بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 5720 - 2017 / 12 / 7 - 16:51
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مدخل
-----------
علم الاحصاء أحد أبرز العلوم الداعمة للجهد الاستخباري (انظر مبحث 34 الاستخبارات والاحصاء) , فأية عملية احصاء ستنتج معلومات مبوبة تؤدي الى تضيق نطاق البحث الاستخباري وتسهيل عملية الوصول إلى المعلومة بشكل أسرع من خلال تنظيم الاحصاء ضمن جداول , فما بالك اذا كان الاحصاء مخصص للجنايات والسوابق كالسجل الجنائي؟ فانه لابد ان يكون مهماً كفاية للاجهزة الاستخبارية , فالاستخبارات تتعامل مع الجانب السلبي في المجتمع وعليها أن تمتلك قاعدة بيانات كبيرة ومفصلة وسهلة الوصول تخص كل من له سوابق سواء كان محكوماً او مطلوبا لحكم او ان تكون عليه مؤشرات بمشاركته بنشاطات مشبوهة يُراد التثبت منها .
------------------------------------
بُنية وتبويب السجل الجنائي
------------------------------------
يعرف السجل الجنائي في الاستخبارات بشعبة القيود او القيود الجنائية , فكل شخص يصدر حكم قضائي بحقه في أية جنحة او جريمة أياً كان حكمها , يكون اسمه وبياناته ونوع الجريمة وقرار المحكمة مثبتة في سجل احصائي اسمه السجل الجنائي , وهو امر معمول به في كل العالم.
ويعتبر هذا السجل مرجعا لسوابق الأشخاص من المواطنين والاجانب – ان كانت جريمتهم او محاكمتهم قد تمت في البلد صاحب السجل - , ويعتبر مرجعا رسميا لكل المعاملات والخدمات لاحقا .
الا ان الاجهزة الاستخبارية لاتقف عند حد المحكومين ولا عند المطلوبين للعدالة بجرائم , وانما تتعداهم لتسجل في سجلها كل من تشك في ان لديهم نشاطات اجرامية او ارهابية .
وتختلف الدول في طرق تنظيم السجل الجنائي وتدوينه , فبعض الدول تثبت فقط الجرائم الجنائية مهما كان تقادمها , وأخرى تسقطها من سجل المواطن بعد تقادمها بفترة معينة طويلة نسبياً , وفي بعض الدول , يشمل السجل الجنائي كافة العقوبات حتى الإدارية والأحكام المدنية منها , بل ان بعض الدول تضيف حتى الاتهامات الموجهة برغم اغلاق التحقيق وعدم رفعها للمحاكم .
ان كل تفاصيل السجل الجنائي تهم اجهزة الاستخبارات , وقد لجأت الاجهزة العالمية الاستخبارية - في أحداث الذئاب المنفردة – الى الاهتمام المكثف بالسجلات الجنائية , لرصد تحولات البعض من ذوي سوابق تتنافى مع الدين الى ارهابيين متشددين.
لقد اصبح تبويب السجل الجنائي متقدما ولا يبوب على الاسم الذي يوقع في مشكلة التشابه والتزوير , بل على بصمات اليد وبصمة العين والاذن وال DNA , لتسهيل عملية الوصول والتشخيص الدقيق باستخدام الكومبيوتر.
-------------------------------------
المشمولون بالسجل الجنائي
-------------------------------------
يشمل السجل الجنائي ثلاثة مستويات من ملفات المستهدفين هم :
1- سجل المحكومين :(المدانين)من صدرت بحقهم الاحكام القطعية الصادرة من المحاكم .
2- سجل المطلوبين : الفارين من تهم قضائية من العدالة حيث تثبت بصمتهم التي تؤخذ من سجل البطاقة الوطنية.
3-سجل الخطرين : كل من عليهم مؤشرات استخبارية حتى لو كانت غير قطعية ولم تصل إلى القضاء , كتهم الفساد المالي او تجارة المخدرات او مؤشرات التورط بالإرهاب .
وغالبا ما تضيف استخبارات الدول المتقدمة الى سجلها الجنائي أبرز المجرمين من الدول الأخرى , خوفا من سفرهم لاحقا إلى الدولة , ويتم التحرز مقدماً منهم وتوضع صورهم واسمائهم على القوائم في كافة المنافذ , كأصحاب الجرائم الكبيره وعصابات التهريب والمخدرات وزعامات الإرهاب والجريمة المنظمة والمتورطين بجرائم حرب وغيرهم , ويتم تثبيت تفاصيلهم في سجل جنائي ذكي يكون مرتبط بالمنافذ الحدودية بكافة اشكالها , للتنبه ومنع دخولهم او الانتباه عند دخولهم ووضعهم تحت المراقبة
ان هكذا سجل نشط وشامل وفعال , يقلص الكثير من الجهد ويعتبر بنى تحتية قوية وداعمة للعمل الاستخباري شريطة ان يبوب السجل على البصمة بانواعها وليس على الاسماء.
