|
عن الذين يقتاتون من تسويق الأوهام!
ياسين المصري
الحوار المتمدن-العدد: 5721 - 2017 / 12 / 8 - 14:40
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الجدل حول وجود الله من عدمه لا يتوقف أبدًا، وهو جدلٌ قديم قدم الإنسانية ومتجدد بتجدد الأجيال. ويدور ويجول في أذهان البشر وفي خواطرهم ويجري على ألسنتهم من وقت إلى آخر، ولا احد يدري ما إذا كان الله موجودًا بالفعل أم أنه صنَع "تجربة البشر الفاشلة"، ثم تركهم لرجال الدين واختفى إلى الأبد! . جميع الكتب المقدسة وغير المقدسة تتكلم عنه بإسهاب مملٍّ، ولكنها لا تقدم برهانًا عقلانيًا على وجوده، لأن برهانًا كهذا غير متوفر على الإطلاق. الصراع الجدلي حول هذه الإشكالية المعقدة، يملأ مئات الآلاف من الكتب ووسائل الإعلام وصفحات الإنترنت بجميع لغات البشر كل يوم؛ البعض يحاول إثبات وجوده والبعض الآخر يحاول إثبات العكس، ولا أحد منهم يصل إلى نتيجة حاسمة. أمَّا رجال الدين وسدنته فَهُم لا يهتمون بوجود أو عدم وجود الآلهه التي يدعون لها، ويركزون جُلَّ اهتمامهم على دفع الناس بشتى الطرق إلى الإيمان بما يقولونه لهم من أكاذيب وهلوسات إلهية. ومع أنَّنا كثيرًا ما نسمع المقولة الشعبية الشائعة: الله عَـرفوه بالعقـل!، لم نجد دليلًا منطقيًا واحدًا منذ وجد الإنسان على سطح الأرض بفيد بأن أحدًا عرف أي إله بعقله. فالآلهة ، بشتى صنوفها وتعدادها، مجرد وهم موجود في أذهان الذين يحتاجون إليها، وموجود أيضًا بصفة إحتياطية أو احترازية في أذهان الذين لا يحتاجون إليها في أوقاتهم الراهنة، لذلك فالمهمة الاساسية لرجال الدين هي العمل الدؤوب على تكبيلهم وأسرهم جميعًا بهذا الوهم، كي تبقى مؤسساستهم قائمة ومتسلطة، وحياتهم تنعم بالثرّاء والهناء. يزعم رجال الدين، باختصار شديد، أن الله كائن خفي، غير محدود وفوق العقل والمادة والمكان والزمان، ويُصِرُّون على أنهم هم وحدهم الذين يعرفون كيف يفكِّر وماذا يحب ويكره ويريد من البشر!. المشكلة الوحيدة التي تعترض عملهم هي الكيفية التي يمكنهم بها إقناع أكبر عدد من الناس أو حملهم على الإيمان بأقوالهم، كي يبقوا هم في بروجهم المقدسة! ألفين بلانتينجا (Alvin plantinga) فيلسوف أمريكي ولد عام 1932، وشغل منصبَ أستاذ فلسفة الأديان وأصول المعرفة والغيبيات بجامعة نودردام، والذي وصَفَتْه مجلة (TIME) الأمريكية بأنه فيلسوف الإله، يتحدث عن "الإيمان" بوجود إله ولا يتحدث وجود الإله ذاته، فيقول في كتابه له بعنوان " الله والعقول الأخرى: دراسة مُبرِّرٍ منطقيٍّ للإيمان بالله": "إنَّ الإيمان بوجود إله يعتبر شعورًا فطريًّا بديهيًّا لا يحتاج إلى دليل". إذن God and Other Minds: A Study of the Rational Justification of Belief in God was originally published by Cornell University Press in 1967. An edition with a new preface by Plantinga was published in 1990 بينما فيلسوف لاهوتي أمريكي آخر هو رالف مك إينرني (Ralph McInerny) (1929 - 2010)، يذهب أبعد من بلانتينجا، فيقول في كتابة "حكمة الأب دولينج THE WISDOM OF FATHER DOWLING" بأن الانتظام في بنية الوجود وثبات القوانين الطبيعية يجعل القول بوجود خالق "بديهة منطقية"، ويطالب ممن ينكر ذلك أن يقدِّم الدليل. وإذا تركنا جانبًا هذا اللغط اللاهوتي نجد أن الأبحاث العلمية تثبت أن الكون يخضع منذ نشأته لما يطلق عليه نظرية الانتظام الذاتي auto-organization، وهي تبيَّن أن المادة قادرة على