محمد مسافير
الحوار المتمدن-العدد: 5763 - 2018 / 1 / 20 - 20:27
المحور:
الادب والفن
كانت فرحة الأسرة عظيمة بالصحن الهوائي، أخيرا وافق الأب على شرائه، كان يعشق قنوات الأفلام والأغاني، وما كان تأجيله للشراء إلا تدبيرا إجباريا فرضته الأقدار التي جثمت بقسوة على حالته المادية، فبالكاد كان يوازي مدخوله بأساسيات البيت، كانت الأم على دراية بالأمر، لكن... من ذا الذي سيقنع الأبناء الثلاثة؟ كيف لهم أن يفهموا التدابير التقشفية وهم دون العاشرة؟ وإن قيض لهم أن يفهموا... كيف يقدرون على تبرير العوز للأقران، خاصة وهم يتحدثون عن سبايستون وجزيرة الأطفال و MBC3، ولكم أن تتخيلوا أيضا حجم السعادة التي غمرتهم لحظة إذعان الأب لطلبهم، لم يسبل لهم جفن ليلتها... وكذلك كان حال الأم !
حاول تثبيته على السطح المشترك، لم يستقدم مصلح الصحون الهوائية، فحتى ثمن الصحن الهوائي دفعه بالتقسيط؟ استلف أدوات العمل، صعد السلم الخشبي، وأبناؤه متأهبون للخدمة، ثملون بالفرحة، ثبت الداعم الحديدي، حاول إدخال الصحن في الداعم، انفلت الصحن من يديه، سقط إلى أسفل العمارة، ولسوء حظه، كان ابن الجيران ذو الثلاث سنوات أسفل العمارة مباشرة، وقع الصحن على رأسه، أسرعوا به إلى المستشفى، نام به أسبوعا كاملا قبل أن تأذن روحه بالرحيل !
أنفق الأب على الضحية كثيرا، أغرق بالديون، حكمت عليه المحكمة بسبع سنوات سجنا نافذا، نطقها القاضي كأنما أطلق رصاصة اقتحمت قلب الأسرة جميعا، وإن كان لا بد للعدالة أن تتخذ مجراها الطبيعي، وإن كان الأب لا بد له أن يؤدي ضريبة حب الأبناء، فماذا عن الأبناء؟ ماذا عن الأم؟ ما ذنبهم وما ذنبها؟ لقد نسي القاضي أنه لم يعاقب الجاني بمفرده، بل حكم على أسرة بأكملها بالإفلاس، لم يسبق للأم أن جربت العمل، كانت خجولة محتشمة، وكان الأبناء متفوقين في المدرسة رغم الإملاق، لكن... كيف سيكون مصيرهم بعد سجن الأب...
اجتاحت عاصفة من الأسئلة والافتراضات ذهن الأب الكادح، تذكر الديون التي تراكمت عليه عقب الحادثة، أراد أن يفعل شيئا، أن يقول أشياء كثيرة، أراد أن يتحرك، لكنه كان عاجزا تماما على الحركة، عاجزا حتى على الاقتراح، أصابه شلل دماغي، أطفأ آخر شذرات الأمل في قلوب العائلة...
#محمد_مسافير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