إبراهيم الجبين
الحوار المتمدن-العدد: 1474 - 2006 / 2 / 27 - 09:47
المحور:
الادب والفن
لا شيء يبقى على حاله..الأيام كفيلة بتغيير الجميع..الأفكار والأشياء والأحلام ..
والمنجزات والمشاريع, في حقل الإبداع والمعرفة تجري الأمور أسرع مما يتوقع المرء, فتصبح قامة كبيرة بالقليل من صروف الدهر, تمثال شمع على هامش الحياة العامة, وعلى هامش التأثير, القليلون استطاعوا المروق من رمال الزمن الإبداعي المتحركة,التي تأخذ الباقين نحو غيب لم يكن يرد لهم على بال, حتى السيّاب ..اكتشف ذلك يوماً , حين رأى كيف تحمل صبايا معهد إعداد المعلمين في بغداد, ديوانه على صدورهن وهن يعبرن قربه دون أن يلتفتن إليه .. رأى ما سيحدث :
يا ليتني قد كنتُ ديواني
لأفرّ من حضن إلى ثاني
آن أن تفتح ملفاتهم في الشارع
من يفكر اليوم بمنجز سليمان العيسى كتيار يجرف الحركة الشعرية? ومن ما زال يعتقد أن ما يكتبه حنا مينة هو الأهم في شغل الرواية? ومن سينسى كيف كانت هامة أدونيس الشعرية تطغى على المكان..حتى كان من المعيب أن تكتب كلمة واحدة في مقطع شعري صغير إذا لم يلمس عليها أثرا ما لمساحيق أدونيس التجميلية ?!
الآن تختلف اللعبة قليلاً ..صار من الممكن أن يكتب أحد ما إن ممدوح عدوان لم يكن شاعراً عبقرياً بقدر أهميته كمترجم , وأن الماغوط توقف عن الإدهاش منذ زمن طويل ..وأن علي عقلة عرسان ليس الأيقونة المفردة التي تمثّل الكتاب في البلاد .
كتّاب لم يعودوا شباباً
الأجيال التي حفرت للبحث عن هويتها في سبعينيات القرن الماضي, لم تكن تعمل بحرية من ينمو طبيعياً ويخالط الثقافات في الداخل والخارج, ولكن الشخصية السورية بحكم تكوينها الأخلاقي حتمت على هؤلاء أن يغضوا أبصارهم أمام الأسماء الكبيرة, وكلما كانوا يتحركون قليلاً خارج السياق سياق الكبار كانت تطلق عليهم صفات من نوع ( مشاكس ..مشاغب ..متمرد ...حداثي ...مارق ..إلخ ), يعني أننا نعترف بكم ولكننا نلحق بكم تلك اللاحقة لتحملوا علامة معكم مهما بلغ منجزكم ! ما دفع بالكثيرين من جيل السبعينيات إلى الارتداد إلى الشخصية الرسمية الراسية وحتى نصوصهم تحولت مع الزمن إلى نصوص كلاسيكية ..قد تتفوق عليها نصوص الآباء .
من هؤلاء من سألناه عن الأسماء الكبيرة فكانت الإجابات متقاطعة ..أحياناً تتشابك بالمزاج.. ولكنها تحمل التفكير الذي نتحدث عنه.
الأسماء الكبيرة في سورية ...هل ما زالت كبيرة ?!
أعشاب نبتت فوق طريق مزفت
- ليست سورية, منذ أربعين سنة لليوم, بلداً يتوافق حاله مع حال وجود أسماء كبيرة. لا في الأدب, و لا في الفن, و لا في الصحافة, ولا حتى في العلم. وإذا عارضني البعض, بذكرهم أسماء لا أحد ينكر حجمها الكبير في سورية والوطن العربي وربما العالم. فالجواب سهل: كل هؤلاء, على قلة عددهم, وضعوا أساسات أسمائهم في الخمسينات والستينات من القرن الماضي, كما أنهم نشروا أغلب أعمالهم, وربما عاشوا أيضاً, خارج سورية. أما ما آلت إليه مصائرهم, على اختلافها, فهو أقرب إلى المآسي الشخصية.. مسكنة, تكسب, انطفاء موهبة, يباس روح, اصطفافات سلطوية, وأحياناً مراجعات سلبية, تصل لحد الخيانة, لكل ماضيهم... باستثناء من استطاع النفاد بجلده من هكذا مصير, بأن مات فعلاً, أو زهد وانتحى زاوية ما, أو تغرب في بلاد الله الواسعة! !!
