|
ظاهرة الاحتجاجات الاجتماعية
ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك
(Majid Ahmad Alzamli)
الحوار المتمدن-العدد: 5747 - 2018 / 1 / 4 - 23:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ظاهرة الاحتجاجات الاجتماعية يعود استمرار الحراك في المدن العراقية بوهج متصاعد كميا ونوعيا لمدة أكثر من ثلاث سنوات دون أن يحظى بدعم مالي أو لوجيستي من جهة معينة إلى قدرة شباب الحراك في التعبئة وتجديدهم في أشكال الاحتجاج، وتفاعلهم السريع مع كل المستجدات سواء تعلق الأمر بتصريحات رموز الدولة ومبادراتها، أو مبادرات بعض الفاعلين المدنيين. كما استطاع قادة الحراك أن يستغلوا كل أخطاء الدولة في التعامل مع الأزمة وجعلها فرصة لبث روح جديدة في الحراك. وهناك خصائص في القطاعات الاجتماعية، وخاصة على مستوى التعليم والصحة. وهناك إفرازات اجتماعية خطيرة تتفاقم، يومياً، نتيجة اتساع البطالة. وهذه الأخيرة لا يمكن أن ننظر إليها، فقط، من خلال الأرقام التي تهم عدد العاطلين بل يجب أن ننظر إليها، أيضاً، من خلال انعكاساتها على غير العاطلين، ونقصد بهم الفئات الاجتماعية التي تحاول الإنفاق على العاطلين وكفالتهم، بحيث أن هياكل التضامن الاجتماعي تَعِبَتْ، وتَرَاجُعُ الدولة الراعية في الميادين الاجتماعية، وَجَّهَ ضربات قاصمة للطبقات المتوسطة. تنشأ الحركات الاجتماعية في مواجهة الدولة نتيجة تعثر الدولة في أداء دورها وتدخل الدولة المتزايد للسيطرة على السوق وتدعيم قوتها وتوسعها على حساب المجتمع المدني، وهو ما يتزامن عادة مع تآكل دور الأحزاب السياسية كمنظمات للتعبئة والتمثيل الشعبي، وعندما تندمج الأحزاب السياسية مع النظام وتدور في فلك الحكومة رغبة ورهبة، وتأخذ شكل الأجهزة الملحقة بالدولة، ومن ثم تفشل الأحزاب في أداء وظيفتها الطبيعية في الرقابة وتقديم سياسات بديلة؛ وحتى أوقات الانتخابات نجدها تتوخى الابتعاد عن القضايا الملحة والخلافية، ولا تركز عليها في برامجها وحملاتها الانتخابية. وهذه الحركات الاجتماعية الجديدة تتميز بأنها لا تسعى لامتلاك مؤسسات السلطة، ولا تزاحم الأحزاب السياسية في مجال نشاطها، فقط هي تأمل في ترسيخ نمط فعال من المشاركة الاجتماعية، على المستويات المحلية والقومية في بلدانها، وعلى المستوى العالمي بالنسبة للحركات التي تنزع نحو هذا الاتجاه، وذلك بغرض التأثير على سلطات صنع القرار وتحقيق مكاسب جماهيرية على مستوى أو أكثر من تلك المستويات. الحركات الاجتماعية توجد وتعزز حضورها وتحركاتها في كل أنحاء العالم، وتسير قدما من الدفاع إلى الهجوم للقيام بدور حاسم في صياغة مشروعات خلاقة لبناء إستراتيجية سياسية موجهة للمواطنين. الحركات الاجتماعية سواء كانت في شمال العالم أو في جنوبه لها بلا شك أهداف سياسية معلنة أو مضمرة؛ ولا يعني هذا الرغبة في الاستيلاء على السلطة، بل تغيير علاقات القوة الذي هو شرط للتغيير، فهي تستهدف نقد السلطة عبر وسائل متنوعة، وتهدف لإحداث تغييرات في النظام القائم أو في بعض جوانبه على الأقل. يمكننا القول إنّ ظاهرة الاحتجاجات الاجتماعية عابرة لمختلف النظم السياسية، فهي موجودة في النظم الديموقراطية وغير الديموقراطية، لكنها في الأولى عادة ما تؤدي إلى تطوير النظام ولفت الانتباه إلى ثغراته وإلى المظالم الاجتماعية، يؤدي إلى تحسين أدائه وأحيانا تجديد نخبته. أما الثانية فإنها تكرس أو تعمق أزماتها، لأنها عادة ما تعجز عن الاستجابة لمطالب المحتجين، يلبي جانبا ويرفض جوانب أخرى، بصورة لا تجعل السلطة تستفيد من الاحتجاجات، من أجل التطور الديموقراطي والانفتاح السياسي. لهذا فإن الاحتجاجات أي كان شكلها، لها أهمية محورية في عملية التغير الاجتماعي وتحقيق المطالب، وعلى اختلاف أنواعها ومسببات حدوثها وانتشارها ونجاحها وفشلها، فإنها بقيت فاعلا رئيسيا في المشهد السياسي والاجتماعي ، وتبقى رغبة الإنسان في ممارسة الاحتجاج ضد اللامساواة والحيف والتهميش والعبودية، وغيرها من مظاهر الظلم الاجتماعي. ويستمر الحراك الاحتجاجي في العراق، قد تخفت وتيرته أو تتضخم حسب السياقات وتفاعلات السلطة السياسية، لذلك،نعتبر أن الاحتجاجات لن تنقطع، وأن المسعى الأساسي في المحافظة على سلميتها، والاتجاه في منحى توافقي، يعيد للمواطن العراقي اعتباره كمواطن، على