أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - الوداع














المزيد.....

الوداع


غازي صابر

الحوار المتمدن-العدد: 5736 - 2017 / 12 / 23 - 02:22
المحور: الادب والفن
    


الوداع

تعودت أن يكون ذراعه وسادتها حتى تغفو ، كانت تتعرى وتختفي في حظنه مثل قطة وديعة تحت غطاء صاحبها وهي تبحث عن الدفء وتبدأ بشم وتقبيل نحره وتزحف بشفتيها الى رقبته وتهبط الى صدره ثم تعود لفمه فترتفع حرارته ويضمها اليه بقوة حتى تتحول الى جزء من جسده وقلبه .
هكذا كان يفكر فيها ويستذكرها وهو يقطع الطريق من بيته في بغداد والقريب من مكان تجمع باصات النقل الى المحافظات الشمالية ولم يندم لأنه تخلف عن اللقاء بزملائه والذين إتفقوا أن يسافروا في سيارة خاصة وقت العصر لأنه يريد البقاء معها أطول فترة ممكنة .
قبل ثلاثة أيام من سفره وهي تبكي كلما نظر اليها وكم حاول أن يشد من عزيمتها لفراقه ويزيد من شجاعتها وهو الذي يشعر بالألم أكثر منها لكنها كانت تواصل البكاء بعيداً عنه حتى إحمرت عينيها .
كان يجد السير قبل بزوغ الفجر بأتجاه مرأب الباصات وقد إنسل من فراشه معها وخرج من البيت بكل هدوء عسى أن يلحق بأول باص يغادر المحطة كي يلتحق بوحدته العسكرية في جبهة القتال هناك .
هكذا إختار طريقة السفر الصعبة والمحرجة حتى يبقى أطول فترة مع حبيبته والتي تزوجها قبل شهر وحتى يتخلص من لحظات الوداع المؤلمة والتي لايتحملها وسبق له أن جرب سعيرها يخترق قلبه وكل كيانه يوم ودع والده وهو يعاني سكرات الموت على فراش المرض ومن يومها أصبح الوداع يرعبه ويحاول الا يمر به .
وصل لكراج الباصات بعد تخلصه من نباح الكلاب والتي حاولت التقرب منه ووجد الكثير من الجنود وهم قادمون من المحافظات الجنوبية بغية السفر للشمال وما أن دخلت أول باص للكراج حتى هجم الجنود نحوه وبشق الأنفس حصل له على مقعد وما أن تحرك الباص صوب الشمال حتى عاد بأفكاره الى حبيبته وهو يفكر فيها هل لازالت نائمة هل إستيقظت ولم تجده وكم أحزنه نومها وهي تتمسك به وينشج صدرها حسرة بين لحظة وإخرى وكلما أسرع الباص هب هواء بارد للداخل وخفف من حرارة شهر حزيران .
إسترخى وأخذته نسمات الفجر وبدأ يحلم بها ويتسائل ماذا ستفعل بغيابه ، ماذا لو تعرض لقذيفة وأنهت حياته هل ستبقى بدون رجل حتى مماتها أم أنها ستعشق رجل أخر أو يجبروها أهلها على الزواج من بعده؟
قبل زواجه منها عاش الجحيم في جبهة الحرب مع إيران فهو يشعر أنه في المكان الخطأ وهو المدرس الذي يعلم التلاميذ العلم والمعرفة والإنسانية كيف له أن يقابل جندي إيراني لايعرفه ويكون في موقف يحتم القتل لأحدهما ولأنه غير متزوج فكر بالهرب لكنه رفض الفكرة لأن الحكومة ستعدمه وأمام عائلته وتعتبره خائناً للوطن مع أنه غير مؤمن بهذه الحرب لأنها حرب عبثية أساسها الصراع الطائفي والقومي وفكرمرة إخرى بتسليم نفسه للجيش الإيراني لكنه إستبعد الفكرة أيضاً وشعر بالخزي والعار يتسلل الى جسده حتى أحس بقشعريرة تهز كيانه .
هبط من الباص ووصل لمقر وحدته العسكرية في الخلفيات وتمكن من مواصلة السفر مع عجلة الأرزاق والمتوجهة الى القطعات الأمامية وأزداد حزنه وهويتذكر أحد أصدقائه والذي كان يعمل في الإعاشة وقد أصابته قذيفة مدفع للعدو أثناء توزيع الأرزاق على السرايا المتقدمة وردد مع نفسه لانهاية قريبة لهذه الحرب الملعونة ومن يدري قد ألحق بصديقي في أي لحظة .
إقترب من سريته وهو يفكر كيف سيقنع ضابط السرية بتأخره حين حياه أحد الجنود في مفرزته مسرعاً و ضاحكاً :
ــ مبروك عمي .
ــ شكراً رد عليه. ورجف قلبه وهو يفكر ما معنى مبروك هل يهنأني بزواجي مثلاً أم هناك عقوبة سمعها من الضابط ويريد الشماتة بي .
أدى التحية لضابط السرية والذي بدأ مبتسماً وقبل أن يعتذر له عن التأخير بادره:
ــ مبروك فعلاً مكانك ليس هنا .فشعر برجفة قوية في قلبه وهو يرد :
ــ لم أفهم سيدي ؟
ــ وأنت تتمتع بأجازتك وصل إنتدابك الى وزارتك ومدرستك ومع طلابك وهذا ما كنت تتمناه يبدو زوجتك محظوظة ووجه سعد عليك .
إنسابت دموعه على خده من شدة المفاجأة والفرح ولأول مرة عرف أن دمعة الحزن تختلف عن دمعة الفرح وشتان بين قلب يحرق بالنار وقلب يسبح في جدول هادئ وجميل أو طير يحلق في الفضاء .



#غازي_صابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماعون إمي
- اللقاء
- الشؤم
- جاسم والحب
- الإجتثاث في الإسلام
- إيران وزمن الثورات
- البطالة وفساد العقول
- في القلب جمرة والقمع العربي
- بين الحاكم العشائري والسياسي
- مشنقة العقيده
- زنوبه
- حكم الزمن
- جدي وجده
- السياسي وملابس النساء
- بصاق الديكه
- ماذا يحصل لو إنفصل الأكراد :
- الشيطان الأكبر والماركسيه
- أوديب والعراق
- الجهاد الكفائي والنفير العام
- الأنكليز والحسين


المزيد.....




- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - الوداع