|
العراق قرباناً لدوام ليل الطغاة...
طارق حمو
الحوار المتمدن-العدد: 1473 - 2006 / 2 / 26 - 11:48
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مثل كل مرة، ما أن يحس طغاة الجوار العراقي بإقتراب ساعة المحاسبة لكل الجرائم والكوارث التي إرتكبوها بحق شعوبهم وشعوب الجوار، حتى يٌسارعوا لإشعال النار في أجساد أبناء العراق، وإرسال كائناتهم المريضة المهووسة بالدم، بالحور والنحور، لتقطيع أجساد عشرات ومئات الأبرياء وسفك دمائهم بمفخخاتهم ورصاصهم الغادر. فبعد تحرير الولايات المتحدة العراقيين من مسلسل الموت الصدامي البطيء، والذي حصدّ أرواح الملايين منهم، وشردّ ملايين آخرين، إتجهت الإرادة التغييرة الأميركية الناهضة من بين ركام برجي التجارة العالميين، (والذي طالته موجة الإرهاب الإسلامي الحاقد على كل آخر مختلف، والمصنع في مدارس وجوامع الشرق العربي) صوب المنطقة لتدك مواقع إنطلاقة الإرهاب والموت والتخلف في المنطقة، وتعصف بنظامي طالبان وصدام الأرهابيين في أفغانستان والعراق. لقد جاهد طغاة الجوار العراقي، ومازالوا، من أجل إفشال النموذج العراقي الجديد، فقد هالهم هذا العراق، الذي أخذت فيه كل فئة وشريحة مكانها الطبيعي في المشاركة في الحكم والتسيير، بعد عقود من الإقصاء والإستبعاد والتخوين النابع من ثقافة إحتكار الوطنية والطهارة العروبية والإسلاموية، وتداخلت الأوراق والأجندة، بحيث أصبح مصير الكثير من الأنظمة الفاشية المتهالكة مرتبط بنجاح العراق وإجتيازه تداعيات الحقبة الصدامية الدموية بنجاح، فبعد عراق متعاف وقوي، وديمقراطي يتساوى كل أبنائه أمام القانون، ويدير كل منهم منطقته الفيدرالية بإرادته وبإختياره الحر. ثمّة هناك حديث عن تغيير في طهران ودمشق، تغيير وعصف مجلجل يطال أوكار الظلم ومكامن الفساد ومباعث الأرهاب الأقليمي في المنطقة. حيث فهم كل من نظام ملالي طهران المنهمكين في صنع الذرة، والداخلين في سباق مع الزمن من أجل صنع وتطوير قنبلتهم النووية، لترجمة تهديداتهم بنسف دول ورفعها من على الخريطة الدولية إلى حقيقة واقعة، عن طريقة إمتلاك الرادع العسكري النووي. ونظام البعث الدمشقي ذو النكهة العسكرتارية الأمنية المطعمة بالطائفية، والمتورط بدوره في ملفات جرائم دولية في لبنان وغيره، بأن الآلة التغييرية الأميركية تترصدهم، وهي ورغم إنشغالها بالحال العراقية الداخلية، لكنها تطلق التصريحات هنا وهناك، وتسرب الأنباء للصحافة العالمية عن ضربات جوية وصاروخية ماحقة، ضد البرنامج النووي الإيراني، وعمليات تغيير متوقعة في دمشق، سواء عن طريق ملف التحقيق في جريمة إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وإتهام رأس النظام السوري وأركان حكومته في الحادثة، أو دعم المعارضة ومحاولة تجميع قواها لإحداث التغيير الداخلي الشعبي المنشود.
والحال، إن النظامين السوري والإيراني، اللذان رفعا من تعاونهما المتشعب المجالات، وتقاربا كثيراً في الآونة الأخيرة، يعلمان علم اليقين، بجدية واشنطن وحلفائها في مسألة تغييرهما وخلق البديل عنهما في المنطقة، لذلك، فهما يٌجاهدان في خلق البلبلة ووضع العراقيل أمام مشاريع واشنطن في المنطقة، وأهمها ضمان الإستقرار في العراق، وتطبيع الأوضاع في هذا البلد المحرر من نظام صدام وعصابته الإجرامية. وكذلك اللعب والتدخل في الملف الفلسطيني عن طريق دعم حركة "حماس" الفلسطينينة الأصولية، والتي أنتخبها الفلسطينيون في لحظة غضب كان قد تراكم لديهم، جراء فساد سلطة حركة "فتح" ونهب مسؤوليها المستمر لأموال المساعدات الغربية المقدمة للشعب الفلسطيني. ونحن نرى اليوم كيف أن جماعة "حماس" يٌستقبلون في طهران ودمشق على أعلى المستويات، ويٌطلق لهم الوعود بتقديم الدعم المالي وبملايين الدولارات مقابل التهديد الغربي بقطع المساعدات عنهم مالم تغير "حماس" من خطابها وبرنامجها وترتكن للتفاوض والسلام. وهي محاولة سورية إيرانية أخرى، لخلق "حزب الله" آخر في المنطقة، تستخدمانه كبيدق في وجه واشنطن: من جهة خلق الفوضى، متى أرادوا، والتأثير على الإستقرار في كل من لبنان ومناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.