في الشعر, وفي المسرح, وفي الرواية, وغير ذلك, يقال أنه لا يوجد بعد الستينات, أسماء سورية كبيرة, ولا حتى ما يستحق أن يسمى أجيالاً. ربما جيل السبعينات, فقط, أكرم القدر عليه بأن يسمى, باتفاق محدود الأطراف, جيلاً. وكثيراً ما أعتبر أن الحظ كان حليفه. ففي الثمانينات وبعدها التسعينات, تيبس وتصحر كل شيء, كل شيء!? غير أن نظرة سوداوية كهذه, لن تمنعني أن أرى بالمقابل, أسماء كثيرة استطاعت أن تثبت حضورها, محلياً وعربياً, والأهم من هذا, أن تثبت أنه, رغم كل شيء, استطاع المجتمع السوري بمكوناته الأهلية, أن يقدم الدليل تلو الدليل, كأعشاب نبتت ونمت فوق طريق معبد ومزفت, على أنه مجتمع حي ومبدع ومقاوم.
كنت سابقاً أتذاكى وأقول: ( كل ما كبر أحدهم, كبرت سيئاته ) ومازال قول كهذا له مبرراته العامة والخاصة. لكني الآن أحاول التفكير بطريقة مختلفة, بأنه يجب أن يكون في كل بلد أسماء كبيرة, لها مكانتها, ولها دورها, في الحقل الثقافي والحقل الاجتماعي والعلمي و... السياسي. وأنه من حقِّ, أولئك الذين تجنبت ذكرهم في البداية, ولكني الآن أفعل: نزار قباني, وفاتح مدرس, وعبد السلام عجيلي, وحنا مينة, ومحمد ماغوط, وأدونيس, وزكريا تامر, وممدوح عدوان. وأولئك الذين سأتجنب ذكرهم حتى النهاية... أن يكون لهم أسماء كبيرة. وقتها يحقُّ لنا مطالبتهم, وقتها يكون واجبهم, أن يكونوا, ويبقوا دائماً, بحجم أسمائهم.
منذر مصري شاعر
هنالك أسماء تستدعي ماهو جميل حين نسمعها ونتذكر ما كتبته , تعود إلينا أشعارهم أو كتبهم نستدعي وجوههم و أصواتهم , و لكن ثمة أسماء فرضت علينا بالقوة , قوة التكرار و الترداد و الأبواق , المريع أن الكثيرين لا يتجرؤون حتى على التفكير فيهم بمنظار نقدي , نوع من المقدسات , و كما كل المقدسات المساس بها يسبب الرعب, على النقد أن يتصدى لتحطيم الطواطم الفارغة و لدينا منها العديد.
د.حازم العظمة- شاعر وطبيب
من أنا لأتكلم!
ما زالت كبيرة لكن متسلطة , أريد أن أتحدث عن الأنا المتضخمة عند هؤلاء , والتي ترفض وبشدة إفساح المجال , للأسماء الشابة , ومن يصلح لمرحلة ويكون مبدعاً جداً وممتعاً , بالنسبة لمرحلته , ليس بالضرورة أن يتصف بهذه الصفات, في مراحل أخرى, مثلاً وبصراحة شديدة جداً جداً , محمد الماغوط كان بمرحلته رجل المرحلة بأفكاره , بينما لا أجد كل أفكاره معبرة ومناسبة عن هذه الأيام , هناك طواطم , نجبر على عبادتها كل يوم لمجرد أنها أسماء كرّست وأصبحت رسمية!!
...أقول لنفسي من أنا لأتكلم عن ممدوح عدوان ?...ألف واحد سيقول ذلك , ولكن ألا يحق لنا أن نفكر بحرية ونعطي مجرد ملاحظات فقط ?! مثلاً في المجال الصحفي, عندما تبدأ بالعمل في هذه المهنة تجد نفسك مجبراً إما على أن تكون من المحسوبين على مدرسة أحد الأشخاص والمريدين له, أو أن تظل نكرة ولا يعترف بك أحد من شلة (الكبار!!).
