أجرت الحوار يوم 2 مارس 2003
مهاباد قره داغي
كاتبة وأديبة كوردية مقيمة في السويد
ليس هناك أدنى شك من ان مؤتمر المعارضة العراقية في لندن المنعقد للفترة 14-17 ديسمبر 2002 الذي شارك فيه الاستاذ الدكتور الفضل بصفته خبيرا قانونيا معروفا وأحد مجموعة الخبراء المخططين لمستقبل العراق , وما اعقبه من انعقاد مؤتمر لجنة التنسيق والمتابعة على أرض كردستان للايام من 26 شباط الى 1 مارس 2003 , وتسارع الاحداث وسخونتها في الملف العراقي , توجب علينا التعرف على العديد من النقاط المتعلقة بمستقبل كوردستان والديمقراطية وبناء دولة القانون والمجتمع المدني في العراق بعد زوال الطاغية من بلاد الرافدين خلال الاسابيع القادمة .
توجهنا بعدد من الاسئلة الحيوية الى الدكتور الفضل للوقوف على تصوراته لعراق المستقبل وقد تفضل مشكورا بالاجابة عنها على الشكل التالي :
ما هي برأيكم مقومات الفيدرالية في عراق المستقبل ؟
الجواب :
تعود مشاكل العراق الداخلية والخارجية الى شكل الدولة ونظام الحكم منذ تاسيسها عام 1921 وحتى الان . وذلك لان هناك خللا في النظام السياسي والدستوري في العراق منذ صدور اول دستور (( القانون الاساسي )) 1925 وحتى اخر دستور عام 1970 حيث يتسم بالمركزية الشديدة وبروز حكم الفرد بصوره غير اعتيادية وبخاصة منذ عام 1979 وهو تاريخ تولي صدام للسلطة في العراق . وهذا الحكم المركزي والقبضة الحديدية في الحكم لم تعد تنسجم وبناء الديمقراطية والمجتمع المدني لاسيما في دولة مثل العراق توجد فيها قوميات متعددة وديانات مختلفة واحزاب وحركات سياسية متباينة . وكان من نتيجة ذلك تعرض الشعب الكوردي الى صنوف الجرائم الدولية مثل جرائم الحرب والجرائم ضد السلم والجرائم ضد الانسانية وكذلك القوميات الاخرى وحتى الاغلبية العربية من الشيعة لم تسلم من هذه الجرائم .كما أصاب الكورد الفيلية من الجرائم في ظل حكم البعث الاسود – وبخاصة بعد اتفاقية أذار عام 1970 – وخلال حكم صدام أبشع الجرائم التي فاقت في قسوتها أحيانا الجرائم التي أرتكبتها النازية في الحرب العالمية الثانية .
ولغرض تاسيس الحكم الديمقراطي وانشاء دولة القانون وحكم المؤسسات الدستورية لابد من تغيير شكل الدولة ونمط الحكم من دولة بسيطة قائمة على المركزية الشديدة الى دولة اتحادية مركبة فدرالية تتوزع فيها السلطات والصلاحيات على حكومات الاقاليم ومؤسساتها ذلك لان طبيعة النظام الفيدرالي ينسجم وطبيعة المجتمع العراقي التعددية ومدخلا صحيحا لحل قضية الاكراد والاعتراف بحقوقهم المشروعة والتي قدموا من اجلها تضحيات كبيرة . وذلك بان يكون للاكراد استقلالا ذاتيا داخل اقليم كردستان ضمن الدولة العراقية الواحدة وهو ما سيعزز السلام والامن والاستقرار داخل العراق وخارجه ويبعد هواجس التجزئة والتقسيم للعراق من خلال ترسيخ اسس الديمقراطية والحرية التي لا يمكن ان توجد ضمن حكم دكتاتوري ولان النظام الفدرالي والديمقراطية امران متلازمان .
ما هي برأيك اسس السلام والاستقرار في عراق المستقبل ؟
الجواب :
لا يمكن تامين الاستقرار والسلام في عراق المستقبل وضمن النظام الفدرالي الا بالاعتراف بالاسس التالية :
1. ضمان احترام الحريات الديمقراطية مثل حرية الراي والتعبير والتفكير والتنظيم والعقيدة والاجتماع السلمي وغيرها .
2. ضمان احترام التداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات ديمقراطية حرة .
3. احترام مبدا التعددية الحزبية والمعارضة السياسية السلمية .
4. ترسيخ مبدا الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية .
