بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 5725 - 2017 / 12 / 12 - 10:12
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات (97)
الاستخبارات الوبائية Epidemic intelligence
بشير الوندي
--------------
مدخل
--------------
الوباء (بالإنجليزية: epidemic)، وجمعها أوبئة : هو انتشار مفاجئ وسريع لمرض في رقعة جغرافية ما , فوق معدلاته المعتادة في المنطقة المعنية , كمرض سارس وإنفلونزا الطيور وغيرها.
وتعتبر الاوبئة من أهم المخاطر التي تفتك بالبشر وتدمر حياته , ولكل بلد او منطقة خصوصية في أنواع الإصابات الوبائية بحسب الجغرافيا .
ورغم التطور الكبير في مجال العلوم الطبية , لكن لازال الخطر محدق بالإنسان , فالخوف من المجهول والخطر والتهديد والبقاء , كلها تدفع الإنسان إلى بناء جهد استخباري لحماية الفرد والمجتمع والدولة وحتى العالم والبشرية , ومن هنا وجد جانب استخباري اسمه الاستخبارات الوبائية , والغاية منها التأهب والاستعداد والتهيؤ الدائم لمواجهات الأمراض المتفشية.
وتعد منظمة الصحة العالمية ,المرجع الرئيسي لهذا الجهد الاستخباري العلمي , ولكن وطنيا , يقوم كل بلد ببناء مؤسسة استخبارية علمية لحماية المواطنين والبلد من الأمراض ومكافحتها بالتعاون بين وزارة الصحة والطبابة العسكرية.
----------------------------------
المواجهة العالمية للاوبئة
----------------------------------
لاتعترف الاوبئة بالحدود , ولابد من تشكيلات عالمية لمواجهتها , ومن اهم تلك المنظمات , منظمة الصحّة العالمية (يرمز لها اختصاراً WHO) , وهي واحدة من عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة متخصصة في مجال الصحة.
وقد أنشئت في 7 أبريل 1948, ومقرها الحالي في جنيف- سويسرا , وهي مسؤولة عن تأدية دور قيادي في معالجة المسائل الصحية العالمية وتصميم برنامج البحوث الصحية ووضع القواعد والمعايير وتوضيح الخيارات السياسية المسندة بالبيانات وتوفير الدعم التقني إلى البلدان ورصد الاتجاهات الصحية وتقييمها.
وتعمل المنظمة على تتبّع وضع الأمراض المعدية الآخذ في التطوّر وقرع أجراس الإنذار عند اللزوم وتقاسم الخبرات وتنظيم أنشطة المواجهة اللازمة لحماية السكان من آثار الأوبئة، أياً كان منشئها وحيثما وُجد.
ويتمثّل المبدأ الأساسي للوائح الصحية الدولية في ضمان أقصى درجات الحماية من انتشار الأمراض على الصعيد الدولي , وتوفير إطار يمكّن المنظمة العالمية من الاضطلاع بأنشطة الإنذار بحدوث الأوبئة ومواجهتها على وجه السرعة بالتعاون مع الدول الأعضاء لتعزيز الأمن الصحي العالمي.
وتطورت اللوائح الصحية للمنظمة لتشمل بعض المفاهيم العملية الجديدة كالإبلاغ عن جميع "حالات الطوارئ الصحية التي تثير القلق على المستوى الدولي" وصون القدرات الأساسية الوطنية للإنذار والمواجهة في المراحل المبكّرة وتقييم المخاطر الدولية وتقديم المساعدة اللازمة على وجه السرعة .
----------------------------------
المواجهة الوطنية للاوبئة
----------------------------------
تعتبر وزارة الصحة المسؤول الأول عن الأوبئة والأمراض والفايروسات وعمليات الوقاية واللقاحات والثقافة الصحية والوعي الصحي والسلامة العامة .
ولخصوصية الدوائر العسكرية , فان هنالك جهة عسكرية طبية تعنى بالصحة العسكرية وهي طبابة الجيش , وفي اغلب دول العالم تعتبر المشافي والمؤسسات الصحية العسكرية هي الاكفأ والاكثر تقدما في كافة الجوانب وتستقطب افضل العقول في مجالاتها .
ولمواجهة الاوبئة والانذار السريع عنها وتقييم مخاطرها , تنشيء دول العالم الاستخبارات الوبائية , غالبا ما تكون مؤسسة الاستخبارات الوبائية ذات اتجاهين أساسيين في العمل , الاول في وزارة الصحة , والثاني طبابة الجيش.
