عبير خالد يحيي
الحوار المتمدن-العدد: 5760 - 2018 / 1 / 17 - 22:12
المحور:
الادب والفن
حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي
لجنة الذرائعية للنشر
د. عبير خالد يحيي
مقال رقم 17
الأربعاء17يناير2018
قصيدة النثر و الترجمة
يقول المنظر العراقي عبد الرزاق عوده الغالبي تعقيبًا على مقالي السابق عن الشعر المعاصر وآخره قصيدة النثر:
"لا يمكن أن يحيط الجميع بالتكلّم بكلّ اللغات في المعمورة، ولكنّهم قد يرغبون بمعرفة العلوم والمعارف المدونة بلغات أخرى غير لغاتهم الأصلية، ومن هنا تتأتّى الضرورة الملحّة للترجمة، و تأخذ دورها المعرفي والحضاري بنقل الكلام من لغة معينة إلى أخرى، وذلك معيار متقدّم يقرّ مقدار حاجة أصحاب اللغة المترجَم إليها للمعرفة، وهو مبعث حضاري متقدّم، يعبّد الطريق للحصول على العلوم والمعارف في اللغات الأخرى والاستفادة منها بشكل وفير، وهذا المنحى الحضاري بدوره يساعد على السباق والتهافت على الترجمة في الحضارة العربية والإسلامية في عصورها الأولى للنقل من كافّة اللغات الموجودة آنذاك, لذلك أسهمت هذه الحركة الترجمية في تطوير العلوم المختلفة عند العرب, والتلاقح المعرفي مع الأمم الأخرى ، ومن خلالها صارت حلقة الوصل بين العلوم القديمة والعلوم الحديثة، على الرغم من أهمية الترجمة في نقل المعارف والعلوم والخبرات بين أجناس البشر إلّا أنّ النصوص الأصلية تفقد البعض من محتوياتها وتضعف الأفكار التي كان المؤلف يحاول إيصالها، إن لم يكن المترجم متمكّنًا ومحيطًا بقواعد اللغتين ( اللغة المترجم منها native language –NT and Target language-TL اللغة المترجم اليها) وخصوصًا في النصوص العلمية الحساسة كالنصوص الطبية والهندسية، أو النصوص الأدبية.
ويقول الأستاذ ( زياد مشهور مبلسط – في مقالته - الترجمة ما بين العلم والفن والذوق الأدبي- ديوان العرب) :إنّ الترجمة هي علم وفن وذوق، ولها عالمها الخاص ومجالها الواسع، وهي حقل من أهم حقول المعرفة التي لها جذورها الضاربة في التاريخ، كما أنّ لها اختصاصاتها وتشعّباتها وتخصّصاتها الدقيقة أيضًا، ويضيف (الدكتور علي عبد الأمير صالح – في مقالته - حديث عن الترجمة -) :إنّ المراحل التي تمر بها عملية الترجمة، ذات المراحل التي يمر بها العمل الأدبي الأصلي . وبعبارة أخرى، إنّ النص الأدبي المترجم هو نص أدبي جديد. إنّ مترجم النص الأدبي شبيه بمبدع النص الأصلي لأن كليهما يرمي إلى تحويل الـ genotext المعنى الدلالي السياقي إلى المعنى التواصلي phenotext . إلّا أنّ هناك بعض الاختلاف بينهما، والاختلاف هذا يكمن في كون المترجم لايتمتّع بحرية اختيار عناصر الـ genotext كما هي الحال بالنسبة للكاتب الأصلي، وكذلك إنّه ملزم باحترام العناصر التي اختارها الكاتب الأصلي، والأكثر مـن ذلك، لا يسمح له بترك بصماته الذاتية على العمل الذي يقوم بترجمته، فمهمّة المترجم الرئيسة هي أن يكون ناطقًا أمينًا بلسان الكاتب الأصلي، فالترجمة الجيّدة هي نوع من التقمّص, والمترجم الجيّد هو ذلك الإنسان القادر على تقمّص وتجسيد أفكار الكاتب ...
وعلى المترجم المتمرس أن ينتبه إلى الأمور التالية :
1- هنالك حقيقة في عالم الترجمة تقرّ حقيقة الأخطاء والصعوبات في النقل بين لغة وأخرى، التمكّن في عناصرها يعطي المترجم قوة ومهارة في النقل المتوازي المقبول، وعكس ذلك فشل وخيانة في الأمانة الترجمية وهي : أي حقيقة في أية لغة، لم تكن ذاتها في اللغة الأخرى، فعلى المترجم دراسة الحقيقة اللغوية بشكل منفصل لكلا اللغتين لاستخراج مكافئ ترجمي(counterpart) موحّد يتشارك في المعنى والمبنى بين اللغتين بشكل متكامل أو تقريبي, وخلاف ذلك تكون الترجمة خيانة في الأمانة العلمية...
