|
كيف يضحي الفقراء بحياتهم لينعم الأثرياء بالحرية ؟
ريهام عودة
الحوار المتمدن-العدد: 5735 - 2017 / 12 / 22 - 21:53
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
إن من أكثر الأشياء التي تُلفت الأنظار عند متابعة تاريخ الثورات العربية ضد الاستعمار ، و بعض الأنظمة السياسية الديكتاتورية ، أن من يقوم بالثورة هم غالبا الشباب الذين ينتمون إلي الطبقة الوسطى.
و لكن هناك أيضا ثوار من نوع أخر ، هناك من هو مستعد بأن يفقد حياته الثمينة ، و يقبل بأن يكون وقود للثورة بجسده النحيل في سبيل الانتقام من الظلم و التهميش و الحياة الغير عادلة !
إنهم الشباب اللذين ينتمون للطبقة الفقيرة ، فمستوى التضحية بأرواحهم ، وحياتهم يصل لدرجة الرغبة الشديدة بالذوبان مع تراب الوطن ، و بأن يقدموا أنفسهم كقرابين بشرية للأرض و الحرية و الكرامة الوطنية و للانتقام بشكل دراماتيكي و عنيف من أعداء وطنهم ، دون الاكتراث لأهمية الحياة ومتعة الدنيا ، فالدنيا بعد هذا الفقر المدقع و الظلم الشديد، هي بالنسبة لهم فانية، و لا تساوي مثقال ذرة ، و أجرهم ربما سينالونه في الآخرة.
و عندما نقارن بين مستوى التضحية التي يقوم بها هؤلاء الشباب الفقراء ، مع مستوى التضحية التي يقوم بها باقي الشباب من الطبقات الأخرى المتوسطة و الثرية ، نلاحظ أن المستوىات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، تلعب دوراً كبيراً في تحديد طبيعة النضال السياسي و الفكر الأيدلوجي الذي يتبناه هؤلاء الشباب من كل طبقة.
فعادة ما تكون تضحيات الشباب المنتمين للطبقة الوسطى ، تتمثل على سبيل المثال ، بمحاولة المساهمة في بعض الأنشطة السياسية الفكرية و الاجتماعية و الإعلامية ، مثل المشاركات في حملات المناصرة و الدعم عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، أو حضور بعض الندوات السياسية و الاجتماعية، أو التوقيع على بيان سياسي يندد بسياسة ما ، أو الظهور في التجمعات السلمية و المؤتمرات السياسية.
أما الشباب الذين ينتمون للطبقة الغنية ، فنراهم يتخذون اتجاهاً آخراً ، أقل خطورة ، أو أكثر أمانا لهم في طبيعة نضالهم السياسي ، لأنه بكل بساطه لديهم ما يمكن أن يخسروه ، في حال ورطوا أنفسهم بمغامرة سياسية غير محسوبة.
لذا نرى أن مستوى التضحية السياسية لهؤلاء الشباب ، تكمن في تضحيتهم إما بالمال أو الوقت ، فنجدهم على سبيل المثال ، يقضون بعض الدقائق في التعبير عن غضبهم عبر منصات الإعلام الاجتماعي بكتابة (وسم أو هاشتاج ) لقضية معينه باللغة الانجليزية ، أو يقومون بالترويج لهويتهم الوطنية بوضع علم بلادهم على أكتافهم عندما يسافرون للخارج ، أو أنهم قد يتقلدون بسبب علاقتهم مع السلطة بعض المناصب الدبلوماسية الرفيعة المستوى ، و أخيرا هناك من قد يتبرع بجزء من ماله لدعم قضية بلاده.
لذا يمكننا هنا أن نصل لقناعه بأن كل طبقة في المجتمع تناضل و تكافح، لكن حسب تقديرها لحجم التضحية التي يمكن أن تقدمها، و حسب ميزان الربح و الخسارة .
فالشباب العاملون و الذين ينتمون للطبقة الوسطى لديهم وظائفهم و جامعتهم و أحلامهم في الثراء و المنصب الرفيع بالمستقبل، فلماذا يخسروا كل تلك المميزات ، و يعقدون عقدا مع الموت، و ينقضون وعودهم لأبنائهم بأنهم سيصبحون يوما ما شيئا ما .
و الشباب الأثرياء، والذين ينتمون سواء للطبقة البرجوازية أو الأرستقراطية، لديهم أرصدتهم المرتفعة في البنوك، و مناصبهم الرفيعة في المؤسسات الدولية ، و مقاعدهم الدراسية في الجامعات الأمريكية و الأوروبية ، فلماذا يضحون بكل هذا النعيم و الثراء ، و يقدمون أنفسهم للموت من أجل ثورة ، قد يقودها غيرهم، و يجنون ثمارها بكل سهولة و لو بعد حين.