رشا عباس صحفية
اللحاق بالمنجزالأسماء الكبيرة في سورية كانت كبيرة بمنجزها ..ولكنها اليوم لم تعد قادرة على إنتاج ما يجعلها كبيرة حتى الآن ...لم يتجاوزوا أنفسهم ..ما زالوا يدورون في نفس الساقية ..محمد الماغوط ..أدونيس ..حنا مينة ..الأمثلة كثيرة ..مشكلتهم أنه لا أحد يقول لهم ذلك ..فيبقون مصرين على احتلال مقاعدهم ..مع أنهم توقفوا عن كتابة الجديد منذ زمن طويل . أقول ذلك للجميع وأذكرهم بسعد الله ونوس الذي رفض إلا أن يكون كبيراً حتى آخر لحظة .
خالد خليفة روائي
حسين خليفة- صحفي:
الأسماء الكبيرة هي أسماء لها قيمتها لكنها تشكلّ جداراً أمام كل المواهب الشابة, الكثير من الأمسيات الشعرية تقام لشعراء وكتاب شباب لديهم مواهب فذة للغاية و لايحضرها أحد بسبب اعتياد جمهورنا على الأسماء القديمة, والتي ساعد كل من الإعلام والصحافة على تكريسها, هناك مؤسسات مثل اتحاد الكتاب تصدر مطبوعات لامكان فيها لأي موهوب شاب,بعض من الأسماء القديمة تضخمت بسبب المد الأيديولوجي (وخصوصاً اليساري منها, الأحزاب يمكن أن يكون لها دور إيجابي في إخراج الكاتب من عزلته كما رفعت أسماء كثيرة كحنا مينة وحسن.م يوسف وغيرهم, هناك حالة من العزلة بين الأحزاب والمثقفين آن لها أن تنتهي...
بشار البطرس كاتب قصة :
في البدء أنا ضد كل هذا التعبير .. تكريس كل اسم أدبي كبيراً كان أم صغيراً هو من باب تكريس المقدس وكل ما أخشاه أن يكون المقدس الأدبي أصعب على النقاش والمساءلة من المقدسات الأخرى.. للأسف فقد تم التعاطي مع كثير من الأسماء الأدبية بما يتجاوز التكريم ليصار إلى اعتبارها واعتبار منجزها الإبداعي القمم الوحيدة العصية على الانتقاد , بل المحجّات التي على الجميع رفع القبعات لها!!
ما أفهمه كرياضي جرّب أن يكون سباحاً ولاعب كرة قدم أن هنالك سناً يجب الوقوف عندها لأن الجسد لا يعود قادراً على العطاء وتحطيم الأرقام القياسية, فلماذا لا يكون الأدباء الكبار كالرياضيين? ألا تشيخ ذكرياتهم وتجاربهم وتلافيف أدمغتهم , فنراهم يجترون إبداعاتهم بأشكال لم تعد خافية حتى على القراء العاديين , فما بالنا بالمهتمين!
هل وصلنا إلى حد نفتقد فيه الدماء الجديدة? وهل كتب علينا أن نمجد دائماً بالأسماء نفسها, فنبدو أشبه بجزيرة قاحلة تتصحر ثقافياً وفكرياً كما تتصحر بلادنا مناخياً! ولماذا ينسى أصحاب الكراسي العالية أدبياً أنهم يجب أن يتنحوا لأصحاب الكراسي الواطئة (مجازياً)لأنهم بكل بساطة قد عانوا ما عانوه في بداية حياتهم وآن لهم أن يسلموا الراية لمن بعدهم عن قناعة لأنهم استلموها بدورهم ممن سبقوهم? إذا كانت بنية العقل العربي السياسي لا تتحمل ذلك , فعلى العقل العربي الثقافي أن يكون سباقاً على فعل ذلك !!
