أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - بهيج إسماعيل … الروايةُ بنكهة الشِّعر والجنون














المزيد.....

بهيج إسماعيل … الروايةُ بنكهة الشِّعر والجنون


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5785 - 2018 / 2 / 12 - 13:40
المحور: الادب والفن
    



"وأين كنتُ أنا حين حملوكَ إلى قبرك ليدفنوك حيًّا؟!" سألتِ البنتُ الجميلةُ حبيبَها، لكنه لم يُجب.
ظَنّوه ميّتًا، فدثّروه بالأكفان وحملوه إلى الموت، ثم سجنوه في ظُلمة قبرٍ ضيّق. ولمّا نفضوا أياديهم منه، عاوده الحنينُ إلى صخب الحياة، فرفع بيديه وقدميه حجرَ المُعتقل الأبديّ، وقام من مواته. ثم راح يركضُ صوب قصره المنيف، مُتعثّرًا في أكفانه. ولأن الأوراقَ في المجتمعات المُترهّلة بالشكلانية أقوى من الواقع، احتشد السَّدنّةُ قابضو الأرواح وهاجموا القصرَ وحملوه قسرًا إلى قبره من جديد، استيفاءً لشهادات الوفاة التي تسمح بذهاب الأحياء إلى الموت، ولا تسمحُ بعودة الموتى للحياة، وإن كانت قلوبُهم تنبضُ بالعشق والحياة. راح يصرخُ أنه حيٌّ، وأن الروحَ لم تفارقِ الجسد، فما أنصتوا. كان العاشقُ يحكي للحبيبة تلك الحكاية، فتُقاطعه بين الكلمة والأخرى متساءلةً كما طفلةٍ ترفضُ ذهابَ الأب، وكما أُمٍّ ترفضُ ثكلَ الابن: “وأين كنتُ أنا حين دفنوكَ حيًّا؟!” ولكنه يسترسلُ في الحكي ولا يجيبُ سؤالَها المنطقيَّ. وأيُّ منطقٍ في جنون طبيب أفنى من عمره عقودًا لابتكار مصلٍ يهزمُ الموتَ، عدوَّ الإنسان الأول؟! وأيُّ منطقٍ في أن تعشقَ صَبيّةٌ غيداءُ في مقتبل الإشراق، كهلاً يوشكُ أن يذوي؟! وأي منطقٍ في أن يطرقَ الموتُ بابَ تلك الصَّبيّة قبل باب حبيبها الآفلِ، فيُخفي عنها الخبرَ ويجهدُ في خلق إكسير الحياة لكي لا تموتَ هي؛ فلا يموتُ هو؛ فإنها قلبُه النابض؟! وأيُّ منطقٍ في أن تطيحَ الصبيةُ بذلك الدواء في لحظة غفلة وعناد، فيتحوّلُ الكهلُ الوسيمُ إلى شبحٍ مخيف، بعدما أخفقتْ عقودٌ من البحث والتجارب في تحقيق حلم الإنسان الأوحد الأعسر عصيّ المنال: الخلود؟! ظلّتِ البنتُ تسأله أين كانت هي بينما حُمِل إلى القبر حيًّا؟ وفي الأخير قال العائشُ في العشق إنهم ظنّوه ميْتًا لأنهم لم ينتبهوا إلى أن حبيبته حيّةٌ داخله. وإذن: أين كانت؟ كانت خبيئةً في عُمقه. فكيف لخبيئة أن تُنقذَ روحًا من أيدي حُراس القبور؟!
يُناجيها في لحظة عشق: “صُبّي أيامَك في أيامي، وأحيلي الليلَ نهارًا، والجامدَ نارًا، والهامِدَ بحرًا فوّارًا". وكأنّما كأسٌ ملأى تَصبُّ رحيقَها في كأسٍ لم يتبقَ فيها إلا سُؤرٌ يسير. هكذا العشقُ، يُتَمِّمُ ما نَقُصَ.
حكايةُ عشقٍ بين رجل يطرُقُ بابَ الموت، وصَبيّةٍ تطرقُ بابَ الحياة. لكن عبثَ الأقدار يُبدّلُ ترتيبَ الأغصان في شجرة الأعمار على نحو سُورياليّ خارج إطار المعقول! ولِمَ؟ لأن كاتبَ الرواية شاعرٌ بدرجة فيلسوف، وفيلسوفٌ بدرجة رُواقيّ، ورُواقيٌّ بدرجة عالِم، وعالِمٌ بدرجة أديب مجنون. درسَ العلومَ، ثم الفلسفةَ، ثم السيناريو، ثم حلَّقَ فوق كلِّ هذا كاسرًا قيودَ العلم والفلسفة والفنّ.