أن فشل تطوير وتنظيم السجل الجنائي – وفق ما اوردناه اعلاه – يؤدي الى فشل قاعدة البيانات , فهذا السجل هو المادة الخام والأساس لتطوير وتوجيه النشاط الاستخباري .
أن السجل الجنائي بفروعه الثلاثة يعتبر أساسا استخباريا معمولٌ به في كل بلدان العالم المتقدم مستعينين بالتكنلوجيا للتحديث المستمر , وهو اساس انطلاق الجهد الاستخباري , فأي مسرح جريمة او دخول إلى منافذ البلد المتنوعة وأية معاملات حكومية اوغير حكومية يجب أن تؤخذ بها بصمة اليد , حيث تتم مقارنتها بالبصمات الموجودة في السجل الجنائي للكشف عن اصحابها .
ويتم تطوير قاعدة بيانات السجل بأفضل المعلومات وأكثر التفاصيل حول الشخص . وبياناته و البصمات و الصور الحديثة والوثائق والعناوين والعلامات الفارقة وغيرها.
------------------------------------
الوصول الى السجل الجنائي
------------------------------------
يوضع السجل الجنائي لخدمة دوائر الأمن والاستخبارات , ويشرع له قانون عن تفاصيله وقيوده وآثاره ومن يستخدمه ومن ينظمه ومن يتعامل به ومن يستفيد منه وماهي الخطوط الحمراء.
ويقدم السجل الجنائي خدماته لأجهزة الاستخبارات والشرطة والأجهزة الأمنية والعسكرية , ويُعتمد في مؤسسات الخدمة والتقاعد والتعيينات والانتخابات والترشيحات والتقديمات وتأسيس الشركات وحتى في السفر والوثائق والإصدارات والمناصب والترقيات في القطاعين العام والخاص . ويُعتمد كأحد أهم مراكز التوثيق الحكومية ومن أهم وأبرز القيود على شخصية الإنسان ضمن بلده.
وترتبط سجلات التسجيل الجنائي بشبكة اتصال بيني مع كافة أجهزة الاستخبارات الوطنية المتنوعة , كما يقدم خدمة إلى المنظومة الشرطوية كشرطة النجدة والمرور والمكافحة ومراكز الشرطة والجوازات والمطارات وشرطة الحدود , ضمن منظومة معلوماتية تتيح الاستفادة منها سريعا.
ان السجل الجنائي للمحكومين (النوع الاول)هو سجل عام يتاح لكل مؤسسات الأمن والاستخبارات , كما ان سجل المطلوبين (النوع الثاني ) وقاعدة بياناتهم هي الاخرى عامة لجميع مؤسسات الأمن والاستخبارات .
اما قائمة الخطرين (النوع الثالث) , فيمكن ان تكون خاصة لكل جهاز على حدة , فقد تكون لكل من الاستخبارات الجنائية والاستخبارات العسكرية والاستخبارات الخارجية والأجهزة الأمنية قائمة خطرين خاصة بها تهدِّف عليهم , وغالبا ما يحتفظ كل جهاز استخباري باهدافه , ولكن تُنتَج - من خلال المجتمع الاستخباري - قائمة مشتركة من قبل الجميع , تسمى قائمة (الأشد خطورة), وهذه القائمه تكون متاحة للجميع ليستفيدوا منها .
الا ان اتاحة الوصول للسجل الجنائي – لاسيما النوع الثالث – لاتكون متوافرة لكافة الاجهزة بكل التفاصيل لكونها معلومات استخبارية , كما ان الاطلاع داخل الجهاز الواحد لاتتم الا وفق مستويات معينة لاتتاح للجميع .
كما ان السجل الجنائي لابد ان لايتم التلاعب فيه بالاضافة والحذف – وبالاخص الحذف – الا في اضيق الحدود , وبصلاحيات عليا , داخل الجهاز الاستخباري والامني .
اما خارجياً , فمن اوجه التعاون الدولي القضائي الشرطوي . الانتربول (الشرطة الدولية ) حيث يتم تعقب المجرمين الفارين والقاء القبض عليهم وتسليمهم الى البلد المعني ضمن ضوابط .
اما الاجهزة الاستخبارية فلا تتعامل بتلك العلنية , فوسائل التعاون الاستخباري بين الدول تتم عبر اتفاقيات تعاون أمني , وهو ما نسميه بأحد أذرع جمع المعلومات ( الذراع التبادلي ) , حيث تجري تبادل المعلومات حول بعض المطلوبين او تسهيل مراقبتهم والقبض عليهم .
-----------------------------------
السجل الجنائي في العراق
-----------------------------------
بالرغم من تعدد الوثائق , فان الفشل الاحصائي لايزال سمة اجهزتنا الاستخبارية في العراق , وقد كنا نأمل أن تكون البطاقة الوطنية بمثابة ثورة إحصائية تؤدي إلى بناء مركز وطني للبيانات والاحصاء وتوفر لنا سجلاً مدنياً متكاملاً , لكن القائمون عليها احالوها الى وثيقة اضافية دون ان تتم الافادة من بياناتها استخبارياً .
