يحيى نوح مجذاب
الحوار المتمدن-العدد: 5744 - 2018 / 1 / 1 - 23:19
المحور:
الادب والفن
تحسَّس صفحة جسده تحت الهندام بكفِّه المعروقة القاسية السميكة وهو يزحف بأصابعه الخمسة متلمساً نعومة بشرته الخفيّ بعد أن تساقط شعر ساقيه وفخذيه مع احتدام الزمن وعواهن الأحداث. كان الجسد بارداً لم تنفعه سماكة البِنطال وعندما غيّر مسار اليد نحو مركز الجسد وبؤرة الحياة أحسّ كم هي لذيذة تلك الحرارة المنبعثة من وسط المخلوق البائس وبعد أن عبأ بعض الدفء أطلق عِقال الأحلام ليبني بها بيوت رملٍ تناثرت مع أولِ هبوةِ ريحٍ عاصف.
رشحُ أنف، وحشرجةُ حنجرة، وخمول بيّن لم تنفعه أقراص الدواء بأشكالها الصغيرة منها والكبيرة، الخشنة، والصقيلة، وكاد أن ينام على مقودِ المركبة حين عبوره جسراً صغيراً فوق تقاطع طرقٍ متشابكة غاية تصميمها تخفيف اختناقات المرور. حادثُ اصطدامٍ أمامه فوق جسرٍ اشتبكت فيه مركبات ثلاث لم يستطع أن يجد له تفسيراً وعيناه بالكاد تَريان مسارَ الطريق، كانت جميعها متداخلة مع بعضها؛ الأولى صفراء صغيرة، مهمتها نقل العابرين من بني البشر في دنيا الله الواسعة، كان زمّورها يدوّي مُزمجِراً في المكان دونَ توقّف، والثانية بيضاء أشبه بقطّة خانسة عبث بها هرٌّ رماديٌ لعين. أما المركبة الثالثة التي كانت أشبه بسنّور متوثب مكشّر الأنياب فقد اجتازت بنزقٍ أهوج الحاجزَ المعدني بين المسارين وهتكت حصن البيضاء لتدفعها إلى الصفراء الفاقعة وتغير اتجاه الأحداث من شمالٍ إلى جنوب وبالعكس، فتحول كل شيء بقدرة قادر الى المسارات المتعاكسة من هول الصدمة.
الجفون أثقلها النعاس والأنف تسربت الى أغشيته الداخلية مواد غريبة تبحث عن الخلاص، فالعُطاس ينتظر بلهفة ليلفظ ما في تجاويف الأنف كل دخيل. الأعينُ تغمض لدقائق وتنبلجُ للحظات، وأحداثُ يومٍ كامل بساعاته الممتدة والمنكمشة تمُرُّ من أمامه في مخزون الذاكرة القريب، وما بين هذا وذاك أعاد من جديد مسيرة الكفّ الباردة لتتسلل إلى بؤرة الجسد حتى تستلب منها ما فَضُلَ من طاقةِ حياة.
#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