|
العباءة
عبدالله بير
الحوار المتمدن-العدد: 5763 - 2018 / 1 / 20 - 01:20
المحور:
الادب والفن
العباءة - هذه العباءة نتوارثها أباً عن جد في عائلتنا يا ولدي ، إنها رمز الهيبة و العظمة و السلطة . بدأ احسان يتحدث إلى ابنه تحسين وهو يقلب و يفتش في العباءة . كانت عباءة مهترئة ، مرقعة بأنواع مختلفة من الرقع ، مخيطة في أماكن معينة بخياطة رديئة ، و كانت بمجملها خرقة بالية لا تنفع لشيء بتاتاً . كان احسان مهتماً بها لأقصى حد و سعيداً جداً بها لدرجة أنه كان يضحك مع نفسه و يقبلها تارةً و يشمها تارة أخرى. حتى إنه كان يقلب بها و كأنه عثر على كنز ثمين جداً أو دخل كهف علي بابا . لما جرب العباءة في اول وهلة كانت ضيقة عليه بحيث لا يستطيع تحريك نفسه فيها، لا أن يجلس و إذا جلس لا يستطيع أن يقوم مرة أخرى ، لذا فكر في اجراء تغيرات فيها لتكون مناسبة له ، وقال محدثاً نفسه : - الكمّان قصيران و ضيقان يجب اطالتهما و اضافة قطعة من القماش لكل كم كي يكون مناسباً ، في الظهر تحتاج إلى اضافة قطعة كي تكون أوسع قليلا و تكون أكثر راحة ، الياقة مرقعة بقماش رخيص استبدلها بأخرى راقية لأنها ستبقى عندي للأبد ، حالما البسها لن اخلعها ابداً مهما كان ، ستكون مناسبة لي و لن اعطيها لغيري . من كثرة ما قلبّ فيها ، صدفةً دخل أحد اصابعه في الفتحة التي احدثها نصل السكين الذي أنهت حياة صاحب العباءة ، فنظر إليه من طرفي العباءة ، تغيّرت ملامح وجهه و احمرّ فجاءة ، لكنه لم يقل شيئاً إنما رُسمت ابتسامة غريبة على شفتيه ثم صفّرَ لتشتيت انتباه ابنه الذي يراقبه . قال ابنه : - هذا فتحة نصل السكين الذي قتلت بها جدي اليس كذلك؟ فأجاب احسان بهدوء : - نعم ، نعم إنها هي . فأضاف تحسين : - هناك فتحات اخرى ، يبدو أنها بعضها قد خيطت. فأجاب الأب : - اجل ، اجل إنها فتحات أخرى ، نصال أخرى . اضاف ذلك وهو يحاول خياطة الفتحة : - إنها عباءة ملعونة ، شريرة ، غير آمنة أبداً ، إنها دائماً تقتل صاحبها كائناً من كان . فقال الابن : - إذن لماذا تلبسها أنت ؟ لا تلبسها يا أبي أنا لا اريد أن اراك تموت ، ارمها مادامت كذلك ، دعها لأحد غيرك ، لماذا انت ؟ فأخذ احسان نفساً عميقاً و اجاب : - لكنها عباءة جميلة جداً ، ألا تراها كذلك ، إنها مريحة جداً ، يا ابني هذه العباءة مثل المصباح السحري ، ستلبي كل ما تطلب منها ، ستعيش معها حياة رغيدة ، ستحقق كل امنياتك و تقدم لك الرفاهية من النساء و المرح واللهو والغنى . سيكون كل شيء تحت أمرك ، الا يكفي هذا . ثم إن هذه العباءة تهب قوة و الكبرياء و العظمة ، ببساطة إنها تهب كل ما تمناه اي انسان . فقال تحسين و هو يلاعب اصابعه الصغيرة و ببراءة الاطفال : - ألكل هذا قتلت والدك ، أقتلته من أجل العباءة ، كان جدي رجلاً عظيماً ، و نبيلاً و عادلاً . كان جدي رحيماً مع الكل ، هكذا يقولون . هم يقولون إنه كان يحاول اسعاد كل أفراد عائلتنا ، وهو لم يتوقع بأن تقتله . فرد الأب بعصبية و اصابه ذعر كبير : - بل كان جدك مجرماً و متعجرفاً و متسلطاً ، سأقول لك سر مهم عن جدك بأنه كان يأخذ صغار العائلة ويذبحهم ليشرب من دمهم ليبقي على شبابه ، هل تعرف ايضاً إنه كان سبب كل بلايانا ، أنا لم اقتله لأسلب منه عباءته بل قتلته لأنهي ظلمه ، كان ظالماً ، هل تعرف كم من أفراد عائلتينا قتلهم بيديه ، هل تعلم كم من شباب هذه العائلة العظيمة اختفوا دون أن يعرف أحدٌ عنهم شيءً؟