|
قصة -وجه أخي- بالمجموعة القصصية -جمل عتاقة- لمحمد خليل.. نموذجاً للأدب الذاتي والحرب
محمود سلامة محمود الهايشة
(Mahmoud Salama Mahmoud El-haysha)
الحوار المتمدن-العدد: 5785 - 2018 / 2 / 12 - 18:33
المحور:
الادب والفن
صدرت المجموعة القصصية "جبل عتاقة" للقاص الدقهلوي محمد خليل، الطبعة الأولى عام 2016، عن فرع ثقافة الدقهلية، التابع لإقليم شرق الدلتا الثقافي – الهيئة العامة لقصور الثقافة، تقع المجموعة في 102 صفحة من القطع المتوسط، راجع المجموعة لغويا الشاعر الأستاذ/ أحمد الحديدي، أخرجها فنيا الأستاذ/ أيمن محمد عيد – مدير دار الإسلام للطباعة والنشر، مدير تحرير السلسلة الأديب/ طارق العوضي. وقد جاءت القصة الأولى بالمجموعة بعنوان "وجه أخي"، وهو عنوان موفقة بشكل كبير جداً، فهو متسق مع فكرة القصة وما تناولته، فقد خبه الكاتب سر العنوان إلى قرب نهاية قصته، وبالتالي جعل القارئ يبحث طوال قراءته للقصة عن الوجه الذي يقصده القاص. بطلا القصة هما هو/الراوي وأخيه "منتصر" الذي يصغره بعام واحد فقط، ترسخ القصة لمجموعة من القيم الإيجابية والأخلاق الرفيعة كالتفاؤل والابتسامة والكرامة والثقة بالنفس والقدوة الحسنة والإخلاص في أداء الواجبات الدنيوية والفرائض الدينية... الخ. لذا فيمكن أن نطلق عنوانا بديلا للقصة بـ "وجه منتصر". تعد القصة من القصص التي ترصد لفترات الحرب "قبلها، وخلالها، وبعدها"، لذا فيمكننا أن نقول عن هذه القصة أنها من أدب الحرب، فهي ترسم ملامح المشهد على الجبهتين الداخلية "بين المواطنين في الشوارع والبيوت"، والخارجية "وهي ساحة ومسرح العمليات العسكرية، أي الجبهة المقابلة لجبهة العدو مباشرة". رصد الكاتب المشاعر الإنسانية الجياشة للأم التي لها أبناء محاربين على جبهة القتال بصورة عميقة ودقيقة وواقعية، ولم يكتفي بتصور ما يجول في نفسية هذه الأم، بل غاص في مشاعر المتلقي لكلمات هذه الأم الحزينة القلقة، فلأول مرة أقرأ لكاتب يشرح الجهاز النفسي لإحدى أبطال قصته بل ويصف أحساس قارئ تلك المشاعر، منتهى الإبداع الممزوج بالخيال التصويري. كتبت القصة باللغة العربية الفصحى، عدا من بعض الكلمات البسيطة العامية، والتي كان لابد وأن تكتب عامية لضرورة السرد، لأنها موظفة داخل النص القصصي، ولا يجوز كتابتها بالفصحى، لأنها ستخل بالمعنى ولا تصل الرسالة التي كان يريد الكاتب إيصالها، وهي في الغالب تأتي داخل الحوار بين شخوص القصة. يستطيع أن يحدد القارئ مكان حدوث القصة وزمان حدوثها، إلا أن الكاتب قد زيل قصتها بالزمكانية في بطاقة القصة، حيث يقول "تولدت الفكرة من موقف حقيقي حدث في صحراء "السويس" قبالة "جبل عتاقة" عقب انسحاب القوات الإسرائيلية بعد محادثات الكيلو 101 والكتيبة التي كنت أنتمى إليها تتهيأ؛ لاستعادة الجبل بعد احتلال القوات الإسرائيلية له"، ومن خلال ما كتبه الكاتب محمد خليل في السطور القليلة السابقة، نستطيع أن نقول أن القصة من أدب السير الذاتية للكُتابّ، فكتبنا هنا يرصد ما حدث له في الحرب وما دار في الكواليس، وأن الراوي بالقصة هو نفسه الكاتب محمد خليل، ومنتصر الشهيد الذي رائه صدفه بترتب رباني هو شقيقه وأمه ابن البطل وأم الشهيد والتي كان تطلق على العدو الصهيوني "أولاد الهرمة". فتدور أحداث القصة ما بين مكانين أساسي وفرعي، أساسي أو المكان الرئيس حيث يعد المكان أحد أبطال القصة ألا وهو منطقة وقمة جبل عتاقة بالسويس، والمكان الفرعي أو الثانوي وهو قرية البطل الراوي. يتشابه مشهد اختلاف الجنود وحيرتهم ماذا يفعلون بالساق التي خرجت من باطن الأرض، وانقسامهم على أنفسهم وعدم الاتفاق على قرار ورأي واحد، ويذكرني بمشهد اختلاف أهالي القرية التي ظهر فيها أصحاب الكهف بعد أن بعثهم الله واستيقظوا من نومهم بعد 309 سنة، هو تشبيه مع الفارق، هم كانوا أحياء ولكنهم نائمون عدة مئات من السنين، ولكن المقصود بالشبه أنه دائما يختلف الناس على اتخاذ القرار النهائي خاصة عندما يتعلق الأمر