أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس علي العلي - أسلمة المجتمع أم تديين المجتمع















المزيد.....


أسلمة المجتمع أم تديين المجتمع


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5778 - 2018 / 2 / 5 - 16:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أسلمة المجتمع أم تديين المجتمع


من الظواهر الملفتة اليوم في المجتمعات العربية عامة والعراقي خاصة سعي البعض وبكل قوة وتحت عناوين وشعارات وأهداف غير خفية على فرض الطابع الديني على مفاصل الحياة العامة والخاصة، حتى وصل الأمر إلى رغبة عارمة لدى هذه الجهات بأعادتنا إلى مجتمع مكة والمدينة في صدر الرسالة وكأن نبيا ما هو من يقود المجتمع، يطلق البعض على هذه الظاهرة بأسلمة المجتمع أو فرض الإسلام كدين على الواقع، والحقيقة أننا كمجتمع إسلامي في الغالب الأعم منه ولو ظاهريا دون محتوى حقيقي لما يفرضه الإسلام من قيم وقوانين أخلاقية تسعى لتخليص الإنسان من عبودية الذات والسلطة والمال وغيرها من قوى تساهم في تضخيم الأنا وتدفعها للتصدر السلوكي، والحقيقة أن المجتمع الإسلامي في الصورة التي أرادتها الرسالة غائب تماما عنا وعن وعينا بالحقيقة الكاملة عن الإسلام ومبادئه السمحة.
الصحيح ما يجري اليوم هو ليس أسلمة المجتمع ولكن وضع المجتمع تحت الوصاية الكهنوتية لرجال الدين ورؤيتهم الذاتية عن معاني الحياة والوجود وما يتفرع من ذلك من مظاهر وظواهر وأعراض ساهمت بشكل مبكر وأساسي في تغريب الدين عن عقل الإنسان، فكون المجتمع الإسلامي ومنذ ألف وأربعمائة سنة لم يتفق على مشتركات أساسية لتعريف الإسلام وطرحه كنموذج واقعي يشكل فيه الدين الرافعة الحضارية والإنسانية والأخلاقية اللازمة لتطور المجتمع ووحدته، نتيجة الأختلافات الفكرية وتضارب القراءات والمخرجات التي خرج فيها المسلمون أنفسهم من هذه الأدوات وقد عمقت فيه أسس الصراعات والنزاعات فالنتيجة المتوقعة والأكيدة إعادة طرح الدين مرة أخرى في ظل نفس النتائج والأسباب السابقة سيكون عامل تمزيق وتشظي وزيادة في حدة الصراعات داخل الكتلة الأجتماعية التي تشكل روح المجتمع.
لا خلاف حقيقي بين مكونات المجتمع في القضايا العامة والخاصة ولا في العلاقات والقيم الرأسية التي تشكل شخصية المجتمع إذا كانت خارج ما تطرحه ظاهرة التدين وفرضها بالقوة أو من خلال الدعوة إلى العودة لها، فالقيم الأخلاقية الإنسانية العامة التي يشترك فيها البشر عموما كتحريم القتل والسرقة ومكافحة الفساد ومساعدة الإنسان والعدل والعدالة وضرورة الأنتظام بقوانين وضوابط كلية حاكمة، لا يختلف عليها الناس ولا يفترقون فيها على ضرورة أن تكون جزء من ثقافة ورؤية المجتمع، المشكلة تثار حينما نحاول أن ندخل في تشخيص وتعريف هذه المفاهيم والمبادئ وفق قياسان ومعايرات دينية غير متفق عليها، فالقتل ظاهرة مدانة وأجمعت كل المجتمعات على أنها واحدة من مظاهر الحيوانية السبعية، ولكن حين يفسر بعض المتدينين هذه الظاهرة ويحاول تشريعها وتبريرها بناء على رصيده الفكري والعقائدي كضرورة محاربة الكافرين واللا متدينين والعلمانين على أنهم أعداء الله سوف نجد أن مبررات القتل عند هذه الفئة ستستوعب الكثير من المحددات التي خرجوا بها خلاف ما في الإسلام من حد واضح وصريح وبين وما هي إلا أجتهادات الكهنوت الديني الذي تبناها في مراحل معينة من تاريخ الصراع الديني تحتضغط ودفع السلطة أو أستجابة لرغباتها.
