هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 5720 - 2017 / 12 / 7 - 11:06
المحور:
الادب والفن
الحلقة الثانية عشر
الساعة الرابعة ونصف صباحا
وحيدا على الشرفة أراقب آخر نقطة من هلال القمر تختفي خلف الأفق المعتم
كنت أريد أن أشهد بزوغ الفجر و ولادة الشمس , كما كنت أفعل سابقا .
طيلة الليل كنت أتقلب على الصوفا حيث بت أنام بعد أن سطا الناب على فراشي
كنت أفكر بمصيري الذاهب في العبث و الفوضى واللا
لقد تركت عملي و وظيفتي و ها أنا أجلس وحيدا أتحدث مع عائلتي التي تنام تحت التراب استدعيهم وأتذمر منهم ومن قصصهم القديمة ثم تأكلني الهواجس من جديد وأفكر بعقلية رجل مثقوب المشاعر .
كيف لي بمواصلة الحياة بدون ذكريات , كنت أرى الدموع في عيني أمي العجوز وأرى في عينيها سوء أحوالي كلها
صدقا , كيف أن الأمور ساءت بل ما تزال تسوء !
ماذا عليّ أن أفعل لكي اخفف عنها ,لا أستطيع أن أنسى
كيف يمكنني أن أنسى ! لطالما قالت لي : عليك بالعمل الشاق لتنسى .
الساعة السادسة وخمس دقائق صباحا
كانت الشمس تصعد بخجل , خجل إمرأة عذراء يطرق الحب صباحها
كانت تتعالى في الإرتفاع مثل إمرأة ناضجة تنتظر قطافها من فارس يمتطي بغل , ( ههه المؤلفة تضحك )
وبقيت تنتظر حتى ظهر نصفها , لا بد أن عقارب الوقت بدأت تلسع حيث يفترض أن أخرج كما وعدت والدتي . فقبل هذه الليلة تلكأت وقبلها قطعت القاطع (قاطع الكهرباء) عليهم لكي لا أخرج من البيت لشراء قهوة فجعلتهم لا ينتظرون فعادوا إلى أماكنهم كما كانوا عند إلتقاط الصورة الجماعية في استيديو العم إسكندر في حي البواتين .
نعم لقد كنت فظا معهم في تلك الليلة حتى إنهم لم يردوا علي السلام في صباح اليوم التالي وبعضهم أدعى النوم لكي لا يجادلني .
يا لهذه العائلة المشاكسة لن أكذب وأقول إنني أحبهم , بل لطالما كنت أتمنى أن اكرههم وأن أهرب منهم ولكني لم أستطع أقسم إني لم استطع رغم محاولتي إفتعال المشاكل معهم .
كانوا جزءا من ذاكرتي وطفولتي وشبابي وهرمي هل يعقل أن يكره شخصا عائلته ! بالحقيقة كنت أملك فائضا من الحب لهم جعلني أتمنى كرههم فالحب عندما يزيد عن حده يصبح مزعجا للشخص ويتمنى أن يفعلوا شيئا سيئا بي لأكرههم ولكنهم لم يفعلوا للأسف .
عرفت أن الوقت أزف وعلي أن أكون جاهزا للخروج قبل أن يفيق الناب وتحصل مشكلة
بقيت أرتشف قهوتي على الشرفة , كان القميص مكويا وناصع البياض وينتظرني كما تريد لي أمي , إنها بركة وجود الأم
فمهما حاولنا أن نسد الدين الذي تقرضه لنا , فسوف نعجز عن سداده
وتذكرت مقولة لطيفة عن حنان الأم لطالما أضحكتني وخاصة إنها حصلت عدة مرات في بيتنا
يقولون :" إذا نمت وتغطيت بلحاف و إستيقظت لتجد لحافين فوقك . فأعلم إنها يد أمك الحنون من وضعته .
أما إذا نمت ولحاف واحد يغطيك واستيقظت لتجد نفسك بدون لحاف أوغطاء , فأعلم أن يد أخاك النذل قد رفعته عنك ليتغطى هو .
هم هكذا الإمهات لا يطلبون أجرا ولا مديحا لحبهم وربما لهذا كنت أشعر بمحبة زينب ,كنت أرى فيها أمي .بل أكثر من ذلك !
فلم تكن مثل النساء المتطلبات بل كان جلّ ما تطلبه أن أكون بخير وهذا هو الحب الحقيقي الخالي من المنافع.