ولعل الارتباط الرئيسي للمؤسسة الاستخبارية تلك يكون مع طبابة الجيش , لأن الجيش قادر على الانتشار السريع عند الطوارئ والكوارث , ويستطيع الذهاب إلى المناطق البعيدة والحدودية , فالاستخبارات الوبائية المحترفة موجودة في جميع الدول المتقدمة وغالبا ما تكون في مراكز الطبابة العسكرية بالتعاون مع الإداره المدنية الصحية في البلد.
وتحتاج هذه المؤسسة الاستخبارية إلى العقول والاطباء المهرة للتخطيط ووضع الأولويات والتجهيز الصحيح ومراقبة المخزون من اللقاحات والمختبرات والتطوير الصناعي والعلمي في هذا المجال
وتعتبر الاستخبارات الوبائية عنصر أساس في ادارة الطوارئ العامة ومواجهة الكوارث , لأن أغلب الكوارث الطبيعية والحروب والزلازل والفيضانات تصاحبها الاوبئة.
فاستخبارات الأوبئة على المستوى الوطني , تقوم بفرز الأمراض المتفشية ووضع أولويات لها ومكافحة مسبباتها وتوفير ما يلزم من لقاحات وبرامج توعية المكافحة مع اجراء المسح الطبي والمراقبة الدائمة .
وتكون الاستخبارات الوبائية هي الموجه وضابط الايقاع في المجلس الأعلى للصحة العامة الذي يؤسس غالباً عند الطواريء , فتزود الاستخبارات الوبائية جميع دوائر الصحة العامة بخارطة المرض والانتشار وتقوم باطلاع الحكومة على تقدم او تراجع المرض الوبائي.
ويجب أن تمتلك الاستخبارات الوبائية أحدث المختبرات وأفضل الطواقم العلمية , فهي تراقب أمراض الإنسان والحيوان بنفس الوقت كوباء كورونا , السرطان , ايبولا , انفلونزا الخنازير , انفلونزا الطيور , الجدري , وباء الالتهاب الرئوي ( سارس) , الكوليرا ( تحتاج 18 ساعة لقتل الإنسان فقط ) , الملاريا (فقط عام 2015 قتلت نصف مليون شخص عالميا ), الإيدز وغيرها , عدا عن الاوبئة المتعلقة بالحيوانات.
-------------------
الحجر الصحي
-------------------
المَحْجَر الصحي , هو مكان يُعزل فيه أشخاص أو حيوانات، قد تحمل خطر العدوى , ويشتمل عمل الحجر على مختلف الإجراءات الطبية المتبعة لإحباط انتشار العدوى التي قد تنتشر بالمستشفيات.
حيث تتواجد صوراً مختلفةً للحجر الصحي والتي يتم تطبيقها اعتماداً على نمط العدوى والعوامل المتضمنة في انتشارها، فقد يكون الحجر في اماكن طبية خاصة او مستشفيات خاصة , وقد يكون الحجر يشتمل على سكان مدينة معينة , حيث تتم حينها الاستعانة بالجيش والاستخبارات الوبائية لتطويق وضمان عدم انتشار الوباء من خلال حصار اجباري محكم.
-------------------------------------
واجبات الاستخبارات الوبائية
-------------------------------------
بالاضافة الى واجب الاستخبارات الوبائية في رصد التطور والانتشار للاوبئة , فان الواجب الاهم هو العمل بمبدأ الوقاية خير من العلاج – وهو المبدأ الاساس في كافة الاعمال الاستخبارية - , ولتحقيق مبدأ الوقاية فان الاستخبارات الوبائية تعمل مع الجهات الصحية على :
1- حماية البلد من دخول الأوبئة من خلال المطارات والمنافذ .
2- فرض رقابة شديدة على ورود العمالة الاجنبيه من مناطق تنتشر فيها الاوبئة , وكذا الامر مع الوافدين لاسيما في الزيارات والمناسبات الدينية .
3- فرض الرقابة على المشافي والمصحات وصالات الحلاقة والمطاعم والمرافق العامة والمناطق الفقيرة .
4- تطوير اعمال تدوير النفايات والفضلات وفق التقنيات الحديثة .
5- توفير اللقاحات وإلزام المواطن بلقاح أطفاله.
6 – كما ان للاستخبارات الوبائية دور مركزي في محاربة الاساليب الارهابية التي صارت تسعى الى امتلاك الاسلحة الجرثومية كجزء من حربها الارهابية .