محمود أحمد الرّجلة (كاتب قصصي ساخر):
الأسماء الكبيرة لدينا هي نتاج لحالات ثلاث(أسماء اكتسبت شهرة خارج سورية , أسماء قامت السلطة بتلميعها, أسماء قليلة صنعت نفسها بنفسها ) , وهناك أسماء ساعد كثيراً على ارتفاعها وجود أمكنة شاغرة في مجالها.. فمثلاً الذي يحدث هو أننا نتلفت ذات يوم ونجد أن سورية لاتملك روائياً.. فيجري البحث عن واحد ليشغل هذا المنصب, يقع الاختيار على حنّا مينة مثلاً وبعدها يتم الاستفسار عن موقفه السياسي, فإذا كان ملائماً يتم طرحه كالاسم الروائي الممثل لسورية, مع أنني كقارئ (وهذا رأي شخصي (أجد أن حنّا مينة لم يضف لي شيئاً جديداً ولم تحرك كتاباته شيئاً لدّي, بينما إذا راقبنا مواقف دول أخرى وكيفية تعاملهم مع ظروفهم الأدبية أو الفكرية سنلاحظ فرقاً في التعاطي.. روسيا مثلاً أعلنت منذ فترة أن:( روسيا الآن لاتمتلك كاتباً روائياً( أي أن هناك واقعاً معيناً وهم معترفون بل ومؤمنون به دون محاولة إقحام أسماء لملء المقاعد الخالية, كما أن لبعض القضايا التي ترفع أسماء الكتّاب والمفكرين الذين اعتنقوها وتصدّوا للحديث عنها في كتاباتهم أهمية كبيرة كنزار قبّاني الذي تمسك بقضية المرأة والقضية الفلسطينية وزكريا تامر الذي لن تستطيع التعرف على الوضع السوري السياسي في تلك المرحلة إلا عن طريق كتاباته الساخرة...
وسيم الموصللي (صحفي ):
الأسماء الكبيرة هي كبيرة لأننا لم نر الصغيرة! الأسماء الكبيرة في سورية هي ليست فقط الكبيرة بل والصغيرة والوسطى أيضاً لسبب بسيط هو أنّها وحيدة! هناك مجموعة من الأسماء المطروحة المحددة والمكررة مهما اختلف تقييمها من قبل المتلقين من قراء ونقاد وجمهور.
نسبة المبيعات
ما المعيار الذي يجعل من نزار قباني صاحب أكبر نسبة مبيعات للكتب في العالم العربي ولدى قراء العربية ?..وما هو الذي يجعلني أعترف بكاتب على أنه كبير مع أنه لا يبيع سوى ثلاث أو أربع نسخ من كتبه سنوياً?!
مقياس المبيعات مقياس مذهل , ويمكن من خلاله معرفة درجة حضور الكاتب بين من يكتب لهم , فلمن يكتب علماء اتحاد الكتاب العرب الذين تصدر كتبهم ولا توزّع ..بل تذهب مباشرة إلى المستودعات?
حين تسأل سريعاً في مكتبة في قلب دمشق..: لو سمحت كم بعت من كتاب )شرق عدن غرب الله ) لمحمد الماغوط ? سيجيبك بسرعة ..لم يقبل أحد على شراء الكتاب ..عنوانه يكفي لمنع الناس من اقتنائه ..
وحين تسأل آخر : ماذا عن كتاب )حيونة الإنسان ) لممدوح عدوان ? ستجد أن الغالبية من أصحاب المكتبات لم يسمعوا بالكتاب ..بعضهم عرفه ولكنه لم يعتقد أن الكتاب سيجلب قارئاً ..مع أنهم يضيفون هل ما زال يكتب ممدوح عدوان ..نقول لهم إنه رحل عن عالمنا ..يندهشون أكثر ..منذ أيام كانوا يقيمون له احتفالاً!!!
حسناً لن يظهر المعيار بشكل دقيق هكذا ..يمكن أن نسأل ثلاثين من مختلف الأمزجة والثقافات التي سنعثر عليها ..
هل تعرف خيري الذهبي ونبيل سليمان وقمر الزمان علوش ?..كثيرون عرفوا ولكن من خلال الدراما لا الكتاب والرواية المقروءة .
البعض يخلط ما بين كوليت خوري وكوليت بهنا ...ويعتقد أن كوليت خوري تكتب بين الوقت والآخر لوحات كوميدية للبرامج الرمضانية ..أو تكتب قصة قصيرة !!
ما الذي نفهمه من كل ذلك ?! ينبغي أن نعيد النظر قليلاً ..في الإبقاء على باب متحف الشمع مغلقاً ..التكريم الذي ينتظره كتّابنا الكبار لا يتجسد في الإبقاء عليهم أحياء في غرفة العناية المشددة وبالبطاريات ...ولكن برفعهم إلى رفوف عليا وباحترام القادمين من المستقبل.
#إبراهيم_الجبين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