5. فصل الدين عن الدولة وعدم تسيس الدين او توظيفة للاغراض السياسية .
6. المحافظة على استقلال القضاء وفصله كليا عن العمل السياسي .
7. فصل المؤسسة العسكرية عن العمل الحزبي والسياسي .
8. انشاء محكمة دستورية فدرالية عليا تراقب تطبق القوانين او حالات انتهاك الدستور بما يعزز مبدا سيادة القانون ومراقبة اعمال السلطات الثلاث .
9. اعطاء المرأة حقوقها الكاملة ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات .وكذلك رعاية حقوق الطفولة والمعوقين وكبار السن والمرضى وضمان الحقوق الاساسية لكل شخص .
ضمان حرية المعتقد الديني والاقرار بالتسامح القومي والديني والفكري واحترام الانسان وحرياته وفقا للاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية الاخرى .
10. محاربة التطرف والتعصب والارهاب بكل اشكاله وانواعه القومي والديني والفكري .
ما هو تصوركم بخصوص الموقف الكردي من مستقبل العراق ؟
الجواب:
يرى الموقف الكردي ان حل القضية الكردية في العراق يكون في استقلاهم في ادارة شؤنهم في أقليم كردستان وان تنظم العلاقة الدستورية والقانونية بينهم وبين العرب من خلال صيغة نظام الحكم الفيدرالي بعد تغيير شكل الدولة من دولة بسيطة الى دولة مركبة اتحادية حيث يتمتعون من خلال تطبيق الفيدرالية بادارة اقليمهم والمشاركة في ادارة وقيادة الدولة الفيدرالية العراقية في المركز والاسهام في صنع القرارات السياسية على مستوى الدولة تطبيقا لاسس اللامركزية ( الادارية والسياسية) .
واما القوميات الاخرى التركمان والاشوريين والكلدان وغيرهم فهم يتمتعون بحقوق المواطنة الدستورية والقانونية الكاملة سواء ممن يعيش منهم في الاقليم العربي ام ممن يعيش في الاقليم الكردي.كأن يكون لهم الحق في استخدام لغتهم ومدارس خاصة بهم وصحف واحزاب و تمثيل ومشاركة فعلية في السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وينظم كل ذلك بموجب الدستور وقانون خاص بتنظيم حقوق وواجبات القوميات . وهذه الاسس منصوص عليها في مسودة مشروع الدستور المقدم من القيادة الكردية وكذلك في نصوص مشروع الدستور المقترح منا والذي نشرت مسودته في صحيفة المؤتمر ( العدد 305 )..
ما هو موقف الاحزاب والحركات السياسية والشخصيات المستقلة العراقية من الفيدرالية ؟
الجواب:
منذ مؤتمر صلاح الدين المنعقد عام 1992 ومرورا بمؤتمر لندن عام 2002 واخرها مؤتمر صلاح الدين الثاني المنعقد في شباط 2003 تبنت الاحزاب والحركات السياسية والشخصيات المستقلة العراقية المشاركة في المؤتمر المذكور خيار الفيدرالية كحل للقضية الكردية التي استنزفت ثروات العراق واثرت على الامن والسلم الدوليين . ثم اقرت العديد من الاحزاب والحركات والشخصيات العراقية هذا الخيار صراحة من خلال البيانات والتصريحات والدراسات العلنية ومنها :
1. الحزب الشيوعي العراقي
2. المجلس الاسلامي الاعلى للثورة الاسلامية
3. الائتلاف الوطني العراقي Iraqi National Coalition
4. المؤتمر الوطني العراقي INC.
5. المؤتمر العسكري المنعقد بدعوة من التحالف العسكري في تموز 2002
6. مجلس العراق الحر
7. اعلان شيعة العراق
8. شخصيات عراقية – عربية عديدة مستقلة
ما هو برأيكم موقف الاثنيات الاخرى ( التركمان والاشوريين - الكلدان )؟
الجواب:
1. موقف التركمان : يجب التفريق بين قسمين من التركمان القسم الاول وهم الاكثرية و يمثلون غالبية التركمان ويعيشون في كردستان بتاخي وتسامح ولهم تمثيل في برلمان الاقليم الكردي ومشاركة في حكومة الاقليم ويتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة المذكورة اعلاه وهؤلاء موقفهم واضح ومعروف فهم يحترمون العلاقة الوثيقة مع الاخوة الكرد والعرب والاشوريين و يشعرون بالانتماء الحقيقي لتربة العراق وليس لهم اي مشكلة في تمتع الكرد بالفيدرالية مقابل صيانة حقوق المواطنة لهم . اما القسم الثاني وهم الاقلية وهم من جماعة الجبهة التركمانية التي لها صلة وطيدة بتركيا وهم يطالبون بحكم ذاتي للتركمان ضمن حدود جغرافية واسعة غير مشروعة وطبقا الى خرئط وهمية ليست صحيحة .