كنت أشعر بوجودها إنني في حضرة الكون كله ملك , تحضنني بدلال الطفلة الدلوعة ومحبة الأم الخالية من المنافع ومشاغبة الأخت الودودة وذكاء وحصافة الزوجة المعهودة ورقة قلب القديسة و غرام العاشقة الأبدية وفلسفة ونصيحة الصديقة المقربة .
لذا لم أكن أشعر بوجودها الطاغي إني بحاجة لمرافقة أي إنسان غيرها
كانت ممتلئة بكل ما أحتاجه, كانت الأخت والصديقة والأم والطفلة والعاشقة والزوجة
فما حاجتي لغيرها ّ وإن كان ذلك يثير غيرة أمي قليلا ولكنها كانت أكبرمن أن تسقط في غيرة زوجة بعمر بناتها
ألم اقل لكم إنها حكيمة !!!
كانت أمي تبتسم كلما سردنا هذه القصة والأخ النذل الذي لا يهتم إلآ بنفسه وكنا نشير إليه –أخانا النذل - الذي يعرف نفسه فيستشيط غضبا
, ابتسامة أمي الراحلة لا يمكن نسيانها ولن أكون مبالغا إذا قلت لكم إن لون رأسي لم يشهد شعرة بيضاء إلا عندما ماتت أمي في فراشها كما أرادت.
نعم لقد غزا الشيب رأسي في أواخر الثلاثين من عمري عندما ماتت وتذكرت قصة ماري انطوانيت وفلسفة أمي عندما قالت لم يتحول شعرها الأصفر إلى أبيض بسبب الخوف ,بل بسبب الندم .
يا لها من فيلسوفة , جديرة بالإحترام.
وأنا أيضا ندمت لأنني لم أستغل آخر أيامها لكي أقضي وقتا أطول معها ولولا مزاولتي لبيع الورود لما وجدت وقتا لكي أقضيه معهم فبعد أن ماتت زينب وطفلتي بقيت في بيتي مع ذكرياتي وورودي .
كانت الورود سببا في زيارتهم و طريقة مهذبة من الإعتذار لبعدي عنهم
كنت أستغل قبيل اقتراب الورود من الذبول- تلك التي لم تبع , فكنت أصنع لها باقة جميلة أحملها مع بعض الحلوى . كنت أعرف إنها تعرف طريقتي تلك ولكني كنت مجبرا على ذلك فلا يوجد زبائن للورود كما هم على محلات الطعام, فلم يكن ينفع تعليم الشعب العربي لتلك الحكمة الصينية" إن كان لديك رغيفان فبع أحدهما واشتري ي بثمنه وردا "
فالعراقي لن يشبعه رغيفان بل بريد خمسة , كما كان يعارضني أبي كلما فسرت لهم سر تحولي لبائع زهور .
كنت أشتري رضا أمي بالمن والسلوى الذي تحبه أو طبقا من الشعبيات المحشوة بالقيمر كهدية إعتذار وغفران , فكانت تتقبلها بإمتتان , وكنت دائما أجد بإنتظاري طبق من الزلابية أو المهلبية المغطاة بالمكسرات أو الزردة العراقية المطبوخة بالرز والزعفران والهيل
فقد كان والدي رجلا يعشق الحلوى و متطلبا دؤوبا لملء بطنه ولم تكن أمي كسولة يوما في عملية تثخينه ( تذكرت السندباد و عملية تسمينه لأكلي لحوم البشر . قصة طريفة .هذا ليس مكانها )
قامت والدتي بتسمينه . حتى أصيب بالسكري فاقلع قليلا عن التهام السكريات ولولا السكري لأكل والدنا كل الحلوى والسكر الموجود بالعالم . فقد كان رجلا نهما ومتينا بحجم فيل ضخم حتى أن فاطمة الصغيرة في سن الثالثة كانت تبكي عندما تراه فتبتعد عنه لضخامته ,فيغضب ويزدرد الحلوى وخاصة التمر , مثل وحش يظهر في قصص الأطفال المرعبة .
الساعة السادسة و45 دقيقة
كانت تبدو السيارات الصفراء على مفترق الطرق الذي تطل عليه شرفتي بسائقين يضعون آيات القرآن و يرفضون تشغيل العداد صباحا في تناقض مابين الدين والممارسات وكنا نعذرهم ونقول لن ينتهي الجشع في هذه الحياة إلا بعد إنتهاء الحياة نفسها
إنها سنة الكون أن يكون هناك أناس رحيمين إذا لم يكن هناك غيرهم من الجشعيين ولا أناس طيبين ويقابلهم أناس ماكرين
فكيف يتسنى لنا أن نرى البياض إذا لم يكن السواد طاغيا !
