أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - شراك اليقين















المزيد.....


شراك اليقين


نبيل محمود

الحوار المتمدن-العدد: 5771 - 2018 / 1 / 29 - 00:59
المحور: الادب والفن
    



(4)
شراك اليقين (القسم الرابع من قصيدة إنسان الجمال)
***********************************

(ما هو مألوف ليس معروفاً لمجرد أنه مألوف)
هيغل، مختارات1، ت. ألياس مرقص.

(أما اليقين فلا يقين، وإنما
أقصى اجتهادي أن أظنّ وأحدسا)
أبو العلاء المعري


لم تنسَ أن تحمل مظلّتك
في الشتاء..
فكيف بلّلتك كل هذه الأشواق؟

البحر ارتاب بك
لأنك تشبهه كثيراً
والأرض نبذتك
لأنك لا تشبهها بتاتاً
والسماء لعنتك
لأنك كنت السارق الأبديّ لأسرار زرقتها.

الريح حبالٌ
والأشجار نواقيس..
أصفر
رنين تساقط الأوراق
فوق أرصفة الخريف..
الذبول صافرةٌ
والشحوب دخان
مفتّش التذاكر
يتعثّر بحقيبة مسافر
أعجزه الزحام عن ركوب القطار.

تمنيتِ البحر
فكنتُ الأشرعة
رغبتِ في الطيران
فكنتُ الأجنحة
حلمتِ بالعرش
فكنتُ المملكة
لكنني حين مضيت ألهو مرّةً بالطين
أشعلتِ النار
فتقمّصتُ صورة راعٍ ينفخ الناي
على إناءٍ من فخار..
والآن..
لا يجد جامع التحف أيّ تفسير
ويدهشه تصاعد البخار
عندما يصبّ بعض الماء في جوف الإناء.

الشكّ ضبابٌ
والريبة وحلٌ
والخديعة عاصفة
أهذا حبٌّ أم لعنة شتاء؟
قدمك لم ترتقِ السفح خطوةً
فكيف لمحْتُكِ عند القمة؟
ولماذا لا تكونين أنت أيضاً من مادة هذا العالم
كذبةً فاتنة؟!

أنا العمق الحزين للأشياء
صادمٌ كالصدق
جارحٌ كالحقيقة
لم يبق في فمي غير طعم شفقٍ مذبوح
من وليمة العشق الباردة
سأخرج منكِ
لأنقذك مني!
الليل كثيفٌ
والنعاس ثقيل
وظلّي يتوارى متعثّراً
كمخمورٍ يتخبّط في أوحال الدروب الشتوية.

لكنتِ الأنثى المثلى
لولا أنّ فيكِ من "ليليتو - Lilitu"
أكثرَ مما فيكِ من "مامي - Mami"

أنصتْ!
إنّ الموت لن يكترث أو يتريّث
إذا ما عشتَ حياتكَ بطريقةٍ خاطئة..
أنصِتْ إلى ارتجاف الشجر
في الخريف
وهسيس الأوراق المبلّل تحت الأقدام
على الرصيف
لتسمع أنين الخضرة تقاوم الذبول..
إن كنت لم تدركْ بعْدْ
التفتْ وراقبْ ذاك الذي تجاوزتَه توّاً
وشاهدْ كيف يتوكّأ
على عكّاز سنواته المتهالكة
واستمعْ جيداً إلى لهاث تجاعيده
كائنٌ هشٌّ يهشّ الأشباح
ويتشبّث عبثاً بنياط قلبه
قلبه الذي تجرجره عنوةً عربات الغروب.

في داخلك عاصفةٌ هائجة
أفٌّ منكَ!
ومن شياطين أعماقك
فالعالم ليس لك لوحدك
وليس لك وحدك هذا الجمال
ربما ضلّلتك الأوهام
فاخترعت في لوثة ليلك بعض الأحلام
وصرت ترجو قطعةً أخرى من المكان
وفرصةً أخرى من الزمان
للإمساك بالأسماك المنزلقة من بين يديك
لكنّ الحياةَ واحدةٌ
والطبيعة هي الطبيعة
تمضي في طرقاتها
لا تبالي بمن يركب عرباتها
أو بمن يتخلّف لاهثاً خلف الظلال الهاربة.

مزّقنا الدمى كلها
وحطّمنا جميع الالعاب
فلماذا علينا أنْ نتوهّم أنّ الهوى يمكن أنْ يدوم؟
شربنا النبيذ كله
والتهمنا الخبز كله
وغسلنا جميع الصحون
ما الذي يتبقّي بعد الوليمة؟
طعم المذاق والنكهة..
إن الذكرى شاهدٌ أبديٌّ على ما لا يدوم.

حشوة الأوهام لم تخفّف الآلام
فقلعت ضرسين
لأتخلّص من وجع العقل!