2- على المترجم المتمرّس أن يبحث بين المعاني السيمانتيكية والبرغماتية للحصول على أفضل مكافئ ترجمي مناسب, يتعادل مع الكفّتين في ميزان المعنى المتقاسم بين اللغتين, وتلك هي الحالة التي تعطي الترجمة الدقّة والأمانة العلمية خصوصًا في التراجم العلمية، أمّا في التراجم الأدبية فعلى المترجم أن يكون ذو معرفة جيّدة بالأدب وانزياحاته نحو الرمز والخيال, ومعرفته الجيدة في الجماليات اللغوية والبلاغية والسردية لإعطاء المكافئ الترجمي المساوي للأصل والمنقول إليه بنسبة عالية في التوصيل....
3- تخضع الترجمة النصّيّة الأدبية إلى عملية إعادة الصياغة (paraphrasing operation) أي تحويل النص إلى حالة متتالية بصيغة سردية لتعطي المعنى الكامل لمضمون النص, وبعد الحصول على المضمون يكون المترجم في حيرة كبيرة, وذلك لوقوعه في أحد الأمرين التاليين :
• إمّا أن يحافظ على الموضوع وعلى حساب الشكل ويكون النص سردًا إخباريًّا أو مموسقًا، وفي الحالتين يكون فارغًا من العمق الأدبي
• أو يضطر المترجم إلى مراعاة الشكل والمضمون, بذلك يقحم نفسه في الترجمة بالتصرف, فيفقد الأمانة الترجمية بالميل إلى تغيير الشكل من المظهر الأصلي للغة الأصلية باتجاه المظهر المنقول للغة المترجم إليها، و تعدّ هذه الحالة خيانة في أمانة النقل العلمي ....
الأمانة الترجميّة وقصيدة الشعر
أردت أن ابدأ حديثي بسؤال مهم ومعروف للكل قد يساعد في فهم ما أقول بشكل سريع ومنطقي :
هل يمكن أن نترجم قصيدة شعرية بوزن وقافية خليلية للغة أجنبية أخرى بنفس الوزن والقافية بشكل كامل...ولماذا...؟
الإجابة على هذا السؤال هي إجابة سلبية لاشك بذلك، والسبب يعود للنقطة رقم(1) في أعلاه، لكون اللغة مجموعة من حقائق لغوية تختلف من لغة إلى أخرى في الاتجاه والبناء والتركيب والشكل, ولا يمكن أن تكون موحّدة ومتشابهة إلّا بالمعنى, لذلك يفقد النص الشعري الشكل و يستقر المضمون, وهذا ما حدث في الشعر الحرّ المنقول للغة العربية, فقد كان إفرازًا ترجميًّا يحمل جميع العوامل الرافضة للنقل التي ذكرت في أعلاه، ومادامت حقيقة ترجمة قصيدة خليلية بوزنها وقافيتها إلى لغة أخرى غير العربية هو محال منطقيًّا، نجد تلك الحالة حقيقة في القصائد القادمة من أصل لغوي مغترب وهي الحالة التي أصابت قصيدة النثر حين جاءت قوية في المضمون وضعيفة في الشكل والدواخل الجمالية كالبديع والبيان، وما زاد الطين بلّة ،أن الذين بحثوا بتلك القصيدة عاملوها بمعزل عن الولادة الترجمية الأصليّة, عاملوها وكأنّها نصّ عربي قد فقد مقوماته أثناء كتابته باللغة العربية, ونسوَا أنّ كتّابها التزموا بقياس مع المترجَم منها من اللغات الأخرى آخذين بنظر الاعتبار أنّ تلك النواقص هو سبب ولادي وليس نقصًا متولّدًا من نقل ترجمي.....
