انطلاق الرحبي
الحوار المتمدن-العدد: 1474 - 2006 / 2 / 27 - 09:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
1
- ان الدين عند الله الاسلام.
- ومن يبتغي غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه.
- ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتون إلا وانتم مسلمون.
- وامرت لأن أكون أول المسلمين.
- لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين.
- ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين.
- ان الذين امنوا والذين هادوا والنصرى والصابئين من ءامن بالله واليوم
الاخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولاهم يحزنون.
- وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
- هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن
- وأمرت ان اكون من المؤمنين.
- فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه.
- ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما.
- وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين.
- إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم
أن يقولوا سمعنا وأطعنا.
- فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين.
- والكافرون هم الظالمون.
- فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماَ ليسوا بها كافرين.
- إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية.
- وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه.
- ان الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم.
-2-
حلقة اليوم تتناول المفاهيم الأساسية للقرآن ( الإسلام- الإيمان- الكفر)وتميزها في الحياة الإجتماعية للإنسان فنقرأ في مدلولاتها المعرفية أولاً كماعملت في السابق وفي مدلولاتها الإجتماعية ثانياً لعلاقة التلازم بينهما. لأن للمعرفة وظيفة إجتماعية تغييرية وتطورية كما قررت سابقا.
فبعد ترتيل الآيات التي تناولت الإسلام لاحظت إنَّ الإسلام يمثل حقيقة
موضوعية مرتبطة بالله وحده. أي حقيقة التوحيد ( لاإله إلا الله) , وهي
حقيقة مرت بخط السيرورة والصيرورة الإنسانيتين فبدأت مع نوح وختمت بمحمد عليهما الصلاة والسلام. وهو هو معنى الآية : أنَّ الدين عند الله الإسلام. الدين هنا بمعنى الحقيقة المعرفية للوجود. وعلى هذا تركت الحرية للإنسان في الإيمان أو الكفر بها( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) على حد سواء. وهو ماعليه الغالبية العظمى من الناس اليوم . فالأقلية منهم من يكفر بحقيقة وجود الله وهو حق ثابت لهم, لاينبغي إكراههم عليه. أي أن الدين يدخل في
بنية الوجود المعرفي للإنسان( الفطرة) بتعبير القرآن. وهوهو معنى الإصطفاء من قبله سبحانه. فعدم القبول بابتغاء غير الإسلام هو من طرف الناس لأن الغالبية منهم تقر به . فالرفض والقبول للناس لأنَّ الله تعالى غني عن العالمين. أما أنَّ محمداً (ص)هوآخر من دعا الى التوحيد فهو معنى الآية : وأمرت لأن أكون أول المسلمين. أمارتي والتي هي إعتقادي الذاتي وهو ماتدل عليه اللام لأن هو إنَّ مآل الإسلام( الإعتقاد بوجود الله)= ( التوحيد) كان بي، فالأول هنا من المآل أي الخاتم وهو كذلك الصلاة والسلام عليه وآله. هذا على المستوى المعرفي للمسألة . فمن هو المسلم بتعريف القرآن : من دعا الى الله وعمل صالحا. فربط بين المعرفي ( دعا الى الله) والإجتماعي ( وعمل صالحا) والعمل الصالح هو كل شيء ينفع الناس بتقرير القرآن . وعلى هذا فالمسلم هو من يؤمن بالله ويعمل صالحا وهوهو ماعليه غالبية الناس الذين يعمرون العالم. وليس مما يسمى بالمسلمين حصراَ والذين باتوا خارج هذا التعريف القرآني لأنَّهم في الحقيقة مشركين أولاً ولايعملون صالحاًَ أي لاينتجون ما ينفع الناس بل هم عالة على الناس ثانياَ. فالمجتمع الإسلامي الذي يُعَرّفُهُ لنا القرآن في الآية :( ان الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً.....) فهؤلاء جميعاَ يشكلون المجتمع الإنساني المسلم عند الله . وأقف عند الصابئين من صبأ: أي الآخرين من غير الثلاثة المذكورين وقد تكون من الذي تطهر بالماء وهم الأخوة الأحباء أول الموحدين الصابئة في العراق . انها كارثة معرفية وإجتماعية بعد أربعة عشر قرناً نجد أنفسنا خارج الإسلام ونحن نتشدق به على الآخرين الذين هم من يحمله ويحيا به . ما بقي لنا هو الشعائر من صلاة وصوم وحج نؤديها شكلياَ بعد أنْ فقدت الأساس المعرفي والإجتماعي لها . فما قاله محمد عبده رحمه الله حين زار أوربا: وجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين خطأ لأنه لاوجود للإسلام دون المسلمين لعلاقة التلازم المعرفي والإجتماعي بينهما.