في الأيام العاصفة
يرعبه التعبير المرتجف
على الوجوه التي تظهر وتختفي
الطفل الجالس خلف الزجاج
داخل الرجل المرتعب من صوت تكسّر السنين..
النادل دائماً يراقب الجالسين
لكنه لا يلحظ مطلقاً الطفل الذي يلملم الشظايا
داخل الرجل الحزين..
مأساة الرؤية
أنها تدرك بالانعكاس
ولا تبصر قلب الضوء..

أنْ تسهو
وتضع السيجارة في فمك بالمقلوب
سيدخّنك العالم
وينفثك من رئته المسلولة
كزفرةٍ فاسدةٍ من دخان.

رنّة الصفعة على رقبته
جعلته يلتفت بغضبٍ إلى الوراء
ويحدّق بذهولٍ في الفراغ
لا أحد..
أطال النظر
حتى دوّت الصفعة الثانية
استدار محتدّاً
لا أحد..
الصفعة الثالثة رسمت على شفتيه ابتسامةً بلهاء
لا أحد..
توالت الصفعات
لا أحد..
تشوّشت حواسه
لا أحد..
راح يلعن الأمام والوراء
ثم أصابه الخبل
برك على ركبتيه تفادياً للصفعات
رفع وجهه أستاذ الفيزياء!
وجال جاثياً بناظريه في جهات الأرض والسماء
- يا إلهي.. كلّ هذا الضياء
ولا أرى صافعي!
لعله ظلّي
ولم يَعُدْ لي.

لا يفجعني وجودُ خدعةٍ ما في الوجود
لكنّ الصادمَ حقاً
وجودُ خدعةٍ بلا خادع.

الغبار رياء الصيف
والوحل مكر الشتاء
لم تكن مدينتنا الأفضل والأجمل بين المدن
لكننا في الأقل كنا نعرف كيف نجد
مكاناً لإخفاء الأشياء السيئة
تحت البساط
أو في شقوق الحيطان
أو في الأزقة الخلفية!
والعالم يفخر كثيراً
بمن يعرف أين وكيف يخفي العيوب؟!

تماهي الجميع مع فكرة
كتكدّس الكثير في حفرة
كسهولة إغراق شعبٍ من النمل بكأس ماء.

ألا تبدو مأساةُ الإنسان ملهاةً
في عينيِّ مراقبٍ كونيٍّ
من كوكبٍ منطقيٍّ جداً؟!
فرغم اتّساع متاهته
لا يزال العالم سعيداً بتعاسته.

من نافذته العلوية يرقب البؤس البشري
الفقراء يبطشون بالفقراء
والضعفاء يسحقون الضعفاء
والحمقى يبرّرون للحمقى
- مراقبة الحماقة لا تخلو من متعةٍ حتماً
وتخفّف من صرامة وتجهّم الحياة أيضاً -
ونشّالون ينسلّون بخفّةٍ بين المغفّلين
في سوقٍ مكتظّةٍ وحاشدة
كتلةٌ مختلطةٌ من البذاءة والتفاهة والغباء
كرةٌ متشابكةٌ من خيوطٍ بلا بدايةٍ أو نهاية..
أفعىً تبتلع ذنَبها وجذعها
وتحاول دون جدوى ابتلاع الرأس!
أنّى للأفعى أن تبتلع رأسها برأسها؟!
دورةٌ مستحيلة
وحلْقة رعبٍ مفرغة..

هناك في الأزرق البعيد..
في الأزرق الداكن البعيد..
هناك بعيداً حيث يتناثر الضياء
ويتفتّت الضجيج
هناك حيث تتبدّد الرغبات والأهواء
وتغدو خارج سلطة التحقّق..
حيث لا قيمومة للكينونة
ولا قيمة لكلمات الزهو أو مزاعم المجد
أو كبرياء الإنجاز..
ذلك البعيد جداً
حيث يتحلّل كلّ ما لا ظِلّ له
ولا شيء يُلمس او يُرى أو يُسمع.

ما أصعب الكلام
مع شخصٍ غارقٍ في الظلام!

لقد أكملت إغلاق دائرة عزلتي
وحيداً كإله
يشرف من شرفته القصيّة
على العالم القاني..
أواجه الرياء بالرثاء
وتغمرني دمعةُ حزنٍ
كونية!



#نبيل_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فزع الغزلان
- في البرية
- الأجنّة
- إنسان الجمال
- يوميات هيروشيما
- ذبول
- حديقة
- رمزية الحدث
- الغابة في المدينة
- قصيدة حلوى الليل
- أصوات
- عطرها
- إلى سركون بولص
- حلم صيفي..
- ليل الليلك
- زخات
- قالت أمي
- كأنها جريمة.. !
- الأسئلة
- كائنات الحبر


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - شراك اليقين