وفي العراق، وبعد محاولة الولايات المتحدة إستمالة بعض القوى السنيّة النافذة والإصرار على إشراكها في العملية السياسية لخلق التوازن بينها وبين الأكثرية الشيعية المنتصرة في الأنتخابات، بدت بوادر السياسة الأميركية الآخذة في التصعيد مع طهران تتشكل وتنعكس شيئاً فشيء في الساحة العراقية، فعن طريق نفوذ وسطوة شيوخ العشائر العربية السنيّة في الوسط، والذين أتصلت بهم واشنطن مؤخراً، وسلمتهّم إدارة مناطق واسعة من منطقة الوسط،، تم طرد معظم المقاتلين الأجانب، وجماعة الأرهابي الأردني القاعدي أبو مصعب الزرقاوي من محافظة الأنبار السنيّة، ومن مناطق الرمادي والفلوجة وبغداد وبقية مناطق تواجد العناصر التكفيرية، والتي كانت تنطلق منها في شن هجماتها على القوات الأميركية والشرطة العراقية والعديد من المدنيين والشخصيات الشيعية، حتى أن المعلومات تناقلت عن مواجهات دامية وقعت بين رجال العشائر السنيّة والمسلحين العرب من أنصار الزرقاوي والتنظيمات التكفيرية الأخرى. وتوافق هذا التحرك مع الضغوط التي مارسها السفيرالأميركي زلماي خليل زادة على قائمة "الإئتلاف العراقي الموحد" الشيعية لضم القوى السنيّة لحكومة وحدة وطنية ضماناً لعدم إحتكارها السلطة، وهي القريبة من طهران. حتى أن زادة صرح بأن "دافع الضرائب الأميركي ليس بمستعد لتمويل حكومة طائفية أو مناطقيّة في العراق"، وهي الإشارة التي تحمل مغزى واضح في عدم موافقة الولايات المتحدة الأميركية على دعوة السيد عبدالعزيز الحكيم رئيس لائحة "الإئتلاف" الشيعي بتشكيل إقليم الجنوب، وذلك خوفاً من تبعيته المستقبلية الكاملة لطهران، والتي ستحاول الإستفادة منه للتدخل وضرب القوات الأميركية في حال وقوع هجوم أميركي/غربي يستهدف برنامجها النووي.
ومن غير المستبعد هنا، والحال هذه، أن تكون الهجمات الأخيرة التي إستهدفت مرقدي الامامين علي الهادي والحسن العسكري، أهم رمزين دينيين لدى الطائفة الشيعية في مدينة سامراء السنيّة، من عمل المخابرات الإيرانية، وذلك لإجهاض التقارب الأميركي الجديد في التحالف مع القوى السياسية السنيّة في محاربة المسلحين التكفيرين وتحجيم دور القوى الشيعية المؤيدة لطهران، والتي قد تلعب دور "حصان طروادة" في حال وقوع هجوم أميركي مركز ضد المشروع النووي الإيراني.
وفي هذا المشهد، يسعى النظام السوري كذلك، في محاولة منه للضغط على الجانب الأميركي، التأثير في الحال العراقية، عن طريق بعض القوى المناهضة للتغيير والديمقراطية في البلد، فبعد إستقباله للعديد من القوى السنيّة المتضررة من سقوط النظام السابق، هاهو يستقبل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر على أعلى المستويات، ويفرش له السجاد الأحمر. والمعروف عن الصدر عدائه للأميركان وعدم إعترافه بالحكومة العراقية الحالية وإنتفاء مشروع سياسي واضح لديه، حتى أن الصدر اخذته الحمّية وهو في دمشق، وصرح بأن ميليشيا جيش المهدي، الذي أسسه، سيكون طوع بنان طهران ودمشق، في حال وقوع هجوم أميركي عليهما، يهدف لتغيير نظاميهما...
ومع تدخل نظامي كل من إيران وسوريا في الشأن العراقي الداخلي، ومحاولة التأثير في الأوضاع الداخلية، وإستخدام كل ذلك كأوراق ضغط ومساومة ضد الولايات المتحدة، بتعاون وتواطئ من بعض القوى السياسية العراقية، فإن المنطقة أمام تحد كبير، وبؤر تصعيد ولاإستقرار جديدة قد تظهر، ويبقى الخاسر الأكبر في هذا المشهد المتسارع في تطوراته هو الشعب العراقي، والذي أٌعطي فرصة حقيقية لبناء دولة جديدة وديمقراطية بعد الخلاص من نظام صدام حسين، كان من الممكن في حال إتفاق قواه السياسية، أن يكون الإنموذج الأفضل لكل شعوب المنطقة الساعية للخلاص، وذلك رغم كم كل هذا الأرهاب، ومحاولات القوى الظلامية تدمير البلاد والعودة بها إلى الزمن الصدامي الأسود، مقابل إجهاز أنظمة الجوار على هذا "الإنموذج" أملاً في إطالة عمرها، والبقاء لأطول فترة على نفس ووجود شعوبها...
#طارق_حمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفاخر بعثية: قمع وإستبداد وتفقير عام!
-
ولادة الشرق العظيم..
-
الفيحاء والجميل سيّار...
-
حماس..الكويت..وعشائر كردية أيضاً
-
دستور العراق الجديد وقرف الإعلام العربي...
-
الخبل الديني..!
-
أقباط وإيزيدية (1ـ2) : من يوقف طوفان الإرهاب السلفي؟
-
التوزيع الجديد على النوتة القديمة : هل ستنجح تركيا في هضم كر
...
-
أوجلان : في تركيا هناك ثلاثة قوى متصارعة و إزدواجية صارخة في
...
-
الأكراد والجمهورية التركية : إعادة الحسابات القديمة ، دائماً
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|