كانت السيارات تحمل أناسا ذاهبون إلى أعمالهم وشعرت بالندم لأني تركت نفسي طيلة هذا المدة بدون عمل فعلى الأقل لكي تنسى عليك أن تظل مشغولا
كانت أعلام ملونة بالأخضر والأزرق ر تظهر من على زجاج السيارات وتذكرت حروب الكرة
لطالما كانت تقول والدتي عنها " ما هذه اللعبة إنها لعبة الحمقى
24 أهبل يركضون وراء كرة "
في هذه البلاد تبدأ حروب الكرة قبل إعلان المباريات فيتقاتلون قبل المباراة وأثناء المباراة وعند نهاية المباراة , وهذا شيء غريب ويميزهم
في حروب الكرة ,تظهر هوية المشجعين حيث أن أهل شرق النهر سيشجعون فريق الفيصلي الأزرق وغرب النهر سيشجعون فريق الوحدات الأخضر وهكذا تظهر حروب العنصرية حتى يظهر عاقل ليقول لهم ساخرا :"
إن ما تفعلوه في حروب الكره إنما يبدو مثل كره وحقد الحمير البيضاء المخططة بالأسود للحمير السوداء المخططة بالأبيض
وبالنهاية يظهر أن الجميع حمير
فهل يعقل أن تكون مباراة رياضية سببا للفرقة والتخاصم سوف أتخيل نفسي كزوج أردني لفتاة فلسطينية هي زينب تشجع فريق الوحدات وأنا علي أن اشجع الفيصلي لكي لا أخذش بوطنيتي , وتخيل أن تشتعل بيننا الخصومة ويحدث الطلاق
أنا وحبيبتي زينب نتطلق من أجل حمقى يركضون وراء كرة !!! لأن الوحدات خسر كالعادة ** والفيصلي فاز كما كان يفوز دائما .
(المؤلفة لا تريد إزعاج السلطات الأردنية بإظهار ما يحدث بالشارع الأردني من تفرقة عنصرية وحروب الهويات التي يخاف البعض من الإشارة إليها بخجل , لذا أرتأت المؤلفة قلب الحقائق خوفا من الحبس والملاحقة )
فالوحدات هو الذي يفوز دوما وعلى الفيصلي الإعتراف بذلك !
الساعة السابعة تماما
حان وقت الذهاب للمدارس, ستظهر بعد قليل الفتيات بالمراييل الزرقاء والخضراء
إنهن ربيع الحياة القادم , وتخيلت فاطمة أبنتي , لو يقيت ابنتي فاطمة على قيد الحياة , لكانت الآن في الثانوية العامة .أو ربما في الجامعة . يا للسنوات كيف تمر, وكأن ذكرى موتهم حدثت قبل أيام !!!!
أصبحت الساعة السابعة وعشر دقائق .
يلزمني عشرين دقيقة لحلق شاربي ولحيتي الغير مشذبة أما القميص فهو جاهز لكي ألبسه .
لابد أن أكسر خوفي , فما الذي يمنعني من الخروج إن كسر حاجز الخوف مهم وهذا ما قررته طيلة الليلة الماضية التي لم يغمض لي فيها جفن ولكي لا أبدو بمظهر الرجل الضعيف أمام عائلتي .
فتحت الباب وبقوة رجل ذو إصرار على هجر مخاوفه و خرجت
كانت الساعة السابعة والنصف تماما ولكن أي طبيبة ستفتح عيادتها مبكرا !يا للجنون
في الحقيقة لقد شعرت وكأن أحدهم دفعني خارجا وأغلق ورائي الباب بصفاقة
لقد صفقت الباب بشدة لكي تستيقظ العائلة النائمة وتعرف إني خرجت .
يا اللهول
هذا الإنسان , ما أقواه . عندما يقرر التشاجر مع الحياة .
فكرت بوقوفي بالعين السحرية اللعينة والعيون التي تختبأ ورائها
لطالما كنت أكره الخداع والتزييف فيما أكره - النساء المنقبات التي لا تظهر سوى عيونهم من تحت وشاح أسود لشيء واحد ,
إنهن يعرفن من أنت ,وأنت لا تعرف من هن .