7- تنظيم احصاءآت لأبرز الأمراض والأوبئة وجغرافيا الأمراض ضمن إقليم الدولة , والسعي لتنظيم بطاقات صحية لكل مواطن ضمن بنك المعلومات او قاعدة البيانات العامة تنتج من قبل الصحة والاستخبارات الوبائية .
8- متابعة جدول الطوارئ في منظمة الصحة العالمية للإطلاع على الموقف العالمي من الأمراض وتقدم المشورة اللازمة والنصح لمواطنيها من خلال وزارة الخارجية بعدم السفر إلى المناطق المصابة .
9– التعامل بسرّية مع بعض الامراض المنتشرة كالآيدز , فبحكم الأعراف الاجتماعية , يمتنع أغلب المصابين بأمراض مرتبطة بالجنس او أن يكون من أسبابه الجنس عن الإفصاح عن امراضهم , ولذا يتم بتشجيع المصاب من خلال سريه العلاج والتعامل .
10- الرقابة على الأدوية واكياس الدم والتجهيزات الطبية والبيطرية , فان للاستخبارات الوبائية دور كبير في رقابة الادوية التي يتم استيرادها وبيعها بشكل عشوائي دون موافقة الجهات الصحية والتي تباع على الارصفة , ذلك لان حجم هذه التجارة في العالم بمئات مليارات الدولارات , ويعد حجم الغش والتزييف في هذا التجاره أكثر من 50 مليار دولار سنويا في العالم ,فكيف لا تكون هذه الثروات بلا استخبارات !!!.
---------------------------------------
اعمال اخرى للاستخبارات الوبائية
---------------------------------------
نعني بالاعمال الاخرى للاستخبارات الوبائية , الاعمال التي لاتعد من صلب اعمالها اما لانها من تخصص وكالة استخبارية ثانية كالتجسس على الاختبارات الدوائية الخاصة بالاوبئة وهو امر من تخصص الاستخبارات العلمية , الا انه يتم الاستعانة بخبراء الاستخبارات الوبائية في الامر , وهو نوع من الصراعات الاستخبارية القائمة بين الدول الكبرى .
كما ان الاستخبارات الوبائية قد تتعاون مع دائرة العمليات الخارجية الاستخبارية لافادتها في انواع من السموم او في ترياقها للعلاج منها او الوقاية منها .
ومن امثلة الاعمال السلبية للاستخبارات الوبائية في بعض الدول الدكتاتورية , هو في اقامتها لتجارب في مختبراتها المتطورة على المعارضين السياسيين كفئران تجارب على الاسلحة الجرثومية , بل تتعداها الى القيام بأدوار إبادة بشرية من خلال تجربة الوباء على بعض المناطق الفقيرة او نشر وباء في منطقة ما لتشغيل شركات الأدوية او تضعيف بلد من خلال نشر الأمراض به او لتطوير الاسلحة الجرثومية , او لاختبار عقار لعلاج وباء ما ,وهي من الاعمال اللاأخلاقية التي تدخل في بند جرائم الحرب.
----------------------------------------
الاستخبارات الوبائية في العراق
----------------------------------------
لاتوجد لدينا تسمية لاستخبارات الوبائية في العراق , ولاتوجد رقابة صارمة فيما يتعلق بمنع انتشار الامراض والاوبئة , فلاتزال الاساليب البدائية للطمر الصحي وتلويث مياه الانهار قائمة , كما ان هنالك عشوائية وعدم سيطرة صحية على استيراد الادوية , فهنالك فوضى صحية , بل لاتوجد عندنا الى الان مستشفى عسكرية متقدمة او مختبرات عسكرية وبالتالي لاتوجد اية امكانية لمساهمة الطبابة العسكرية لعدم وجود طبابة عسكرية , وهو امر مزرٍ للغاية .
------------
خلاصة
------------
الاستخبارات الوبائية غير مشهورة في بلداننا برغم اننا من الدول المعنية بالاوبئة اكثر من غيرها , بحكم التخلف البيئي والصحي في دول العالم الثالث عموما , وبلادنا بالخصوص .
والاستخبارات الوبائية هي وجه استخباري صحي يحارب الاوبئة قبل واثناء وبعد انتشارها بالتعاون مع الدوائر الصحية والاذرع العسكرية , كما ان للاستخبارات الوبائية استخدامات سلبية تنحصر في الدول الدكتاتورية والاستعمارية , ونحن هنا نسعى الى ان تكون لدى دولنا اجهزة استخبارية بيئية انسانية في مواجهة الكوارث البيئية والارهابية , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