هنا لا يكون الإسلام مسؤولا عن عن هذه الظاهرة ولا عن نتائجها بقدر ما للتدين المبني على الفقه والأجتهاد أو ما يسمى بالتدين الرسمي مسؤولا مباشرا عنها، لا سيما وأن الغالبية من الحركات والأفكار التي تنعت نفسها بالإسلامية لم تجري مراجعة حقيقية للمقارنة بين ما تطرحه وبين ما هو حكم ثابت وموافق لمنهج الرسالة، لذا فالدعوة إلى العودة لدين في هذا الوقت يمثل عودة حقيقية لصراعات الفقه والأجتهاد والتنظير الأعتباطي المبني على الفئوية والطائفية والعنصرية وليست عودة حقيقية كما يزعمون لدين الله، فلكل فئة وحزب وطائفة مفاهيمها وعقائدها الخاصة التي تتضارب فيما بينها كفروع وبينها وبين الإسلام كدين بأعتباره الجامع والداع للوحدة الإنسانية.
إن شعارات العودة للدين وأن الإسلام هو الحل ليست إلا أحلام عند البعض لأعلان أنتصارها السياسي وفوزها بفرصة ثانية لزيادة تدمير المجتمع وإشغاله في صراعات قديمة جديدة تجذر فيه الفرقة والتناحر وسفك المزيد من الدماء وهدر للطاقات والزمن، وعودة حقيقية للكهنوت المتحجر على أفكاره ومتجمد عند نقطة زمنية ماتت وأندثرت ولم يعد لها إمكانية العودة للحياة مرة أخرى بالصيغة التي تطرح اليوم، ومهما كانت المبررات والشعارات التي ترفع فهي مجرد أوهام لا يمكنها أن تعيد المجتمع للماضي ولا تصلح أن تكون المحرك للحاضر والمستقبل إلا عندما يتوحد المجتمع على قيم وأفكار وقوانين ورؤى جامعة تجعل من الإنسان هو المقدس والدين طريقا لأن يكون الخادم الذي يرتقي بالإنسان وجودا وحضارة وعمل مثمر يبني له حياة ملئها الكرامة وأشباع للرغبات والتطلعات الإنسانية الحقيقية.
واجب المجتمع اليوم وهو الغارق بإشكاليات ووحل صراعاته التي لا تنتهي إلا لتبدا من جديد بشكل أضخم وأعمق، أن يكبح تلك الدعوات في العودة للماضي والعودة إلى سلطة الكهنوت المتمسك بقراءاته الخاصة وكل حزب بما لديهم فرحون، وأن يتبنى لأجل مستقبله رؤى وأفكار تجنبه الخوض في كل ما كان سببا في تخلفه وإنقسامه وتنازعاته، وعليه أن يحظر كل دعوة من هذا القبيل وأن يطور من فهمه وأستيعاب حركة الدين في مداراتها الحقيقية القائمة على دعم الفضيلة وتمتين العلائق الأخلاقية، والأمرة بالعلم والمعرفة مانحة للإنسان حق الخيار فيما يؤمن به على قاعدة فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ليكون صادقا مع ربه وصادقا مع نفسه دون أن يفرط بالحياة ومعانيها السامية.
لقد أثبتت التجارب البشرية وعلى مر التأريخ أن المؤسسة الأجتماعية التي تكون ركيزتها العناصر الأختلافية والقائمة على إقصاء الأخر داخلها، ستبقى مجتمعات متفجرة غير قابلة على أن تقدم للحياة ما يدعم مسيرتها بل ستتحول إلى كانتونات متناحرة ومتقاتلة على وهم أنتصار فئة على المجتمع كله، وبالتالي توليد مظاهر الكراهية والرفض والتناقض بينها وبين بعضها والحصيلة النهائية هي خسارة الواقع وخسارة مركبة للزمن وقوانية، مما يعني مزيدا من التخلف والتراجع والتقهقر عن العنوان الجامع وهو الدين ويتحول إلى أشكال من ديانات متفرعة لا يربط بينها لا مصلحة ولا هدف ولا نتيجة تبشر بولادة مجتمع متكافل متعاضد يسعى للمستقبل والتطور والتجديد.