في هذا خداع للآخر, أليس كذلك
أما غير ذلك , فلا يهمني بتاتا , فالأمر إختياري و يصبح حرية شخصية فهناك من يضع الكاب , القبعة اقصد على رأسه وهناك من يربي شعره طويلا وهناك من يدق التاتو على جسمه وهناك من يضع حطة على رأسه وهناك من يحلق رأسه كاملا وهناك من تخفي شعرها وأخرى تخبأه داخل قطعة قماش إنها حرية شخصية , بالنهاية يفترض ألا تزعج أحدا , ولا تزعج نفسك بهذه القضية التي هي ليست بقضية أصلا ,وعلى الجميع احترام كونها ليست قضية للنقاش فالحرية لا يتناقش بشروطها أحد لأنها من المسلمات .
وتذكرت قصة أحد رؤوساء دولة أجنبية , عندما طالبوه التصديق على قانون يمنع الحجاب في بلده , فقال قولته الحكيمة :" إذا كانت مريم العذراء تظهر في كل صورها وهي ترتدي الحجاب فكيف تريدون مني أن اصدق على هكذا قرار بالمنع !!
كانت ثمة خطى تتقدم نحوي شعرت بذلك قبل أن أستدير
كنت أقف بانتظار المصعد الذي كان يبدو مطفئا
أنه باب شقة الدكتور المصري الملعون كان صوت تدوير المفتاح واضحا
قلت بسري :" هل كان يقف خلف العين السحرية و يراقبني
ما هذه الأفكار السوداوية
ما الذي يدفع دكتورا جامعيا للخروج من بيته قبل الساعة السادسة صباحا وتذكرت أن الساعة تجاوزت السابعة بل السابعة والنصف علي أن اكف عن اللحاق بالوقت الذي ضيعته والذي سأضيعه ( إنه عنوان للهزيمة في المستقبل )وتساءلت هل يمكن أن أكون رجلا مكتئبا !!
كانت حركتي التالية تميل للدخول للبيت قبل أن يمسك كتفي ويقول لي : مرحبا يا جار
الإصانصيل معطل , قالها بلهجة مصرية بحتة , " الأسانسير بايز".
ولا أعرف هل تكتب بالصاد أم السين
( على القارىء معرفة إن الكلام المائل يعني دخول المؤلفة إلى الرواية وخروجها كما تريد و هو بالحقيقة تساؤل من المؤلفة قد يحدث كثيرا فقد يحلو لها أن تدخل إلى صلب الرواية وتغيير السياق و إعتراضه وعلى القارىء أن يتمتع بسعة الصدر وإن لم يتمتع بالسعة والهدوء والصبر على نزق المؤلفة فلا اعتذار نقدمه إليك
يمكنك عزيزي القارىء أن تغادر بصمت فيمنع الإحتجاج والتجمهر لأكثر من شخص .
فقط , عليك بطي الورقات أو الصفحات وعدم الدخول إلى روايتنا , فنحن لا نكتب من أجلك بل من أجل ممارسة الحياة الحقيقية من خلال الكتابة فأنت لا تعيش إلا مرة واحدة ونحن نتيح لك أن تعيش حيوات عديدة , أعتقد أن ألأمر صار مفهوما ولنواصل تفسير ما حدث
( تكمن حيرة المؤلفة في إختلاف لهجات هذه البلاد وهذا يصعب من حركة الترجمة للغات الأخرى وربما يبدو الأمر إستعراضا ولكننا لن نقول إنها مشكلة جذور وهويات , بل هي ببساطة شديدة . مشكلة لغوية ولا بد من إيجاد حل )
الخلاصة أن الرجل لم يقل المصعد وكفى
دفعني بيده نحو الدرج قائلا سننزل السلالم " دول ما بين الثلاثين إلى الأربعين درجة ( و تابع ) بلهجة جادة
:" على الأقل إنها رياضة صباحية أنت تعرف كم هي مهمة الرياضة الصباحية وخاصة المشي
بص , مش حتلاقى أحسن من رياضة المشي إلا طلوع ونزول السلالم
وووووو
وخفت أن يصدعني بقصة الرياضة وخفت أكثر أن يقول لي عن مباراة اليوم بين الفريقين الأكثر مشاكسة على الإطلاق في هذه البلاد ولكن على ما يبدو إنه خاف من البوح حيث توقف عن الكلام وواصل النزول وهو يشتم الحارس لعدم تنظيفه السلالم , فاللاجىء من أمثالنا - في هذه البلاد لا يستطيع أن ينقد أهل تلك البلاد خوفا من التسفير بحجة التدخل أو لكي لا يقال فيك ما قاله صاحب بيت الشعر و الذي يكون جاهزا على أفواه اقل الرجال فيهم ذكاءا وتعلما
إنهم بالحقيقة – يحفظونه, لأنه يختصر الكثير من الكلام الزائد
" إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ,وإذا أكرمت اللئيم تمردا
يعتقدون أنهم استضافوك في بلادهم ,وهذا كرم عظيم و عليك كوافد أن ترد الجميل أما بالشكر الموصول أو أن تلزم الصمت المطبق وهذا اقل الإيمان , بحيث لا تتمرد وتبوح بأنهم يسرقونك و خاصة أصحاب التكاسي الذين يضاعفون التسعيرة فيما لو سمعوا لهجتك المفخمة بالعراقي و جشع أصحاب الشقق والملاكين الذين استغلوا حركة اللجوء العراقي لرفع اسعار العقارات مضاعفة , فقد كانت شقتي تباع بسعر ثلاثين ألفا كما قال لي جاري الأردني والذي شهق عندما سمع ما دفعته لصاحب العقار قائلا :" يخرب بيته شو نصاب وطماع "
فقد باعني التاجر الشقة بستين ألف , تخيل
كان بأمكاني أن اشتري شقتين بهذا المبلغ !!