انتظرتُ طويلا لأرى كيف سيكتبُ هذا القلمُ الاستثنائيّ في يمين "بهيج إسماعيل" روايتَه الأولى، بعد عشرات المسرحيات والدواوين والسيناريوهات؛ حتى صدرت "المنفى والملكوت"، بالأمس عن دار "العين". وكما توقّعتُ؛ كانت مزيجًا صاخبًا من: الشِّعر والتصوير والنحت والرقص والتصوّف والعِلم والميثولوجيا والفلسفة والكوميديا والتراجيديا... والعشق والجنون. اجتمع كلُّ ما سبق من "جنود الإنسان" لتشتبكَ في جيشٍ واحد ضدَّ عدوّ واحد في معركة الصراع الأبدي بين "الموت والحياة". كلُّ تلك الجنود المُدجّجة والرهيفة، في آن، حاربت مع "الحياة" ضدّ وحش "الموت”. ولا عجب. فلم يُبدعِ الإنسانُ "الفنَّ"؛ إلا ليهزم الموتَ. ولم يبتكرِ الإنسانُ "العلمَ"، إلا من أجل هزيمة الموت والانتصار للحياة. ولم يخترع الإنسانُ آلِهَة الميثولوجيا، إلا لتسانده في معركته ضدّ الموت. "الحياةُ"، كما ترون، مُدجَّجةٌ بأسلحة العلم والخيال والفنون وجيوش من بلايين البشر منذ ملايين السنين، و"الموتُ" أعزلُ وحيدٌ منبوذٌ. لكنَّ ذلك الأعزلَ المنبوذَ، للعجب، ينتصرُ دائمًا ويهزمُ الحياة! لماذا؟ حتى يظلَّ السؤالُ دون إجابة: "أين كنتُ حين حملوكَ إلى قبركَ حيًّا؟" كانت خبيئةً في قلب العاشق حتى يستمرَ الصراعُ الأبديُّ دون نهاية، فالصيرورةُ هدفٌ، واستمرارُ الصراع غايةٌ. فكلُّ صراعٍ ينتهي، لا يُعوَّل عليه.
أُحييّ أستاذي وصديقي "بهيج إسماعيل" على روايته الجميلة، وأتأهّبُ الآن للذهاب إلى معرض الكتاب لحضور حفل التوقيع في الرابعة عصرًا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صَهٍ … الجيشُ المصريُّ يتكلم!
- سأقولُ يومًا لأطفالي إنني زُرتُ العراق
- كتابي الفِضيّ: (نهم يصنعون الحياة)
- لماذا يُحاكَم الشيخ محمد عبد الله نصر؟
- صالون فاطمة ناعوت الشهري السبت القادم 27 يناير
- عن الإمارات سألوني .... فقلتُ (إنهم يصنعون الحياة)
- -البدلةُ الزرقاءُ وسامٌ- … قالتِ الجميلةُ
- قلقاسٌ على مائدة قبطية
- لأننا نستحقُّ الموسيقارة الجميلة!
- غدًا أُغرِّد مع عصافير شُرفتي
- معجزةُ إبراهيم أصلان
- الجيشُ العراقيُّ يُكملُ النوتةَ الموسيقية
- رسالةُ زهرة اللوتس ل كاتدرائية ميلاد المسيح
- صلاح عيسى … ورقة الغلابة التي سقطت
- سلاح تونس …. زيتونة
- ميري كريسماس … يا سامح!
- الشيخُ الطيب … الشيخُ الشابُّ … شكرًا لك
- أيها -المؤمنون-… أنا مسلمةٌ أحب جرس الكنيسة
- هنا سانت كاترين
- جميعُنا قتلة … لا أستثني أحدًا


المزيد.....




- سحب فيلم بطلته مجندة إسرائيلية من دور السينما الكويتية
- نجوم مصريون يوجهون رسائل للمستشار تركي آل الشيخ بعد إحصائية ...
- الوراقة المغربية وصناعة المخطوط.. من أسرار النساخ إلى تقنيات ...
- لبنان يحظر عرض «سنو وايت» في دور السينما بسبب مشاركة ممثلة إ ...
- فيديو.. -انتحاري- يقتحم المسرح خلال غناء سيرين عبد النور
- بين الأدب والسياسة.. ماريو فارغاس يوسا آخر أدباء أميركا اللا ...
- -هوماي- ظاهرة موسيقية تعيد إحياء التراث الباشكيري على الخريط ...
- السعودية تطلق مشروع -السياسات اللغوية في العالم-
- فنان يثني الملاعق والشوك لصنع تماثيل مبهرة في قطر.. شاهد كيف ...
- أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - بهيج إسماعيل … الروايةُ بنكهة الشِّعر والجنون