أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نور خاطر - زهد الشريعة وساكولوجية المتشدد: حَسد الآخر والقتل العادل (جزء 1)















المزيد.....

زهد الشريعة وساكولوجية المتشدد: حَسد الآخر والقتل العادل (جزء 1)


نور خاطر

الحوار المتمدن-العدد: 5773 - 2018 / 1 / 31 - 14:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لمكافحة التلوّث الخطير في أجواء العاصمة بكين، قامت السلطات الصينيّة بتأمين كمامات تباع في الأسواق لعامة الشعب. بهذا المنطق التطبيعي تغاضت الحكومة الصينية عن التطرق للمشكلة، وبنفس المنطق تتغاضى السلطات الأوروبية والإعلام العالمي عن التطرق لأسباب قتل المدنيّين على يد المتشددين. فبعد كلّ حادث اعتداء، يركّز الإعلام في أوروبا على أهميّة وكيفيّة التعايش مع الآخر في محاولة لتطبيع ما يحصل كواقع حال دون التطرّق للمشكلة. أما في مصر، في واحدة من الإعتداءات الهمجية العديدة واللنمتناهية على الأقباط، قام أحمد سعيد السنباطي في 12 تشرين الأوّل 2017 بمطاردة القس القبطي سمعان شحاتة في الشارع حتى قتَله وقطّعه بالساطور (يوتيوب). وعلى الرغم من أنّ الحوادث المتنامية للتكفير والقتل، القديمة العهد، قد تعدّت الدول العربية لتطال العالم بأسره، نادرا ما نسمع أحد يسأل السؤال البديهي "لماذا؟" لماذا تقتل يا سنباطي؟ لماذا لا تكتفي بالقول للقسّ أنّه لن يكون سعيداً في الآخرة؟ لماذا تطارده وتقتله بهذا الشكل الوحشي؟ ماذا كان ذهنك يبغي فيما كنت تطارد القس شحاتة؟ دون شكّ أنّ ما قام به أحمد السنباطي يعكس عقيدة إقصائيّة ومجرمة كانت قد هيمنت على القاتل من خلال نصوص وخطب مقدسة. غير أنّ ما يحيّرنا جميعا هو القدرة العجيبة لهذه النصوص كي تُترجم قتلاً بهذا الشكل العنيف. كما يحصل غالباً، قام بعض الإعلام المصري وبعض الهيئات الرسمية بالترويج لحقيقة أنّ قاتل القس كان شخص يعاني من مشاكل نفسية. وهم على حقّ. فإلى جانب النصوص المقدّسة الفاشيّة، يجب أن تتوفّر لدى الجاني حالة سايكولوجيّة معيّنة تدفع به إلى ارتكاب هكذا فظائع.
في إحدى مقالاته، يعتبر المفكر السلوفيني سلافوي جيجك أنّ إرهاب الأصولية الإسلامية لا ينبع من قناعة الإرهابيين بأنهم أعلى شأنًا من غيرهم، كما لا ينبع من رغبتهم في حماية هويتهم الدينية-الفكرية من حضارة العولمة الإستهلاكية. كما أنّ أساس مشكلتهم السايكولوجيّة لايعود إلى أننا نعتبرهم أصغر منّا شأناً، بل أنهم هم، وبشكل سرّي، يعتبرون أنفسهم أصغر منا شأناً (كما شعر هتلر اتجاه اليهود) – لذا، فإنّ تأكيدنا السياسي الديموقراطي أمامهم أننا نعارض السياسية الفوقيّة اتجاه الآخر يجعلهم فقط أكثر غضباً ويغذّي حقدهم. المشكلة ليس مشكلة فروقات حضاريّة (في محاولتهم المحافظة على هويتهم)، بل العكس، المشكلة هي أنّ الأصوليين لطالما كانوا مثلنا، أي أنّهم باطنيّاً يستعملون نموذجنا نحن ليميّزوا أنفسهم، ما إنعكس لديهم شعوراً بالحسد اتجاه الآخر.
يقول لاكان أنّ أحد أوجه الرغبة البشريّة هي "رغبة للآخر: رغبة من أجل الآخر، رغبة من أجل أن أكون مرغوباً من قبل الآخر، وخاصّة، رغبة لما يرغب الآخر. الحسد والامتعاض هما إذاً مكوِّنَين أساسيين في الرغبة البشريّة". هنا، يستذكر لاكان قصة من كتاب "إعترافات" للقديس أوغستين عن ولد صغير يحسد أخاه الذي يرضع من ثدي أمّه. يوضح لاكان أنّ الولد لا يحسد الآخر (أخاه) لكونه يستحوذ على الغرض المرغوب به، بل لكيفيّة تمتّع الآخر بهذا الغرض. لذا، لا يكفي أنّ يقوم الولد بسرقة الغرض والحصول عليه: إنّ هدفه الحقيقي هو تدمير قدرة الآخر على التمتّع بالغرض. في هذا السياق، يتّفق فرويد ونيتشي على أنّ عدالة المساواة بين البشر قائمة على الحسد – على حسد الآخر الذي يملك ربما ما لا نملكه ويستمتع به. فالمطالبة بالعدالة هي مطالبة بتقليص المتعة المفرطة عند الآخر حتى تكون فرص الوصول إلى النشوة متكافئة. ولكن، بما أنّ فرض نشوة متكافئة أمر مستحيل ، ما يمكن فرضه بالمقابل هو الحرمان المتكافئ، فيكون الزهد نتيجة طبيعيّة لهكذا مطلب.
