|
محند الشريف ساحلي وحرب الذاكرة في الجزائر .
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 5767 - 2018 / 1 / 24 - 10:32
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كثيرٌ من ايقونات (نضال الفكر الوطني الأمازيغي) أهملتها الذاكرة الجمعية لدولة الإستقلال ، لأسباب اديولوجية مهيمتة ، فلم نسمع ونحن على مقاعد الدراسة ب ( السّعيد بو ليفة [1]) و ( علي الحمامي )[2] و ( الطاوس عمروش )[3] و ( محند السعيد ساحلي... الخ ) .
°°° إنه ايقونة الفكر المتمرد .
النضال نضالان ، نضال الكلمة والفكر ،و نضال الترس والرمح والسيف ، فالنضال الأول أسبق من الثاني وهو قائده ، ففي الوقت الذي كانت الأمة ترتع في فكري التمشرق و التغرب ، والعمل على تخصيب وجودهما في تربة [تامزغا ] انبعثت أصواتٌ من ركام الماضي مستنكرة بصيحات مزمجرة ( حرروا التاريخ [4]) ، من عقاله ، تحقيقا لمبدأ حركي وطني عميق مسعاه يرنو إلى (تحرير الأذهان قبل تحرير الأبدان ) . °°°محند الشريف ساحلي ( 1906/ 1989) . من أسرة فقيرة من عرش ايث وغليس ، ترعرع شاب رضع الحرية من ربوع جبال جرحرة الشماء ،و وهاد وادي الصومام حيث انعقد مؤتمر 1956الشهير ، درس في أحدى مدارس سيدي عيش ، ثم في ثانوية الأمير عبد القادر في الجزائر العاصمة ، ودار المعلمين ببوزريعة ، خريج (جامعة السوربون) في الفلسفة والتاريخ ، مناضل في الحركة الوطنية وله سبق الجهاد في ثورة التحرير، تقلد مناصب رفيعة في الحكومة المؤقتة ، رجل فكر، وتاريخ ، وديبلوماسي مقتدر . له صداقة قوية مع ( نلسون مونديلا ) الذي طلب رؤيته عند زيارته لبلادنا سنة 1990 ، وله مراسلات مع نوردوم سيهانوك زعيم كمبوديا ، ورغم طول عمله كسفير إلا أنه مات فقيرا عازبا ، دون أن يترك شيئا مذكورا من متاع الدنيا ، فقد عاش للجزائر و(تزوج بالجزائر) حسب رده عن سائليه .
°°° قالوا عنه ....
ثقافة الرجل و مستواه الرفيع أهلته التعرف على الكثير من الكفاءات المعرفية والثقافية خاصة جناح الفكر اليساري الوطني ، كمولود قاسم نايت بلقاسم ، ومصطفى لشرف ، وعبد الحميد مهري ، كاتب ياسين ، مولود معمري ، .... الخ ، فقد قال عنه عبد الحميد مهري ( بأنه هبة السماء ، وواسع الثقافة )، ويراه أحمد طالب الإبراهيمي ( قدوة وشعلة نيّرة للناشئة ) ، ويروي صديق دربه زهير إحدادن عنه الكثير من المواقف الإنسانية وصور التضحية في مجتمعه ، وتوسم فيه مولود قاسم النضال المستمر في الحركة الوطنية منذ 1930 ، ودبلوماسي محنك ، وقلم متميز في مجلاّت[ الأمة] ، و[إفريقيا ] ، و[الشاب المسلم] ، ثم أخيرا في مجلة [المجاهد [، اختار اسم (ابن تومرت) كتوقيع لنشر مقالاته .
°°° الإطلاع على إلإرث الفكري والثقافي والتاريخي لهذا الرجل يُظهر فطنته و بوعه الطويل في بعث و انبعاث الفكر الوطني المحلي ، فقد توجس مصالي الحاج في فكره و مؤلفه ( رسالة يوغرطة ) الذي تزامن مع تدويل شعار [الجزائر العربية الإسلامية ]في الأمم المتحدة ، فعده من منظري البربريست ؟ ! فإنتاجه في الحقل التاريخي والسياسي وإن قل كما ، إلا أنه يحمل في جوانحه تمردا وصراخا ، غرضه تفطين الأمة وتنبيهها إلى أساليب المستدمرين في ( تقزيم الأمة المغاربية) بجعلها كما بشريا منقادا لا قائدا ، وأنها أمة لا تظهر إلا في ثوب غيرها ، أمة لم تسطع بناء كيانها السياسي ..... وأنها ضحية الجغرافيا ، وهو الدأب التي سلكته المدرسة التاريخانية الفرنسية على لسان بحّاثيها من أمثال شارل أندري جوليان ، و شارل روبير أجيرون ، ولوي رين ، وغزيل وغيرهم كثير ، الذين تمركزت بحوثهم على اثبات قدم التواجد الأوروبي في بلادنا وحقهم التاريخي فيها ، تبريرا لغزوهم لها .