بأشقائهم من بني آدم، فالتجارب الإنسانية في هذا الشأن متكررة منذ لحظة قتل قابيل لأخيه هابيل وقصة تعليم الغراب للإنسان كيفية الدفن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. يصور الكاتب مشهد العثور على جثة أحد الشهداء بالصدفة البحتة كأنه مشهد سينمائي درامي مهيب ومؤثر، يركز الكاتب على الجانب النفسي للراوي البطل وباقي الشخوص من حوله، لدرجة أنه وصل إلى أعماق النفس الإنسانية. فقد خرج جميع أبطال القصة فائزون منتصرون: - الجيش المصري منتصرا في الحرب على العدو الصهيوني مستردا الأرض. - الأم منتصرة: رجوع ابنها الأكبر سالما غانما، واستشهاد ابنها الأصغر منتصر، فأصبحت أم الأبطال وأم الشهيد. دائما ما أبحث خلال قراءتي لأي عمل سردي عن جملة مأثورة صاغة الكاتب، وبالفعل قد وجدتها في بداية صفحة 8 عندما كتب محمد خليل قائلا: "كان الظلام قد ابتلع نور الشمس في جوفه".. عبارة في منتهى الروعة من حيث التشبيه والبلاغة، فهي ذات دلالة وعمق نفسي كبير جداً. جاءت القصة خالية من الأخطاء الإملائية والمطبعية عدا من كلمة واحدة فقط جاءت في صفحة 8، وبالتحديد في السطر الرابع وهي كلمة (عصية) وقد وردت بالقصة المطبوعة بالكتاب (صعية) أي سبق حرف (الصاد) حرف (العين). تعتبر هذه القصة – قصة بين قوسين- نعم قوس البداية متمثل في أول جملة بالقصة "لم نفترق – منذ رأيت" وهو يشبه ضربة بداية المباراة ويمثل بداية الحياة الدنيا؛ وقوس النهاية ألا وهو عبارة الخاتمة للقصة "عما يصنعون بجثة الشهيد" وهو يشبه صفارة حكم المباراة معلنا عن نهايتها، ويمثل بداية حياة البرزخ والموت، ولكن هنا الميت شهيد، والشهداء عند ربهم أحياء، أي أن قوس النهاية هو قوس من نوع جديد يمثل حياة دائمة مستمرة جديدة لشخص مات شهيداً مدافعا عن أرض وطنه مجاهدا في سبيل الله. تعد جملة البداية هي (المبتدأ) وجملة النهاية هي (الخبر). أدعو كل محبي فن القصة القصيرة لقراءة محمد خليل، فقصته "وجه أخي" قمة في الحبكة، روعة في العقدة، تميز في التركيب ثم الفك ثم التركيب، السرد لدى خليل ليس بالطويل الممل أو القصير المخل. علما بأن الكاتب/ محمد محمد خليل، من مواليد 28 سبتمبر 1946، البصراط-مركز المنزلة – محافظة الدقهلية، عضو اتحاد كُتابّ مصر، رئيس العلاقات العامة بالغرفة التجارية بالدقهلية حتى انتهاء مدة خدمته نهاية عام 2006، مقرر شعبة الغرف التجارب بالنقابة العامة لعمال التجارة بالقاهرة، وقد شارك في حرب أكتوبر 1973. دراسة بقلم/ محمود سلامة الهايشة : عضو نادي أدب قصر ثقافة المنصورة والمحاضر المركزي بالهيئة العامة لقصور الثقافة – وزارة الثقافة ؛ [email protected]
#محمود_سلامة_محمود_الهايشة (هاشتاغ)
Mahmoud_Salama_Mahmoud_El-haysha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضفضة ثقافية (407)
-
فضفضة ثقافية (406)
-
حوا هالة العكرمي سر من أسرار الحياة
-
النجوم والكواكب في سماء ديوان – من جديد أخلق- للشاعر أحمد غن
...
-
ارتشاف الطيف ديوان في حب سيناء وعشق جيش مصر حاميها
-
فضفضة ثقافية (405)
-
ديب -العمه تحية- المشاكس يلعب فوق حش البرسيم
-
في الذكري الأولى لوفاة شاعر المنصورة صفي الدين ريحان
-
نادي أدب بيت ثقافة بني عبيد ملئ بالمبدعين في كافة أشكال الإب
...
-
زهرة المدائن وسنابل القمح بديوان ألغاز متاحة للشاعر محمد الش
...
-
فضفضة ثقافية (404)
-
فانتازيا مشاهد الاستشهاد بقصة -غادة آخر الليل- للكاتبة دعاء
...
-
فضفضة ثقافية (403)
-
القاصة هبه فوزي وقصتها التيير الأزرق وأحلام الطفولة
-
الانتقال بمكان القصة من الواقع الحقيقي إلى الواقع الافتراضي
...
-
وجع طازج يؤدي لموت طازج قصة ل عبدالباسط سعد عيسى
-
إشكالية الفقر والجوع في قصة فتاة القمامة للقاصة شيرين عابدين
-
قصة سارة الدمشقي للكاتبة صفاء عبدالمنعم.. من قصص السير الذات
...
-
فضفضة ثقافية (402)
-
فضفضة ثقافية (401)
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|