يَعتبر لاكان أنّ الحسد هو طراف من مثلث يعكس عدم القدرة على الاستمتاع بالغرض: "الحسد– البخل– الكآبة". من الممكن أن يمتلك البخيل الغرض المرغوب به ولكن لا يستطيع أن يستمتع به – إذ أنّ متعته تكمن في إمتلاك الغرض والحفاظ عليه، فيقوم بتحرِيم استهلاكه تحت أي ظرف كان ويضمن بذلك استمرارية الرغبة في هذا الغرض. غير أنّه، لدى مشاهدته للآخر يستمتع باستهلاك ما يوازي غرضه، يفقد البخيل من لذّة تملّكه للغرض (المحرَّم استهلاكه)، فيتحوّل إلى شخصيّة كئيبة من الممكن أن تُقدِم على قتل الآخر لإنهاء حالة الحسد وإحلال المساواة. حلقة دامية من الحسد، التحريم، والقتل. وهذا نموذجاً عمّا يحصل في عالمنا اليوم، فعندما يستعمل الأصوليون مراكز التواصل الإجتماعي لمتابعة أخبارهم وأخبار الآخر، يلتقي الزهد بنقيده. يختبر الملتزم، عن بعد، المتعة المفرطة في المجتمع الاستهلاكي الذي يروّج بدوره للمساواة من خلال تعميم نصيحة للأنا العليا: "إستمتع...الجميع يستمتع!" والتي تتجسّد في إعلانات تسويقيّة للسفر والاستجمام والجنس والشرب والأكل...
يقول فرويد أنّ ما يتم تحريمه هو غالبا أفعال مرغوب بها، غير أنها تزال تقبع في اللاوعي على رغم تحريمها، فينعكس هذا الصراع في تصرفات متناقضة اتجاه المحرّمات (كالهوس في الجنس المحرَّم). ويتابع فرويد، "في اللاوعي، ليس هنالك شيء يريده الشخص أكثر من كسر التحريم، ولكنه يخاف القيام بذلك، بل إن خوفه نابع من ادراكه برغبته في كسر المحرّمات، والخوف أقوى من الرغبة". أمّا إذا أقدم أحدهم على كسر التحريم، "يصبح الشخص نفسه هو المحرَّم لأنه بات الآن يمتلك الصفة الخطيرة التي يمكن أن تغري الملتزم بأن يحذو حذوه. فلماذا يُسمح له أن يستمتع بما هو محرّم على الآخرين مثله؟" إنّ هكذا سلوك أيضا سيولّد حالة من الحسد في اللاوعي (خاصّة مع وجود الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي كما ذكرنا) وستتملّك هذا الملتزم رغبة في القضاء على نشوة الآخر حتّى يتحقق عدل المساواة. نتيجة لذلك, من المتوقّع أن يقوم الملتزم بمحاولة قتل الآخر إلاّ إذا توفّرت العدالة عبر ضوابط أخلاقيّة-إجتماعية أو عقائديّة تثنيه عن القيام بذلك وتأمّن له حلول وتفسيرات بديلة للمساواة (كما يحصل مع معظمنا يوميا). أمّا إذا قامت هذه السلطة (المسؤولة عن حفظ العدالة بين البشر) بتغذية هذا الحسد عبر حثّ الملتزم على قتل واضطهاد الآخر من خلال أحكام دينيّة, فماذا نتوقّع من السنباطي الذي, بحسب تصريح صديق له, كان "عاديّا" إلى أن اسشيخ (إلى أن بدأ يقرأ في الكتاب). كيف يمكن لهذا الملتزم, الذي لا يستطيع أن يتمتّع بما يتمتّع به غيره, أن يتغلّب على حالة الحسد هذه (المفرطة بسبب المحرّمات)، خاصّة أنه يرفض أن يؤمِن بوجود سلطات أخرى (ربما مدنية) توازي بحكمتها السلطة الدينيّة المُنْزَلة التي تحثّه تكراراً على معاقبة الآخر؟ إنّ هذه الأحكام تطال جميع من يتمتّع بما حرّمه شرع الله, من المرتدّ إلى الكافر.

• Sigmund Freud. Totem and Taboo. (1913)
• Jacques Lacan. The Seminar of Jacques Lacan: The Four Fundamental Concepts of Psychoanalysis (1973)
• Slavoj Zizek. “Some Political Incorrect Reflections on Violence in France and Related Matters” (2005). Web: http://www.lacan.com/zizfrance1.htm





#نور_خاطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زهد الشريعة وساكولوجية المتشدد: حَسد الآخر والقتل العادل (جز ...


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نور خاطر - زهد الشريعة وساكولوجية المتشدد: حَسد الآخر والقتل العادل (جزء 1)