|
التحليل النفسي بين العلم والفلسفة
حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 5737 - 2017 / 12 / 24 - 19:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التحليل النفسي ظاهرة ثقافية فريدة في القرن العشرين ، كانت وما تزال موضع جدل حاد بين التأييد القوي أو الرفض العنيد . عبر هذا النص ، سأحاول باختصار شديد عرض (فلسفة) التحليل النفسي ، مع التعريف بأعلامها الكبار ومفاهيمها الأساسية ويعود الفضل ، في معرفتي لهذه التجربة _ الخبرة والأفكار التي قامت بصياغتها ، للراحل الكبير وجيه أسعد بالدرجة الأولى ، كما استفدت من ترجمات أخرى قام بها أساتذة من بلدان عربية مختلفة ، ولهم كل الشكر والتقدير . .... سيغموند فرويد وآلفرد آدلر و كارل غوستاف يونغ ، الأعلام الثلاثة الكبار للتحليل النفسي . فرويد المؤسس والزعيم ، يشبه ماركس بدوره المحوري في تأسيس الشيوعية كفكرة وحركة ثقافية _ اجتماعية كبرى . ودور الشريكين ( التلميذين ثم الخصمين لاحقا) في نجاح الحركة واستمرارها ، لا يخفى على أحد من المهتمين بالعلاج النفسي الحديث . في الوقت الذي ، حافظ فيه فرويد على ( مسك العصا من المنتصف إن جاز التعبير ) رفض آدلر ويونغ ذلك ، كل بطريقته الخاصة والفريدة ، كما تحديا سلطة المعلم ونهجه بعد ذلك . طوال حياته ، نجح فرويد بما يقارب المعجزة ، في الجمع بين الموقفين العلمي والفلسفي _ بدون أن يفرط بأحدهما لصالح الثاني ! موقف العالم ، الذي يبدأ من التجربة العملية (من خلال تكرار التجريب وحذف الخطأ) ، وبعد ذلك يعتمدها كمرجع أول وثابت لاعتقاده وطريقة تفكيره ، بحيث يغير أفكاره ومواقفه اللاحقة بما يتناسب مع نتائج التجربة وليس العكس ( اعتبار الحقيقة والواقع مصدر الفكر والشعور ) . وموقف الفيلسوف ، بالتزامن ، وبنفس الوقت ينطلق من منظومة فكرية متوازنة (وثابتة) ، ويبقى محافظا على تماسكها ( ومرونتها ) طوال حياته . وبعبارة ثانية جمع بين موقف الفلسفة الذي يعتبر الانسان هو الموضوع الأساسي للمعرفة _ بالتزامن مع موقف العلم ، الذي ينطلق من الفرد المحدد في الآن _ هنا ، و يعتبره الموضوع المحوري على النقيض من التوجه الفلسفي ، المتعالي على الوجود الفردي وعلى الملموس ( بشكل مبدئي وثابت). بينما انزاح آدلر إلى الموقف التقليدي لعلم الاجتماع ، الذي يطالب الفرد بالتكيف مع الشروط الاجتماعية _ المتغيرة _ التي يوجد ضمنها ومن خلالها ، ويعتبر التوافق الاجتماعي (التشابه) محددا للصحة النفسية ومحورها الثابت . على نقيض يونغ ، الذي ابتعد عن الخبرة العملية أو الموضوعات المحددة إلى عالم الأساطير والخيال... وفي بعض كتاباته ، يعتبر مشكلة الانسان في الشعور والوعي الفرديين ، مما يوصله إلى نقيض موقف فرويد الأصلي ( اعتبار الفرد هو الشكل الجوهري للإنسان ) . والمرحلة الثانية في حركة التحليل النفسي ، خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، تمثلت بما سمي ( ظاهرة الفرويديين الجدد أمثال ميلاني كلاين وكارين هورني وإريك فروم وهاري س سوليفان ...) ، حيث اعتبرت الثقافة وتأثير المناخ الاجتماعي بعامة ، أول وأهم العوامل الرئيسية _ والتي تحدد درجة الصحة النفسية أو المرض ، وليس الكبت الجنسي كما بقي فرويد يصر طوال حياته . ..... تغير الموقف الثقافي العالمي من العقل ومكوناته ( الوعي والشعور والإرادة والفكر...) بشدة ، تحت تأثير مباشر من التحليل النفسي . وماتزال الصيغة التي اقترحها فرويد للعقل ، إلى يومنا هي الأكثر تماسكا في وجودها وتأثيرها _ من حيث التداول والانتشار في وسط الثقافة العالمية ، دون ان يشار صراحة إلى ذلك في أحيان كثيرة . صيغة فرويد الثلاثية للعقل : ( الهو ، والأنا العليا ، والأنا الفردية ) .... حيث (الهو) يمثل الجانب البيولوجي والغريزي في الفرد ، وهو مستودع الطاقة النفسية الرئيسي . أل(هو) لا يكترث بالأخلاق والقيم كما أنه لا يعترف بالواقع ، فهو معني فقط بالاشباع المباشر للحاجات والرغبات اللاشعورية بمجملها . ويمثل ( الأنا الأعلى ) الضمير الاجتماعي ، وهو تعبير عن القوانين الأخلاقية الأبوية بالدرجة الأولى ، ويكتسبها الفرد ( او يستبطنها بحسب مصطلحات التحليل) من خلال الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع الأخرى التربوية والدينية والثقافية المتنوعة . وثالث مكونات العقل وأكثرها حداثة هي ( الأنا ) التي تمثل العقل الواقعي الفردي والشخصي ، وهو المسؤول عن إقامة التوازنات المستمرة ، وصياغة القرارات والخيارات اليومية أو الاستراتيجية _ المتعددة والمختلفة_ خلال حياة الفرد. وأضاف المحللون النفسيون _ بعد فرويد ، خصوصا علماء نفس الأنا _ المكون الرابع للعقل ( الأنا المثالية ) ، وهي تكملة لفكرة النرجسية ، التي بقي فرويد طوال حياته يعيد النظر في صياغتها ، ...وما تزال النرجسية ( كفكرة وخبرة) بؤرة جدل واختلاف في أوساط التحليل النفسي ، أيضا في الوسط الواسع للعلاج النفسي الحديث ، مع انها اندمجت في الممارسات العلاجية المتنوعة ، والبعيدة عن التحليل النفسي ( مع اختلاف المصطلحات ) . باختصار ، يعتبر الأنا الأعلى ، وريث عقدة اوديب . والأنا المثالية ، تعتبر وريثة المرحلة النرجسية _ أو الحالة العاطفية البدائية والأولية . ** فكرة التحليل النفسي "الأصيلة" ، والتي تبلورت خلال السنوات الأولى من القرن العشرين ، عبر العمل المشترك بين فرويد والمحللين النفسيين الأوائل _ إن جازت التسمية أمثال آدلر ويونغ وغيرهما.. _ تقارب الموقف البوذي العام ، والذي يتمثل في بوذية الزن على وجه الخصوص . كما يوضح الحوار الشهير بين إريك فروم وسوزوكي ، وقام بترجمته إلى العربية أكثر من كاتب ومترجم ...