أما الشباب الفقراء، فهم ليس لديهم عمل كريم لكي يكون لهم أمل في الحياة الرغدة ، أو طموح بأنهم في يوم ما سيزاد رزقهم و يصبحون أعضاء في الطبقة المتوسطة على الأقل.
و هم لا يملكون المال لكي يسافروا، و يتعلموا في الجامعات الأجنبية أو حتى المحلية من أجل أن يحصلوا على الشهادات العلمية الرفيعة التي قد تدعمهم في تطوير حياتهم للأفضل، و تساعدهم في بناء مستقبلا واعدا.
و هم لا يملكون المال لكي يدفعوا ثمن اشتراك خدمة الانترنت الشهرية ، لكي ينفثوا عن غضبهم و سخطهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدلا من أن يسيروا تحت أشعة الشمس المحرقة، لساعات طويلة في تظاهرات غاضبة بالقرب من الحدود قد تعرض حياتهم للخطر.
و هم لا يملكون المال لكي يشتروا ثمن بزة سوداء مهندمة ، لكي يتصدروا المؤتمرات السياسية و الندوات الاجتماعية و الإعلامية، بدلا من انتظار صدقة شهر رمضان، لكي يشتروا مجرد حذاء مستعمل يحمي أقدامهم من مياه الصرف الصحي التي تُغرق حارات مخيماتهم البائسة.
إنهم بكل بساطه ليس لديهم ما يخسروه !
و هم لا يملكون سوى أجسادهم النحيلة التي تعاني من سوء تغذية بسبب الجوع و الحرمان ، لذا فهم يقدمون تلك الأجساد الهزيلة كوقود للثورة لتحترق تلك الأجساد في نيران الغضب و الانتقام من الحياة الغير عادلة و من الظلم و التجاهل المجتمعي و الاستغلال السياسي و أخيرا من براثن الاحتلال و الاستعمار الأجنبي.
هذا بكل بساطه ، ما فعله الشهيد الفلسطيني المقعد إبراهيم أبو ثريا ، الذي غضب و ثار، عندما اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، بالقدس كعاصمة لإسرائيل ، فانتفض أبو ثريا لوطنه المجروح و المنقسم على بعضه البعض ، انتفض عبر رفع العلم الفلسطيني في أخطر منطقة بين حدود قطاع غزة و إسرائيل ، انتفض أبو ثريا و ثار مع الثوار على الواقع الأليم و الحياة البائسة التي يعيشها بقطاع غزة ، فضحى بنصف جسده ، ليعلنها ثورة على كل شيء !
ثوره على الفقر !
ثورة على التهميش بحقوق ذوي الإعاقة !
ثورة على الظلم الاجتماعي !
ثورة على الفساد و الاستغلال السياسي !
و أخيرا ثورة على الاحتلال الإسرائيلي!
#ريهام_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القدس و كسر التابوهات لتصفية القضية الفلسطينية!
-
ملف الانقسام الفلسطيني بين الماضي و المستقبل
-
معادلة السلام الإسرائيلية الجديدة
-
إلي وزارة الزراعة: فلتنقذوا حيوانات غزة من جهل المستهترين!
-
توقعات مرحلة ما بعد الرئيس ...
-
رسائل السلم و الحرب بين إسرائيل و حماس !
-
ماذا سيحدث لو أعلن الرئيس عباس قطاع غزة كإقليم متمرد ؟
-
الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية في قضية الاستيطان
-
سؤال يحتاج لإجابة: لماذا لم نتحرر من الاحتلال بعد 68 عاما؟
-
معبر قلنديا : معبر الذل ...
-
هل تؤجل إسرائيل الاتفاق النهائي للسلام حتى عام 2050 ؟
-
ضحايا الديمقراطية في الوطن العربي!
-
لا داعي للقلق من عصا وجزرة ليبرمان
-
أيها القائد الفلسطيني،راقب وتعلم و لا تغامر !
-
هناك مستقبل لغزة لو....
-
الملكة رانيا:المرأه الإنسانية ذات الأفاق الدولية
-
الحل ليس عند الرئيس
-
طبيعة دور المثقفين العرب و جدلية علاقتهم مع السلطة
-
نائب للرئيس ومجلس حكماء حتى لا تنهار السلطة !
-
إسرائيل و الحب المستحيل!
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|