2. موقف الاشوريين: وهؤلاء يعانون اصلا من الاختلاف فيما بينهم حول الجانب التاريخي المتعلق باصولهم الاثنية . فالاشوريين يدعون بانهم والكلدان من اصل واحد بينما قسم من الكلدان يرفض هذا الاندماج الاثني . وعلى العموم فهؤلاء الاخوة يعيش قسم منهم في الاقليم الكردي والقسم الاخر في الاقليم العربي . والقسم الذي يعيش في اقليم كردستان يتمتع بحقوق المواطنة الكاملة مثل التركمان . والقسم الذي يعيش في الاقليم العربي يعاني من الحكم الدكتاتوري الذي يضطهد الشعوب العراقية بصورة عامة . ولهذا نعتقد ان جميع القوميات سوف يكون لها دورها الفاعل في مستقبل العراق ضمن الدستور والقانون باعتبارهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات .
- هل هناك مخاطر او معوقات تقلقون منها ؟
- الجواب: نعم يمكن حصرها باختصار على النحو التالي :
1- الموقف التركي:الاعتراضات التي تبديها تركيا وتهديداتها بالتدخل والاجتياح لكردستان العراق من خلال تصريحات المسؤولين الاتراك المتكررة برفض قيام الفيدرالية للكرد او تاسيس الدولة الكردية في كردستان العراق بحجة انها تهدد الامن التركي حيث توجد مشاكل داخلية كبيرة تخص الاكراد في تركيا التي تنتهك حقوقهم القومية والانسانية. وهي تحاول التدخل في الشأن الداخلي العراقي من خلال طرق متعددة ومنها مثلا انها صارت تطالب بحقوق التركمان ومحاولات ايجاد حكم ذاتي او فيدرالية خاصة بهم رغم عدم توفر المقومات والاسباب القانونية لذلك .وفي الاونه الاخيرة بدأ المسؤولون الاتراك يطرحون فكرة نزع سلاح الاكراد في كوردستان وتارة اخرى يطالبون بالموصل وكركوك وغير ذلك من التصريحات التي تضر بالعلاقات بين العراق وتركيا اذ يفترض ان تكون هناك علاقات حسن جوار وعدم التدخل في الشأن العراقي وترك شؤون العراق للعراقيين .
2- بعض اطراف المعارضة العراقية :احتمال عدم تقبل بعض احزاب المعارضة العراقية لفكرة الفدرالية بالشكل الذي يطالب به الشعب الكردي والذي يرونه ملائما لحقهم في تقرير المصير فقسم من قوى المعارضة تتصور ان الفدرالية هي تقسيم للعراق او تطرح اشكالا اخرى للفدرالية لا تتناسب وطبيعة المجتمع العراقي .ولكن نستطيع القول بكل صراحة ووضوح (( ليس هناك منظمة سياسية عراقية يمكن لها ان تضحي بعدم الموافقة على الفيدرالية خصوصا نلك التي تتبنى النهج الديمقراطي )).
3- البيت الكردي : اي الفرقة وعدم توحيد الصف داخل البيت الكردي الذي لعب دورا كبيرا في وقوفه عائقا امام تطبيق الفدرالية وقد كان للاتفاق الاخير والتفاهم بين الحزبين الرئيسيين KDP و PUK اثركبير في ازالة هذا العائق المهم و تسهيل تطبيق الفدرالية ورسم مستقبل العراق بصورة جيده .ونحن نعتقد ان الوقت حان لوحدة المؤسسات الكردية والبرلمان الكردي ودمج الحكومتين في حكومة واحدة لان في وحدة الكرد قوة للعراق .
4- قضية الصراع حول مدينة كركوك الكردستانية والتي يسكنها اغلبية كردية ( أكثر من 48 % ) وفقا الى احصاء عام 1957 .حيث نعتقد ان كركوك مدينة كردستانية تقع ضمن اقليم كردستان ولكن كل ثرواتها للدولة العراقية والشعب العراقي . وان ما جرى من تعريب وصهر قومي ضد المدن الكردستانية باطل ويجب معالجته وفقا للدستور والقانون .
