجتمع الدولي من البوابة الروسية
-
مديرية حقول الفساد
-
الشفافية في مواجهة الفساد
-
تهميش حملة شهادات الدراسات العليا و تداعي القطاع العام في سو
...
-
إصلاح العلاقة بين الدولة و المجتمع
المزيد.....
-
السعودية تنفذ -القصاص- وتعلن إعدام مواطن كاشفة كيف قتل مقيما
...
-
أسماء الأسرى المقرر تحريرهم ضمن الدفعة الثالثة بصفقة طوفان ا
...
-
ترامب ينشئ مركز احتجاز للمهاجرين في غوانتانامو.. وكوبا تندد
...
-
تفاصيل عملية تبادل الأسرى الجديدة بين -حماس- وإسرائيل
-
ترامب يوجه بإرسال 30 ألف مهاجر غير شرعي إلى غوانتانامو.. وكو
...
-
أمر تنفيذي لترامب لاحتجاز ما يصل لـ-30- ألف مهاجر في -غوانتا
...
-
ترامب يقرر تحويل غوانتانامو إلى مركز احتجاز لعشرات الآلاف من
...
-
الجمهوريون يحثون ترامب على معاقبة الجنائية الدولية لإصدارها
...
-
-تصرف وحشي-.. رئيس كوبا يندد بخطة ترامب لاحتجاز مهاجرين في غ
...
-
وفد قيادي من حماس يلتقي أردوغان في أنقرة ويبحث آخر التطورات
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|