قرأت ترجمة اثنان منهما : ثائر ديب ومحمود منقذ الهاشمي ولهما كل الشكر والتقدير . الفكرة تتلخص بعبارة " صيغة التبرير العقلي " وتطورت خلال القرن العشرين ، عبر مساهمة أدبيات اليسار على وجه الخصوص ، مع اختلاف في المصطلح حيث اختصرت بكلمة " أيديولوجيا". أو انفصال القول وانحرافه عن الفعل . في الوقت الذي أكملت فيه أدبيات اليسار البحث في فكرة _ خبرة الأيديولوجيا وتعمقت ، توقف التحليل النفسي ( على حد متابعتي ) عند تعريف الأيديولوجيا بعبارة " تبرير الرغبة". وما يهم في هذا النص ، الممارسة المشتركة واللاشعورية بمعظمها ، التي كشفها التحليل النفسي ومن خلاله انتقلت الفكرة _ الخبرة إلى الثقافة العامة والفكر السياسي خصوصا . .... يوجد اتجاهان رئيسيان في الشخصية الفردية ، يتناقضان في أغلب الحالات والمواقف ، وهما في المستوى اللاشعوري وغير الواعي لدى الفرد . اتجاه أول اجتماعي ومشترك يتعلمه الفرد (امرأة او رجل) كما يتعلم اللغة الأم وبقية الأنساق الاجتماعية الأساسية من خلال الأسرة والمدرسة ، لكنه يتعارض على الدوام مع اتجاه فردي وخاص بالشخصية المحددة ( أنت ، وأنا ، وهو) . ذلك هو أساس العصاب ومرجعه العام ، التناقض بين الفرد والمجتمع . والمسألة الرئيسية والأهم ، التي يتحدد بنتيجتها مستوى الصحة ( أو المرض) النفسيين ، في كيفية حل الفرد لذلك التناقض الثابت مع المجتمع . والقضية بحد ذاتها ( التعارض بين الفرد والمجتمع ) ليست حديثة او من اكتشاف التحليل النفسي ، لكن الجديد والنوعي كان في طريقة المقاربة والعلاج . والاهتمام بالفرد الإنساني واعتباره يحمل القيمة والمعنى _ على السواء مثل أي فرد آخر ( صحيح او سليم ) وبصرف النظر عن الموقف الاجتماعي _ الأخلاقي منه ، ويمثل ذلك المساهمة الإنسانية الأصيلة لحركة التحليل النفسي بصورة عامة .
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خلاصة بحث طويل
-
الموقف العصابي _ وحاجة الانسان للحب غير المشروط
-
الكبار يحتاجون للحب غير المشروط أيضا _ تتمة
-
حاجة الكبار إلى الحب غير المشروط أيضا
-
الكبار يكذبون أولا
-
ملحق ختامي لبحث القيم والأخلاق
-
ملحق 3 _ على بحث القيم والأخلاق
-
مملحق 2 _ على بحث القيم والأخلاق
-
ملحق 1 ، لبحث القيم والأخلاق
-
2 (بحث في القيم والأخلاق)
-
بحث في القيم والأخلاق _1
-
(قبلك _5
-
(1،2،3،4) قبلك
-
3قبلك،....
-
قبلك 2_ التمييز بين الارهاب والمقاومة
-
قبلك ، لم يعد أحد
-
(س_س) ملاحظات ختامية حول فكرة _ خبرة -حرية الارادة-
-
(4_س) حرية الارادة_ وقواعد قرار من الدرجة العليا
-
(3_س) حرية الارادة_ ...(الانسان مريض بمقدار ما لديه من أسرار
...
-
(2_س) حرية الارادة_ الذكاء الروحي أيضا
المزيد.....
-
-يا إلهي-.. رد فعل عائلة بفيديو وثق بالصدفة لحظة تصادم طائرة
...
-
ماذا نعلم عن طياري المروحية العسكرية بحادث الاصطدام بطائرة ا
...
-
إليكم أبرز الرؤساء العرب الذين هنأوا الشرع على توليه رئاسة س
...
-
العلماء الروس يرصدون 7 توهجات شمسية قوية
-
أسير أوكراني يروي كيف أنقذ الأطباء الروس حياته
-
على شفا حرب كبيرة: رواندا والكونغو تتصارعان على الموارد
-
ألمانيا تمدد 4 مهام خارجية لقواتها قبيل الانتخابات
-
مرتضى منصور يحذر ترامب من زيارة مصر (فيديو)
-
-الناتو- يخطط لتقديم اقتراح لترامب بدلا من غرينلاند
-
مشهد -مرعب-.. سماء البرازيل -تمطر- عناكب والعلماء يفسرون الظ
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|