إن أخطر ما يواجهه المجتمع العراقي اليوم أنتشار ظاهرة التدين الفئوي والطائفية المقيتة التي تدعو إلى نبذ الأخر وتكفيره وأخراجه من دائرة الإسلام بمعنى إسقاط حرمته الإنسانية وجعله عرضة للموت والأستعباد والتسلط الغيري، وهذا ما نجده حقيقية على أرض الواقع ولا يحتاج إلى تنظير أو توضيح أو برهنة، فالواقع العراقي اليوم واقع متهالك ومنقسم على نفسه تحاصره إشكالات الهوية وأستحقاقات الزمن وتعرقل خطواته نحو الأنطلاق نحو مجتمع منفتح ومتفاعل وقادر على العمل الحر، لذا فالمهمة الأولى التي تقع على كاهل النخب والمؤسسات الأجتماعية الواعية التنبيه لخطورة هذه الدعوات والعمل على فضح مشاريعها والوقوف بحزم أمام أي دعوة فئوية تريد الرجوع بنا إلى الماضي وصراعاته وإنقساماته التي لم تفلح فيها أربعة عشر قرنا من أن تعيد اللحمة له ولا تتفق على مشتركات إنسانية حقيقية.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة في بلاد النخاسة.
- نعم أنا فاسد... أنا ملحد.... أنا كافر.
- الميل السلفي الديني المزمن في الخشية من التجديد والتغيير
- أنفلونزا السياسة وجنون القيادة
- الأنتخابات العراقية وحساب البيدر
- ثنائية الحب والجنون (رزاق وعالم مخبول) ح14
- ثنائية الحب والجنون (رزاق وعالم مخبول) ح13
- ثنائية الحب والجنون (رزاق وعالم مخبول) ح12
- ثنائية الحب والجنون (رزاق وعالم مخبول) ح11
- ثنائية الحب والجنون (رزاق وعالم مخبول) ح10
- ما هو الطريق لدولة مدنية حضارية؟
- كيف نبني مجتمع قادر على التحول والتجديد؟
- حكايات جان فالجان البغدادي .... ح2
- دين الدولة ح1
- إشكالية الدولة والإنسان مواطن
- حكايات جان فالجان البغدادي .... ح1
- رؤى فلسفية في قضية العلمانية ح1
- إشكالية طوطمة الرب من خلال أستغلال النص الديني ح1
- إشكالية طوطمة الرب من خلال أستغلال النص الديني ح2
- جدلية الدين والدولة.... أزمة مستحكمة أم إشكالية تجسيد ح1


المزيد.....




- سقطت بعد ثوانِ من إقلاعها.. شاهد الفوضى بعد تحطم طائرة في في ...
- تحليل بيانات يكشف ما فعله قائد طائرة الركاب -قبل ثانية- من ا ...
- مدى الالتزام بتوجيه ولي العهد السعودي في المدارس بلبس الزي ا ...
- السعودية.. فيديو احراق سيارة متوقفة بالطريق والداخلية ترد
- -ديب سيك-: أسرار وراء روبوت الدردشة الصيني الجديد، فما هي؟
- شرطة لوس أنجلوس تنقذ مسنة عمرها 100 عام من حريق في دار المسن ...
- في دولة عربية.. أول عملية عسكرية للجيش الأمريكي ضد -داعش- في ...
- صخب ترامب مؤشر على الحالة الأميركية
- زوجة الضيف للجزيرة نت: لم يتنكر كما كان يشيع الاحتلال ولم يغ ...
- قبل موتهم جميعا.. كشف آخر ما فعله مسافران قبل اصطدام طائرة ا ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس علي العلي - أسلمة المجتمع أم تديين المجتمع