نحن آكلين لحوم البشر

محمد عبد القوي

الحوار المتمدن-العدد: 5766 - 2018 / 1 / 23 - 14:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

إن كل رغيف خبز وكل قطعة فاكهة وكل طعام شهي تناولته منذ قليل تحت مسمي (الإفطار) تغذَّي ونشأ علي أجساد من رحلوا
نحن نحيا حرفياً علي لحوم البشر الذين هم مثلنا - نعم نحن آكلين لحوم البشر ولكن بطريقة غير مباشرة، وبرغم قسوة هذه الحقيقة فإن القاريء المدقق هنا سيدرك (بما لا يدع مجالاً للشك) كم قاسي هذا الوجود ومرير ...وكم نحن مشاركين في هذه القسوة - كم نحن جزء منها - وجودنا مبني عليها وقائم عليها بل وجود الحياة كلها

إن الموت في جوهره ليس عكس الحياة (كما إعتُقِدْ قديماً) وإنما الموت هو عملية حياة - ليس للفرد ولكن للنوع وللخصيصة الحياتية

وللأسف ليس هناك علاج أو حل نهائي لهذه المشكلة لأنها طبيعة وجودية (تماما كظواهر الكم) لكن الحقيقة، هناك حل وعلاج واحد فقط يمكننا أن نسمِّيه (علاج مُسَكِّنْ) وهو ببساطة التخفيف والتهوين من قسوة هذا الوجود علي البشر الذي ظروفهم زادت من ألمهم الوجودي آلاماً وأسقاماً مضاعفة
وهذا يحدث (فقط) عندما تضع نفسك مكان هؤلاء ...لما تضع نفسك مكان جائع لا يجد كفاف يومه أو مريض يتألم من مرضه أو شيخ يهتز من كهولته أو امرأة أُسقط حبلها أو مديون لم يجد أن يسدد ديونه أو عريان لم يجد الغطاء في هذا البرد القارس، أو ناس لم تجد السكن، وإن سكنت نراها ساكنة في المقابر، أو طالب لا يستطيع الإنفاق علي تعلميه أو بنت لم تستطع تجهيز نفسها أو ناس كثيرة لم تجد ثمن دواءها

أما و إن لم تضع نفسك مكان هؤلاء المساكين الباكين وحاولت تساعدهم ما أمكنك ذلك فكيف إذن تريد أن تكون بخير في حياتك ؟! كيف إذن ممكن أن تضع نفسك مكان صديقك الذي غضب من فعلتك وإنت ولا في دماغك مع إنك لو كنت مكانه لكنت ستغضب ؟! كيف ممكن أن تضع نفسك مكان زوجتك وتتفهم مشاعرها وإحتياجاتها وإنك لازم تؤدي كل ما تطلبه لأنك لو مكانها كنت ستغضب وتتألم لو لم يحدث هذا ؟!
وأنتي كيف ممكن أن تضعي نفسك مكان زوجك وتعرفي ترضيه فعلاً ؟!
كيف إذن ممكن أن تتفهموا أبناءكم وإحتياجاتهم ورغباتهم وأنتم لا تضعون أنفسكم مكانهم ؟!

إن علي الإنسان بحق أن يضع نفسه مكان كل الناس ليهون عليهم آلامهم لأن قسوة الوجود تكفي، وأيضا حتي تكون حياته جيدة ويكون مُنصف وعادل في تعاملاته مع كل الناس حتي مع أهله بل حتي مع نفسه
أتمني أن تدركوا هذه الحقائق وغيرها وتعوها جيداً - لعلي وعسي أن تكونوا سبباً إنسانياً في التخفيف والتهوين علي كثيرين يعانون .

#محمد_عبد_القوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات