محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 5755 - 2018 / 1 / 12 - 11:48
المحور:
الادب والفن
الأخوات الثلاث يخرجن من البيت الأليف في اليوم المعتدل، وليس معهن سوى مظلة واحدة تحسباً من المفاجآت، الأخوات الثلاث لا يفضلن ركوب الحافلة من بيتهن البعيد إلى قلب المدينة الصغيرة، فثمة رغبة يحاولن إبقاءها طيّ الكتمان، تدفعهن للمشي في الشوارع التي تحفّ بها حوانيت التجار ذوي الكروش النافرة.
الأخوات الثلاث يدخلن الآن قلب المدينة، يسرن باحتشام مبالغ فيه، وهن يعرضن قاماتهن الرصينة أمام أعين التجار الجالسين خلف الواجهات الزجاجية، وبعض المارة الذين يتسكعون في الشوارع أو يتوقفون بعض الوقت فوق الأرصفة.
الأخوات الثلاث لا يدرين كيف يتصرفن مع الأبله الذي يتبعهن منذ لحظات مثل كلب الأثر، يدمدم خلفهن بكلام بعضه مفهوم وبعضه الآخر غير مفهوم، يقترب منهن كأنه على وشك أن يعض مؤخراتهن، ويبدو الموقف غير محتمل، لأن المدينة صغيرة تتكشف فيها الأسرار دون عناء، وهذا الموكب للأخوات الثلاث والأبله الملحاح يدعو، رغم كل محاولات ضبط النفس، إلى الضحك المسترسل الطويل.
الأخوات الثلاث يدخلن صالون تصفيف الشعر، وفي صدورهن غصة من بقايا ضحكات وصلت أسماعهن من هنا وهناك، ومن كلمات بذيئة تفوّه بها الأبله اللعين. الأخوات الثلاث أمضين وقتاً أمام المرآة، والمرأة الخبيرة تصفف لهن شعورهن، والأخوات طافت في مخيلاتهن صور شتى وأحلام كثيرة.
الآن، لا بد للأخوات الثلاث من العودة إلى البيت وهن في أحلى زينة، ولا بد من التخطر في شوارع التجار، لعلّهن يسمعن تنهيدة شوق أو كلمة إطراء، غير أن المطر المعطاء بدأ ينهمر فجأة ودون ميعاد، والأخوات الثلاث يقفن مترقبات خلف الزجاج، ينتظرن توقف المطر. يقترب المساء، والأخوات مشدودات مثلما ينشد وتر، يغلق التجار حوانيتهم ويعودون إلى بيوتهم تهرباً من برد المساء، والأخوات الثلاث يمشين الآن في الشوارع الخالية، في العتمة الموحشة، والمظلة الوحيدة التي يملكنها تنطوي على أحزانها لأنها لم تغتسل تحت المطر.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