، أنت صغير و لا تعرف شيئاً . أما أنا فسأجعل كل فرد من العائلة يعيش سعيداً بحرية ، سارد لكل واحد منهم حقوقه المسلوبة ، ستراني كيف أحقق العدل بين كل أفراد العائلة ، كيف أن رخاءً عظيماً سيجري بنا إلى فضاءات السعادة المختلفة ، كل واحد سيحصل على حقه كاملاً ، في عهدي لن يُظلم أحد ، سأكون عادل هذا الزمان ، ولى زمن الطغيان و الاستغلال و الظلم ، اشرقت شمس الحرية ، يا بني إن أنا قتلته فكان ذلك رغماً عني و لأجلكم و من أجل سعادتكم . فقال تحسين : - قيل لي ان جدي قال كلاماً قريباً من هذا الذي تقوله حين قتل والده ، كان رحيماً في البداية ، ولكنه تجبر في النهاية ، كان قاسياً معنا في الأيام الاخيرة من حياته ، و اخشى ان تصبح مثله في يوم من الأيام ، خوفي أن مَن يلبس هذه العباءة يصبح مثل جدي . فرد الوالد : - يا ولد ، أنت صغير على هذا الكلام ، ثم أن هذا الكلام الذي تقوله لن أقبل به بعد الآن ، أنا الحق ، الذي اقوله هو الحقيقة ولا حقيقة بعده . إن ترويج افكارٍ هدامة من شأن أناسٍ لهم أغراض دنيئة ، كلامهم كله محض افتراءات علىّ ، يجب اسكات تلك الاصوات ، لا تسمع كلامهم لان هذا سيضرك في نهاية و لن تكون سعيداً في حياتك . بعد إجراء التعديلات اللازمة للعباءة كي تكون مناسبه له ، اقام احسان حفلاً كبيراً و دعا إليه كل أفراد العائلة ، و القى فيهم خطاباً طناناً و رناناً ، خطاب مليء بالوعود، في البداية عرض الاسباب التي دفعته إلى قتل والده ، و كيف أن ضميره الانساني فجاءة افاق من سباته و لم يقبل بالظلم بعد ، ثم اتى إلى جرائم التي ارتكبها والده بحق العائلة و كيف أنها جرائم بندى لها جبين الإنسانية ، ثم انتقل إلى برنامجه ، و كيف وضع خطط مستقبلية لإسعاد العائلة ، و سيصحح ما دمره والده و يرفع الظلم بين الناس و سينشر العدل بينهم ، و شعاره في الحياة هو العدل بين الناس و إعطائهم الحرية الكاملة ، و وعد بتحقيق كل الأهداف التي وضعها في برنامجه . دام الحفل إلى ساعات متأخرة في الليل ، وقُدم فيها ما لذ و طاب ، وفي النهاية عُزفت موسيقى العهد الجديد . بعد سنوات من لبس العباءة ، في احدى ليالي احس احسان بوخز مع الم شديد في جنبه الايسر ، لما فتح عينيه رأى ابنه تحسين و قد غرز سكيناً كبيراً في جنبه و قال له : - مت ، مت ايها الظالم ، لم تعد الأرض تتحمل ظلمك ، اذهب إلى الجحيم ايها المجرم ، ملأت الارض جوراً و ظلماً و فساداً . لم تمر دقائق حتى اغمض احسان عينيه و إلى الأبد .
#عبدالله_بير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افتح قلبك لتسمع روحك
-
الظل
-
لا تدع الديدان تقترب
-
قراءة في رواية - الخيميائي - لباولو كويلو Paulo Coelho -.
-
قراءة في قصيدة (كلما أنَّ الجسدُ من أسره رَفرَفت الروح) للشا
...
-
ملائكة في طريق الجحيم
-
ميادة
-
قراءة في رواية - الجريمة والعقاب - لفيودور دوستويفسكي - .
-
الهرمنيوطيقا (فلسفة التأويل).
-
قراءة لديوان (نارنج) للشاعرة نارين ديركي
-
ماركس وفوكو والصراع أو الحرب
-
اليمن و تجسيد أزمة الإسلام
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|