فقط لأني مجرد عراقي لاجىء بلا ارض يقف فوقها باعوني شقة بسعر مضاعف
إنه الجشع الذي يجب أن لا تتكلم عنه وفقا لحركة الإستضافة الكريمة فتصبح إن تكلمت ,من زمرة اللئام أو ربما يسامحوك من باب "العفو عند المقدرة " بشعور إستعلائي لا ترغب المزيد منه , فأن يحبسوك أو يسفروك لأفضل من هذا الشعور الإستعلائي ,بأنهم يملكون الأرض التي تحتك
" يبدو إنك تعاني كثيرا من الغربة ومن فكرة لجوئك " - هذا ما قاله يوسف الذي زارني مؤخرا بزيارته الأخيرة لشمال المملكة حيث اصطحبني معه قبل ثلاث سنوات حيث مخيم الزعتري كباحث موفد من النرويج آخر محطة للسفر له حيث جاء لدراسة أوضاع اللاجئين السوريين - وهو الذي إعتاد على السفر وحركات الهجرة في كثير من الدول , فلم تعد تؤرقه فكرة الوطن الضائع حيث كان يقول
" الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن "
يخرب بيتك يا غوار الطوشة و كاسك يا و طن
لذا يا غريب كن أديب إنها خلاصة القضية وإلا سوف تتعرض
للتسفير والترحيل أو الطرد , فالبلاد العربية مجتمعة ورغم وطنية شعوبها المقموعة , لم تتوحد ولكن إنظمتها المخابراتية توحدت - على غير العادة , لبقاء حكامها على عروشهم فالوحدة المخابراتية بين أركان دولهم واحدة وهناك تنسيق أمني فريد من نوعه حيث تجمعهم وحدة العروش وبقاءها
فأي تهديد لعرش ما قد يعني زوال العرش في بلد أخرى وما حدث بثورات الربيع العربي لشاهد على ذلك , فكيف تستضيف دولة تضع شعار" لا آله إلا الله " على قماشة علمها سيفين لمحاربة أعداء الله
تستضيف زعيما عربيا ملحدا هو و زوجته السافرة واللذان منعا الحجاب في بلدهم واصدرا صحيفة أحوال شخصية لا تمت للشرع بشيء بل و تناقض أحكام الشرع في التوريث وغيرها وخاصة قضايا الزواج المدني وأحكام الطلاق والتوريث التي خالفت آية " للذكر مثل حظ الأنثيين " فصارت الوراثة متساوية للذكر والأنثى بعيدا عن آيات القرآن واحكامه .