المستوى الاجتماعي والسياسي والحقوقي وضمان التوزيع العادل للموارد والحقوق والثروات. إذا ما انتهجت الدّولة استراتيجيات تنمية كما وردت في الدستور ومحاربة الفساد،ستعطي نفسا جديدا للممارسة السياسية وتعيد ثقة المواطن في السياسية والفعل السياسي. وقد كشفت تجارب تلك الحركات على مدى النصف الثاني من القرن العشرين عن وجود اختلافات في مستويات أدائها ودرجات فعالياتها؛ وذلك في ضوء الأهداف التي سعت إليها، والآليات التي استخدمتها، والسياق الاجتماعي الذي عملت ضمنه، واللحظة التاريخية التي نشأت فيها أو مرت بها... إلخ، ولكن الصعوبة الكبرى التي واجهتها ولا تزال تواجهها هي أنها تعمل بعيدا عن الأطر الرسمية للنظام السياسي، بمعنى أنها تفضل العمل من خارجه، لا من داخله، وهي وإن كانت بمثابة قاعدة لانطلاق النقد الاجتماعي وممارسته بشكل فعال والسعي للتغيير، إلا أنها تبقى في أغلب الأحوال تشكل في مجموعها الكلي غير محدد الملامح وغير متجانس إلى حد كبير؛ الأمر الذي يؤدي إلى آثار سلبية متعددة تتركز في انكفاء هذه الحركات على ذاتها، وتقليل فعاليتها بصفة عامة. أدت الاحتجاجات أدوارا مهمة في الانتقال الديمقراطي، في كل من أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، وأفرزت بالانتخابات رؤساء وطنين ومؤيدين للتنمية والعدالة ومقاومة الفساد. في المقابل لم تحدد المؤسسات السياسية للدولة ومكونات المعارضة، ومسار الانتقال الديمقراطي صيغ التعاطي مع البنى الاحتجاجية، تفاعلت بطرائق تقليدية والتجأت إلى “العنف الشرعي” لكتم أنفاسها. ساهمت الاحتجاجات في أشكالها الناعمة والمتوحشة، في انتشال فكرة الانتقال الديمقراطي من التجاهل و التلاعب، وعبرت عن أزمة النموذج الديمقراطي الشكلي، وأدركت تجاعيده، ما لم تحتويه الأبعاد الاجتماعية والتنموية، والإنسانية. لهذا تمت محاولات عديدة لاستيعابها في منظومة المشاركة السياسية، وإخراجها من طابعها الاحتجاجي، و”ترويضها” لكي تصبح جزءا من مؤسسات الدولة وأحد عناوينها. إلا أن الحركات الاحتجاجية تولد من رمادها باستمرار، وتفلت من الضبط السياسي، والمعايير المعتادة، بفتحها مسالك احتجاج جديدة، فتتصاعد وتيرتها وتتسع رقعتها(فاعلون جدد، امتداد جغرافي، تراكم الخبرات) ، وهي ظاهرة إيجابية تدفع في اتجاه إنضاج أو تجذير الانتقال الديمقراطي بالضغط والاحتجاج.
#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)
Majid_Ahmad_Alzamli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدول ذات الاقتصاد الريعي بين الهيمنة الامريكية وسلطة البنك
...
-
مستقبل الاستقرار الامني والسلم المجتمعي في العراق بعد تحرير
...
-
يبقى القدس الشريف لنا وعاصمة فلسطين
-
تأثير الإستقرار ألأمني وألسياسي على التنمية الاقتصادية والبش
...
-
ما يجري في الخليج والمنطقة
-
النظام الدولي الجديد
-
أثر التنوع الثقافي والعرقي والاقتصادي داخل الدولة على إستقرا
...
-
حقوق الانسان في ظل العولمة
-
عندما تعتمد الدولة على مصادر قوة متعددة
-
الذكرى الرابعة عشرة للاحتلال الانكلوامريكي للعراق
-
مخاطر التطرف الديني والعرقي
-
عدم الخروج عن القواعد الدستورية في التشريع الاجرائي
-
حماية حقوق الانسان بين التشريع والواقع
-
القسوة في التاريخ الامريكي
-
الرقابة الادارية والمالية
-
التصدي للفساد
-
مستقبل ألإتحاد الاوربي بعد خروج بريطانيا
-
ما يجب ان يتحمله المجتمع الدولي تجاه الجرائم ألإرهابية
-
المسائل الملحة امام النخب العراقية عامة والمتنفذة خاصة
-
عوامل بناء الدولة القومية
المزيد.....
-
إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي
...
-
إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي
...
-
ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
-
سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
-
جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
-
ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟
...
-
كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
-
الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة
...
-
ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل-
...
-
الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|