للاسف , يتم في العراق التلاعب بالسجل الجنائي بسهولة من خلال تغيير او حذف او اضافة حرف على اسم الام الثلاثي او تغيير أحد الاسماء , ويتم التلاعب في منح وثيقة التسجيل الجنائي(عدم المحكومية ), وقام البعض ممن تقلدوا مناصب حكومية اوبرلمانية اومن القيادات الأمنية العليا بتزوير ورقة سجلاتهم الجنائية وتبييض صفحاتهم .
بل ان كثيرا ممن كانوا محكومين بأنواع الجرائم , لم يكتفوا بالافلات من العقاب لجرائمهم , وانما استخدموا الرشى لتغيير تهمهم من جرائم او تهم مخلة بالشرف الى قضايا سياسية , ليتم تعويضهم واعادتهم الى وظائفهم القديمة مع كافة الاستحقاقات والعلاوات واصبح البعض منهم من السجناء السياسيين .
وهذا يبين فشل تنظيم السجل الذي يمكن التحايل عليه بسهولة , وكان المفروض ان تكون تلك السجلات مبوبة على البصمة , فحين يذهب الشخص إلى دائرة الخدمة المدنية في وزاره الداخلية لاصدار اية وثيقة او جواز , حينها بمجرد أن يضع بصمة على الحاسوب سيأتي تأشير المنع اوالسابقه دون مراسلات كتابية مليئة بالتزويروالرشوة.
أما ان سجلنا الجنائي فهو عبارة عن دفاتر قديمة بأرشفة سيئة مبوبة وفق الاسماء , وبدائرة غارقة بالرشوة يتم فيها تغيير كل شيء بمجرد أن تدفع , ولا يستفاد من التكنلوجيا فيها لأن ضبط السجل سيحرم المرتشين من مال سائب حرام يدمر امن البلاد .
ففي العراق يكفي أن يكون اسمك شائعاً كمحمد وعلي وحسين وأحمد , حتى تتعرض دوما في المطارات والمنافذ الحدودية إلى تأخير بسبب تشابه الاسماء مع المطلوبين , وذات المشكلة تصادفك في سجل (عدم المحكومية) .
كما لايجري التدقيق في عوائل وارتباطات المسؤولين وكبار الموظفين والقادة العسكريين في العراق , كما معمول به في العالم , ففي العراق يتم التساهل بحالات لايتحملها وضع العراق , فتجد إرهابي أمير في داعش وشقيقه قائد او مدير في الشرطة او الجيش وفي أهم المناصب , او ان تجد إرهابي في السجن ومحكوم بالإعدام وشقيقه قائد او ضابط آمن , وهو امر لامثيل له في العالم حيث يفترض ان تتم في تلك الحالات قرارات توازن بين حقوق الانسان وامن البلاد كالاحالة على التقاعد او ابعاد مثل هذا الشخص من الدوائر الحساسة , بل ان هنالك مايشبه العرف في العالم ان يقدم المسؤول طلباً باعفاءه من مسؤوليته في مثل تلك الحالات.
فالسجل الجنائي سجل نشط في الدول المتقدمة ويأخذ كثيرا بنظر الاعتبار في التعيين والمناصب والترشيح وتؤخذ شهادة حسن سير وسلوك في أغلب الدول تقدما وديمقراطية , ولازال القبول في الكلية العسكرية الامريكية بحاجة إلى شهادة حسن سير وسلوك موقعة من وجهاء او شخصيات اجتماعية او ضباط متقاعدين.
----------------------------------
السجل الجنائي والتجنيد
----------------------------------
ان السجل الجنائي في الدول المتقدمة فاعل جدا ومؤثر في مجالات العمل الاستخباري , ويعتبر أحد وسائل التفاوض والامتياز بيد الاستخبارات , فكثيرا ما تتفاوض الاستخبارات مع المخبرين والمتعاونين والمصادر مقابل تنظيف سجلهم الجنائي وتخفيض عقوباتهم .
كما ان توافر المعلومات من السجل الجنائي تتيح في كثير من الاحيان فرص التجنيد تحت الضغط والذي تمارسه الاجهزة الاستخبارية باسلوب الابتزاز والتهديد بالفضيحة , ولاداعي بالتذكير من ان العمل الاستخباري له تبريراته في الكثير من الاعمال غير القانونية , والابتزاز للتعاون احدى تلك الاعمال .
----------
خلاصة
----------
لايمكن تخيل استخبارات قوية بلا احصاء , فالدول المتقدمة استخبارياً هي بالتأكيد متقدمة إحصائياً , فعدم وجود احصاءات يعني فشل الأمن الإحصائي الذي يعتبر أحد أذرع تحقيق الأمن المهمة وأحد الاعمدة الداعمة للجهد الاستخباري .
فكلما كان لدينا سجل جنائي يحوي على التهم والادانات والعقوبات ويتضمن بيانات مبوبة وفق البصمة بانواعها , مع سجل فرعي للمطلوبين واخر للخطرين , حينها يمكن أن ندعي أننا وفرنا إحدى مقومات العمل الاستخباري وإحدى أهم قواعد بيانات جمع المعلومات, والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