الانتظام والسعي ذاتياً نحو الثبات، وأن الصيرورات البعيدة عن التوازن تؤدي إلى تخلُّق مفاجئ لبنى منتظمة في عملية "البنى المبدِّدة dissipative structures". يقول إيليا بريغوجين (1917 - 2003) وهو العالم الكيميائي والفيزيائي البلجيكي من أصل روسي والحاصل على وسام رمفورد في عام 1976 وجائزة نوبل في الكيمياء في عام 1977: "لقد ظهرت الحياة عبر تتالي اللاإستقرارات. فالضرورة، أي البناء الفيزيائي - الكيميائي للمنظومة والضغوط القسرية التي يفرضها عليها الوسط، هي التي تحدِّد عتبة المنظومة الاستقرارية. والمصادفة هي التي تحدد أي تموُّج سيتوسع وينمو بعد أن تبلغ المنظومة ". ويؤكد بريغوجين في كتابه "نظام ينتج عن الشواش ، حوار جديد بين الإنسان والطبيعة" ( من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب 2008 ، ترجمة طاهر بديع شاهين ودائمة طاهر شاهين) ، على أنه " منذ لحظة ولادة كوننا، ولدت حرية باطنة في الطبيعة، حرية إبداعية تعطي الكون معناه وانتظام بنيته واستقرارها إلى حد كبير. فلقد تمخض الانفجار الكبير Big Bang منذ اللحظة الأولى عن شواش هائل. وكانت التشكيلات الشواشية التي يمكن أن يتخذ العالم أحد أنماطها أكثر بكثير من عدد الحالات المنتظمة، كما يقول هوكنغ". وتعد نَظَريّة نظرية الشواشية أو فَوْضَى الكَوْن (Chaos theory) واحدة من أحدث النظريات الرياضية الفيزيائية - ونشير إلى أن تكوين الكون نشأت بعد الانفجار الكبير بصورة فوضوية مضطربة في بدايته ، ثم بدأت تتشكل وتستقر جزئياته بفعل حركتها وتفاعلاتها في عملية الانتظام الذاتي. حتى وصل إلى ما هو عليه الآن . ويؤكد بريغوجين وغيره من العلماء على أن ثبات أو استقرار الكون لم يكتمل بعد ، فمازلت هناك اضطرابات تؤدي إلى البراكين والزلازل والتغيرات المناخية التي تعمل في نفس الاتجاه.. وعلى عكس عمليات الهدم التي يقوم بها الإنسان على سطح الأرض. أنظر كتاب "البساطة العميقة ،الانتظام في الشواشي والتعقد"، لجون جريبين، عرض د. صبحي رجب عطا لله ، تنفيذ الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2013. الواقع أن وجود الله من عدمه شأن لاهوتي - فلسفي بحت، ولا يملك أحدٌ دليلًا واحدًا على هذا الوجود من عدمه، وأننا في هذا الأمر كمن يقبض على الهواء. ولكن "الإيمان بوجوده" موجود ويترسخ بالفعل لدي الكثير من البشر، ولا يحتاج إلى دليل، هذا الإيمان "ما هو إلَّا بمثابة رفض الحقيقة" تبعًا لتعريف الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه. فإذا كان الله موجودًا بالفعل وفي استطاعته إظهار وجهه، فسوف يصبح حقيقة لا يمكن رفضها، وتبرر الإيمان بها. فجميع البشر مثلا، تؤمن بوجود شيء أسمه القمر، تراه ولا تستطيع لمسه، ولكنه حقيقة، الإيمان بوجوده مبرر لِذاته ولا يحتاج إلى علل أو جدل. ولكن الإيمان بوجود أو عدم وجود إله لا يعني شيئًا سوى قبول حقيقة الوهم المفترض، وتأكيدها في غياب كلٍّ الأدلة والمنطق السليم والبرهنة عليها على نحو عقلاني، لأن الكثير من البشر يحتاجون إلى الوهم الديني في حياتهم، حيث يُكسِبُهم اليقين فيما يتعلق بمعرفتهم عن الواقع الموضوعي. إن اليقين يولِّد مشاعر الراحة وقابلية التوقع ويزيل القلق الذي يشعر به البشر على نحوٍ طبيعي تجاه المجهول. ومن هنا، يحظى الاعتقاد الديني بإخلاص كبير عندما يقدم يقينًا تامًّا في تأويلاته وتفسيراته! في كتاب "وَهْم الإله" (The God Delusion) ، لعالم الأحياء البريطاني ريتشارد دوكنز، وهو