|
المرأة/الشعوب المقهورة وممارسة العنف
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 5753 - 2018 / 1 / 10 - 12:48
المحور:
القضية الفلسطينية
س: ماذا تفعل الضحية الضعيفة في مواجهة جلادها، مغتصبها، ومغتصب حقوقها؟ ج: تلتزم بأخلاقية الضعف/والسلمية بما يوقظ الضمير، ويؤدي إلى تشكيل ضغط على المعتدي يردعه عن عدوانه. هذا فيما نزعم فحوى الخطاب الذي يروج أن المرأة لا تستطيع أو أن عليها أن تظل "مسالمة" في مواجهة القمع الذكوري بسبب أن "أخلاقية" موقفها وعدالته تنبع من عدم استخدامها العنف سلاحاً من أجل التحرر ونيل الحقوق. حالما تسقط المرأة في دوامة العنف، تفقد "التعاطف" والشرعية الأخلاقية. بالطبع ينطبق هذا القول بشكل أو بآخر على الشعوب المضطهدة في جنوب أفريقيا (سابقاً؟) وفلسطين حالياً. لكن من هو الفريق الذي سنقوم باستمالته عن طريق قيام المرأة بدور الضحية المسلوبة الإرادة؟ تعتمد الفكرة على استمالة جزء من معسكر الرجال (القوي، المحتكر للعنف) من أجل أن "يقتنعوا" ببراءة المرأة وضعفها، ويعطفوا عليها ويدعموا حقوقها المختلفة. وهناك ما يسمح بالاعتقاد أن هذه الطريق قد توصل إلى غاياتها المنشودة: المرأة أولاً وأخيراً هي الحبيبة والأم والأخت والابنة، وقد يكون من المدهش حقاً أن لا تنجح في استقطاب تعاطف حبيبها أو ابنها....الخ للأسف أن الأمر ليس بهذه البساطة، ويبدو من دروس الماضي والحاضر على السواء أن الحبيب والأخ والأب هم الذين مارسوا أشد أنواع التنكيل بالمرأة، من قبيل الاضطهاد الجسدي والاقتصادي والجنسي. وإذا كان ذلك صحيحاً فقد يغدو من المفارقة بالفعل أن نتوهم أن نثير العطف في قلوب الرجال لأنهم في الموقف الذي عبر عنه المتنبي بالضبط: يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم الرجل هو الخصم والحكم، إنه القاضي والجلاد، لكنه بالتأكيد ليس أعدل الناس. من هنا يبدو من غير المتوقع أن تؤدي "استراتيجية" الضعف إلى إثارة ما يكفي من "الضمير" بما يسمح بتحقيق مساواة المرأة الفعلية وأنستنتها الكاملة. إذا كان أمل المرأة المضطهدة في التحرر عن طريق "المسالمة" وتمثيل دور الضحية الضعيفة ضعيفاً، فلا بد أن أمل الشعوب المقهورة في التحرر عن طريق التمثيلية ذاتها يبدو معدوماً. على الأقل المرأة تناضل ضد "عدو" يحتاجها طوال الوقت، ويعشقها في احيان كثيرة. أما الشعب المقهور فإنه يناضل ضد عدو يحتقره قومياً وعرقياً ويشيطنه أخلاقياً، ولا يرى فيه إلا فريسة سائغة للافتراس من النواحي المختلفة. وقد يصل الأمر حد الاعتقاد بأن الرب ذاته والضمير الراقي يقتضيان من الجلاد أن يقتل الضحية دون رحمة. هذا هو جوهر صراع الشعب الفلسطيني ضد الاستيطان الأبيض في فلسطين: إننا نريد أن نقنع جلاداً مزوداً بالحجة الدينية والأخلاقية والسياسية بأنه مخطئ وأن عليه أن يترك أرضنا وفضاءنا ويرحل. كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟ لقد قام هذا الرجل ذاته بقتل قارات بأكملها من أجل تصدير الفائض السكاني ونهب الموارد واستغلال الأرض للزراعة. قام الرجل ذاته بقتل ملايين من القارة السوداء بغرض اختطاف مليون منهم ونقلهم إلى حياة العبودية في القارات المبادة. لكن الرجل الأبيض ذاته يشجعنا على ممارسة المقاومة السلمية الأخلاقية. ويقوم بتركيز التدريب على خطاب حقوق الإنسان والطرق السلمية في حل النزاع على عالم الضحية، بينما يواصل عالم الجلاد شحذ أسنانه وسيفه من أجل الذبح والافتراس على مدار الساعة. هل تغضب الولايات المتحدة، أو أوروبا، أو الدولة العبرية من خطاب المقاومة السلمية؟ هل يحاصرها ذلك الخطاب لأنه سيؤدي يوماً إلى اندحار إسرائيل (أخلاقياً)؟ نتوهم أن الجواب هو لا. بل نذهب حد الزعم أن هذه الدول هي من يروج لهذا الخطاب في عالم الضحايا العرب والفلسطينيين. ولقد تم في وقت من الأوقات ترويج ألوان من الأيديولوجيا السلمية في أوساط سكان أمريكا الأصليين "الهنود الحمر" من أجل تسهيل مهمة إبادتهم عن طريق دفعهم بعيداً عن المقاومة العنفية. لكن البعض سوف يحتج بأمرين: أولا: من الممكن من ناحية مبدئية أن نثير عطف "الرأي العام" العالمي مثلما حصل مع جنوب أفريقيا. ثانياً: إننا لا نتمتع في فلسطين بالإمكانيات اللازمة لخوض حرب تحريرية عنفية على الطريقة الفيتنامية أو الجزائرية. حسناً، لقد تم إنهاء ظاهرة استفراد الأقلية البيضاء بالمناصب العليا في دولة جنوب أفريقيا. وعلى ما يبدو كان هذا هو مطلب البسطاء السود الوحيد. وهو مطلب تافه إلى درجة مثيرة للسخرية. ومن المدهش بالفعل ان البيض كانوا من الأنانية والتجبر أنهم رفضوا هذا الطلب السخيف وقتاً بهذا الطول. ما عدا ذلك بقي أبناء الأقلية البيضاء يتمتعون بالهيمنة المطلقة على الاقتصاد والسياسة والتعليم والصحة والجيش. نحن –للأسف- نطلب أكثر من الأفارقة بكثييييير: نحن نطلب حق العودة وهو ما يدمر الغالبية اليهودية بين النهر والبحر مثلما لاحظ الراحل شمعون بيرس أكثر من مرة، ونحن نطلب دولة فلسطينية مستقلة قد تشكل حاضنة في المستقبل لانطلاق حرب تحررية على طريقة احتضان فيتنام الشمالية لحرب التحرير في جنوب البلاد التي خاضها ثوار الفيتكونغ. نحن غير قادرين مهما جرى على الذوبان في "إسرائيل" وهي قادرة على الذوبان فينا، لا بد إذن من أن يحذف أحدنا الآخر. كلا ليس هناك ما يسمح بافتراض أن يمزق ألمنا نياط قلوب البيض في نيويورك ولندن وباريس ناهيك عن تل أبيب، لذلك يبدو لنا أن وصفة: "هلموا نستعطف العالم بأن نموت، هيا نفضح إسرائيل وهي تقتلنا،" لا تفيد في شيء. ولا تصدقوا فرنسا، فإن نظامها الجمهوري الجميل مارس في الجزائر وفيتنام والكنغو ...الخ ما هو أسوأ بكثير من ممارسات إسرائيل. وحتى في الزمن الحاضر وقف ساستها يلعقون شفاههم بسعادة وهي تقطر من دماء السوريين في سياق الحرب العنفية الثورية (المشروعة؟) من أجل إسقاط الطاغية الأسد. فقط العنف يصبح غير أخلاقي عند استخدامه ضد الاحتلال الاستيطاني في فلسطين، أما تفجير سوريا جيشاً، ومصانع، ومشافي، وأسواق...الخ فهو مباح من أجل إسقاط الديكتاتورية. بالنسبة للنقطة الثانية المتصلة بعجزنا عن خوض الكفاح المسلح، فإنه إن كان ذلك صحيحاً بالفعل، فإن علينا أن لا نوهم أنفسنا بأننا سوف ننجز الاستقلال واستعادة الوطن بأية طرق "رومانسية". علينا إن صح ذلك أن نوطن النفس على الاستعداد لما سيتمخض عنه ميزان القوى الفعلي، وأن تضع قيادتنا السياسية مخططاتها وفق إمكانياتنا الفعلية بغرض تخفيف الأضرار قدر الإمكان بانتظار أن يحمل المستقبل تغيراً لمصلحة شعبنا وأمتنا. بالطبع الحرب الأيديولوجية التي تهدف إلى تزييف وعي الضحية مهمة للحالتين: السيطرة على المرأة والسيطرة على الشعب الفلسطيني المستلب الأرض والحقوق. ولعل من الأمور اللطيفة أن هذه الحرب مهمة في الحالتين في توفير الجهد على الجلاد. وفيما يخص المرأة من المفيد أن نذكر أن تدريب النساء في مراكز الرياضة على أنشطة الدفاع عن النفس قد يخطو بهن خطوة بعيدة في مضمار ردع الرجال عن التحرش والاعتداء الجسدي...الخ بالطبع يمكن لأية تدريبات بسيطة أن تكشف زيف الأوهام التي تشاع عن ضعف المرأة الجسدي البيولوجي الحاسم الذي لا يترك لها فرصة إلا الاستسلام لجلادها وتركه يتمتع بفعل ما يحلو له بها جسداً وروحاً. ترى هل يوجد أسباب بيولوجية تجعلنا معشر العرب/الفلسطينيين نحن أيضاً عاجزين عن ممارسة العنف بدرجة أن نلعب لعبة الضعف والمسالمة ونترك للرجل الأبيض في إسرائيل والبلاد التي أتى منها الميزة الاستثنائية للقدرة على القتال؟
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تهافت الخطاب الفني والإعلامي
-
إيران في مرمى المخابرات الأمريكية
-
الجامعة الأردنية: سباق نحو القاع؟
-
ضد معلمي الوكالة
-
سلامة كيلة و -مناضلو الامبريالية الأشداء-
-
في ذكرى القرار 2334
-
عهد التميمي والدعاية للاحتلال
-
استراتيجية ترامب الجديدة
-
حماس، ترامب، والمهمات المستعصية
-
فلسطين بين أعداء الشيعة وأعداء الديكتاتورية
-
غضب أردوغان بسبب القدس
-
فلسطين، ترامب ، ومحور المقاومة
-
اليمن: تاريخ استثنائي/واقع استثنائي
-
اليهود الكنعانيون واليهود الأوروبيون
-
أسطورة فلسطين التي تفيض عسلاً ولبنا
-
في رام الله وعمان
-
ديمقراطي ومش خايف
-
بوتين/لافروف وفساد المنظمات غير الحكومية
-
ميلاد مر أو -يلعن ابواسرائيل-
-
حزب اللات في مواجهة السعودية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|