°°°مؤلفاته بالفرنسية : له العديد من المؤلفات ، رسالة يوغرضن 1947. المؤامرة ضد الشعوب الإفريقية 1950 ، عبد القادر فارس الإيمان 1967، الأمير عبد القادر ، الأساطير الفرنسية والواقع الجزائري 1988 . كتب عن همومه أمته كمثقف ومؤرخ ، فقد حمل همّ الأمازيغية مبكرا كرائد من روادها ،بعد أن لا حظ نهش الناهشين لها على الصعيد الإديولوجي ، وانتبه إلى أساليب الطمس التي تعرضت لها الذات المحلية ، فألف كتابا قيّما بصيحة ثائر متمرد ( حرروا التاريخ décoloniser l’histoire) في 1965 ، هذا الكتاب الذي كتبه في الأصل بالفرنسية صادر عن دار ماسبرو للنشر ، أحدث ضجة كبيرة في الوسط الثقافي الفرنسي، وترجمه إلى العربية مؤخرا (محمد هناد) بعنوان ( تخليص التاريخ من الإستعمار ) يمكن تحميله من النت . وإن ركز الكتاب في مجمله على فضح مختلف تنظيرات المدرسة التاريخية الفرنسية في الجزائر- التي سعت إلى تقزيم تاريخنا و بخس جنسنا ، و تلويث عقولنا بأساطير وهمية نسجها النساجون لأغراض الهيمنة ، فقد صاغ في كتابه الكثير من التنظيرات الخبيثة التي أسقطها بالمنطق والتاريخ - وهو يشير بطريقة غيرضمنية وغير مباشرة إلى تحرير تاريخنا من المدرسة الشرقية الإسلاموية التي فعلت ذاتها ما فعلته المدرسة الفرنسية في غرس قيم التبعية و الخرافة والأساطير والتي جعلت من جهد أجدادنا كما تابعا للشرق العربي الإسلامي ، والغريب أن اقلاما تحسبُ من( نخبتنا) تعمل على ترسيخ تنظيرات المدمرين ، هؤلاء الذين وصفهم ساحلي les plumitifs ، التي تعني اقلام مرددة بسذاجة لتنظيرات المستعمرين لترسيخها عن غباء ، أو لكونهم مرتزقة قلم ، أمثال هؤلاء سماهم مولود قاسم ب(المركوبية ) و(الهدهدية[ 5]) ، وسماهم مالك بن نبي بالذين لهم( القابلية للإستعمار) ، وسماهم مفدي زكريا ب( حركى القلم) ، و تلك الصفات ما نسميها في علم النفس ب(المازوخية) ويقابلها تطابقا (متلازمة ستوكهولم ) . خلاصة القول : أعمال محند السعيد ساحلي وإن قلت فهي [ أجراس تنبيه ] للغافلين الذين رردوا بمازوخية تنظيرات المهيمنين عليهم دون أن ينتبهوا ، فأجيالنا تعيش في ( سجن اديولوجية التاريخ ) الذي صاغه المهيمن باقتدار، فقد حان الوقت لأجيالنا أن توظف إمكاناتها المعرفية لتخليص تاريخنا من التشويه والتبعية وكتابته بروح وطنية لا شرقية ولا غربية ، التاريخ الذي ينبع من هذا الأرض ومن جهد أبنائه المخلصين . ___________________________________ [1] السعيد بوليفة باحث في التاريخ والأنتربولجيا ، له مؤلفات عدة عن اللسان الأمازيغي و تاريخ زواوة . له كتاب قيم بعنوان : [جرجرة عبر التاريخ ] صدر في 1925 . http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k5608584b.r=zirides.langFR [2] روائي جزائري صاحب رواية ( إدريس ) ترجمها إلى العربية التونسي محمد الناصر النفزاوي . [3] طاوس عمروش ، كاتبة وفانة جزائرية . [4] كتاب تحرير التاريخ Décoloniser l’histoire من أهم مؤلفات ساحلي ، ترجمه إلى العربية محمد هناد يمكن تحميله على الرابط : https://ia601902.us.archive.org/16/items/fethibriredj_live_20170205/%D8%AA%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%B5%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%20%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1%20%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%81%20%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D9%84%D9%8A%20%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9%20%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D9%87%D9%86%D8%A7%D8%AF.pdf [5] داء الهدهدية ، داء بخس الذات عن غباء ، فالمصابون به مثل طائر الهدهد الذي هو الطائر الوحيد الذي يطرح فضلاته في عشه على عكس الطيور الأخرى التي تحافظ على نظافة أعشاشها .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بأي حرف نكتبُ اللغة الامازيغية ؟
-
(عيد يناير) بين الإنكار والإصرار
-
(البربريست) الذين ولّدُوا الهمة .
-
الترسيم (الكاذب ) للأمازيغية .
-
أزمة صائفة 1962 ... والثورة التي سُرقت .
-
الأمازيغية ... جريمة في ثورة الجزائر !؟
-
الأكاديمية البربرية بين الحقيقة والتزييف .
-
امبريالية اللغة العربية .
-
رايات الهوية ... تؤرق الأنظمة الإستبدادية .
-
معركة الهوية ..... بين الأمازيغ والنظام الجزائري .
-
حجم الدمار من انقطاع العلاقات القطرية السعودية .
-
الأمازيغية ... حقوق أم رغبة في الإنفصال ؟
-
مأزق الدولة الوطنية في الجزائر .
-
الأمازيغ من (كراكلا) إلى ( بومدين) .
-
مأزق الهُوية في فرنسا .
-
أنريكو ماسياس ، Enrico Macias
-
مجزرة في مدينة الرسول .
-
عبث هوياتي ... وترسيم شكلي للأمازيغية .
-
سكوت ... نحنُ أمة تَقتل ؟!
-
الأمازيغ أبدعُوا (الأرقام الغُبارية ) [ج2] .
المزيد.....
-
إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي
...
-
إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي
...
-
ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
-
سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
-
جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
-
ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟
...
-
كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
-
الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة
...
-
ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل-
...
-
الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|