اننا نعتقد ان حل القضية الكردية هو مفتاح لحل القضية العراقية وبناء اسس الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والمؤسسات الدستورية والاعتراف بحقوق كل القوميات في العراق الجديد دون تمييز بسبب الاصل او اللغة او الدين اوغيرها وفقا للحقوق الدستورية والقانونية .فالديمقراطية ليست حكم الاغلبية و انما هي حكم الجميع ومشاركة من الكل ووفقا لماتقدم فانه لابد من اعداد الدساتير التالية وفقا لتاسيس الاتحاد من ثلاث اقاليم وهي : (( اقليمان عربيان وأخر كردستاني )) وفقا لتصوراتنا ومقترحنا لعراق المستقبل :
اولا -- دستور الدولة الفيدرالية العراقية
ثانيا – دستور محلي للاقليم الكردستاني ( الشمال )
ثالثا- دستور محلي للاقليم العربي- الجنوب
رابعا- دستور محلي للاقليم العربي- الوسط
ومن الطبيعي ان خيار الفيدرالية للدولة العراقية هو تنفيذ لحق الشعب الكردي في تقرير مصيره ولهذا فهو الذي يقرر نمط العلاقة مع الاقليم العربي ولا حاجة الى اجراء استفتاء او سؤال العرب عن موقفهم على ذلك او حصول موافقتهم على الفيدرالية كخيار مستقبلي و انما يجري الاستفتاء على مسودة الدستور الدائم للدولة الفيدرالية العراقية . كما يجري الاستفتاء على الدستورين المحليين في الاقليمين المذكورين كلا على حده وفقا للاقليم الذي اعد له .
ما هي برأيكم اختصاصات دولة الاتحاد الفيدرالي ؟
الجواب: يمكن تلخيص ذلك على النحو التالي :
1. رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي
2. عقد المعاهدات والاتفاقيات الدولية
3. شؤون الدفاع والقوات المسلحة على ان يكون الجيش للدفاع لا الهجوم وتكون الخدمة العسكرية تطوعية للجنسين وليست الزامية
4. اصدار العملة ووضع السياسة الائتمانية والمصرفية وعقد القروض الاتحادية
5. وضع الخطط الاقتصادية وقضايا التنمية
6. وضع الموازنه العامة
7. قضايا الامن الفيدرالي
8. قضايا الجنسية والاقامة والاجانب
9. شؤون الطاقة والثروات الطبيعية
قرأنا بأن موضوع أو عقدة كركوك استحوذت أيضاً على أعمال مؤتمرات المعارضة في لندن وصلاح الدين . ما الذي تم اتخاذه بشأن هذه المدينة المنكوبة.؟
الجواب:
لم اسمع بوجود عقدة اسمها عقدة كركوك في المؤتمرات المذكورة فقد جرت اشارات الى هذه المدينة التي صارت رمزا من رموز ممارسة الصهر القومي والتعريب والابعاد والتهجير ومختلف جرائم نظام صدام وفي اعتقادي ان الامر محسوم بشأنها اذ لا يختلف اثنان من المنصفين على انها مدينة كردستانية ومن رموز المدن ذات التعايش السلمي بين مختلف القوميات ولا نسمح باستفزاز مشاعر الشعب الكردي مطلقا بالقول بغير ذلك وكركوك خط احمر ونريد العيش بسلام وثروتها للشعب العراقي كله الا انها تقع ضمن اقليم كردستان وحدوها الادارية والقول بغير ذلك لا يجد له السند التاريخي والقانوني .
لماذا لم يكن للمرأة حضور مناسب في مؤتمرات المعارضة العراقية ؟
الجواب:
أتفق معك بان دور المرأة العراقية كان مغيبا في مؤتمرات المعارضة العراقية رغم وجود كفاءات وشخصيات نسائية تستحق الاحترام والتقدير ونعتقد ان دور المرأة في عراق المستقبل يجب ان يكون فاعلا ومؤثرا وان تتغير العديد من القوانين العراقية التي تنقص من دورها ومن حقوقها ومن قيمتها الانسانية ولا يجوز مطلقا حجب الولاية السياسية والقضائية عن المرأة العراقية ونحن نعرف مواطن الخلل في التشريعات العراقية و لست قلقا من هذا الجانب لان العراق الجديد هو عراق حكم القانون والمساواة والديمقراطية لا عراق صدام حسين .