كتاب يتناول فلسفة الدين من منظور إلحادي، وقد نشر في عام 2006، فكان الأكثر مبيعًا في العالم، النسخة العربية على الرابط التالي: https://www.books4arab.com/2015/03/pdf_97.html يشرح دوكنز المغالطات المنطقية في المعتقدات الدينية ويستنتج " أن احتمال وجود الله هو احتمال ضئيل جدًا ، وأن الإيمان بوجود إله شخصي هو مجرد وهم ". ويتفق في كتابه مع مقولة روبرت بيرسيغ (2017 -1928) أنه "عندما يعاني شخص من وهم يسمى ذلك جنوناً، وعندما يعاني مجموعة أشخاص من وهم يسمى ذلك ديناً". https://gutezitate.com/autor/robert-m.-pirsig ومن الملاحظ أن قول دوكنز عن "الاحتمال الضئيل جدًّا لوجود الله"، لا يتفق مع الإيمان الوهمي الخالص بوجوده، ويترك باب التكهنات مواربًا كي يسمح بمزيد من المخاتلة والخداع في هذا الشأن. إن وجود هذا الإيمان واستدامتة في عقيدة ما لا يعني باي حال من الأحوال أنها عقيدة صحيحة وأن إلهها موجودًا ولو باحتمال ضئيل جدًّا؛ فكثير من العقائد مثلها مثل العادات والتقاليد تستمد ديمومتها من قدرتها على الاستمرار وليس لأنها صحيحة أو عادلة أو ضرورية. وكلما كانت الديانة مرنة أو هلامية، بحيث تسمح لرجال الدين باستغلالها واللعب بها على عقول البشر، كلما كانت لديها القدرة المطلوبة لاستمراريتها. من الطبيعي أن تتصف الآلهة السماوية والأرضية جميعها بصفات معينة، كي تستحق العبادة، أهمها: -1 الادعاء بالوحدانية، فكل منها واحد أحد لا شريك ولا مثيل له -2 وجوب وجودها في أذهان البشر باستمرار -3 العلم المطلق وإن خفي على الجميع ، وتولى توضيحه رجل الدين 4- الخير الكامل والإحسان والاهتمام بشؤون الناس -5 الخلود أو الحياة الأبدية غير المادية التي لا يطرأ عليها تغيير -6 القدرة المطلقة على التدخل (تبعا لمشيئتها) في حياة البشر وإذا فقد أحد الآلهة واحدة من هذه الصفات يفقد مكانته في نفوس أتباعه وتصبح عبادته عديمة الجدوى ، والاعتماد عليه لا طائل من ورائه. ومع ذلك إذا كان هناك إله واحد أحد يقبع في السماء كما تزعم الديانات التوحيدية أو السماوية الثلاث، لماذا احتاج إلى ثلاثة أديان ؟ ولماذا اختلفت أقواله وتضاربت وتناقضت مطالبه....؟ إنَّ الإصرار على أنَّ الآلهة تكتسب أهميتها من وجودها اللحظي ، وفي اهتمامها بما يحدث لنا نحن البشر ، وفي قدرتها على التدخل في عالمنا وتغيير ظروفنا بأي وسيلة وفي أي قت ، ترجع إلى الطبيعة البشرية التي تجعلها ذات صلة بحياتنا من منظور استثمار الوقت في عبادتها والتكهن برغباتها. فالآلهة لم تخلق العالم كي تغاده. وهنا تكمن نهاية التفكير العقلاني ، وبداية تشكيل الملجأ الأخير لجدلية تجاوزت جميع النظريات التجريبية والمنطقية . والإيمان بها هو ببساطة قبول تأكيدات بدون أساس معقول. وإذا ألقينا نظرك سريعة على العلاقة بين المتأسلمين وإلههم ، نجد أنها علاقة ملتبسة وغامضة وتعاني من اضطراب شديد ، فهم يؤمنون بأنه من ناحية "رحمن رحيم" ومن ناحية أخرى يحثهم على التقتيل والصلب وتقطيع أيدي الآخرين وأرجلهم من خلاف: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة 33)} ، ويقول: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (الكافرون 6)} ... ثم يقول: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (آل عمران 19) ... وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) 85)} .. إلخ ، وأنه مصدر كل الأشياء بما فيها من خير أو شر ، فنقرأ في القرآن قوله: {... وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (النساء 78)} و {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا... (التوبة 51)}، وعلى النقيض نصوص أخرى تقول : {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (النساء 79)} و {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ (165)} { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ(الشورى 30)} وتحدثت نصوص أخرى عن الابتلاء والامتحان {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (البقرة 155)} {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (آل عمران 141)} هذه العلاقة الملتبسة والغامضة والتي تعاني من اضطراب شديد ، نجدها أيضًا وبشكل فج مع نبي الأسلمة ، فهو على "خلق عظيم" ، مما جعل الشاعر يقول له: زانتك في الخلق العظيم شمائل *** يغرى بهن ويولع الكرماء بينما شمائله التي يغرى بهن ويولع الكرماء ، على حد قول الشاعر ، تشمل جميعها - تقريبا - أفعالًا لا تتفق أبدًا مع الأخلاق والمبادئ الإنسانية ، كالسلب والنهب والقتل والزنا والكذب ... إلخ ، والسبب في ذلك هو وقوف الإله إلى جانبه وتحت تصرفه 23 عامًا ، ليبرر له نزواته وأهواءه العامة والخاصة قبل أن يتوارى الإثنين إلى الأبد خلف "فانتازيا" رجال الدين. لا شك في أن التناقض الخطير فيما يريده الله من عباده المتأسلمين، وفيما يقوله أو يفعله نبي الأسلمة يعطي لرجال الدين الإسلاموي مجالًا رحبًا ومرونة تفوق العقل في فانتازيا تبرير الفعل ونقيضه، حتى يفقد المرء وعيه بذاته، ليظل مدى حياته متعلقًا بذواتهم، متشبثًا بهذيانهم. منطق العقل يقول: إنَّ من يدَّعي معرفة كائن (الله) ذي أهمية مذهلة في حياة البشر، عليه أنْ يطرح على الطاولة مستوىً معقولًا من الدقة بصدد ماهية هذا الكائن بالضبط ، وكيفية معرفة المرء بوضوح ما سيعتقد به إِنْ كان سيقبل إتِّباع دِيانته. ولكن السماح بغير ذلك يفتح فجوة فكرية هائلة لرجال الدين لحث البشر على القيام بأعمال مشؤومة وشريرة ، والتحدث باسم كائن ذي قوة هائلة [مزعومة] بهدف اكتسابهم الخضوع المعطى لكائنٍ كهذا بالوكالة وبالنيابة عنه. إن الاهتمام الأساسي لرجل الدين هو ما يحظى به من خضوع أتباعه له بوصفه الممثل الوحيد لوهم الإله. ولكي يُحد المذهب الشيعي الإسلاموي من صراع رجال الدين من أجل زيادة عدد تابعيهم، فقد جسم هذا الخضوع في تدرج الإمام خلال سلم المرجعية الدينية، التي لا تعتمد على الدراسة، بقدر اعتمادها على اتساع دائرة المقلدين والخاضعين لأقوال وأفعال رجل الدين من جماهير الشيعة، فإذا إتسعت تلك الدائرة، يصبح مرجعاً للتقليد، ويحظى بلقب "آية الله العظمى". إضافةً إلى هذا إن تصدّى للجانب السياسي يصبح من المراجع العظام وتكون يده مبسوطة (أي لا توجد أي سلطة أعلى منه) فيسمى بـ"الولي الفقيه". هذا الشأن لا يختلف عنه في المذاهب الأخرى، بل وفي جميع الديانات. مما لا جدال حوله هو أن المرء لا يصنع شيئا، إلَّا لاحتياجه شخصيًا أو لاحتياج الآخرين إليه ومن ثم يستفيد من تسويقه لهم ، وهنا نسأل: ما هي "مصلحة الله في صنع البشر"؟ هل صنعهم على أساس أن له فائدة تعود عليه شخصيا من ورائهم، أم أنه خلقهم حصريًّا لعبادته على حد قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (الذاريات 56 و57) طبعًا إذا كان هو الرازق فلن يريد منهم رزقًا وإن كان هو مُطْعِمهم من جوع فلن يريد منهم ان يُطْعِمون! لمعرفته أن فاقد الشيء لا يعطيه. ولكن مالفائدة التي يحصل عليها من عبادتهم له ؟ وأي عبادة يتوقعها منهم؟ هنا يأتي دور من يعرفونه ويتولون أمره بالنيابة، ليقدموا لنا، في جميع إجاباتهم، طرحًا سَخِيفًا، هو أن الفائدة تعود على البشر أنفسهم، إِذْ بعبادته وطاعته يفلتون من عذاب جهنم وينعمون بجنَّات تجري من تحتها الأنهار وحياة أبدية مريحة وحور عين ومكافآت أخرى تتوق إليها النفس المتصحِّرة، وكأن الإنسان مجرد "فأر تجارب" لمن صنعه. من الطبيعي أن تعود المصلحة على الله "منَفِّذ المشروع" وليس على البشر خلافا للمنظور الديني الذي يضع غاية وهدف المشروع في الإنسان ذاته بدلا من وضع شرح عن فائدته لله شخصيا. ولكن أحدًا ممن يزعمون أنهم يعرفون الله حق المعرفة لم ولن يتمكن من وضع إجابة منطقية أو عقلانية واحدة عن هدف الله من هذه التجربة البشرية الفاشلة على كوكب الأرض. فإن كان ربهم خارق بالمقاييس والمواصفات المنسوبة له، لا يكون إذن بحاجة لتنفيذ هذه "التجربة البشرية" من الأساس، ومن الأجدى له أن يخلق حياة أخرى عوضًا عنها لتصل له فائدة حقيقية على أرض الواقع بمجريات مشروعه. فهو يعلم الغيب ويعلم الماضي والحاضر والمستقبل. مما يعني أن مداعبة الفكرة بعقله تكفيه ليصل إلى نتيجة المشروع من بدايته لنهايته دون الحاجة لتنفيذه! يقول مؤسس علم النفس الحديث النمساوي الشهير سيجموند فرويد: "إن الذين يؤمنون بالله لديهم رغبات وأماني يتمنون تحقيقها"، بينما رجل الدين لا يجد ما يحمله على الإيمان بإله لمعرفته الأكيدة أن وجوده مجرد وهم، عليه أن يسَوِّقه للمؤمنين حتى يستمر في تحقيق رغباته وأمانيه في حياته الدنيا. إن رجال الدين وسدنته يخدعون المؤمنين بهم، فتصبح المشكلة الحقيقية للخداع في كونه إِيمَانًا، وليس كذِبًا وَقِحًا. إنهم يجعلون من الإيمان بالله وعبادته سيفًا مسلطًا على رقابنا وعقولنا وحياتنا بأكملها، رغم معرفتنا جميعًا بأن السيوف، تثبت دائمًا أنه لا شأن لها بما نفعله أو نريد فعله في حياتنا وليس لديها اهتمام يذكر بما إذا كنّا نؤمن أو لا نؤمن بها، الأمر برمته يتوقف على مطالب رجال الدين ومدى إلتزامنا بها لتحقيق مآربهم الشخصية وحدها. الثقافات االتنويرية أدركت في العصر الحديث أهمية أن يترك الإيمان بالآلهة لحرية المواطنين، فلا يجبر عليه أحد منهم، حتى لا يتم التلاعب به وخداع البسطاء من الناس، كما هو الحال في الديانة المحمدية. وتركت للذين يؤمنون بها أماكن عبادتها، حيث يمكنهم الذهاب إليها بمحض إرادتهم.
#ياسين_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العبث بالديانة الإسلاموية!
-
إمرأة واحدة تلتهم أمة بكاملها!
-
التنوير والحداثة واضطراب الثقافة الإسلاموية 1/2
-
محاولة لفهم علاقة المتأسلمين بالأقباط
-
التأسلم وتشكيل العقل الأرهابي
-
ثقافة القطيع الإسلاموية
-
لماذا تفشل دائمًا تجربة الإسلاموية الحقيقية؟
-
متى يتخلى المتأسلمون عن ديانتهم؟؟
-
كيف أصبحت مصر رائدة في الهرتلة؟
-
الجماعة الإسلاموية الوهمية
-
هل التأسلم يُعَلِّم البجاحة والوقاحة؟؟
-
البارانويا والإسلاموية
-
هل يمكن للأسماك أن تتسلق الشجر ؟
-
أين تكمن مشكلة المتأسلمين؟
-
القناعات الدينية والسياسية والطرق المسدودة
-
التأسلم وتراكم الديكتاتورية
-
لماذا تخضع المرأة المتأسلمة بارتياح للإحتقار الديني؟!
-
عائشة والجنس من منطلق سيكولوجي (3-3)
-
عائشة والجنس من منطلق سيكولوجي (3-2)
-
عائشة والجنس من منطلق سيكولوجي (1-3)
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|