-3-
الإيمان: مفهوم معرفي وإجتماعي , معرفياَ هو الإيمان بالله أي بوجود الله سبحانه وتعالى. وهو الشرط الأساس في الإسلام. ولهذا قال النبي (ص) :
(وأمرت أن أكون من المؤمنين )الآية ولم يقل آخر المؤمنين فتدبر. أما إجتماعياَ فهو الإرتباط بالنبي معرفياَ أي الإيمان به إنه ينبأ عن الله ( الحقيقة
الوجودية للخلق) أولاَ, وبالرسول صاحب الرسالة الإجتماعية لما تحمله من
تشريع للواقع الإجتماعي للإنسان( الدستور والقانون) , وعند ذلك يكون ملزم الطاعة, لما تمثله الطاعة من الإلتزام بالقانون لجميع الناس الذين يعيشون تحت إمرته . وهذا ما يفعله الناس في المجتمعات المدنية المتطورة بالرغم من معارضة البعض لحكومتهم سياسياَ وفكرياَ. ولهذا نرى في القرآن الطاعة أتت
للرسول وأولي الأمر أي من يختاره الناس ليتولى شؤون الحكم ( السياسة) بعد
رسول الله. ولم تأتي للنبي مطلقاَ للإختلاف الوظيفي بين المهمتين فالنبوة وظيفتها معرفية بحتة فلك الحرية في الرفض أو القبول( الإيمان أو الكفر) بها.
أما الرسالة فتشريع ( دستور وقانون) فأما الطاعة وأما المعصية. في الأولى يكون العقاب أخروي يخص الله وحده وفي الثانية يكون العقاب ثنائي دنيوي
من قبل الرسول كحاكم أو السلطة المنتخبة من قبل الناس من بعده وأخروي من قبل الله تعالى وحده. وهوهو ماتقوم به الدول المدنية المتحضرة اليوم فلا
تعاقب صاحب الرأي والمعرفة المختلفة مهما كانت وتعاقب من يتجاوز الدستور أو القانون مهما كان. وأقف قليلاَ مع الآية: فمن يعمل من الصالحات
وهو مؤمن فلا كفران لسعيه. فمن ينتج شيئاَ صالحاَ يكافأه المجتمع ويظهر عمله للناس بالضد من الكفران والذي تعني الستر والإخفاء فالمؤمن بالقيم الإنسانية يكون عمله مبرزاَ في المجتمع . والآية الثانية: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماَ. تؤسس لسيادة روح العدالة والحرية
الإجتماعيتين . وتؤكد على أهمية العمل الصالح (= الإنتاج الذي ينفع الناس)
بالضد من يعمل الفساد فالويل له وهو ماتستبطنه الآية الكريمة. فالظلم على الظالمين المفسدين.
َ أقرأ في الآيتين: فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين.
الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين. ماذا نرى في الآية الأولى ان من يتولى النبي
في نبؤته ( معرفته) هو الله مصدر المعرفة الأساسي وجبريل والذي يمثل النبوة في أعلى مستوياتها المعرفية في قراءتها للقانون الكوني وكشفها عنه وهو هو الوحي. وهذا ماقررته في بحث سابق ( القلب- الملائكة- الشيطان)
فراجع. والطرف الثالث ممن يتولى النبي في حركة كشفه المعرفي هم صالح
المؤمنين أي الذين يقرأون بعين النبوة وهم الصفوة المنتجبة من أصحابه كعلي
وسلمان وأبي ذر وغيرهم صلوات الله عليهم. سياق الآية كان سؤال أزواج النبي عن الذي أنبأه وهو العليم الخبير. فالسؤال عن المصدر المعرفي للنبي
وهم الله ووجوده المعرفي في أعلى مستوياته المعرفية ( الوحي = جبريل) والذي يكون في علاقة إنجذاب دائم بالرحمن. وصالح المؤمنين أصحاب القلوب المطهرة كما تقرر سابقاَ.أما الآية الثانية فتقرر أن الإسلام يتحقق معرفياَ بالإيمان بآيات الله والآيات هنا تمثل القوانين والظواهر المادية الكونية والإجتماعية وهو الشرط الأول والأساس للإسلام. وأخيراَ يقرر القرآن أن الكفر والإيمان من أصل الخلق أي مسألة ذاتية – فطرية قابلة للتغيير أي خاضعة لقوانين السيرورة والصيرورة المعرفيتين – الإجتماعيتين. في صريح
الآية: هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن.
أما الكفر كمفهوم إجتماعي فيرتبط بالظلم الإجتماعي وهو مانقرأه في الآيات أعلاه: الظالمون , الذين استكبروا, المتخلفين ( الجاهلية), والذين كفروا وظلموا,لاحظ هنا لامغفرة لهم لأنهم ظلموا بعد الكفر وهو الذي ينبغي مواجهته إجتماعياَ حتى لايسود ويفسد الحياة والمجتمع وهو هو الوظيفة الأساس للرسول أن يجاهد في سبيل الحرية والعدل بين الناس ضد الكفر الذي تحول ظلماَ. ولهذا قلت سابقاَ أن للرسول وظيفة إجتماعية بحتة ترتكز على النبوة في
حركة كشفها للقوانين الكونية والإجتماعية الحاكمة في الكون والمجتمع. في التشريع للحرية والعدل الإجتماعيين بالضد من الظالمين والمستكبرين الذي حولوا الناس إلى عبيد . هنا آية عظيمة تتطرح مسألتين مهمتين ينبغي أن نميز الفرق المعرفي بينهما وهما القرآن ومابين يديه ( =أم الكتاب= الرسالة= التشريع). لنفهم بالتالي معنى النبوة والرسالة. فالكفر تم بالاثنين معاَ حسب صريح الآية أي أن الرفض هنا للنبوة ومعارفها والرسالة وتشريعها أي الحرب ضدهما وهو ماحصل بين الطرفين النبي- الرسول وأتباعه والكافرين من قريش وحلفائهم . الذين أخرجوا من الباب وعادوا من الشباك بحزبهم الأموي والعباسي بعد ذلك في صراع السيطرة السياسية والإقتصادية على السلطة
بعد وفاة النبي (ص) فسار التاريخ الإجتماعي والمعرفي وفق منطق الظلم والإستبداد وعادت الدولة الدينية المستبدة للسيطرة على المجتمع وتم تحويل الناس الى عبيد للسلطان وقاعدته الإجتماعية التي يستمد القوة منها لدوام السيطرة واتخذ الإسلام شعاراَ بعد إفراغه من مضمونه الإنساني الأصيل وتوقف محور الصيرورة في حياة العرب ومن دخل من الشعوب المحتلة الى الدين الجديد عند حدود القرنين الأول والثاني بعد البعثة النبوية الشريفة فخرجنا أفواجاً كما دخلنا من الإسلام وورثها أقواماَ آخرين وهو مصداق نبوة الآية الكريمة :
فان يكفر بهاهؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها كافرين.
فمتى نعود إلى محور الصيرورة لنلحق بالناس وندخل في دين الله أفواجاَ؟!.
#انطلاق_الرحبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