ملامح التجديد العربي في النص النثري
وطبيعة اللغة العربية الجميلة، تميل الشاعرية فيها نحو الإتراع الجمالي الذي يصاحب الاختلاجات النفسيّة والوجدانية و الفلسفة المقترنة بالتنّاص التاريخي لوقائع وشخصيات إنسانية عبرت حقب التاريخ بعصور مختلفة-كالحضارات اليونانية والسومرية والبابلية والفرعونية و حتى المعاصرة- التي يتّبعها كتّابها المجدّدون أمثال الشاعر العراقي عبد الجبار الفياض والشاعرة السورية ريتا الحكيم والشاعرة المصرية عبير العطار، والشاعر العراقي شلال عنوز, وكثيرون من المبدعين الذين لم تصلني أسماؤهم بعد، و لا أزال أبحث عن أسمائهم حتى تصلني لأعرف عنهم السّمات الشعرية الراقية التي وشَّوا قصيدة النثر بها, لتصبح نوعًا من شعر راقٍ يشار له بالبنان، وأنا أحاول بكلّ جهدي أن تحضرني قصائد وأسماء كتّاب هذا النوع الجميل لأعطي كلّ واحد منهم حقّه في كتابنا الجديد /حريّة الشعر/ و لتكون تلك المقالة أعلاه لمبدعي قصيدة النثر...."
وأعتبر هذا القول مقالًا يضاف لمقالي السابق, ليكون ركيزة جديدة أسند عليها معارفي تمهيدًا لبحث نقدي يكون لي فيه حصة جيدة في كتابنا القادم الجديد بإذن الله ( حرية الشعر).
وأعرض لقصيدة الشاعر العراقي / شلال عنوز / التي عقب عليها الأستاذ رزاق الغالبي طويلًا أعجبني فيه مقطعًا لافتًا حقيقة وهو:
"لذلك جاءت قصيدة النثر فاتحة اللون، لولا عبقرية شعرائنا الذين كتبوها بتكنيك عربي خاص أضاف لها هيبة عربية وأنصفها, وردّ اعتبارها بعد إهانتها بالنقل الترجمي الغير متقن، وأعطتها تفوقا ملموسًا خصوصًا في السنوات العشرة الأخيرة حين بدأت تظهر للنور بتكنيك عربي كامل, وخلعت أرديتها الأجنبية...أخي المبدع الأستاذ شلال عنوز المحترم الحديث عن الشعر المنثور طويل وذي شجون أكتفي بذلك, وأقول إنك مبدع شامل في كل أنواع الشعر, وفي قصيدة النثر صار تفوّقك إبداعًا ومن يفهم قصيدة النثر يعدّك عبقريًّا فيها تحياتي لك أيها المبدع الألق"...
هل من دورة آتية ؟
نص/ شلال عنوز
في هدأة شبق نوافير الألم
على شطآن سواحله الثكلى
كان يعدُّ طوابير
زفرات آهاته التي
تتلمّظ مساقط أنفاس الوجع
على نتوءات الدموع
فيتمرّد بوحه
على أعتاب
خيبات زمن معتوه
يشيح بِعُريِ شتات طرفه
نحو شساعة الأفق
ويمدُّ خيطا هارب النزيف
حيث سرّ اقتدار السماء
يلتحف كل عنف رعونة الأرض
كلّ جنون المعاصي
يبيع زيف نبوءاته
لقهقهات الحمقى
وينام على أسرة
هرج المتفيقهين
في المدن الأفيون
لاوجود لمساحات الصحو
مذ حزّ سيف الغدر رأس الشمس
والوقت يتدلّى
على سوابيط إفك الطغاة
يراود عفة بكارات الياسمين
ويستبيح غنج سنابل القمح
زمن تسيّد فيه زعيق الفاشلين
وماتت فيه سماحة الندا
فيتوسد (لوكال زاكيزي) عرجون مأساته
ليستمر مسلسل دمويّ الفوران
يوقظ مناسيب شراهة الفتنة
وصيحات ندّاهات الحقد
بخنجر صراخ الغدر
حيث التآمر والفتك
يفتحان بوابات الحكم
المشاع للطالبين
في نوادي السقوط
كان سرب اليمام
متجها نحو الشمال
رغم قساوة الريح
وضراوة الزمهرير
وتلك الحمامة
المهيضة الجناح
تنوح مُرمّلة بالنشيج
ترفرف فزعة
فوق عش صغارها
يشاكسها
زغب الفراخ
وهذا المبتلى ..
يمسح غبار التأسّي
ويشير نحو قرص الشمس
نادباً :
هل من دورة آتية ؟
النجف : 27-12-2017
لوكال زاكيزي: الملك السومري الذي مثل بداية مقتل الرؤساء في العراق
#دعبيرخالديحيي
#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