هذا عن وحدة القمع والترهيب أما ما بقي من أحاديث متسكعة بأحلام الحلم العربي بالوحدة فبقي بين الجوارح ينتفض بلحن موسيقي متقن أو نشيد وطني بائد
هل تذكرون
بلاد العرب أوطاني , من الشام لبغداد ن ومن نجد إلى يمن إلى مصر ف تطوان
فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا , لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان
أه على تلك الأيام - تلك الكلمة التي كان يقولها والدنا دائما متحسرا وباكيا وبالحقيقة لم أر أبي باكيا إلا عند سماع ذلك النشيد وحسرته في القلوب , حتى إني لم أراه يبكي يوم وفاة أمه " جدتنا الماجدة ساجدة السعدون " لقد مسح بطرف ذراعه عينيه لكي يرينا كم ذرف من دموعه التي لم يتساقط منها دمعة واحدة , لقد كان أبي يكذب حتى بدموعه وهو يقول : الله يرحمها , نعيش قدها " دعونا نذهب بها للدفن , فإكرام الميت دفنه "
ولولا إيقافه من قبل والدتي , لدفن جدتنا بدون غسيل للموتى كما تغسل الأموات بالعادة .
اللهم إرحم والدنا , و أباء الأمة أجمعين
لا أعرف لقد تبادر لسمعي صوت هامس لقد سمعت ثرثرة غير مفهومة في الغرفة حيث اللوحة , فعلى ما يبدو أن والدي قرأ افكاري مثل الناب الذي استولى على سريري
وها هو يحتج .
دعونا من حركة إحتجاجه وأقسم أنه لم تنزل من عينيه دمعه لقد كنت أراقبه طيلة أيام العزاء ومهما حاول التبرير فلن أصدقه .وهل أصدق ما لم تره عيني ّ
يا غريب , كن أديب , مقولة والدتنا الحكيمة
فاللاجىء في أي بلد عليه أن يبقى فمه مغلقا , صامتا ومهذبا فقد قالت أمي لنا بعد حركة اللجوء وسرقتنا من قبل صاحب الشقة : " يا غريب كن أديب" حتى لو سرقوك أو ظلموك .
يا للوطن المفجوع بحركات اللجوء الحمد الله , ,لقد تركوا هذا البلد وشأنه لكي يستضيف كل حركات اللجوء من الفلسطينيين الأوائل حتى السوريين الجدد وبينهم قوافل من حركات اللجوء العراقي والليبي وغيرهم فلنحمد الله مرة أخرى , إنهم تركوا لنا بلدا نلجأ إليه , إما كممر أو مستقر فلا يهم , يحتاج المرء دوما إلى ممرات آمنة , للخروج من مأساته .
سيتعجب القارىء حتما " ما الذي يدفعني للبقاء في هذه الأرض التي هي بالنسبة لي مجرد معبر للمرور وليس مقر ومستقر - دائم للسكن , فكيف اشتري شقة بمثل هذا السعر وكان لدي فرصة أن اشتري تأشيرة لدول أوروبية مثل اليونان ستبيعني الشقة نفسها بسعر أقل !
و قد يبدو الأمر جنونيا حيث لم أركض وراء تأشيرة لأمريكا كما فعل صلاح أخي و صديقي يوسف وجارنا المسيحي حنا وحتى كاهن المعبد اليهودي في حيّنا موشى كوهين- الذي رفض السفر إلى دويلة الصهاينة كما كان يقول و التي أقيمت في تلك الأيام بتواطأ حقير من الإنجليز اللئام ,
كان يرفض السفر إلى هناك وأختار بدلا منها السفر إلى أوكرانيا لأنه يعتقد إنه سيحافظ على إيمانه هناك ,فقد كان اليهود أنفسهم ممثلين بالوكالة اليهودية يفجرون المعابد في العراق على رؤوس داخليها ,ليبعثوا الذعر والخوف في نفوس اليهود العراقيين فيسرعون بحركة هجرتهم اليهود إلى فلسطين المحتلة . إنها حركات تتكرر في كل العصور والأديان والثقافات وكأن الأجرام يحمل جينة واحدة تمتاز بها البشرية جمعاء بدون تمييز فلا عرق آري ولا مفاضلة فالشر لا أبوة له تنجبه و لا شجرة عائلة تضلله وتحميه ولا شجرة أنساب يرتد إليها.
أنه الشر وحسب
بالحقيقة لدي أسبابي لعدم إخباركم بذلك لماذا بقيت في هذه البلاد !!!
أعرف أن أول ما سيخطر ببالكم جميعا هو إني مخبر أو جاسوس
وهذا لا يضركم إنما يدل على إنكم شعب , تم تدجينه على فكرة المؤامرة
وأقول تبعا لذلك :هذا لا يهينكم , لأنها فعلا المؤامرة
صحيح ولن ننكر ذلك لإرضاء الراعي الأمريكي وربيبته الطفلة المدللة الذي يريدوننا أن ننكر تلك الوقائع من أجل إظهارنا بمظهر المصلحين وأصحاب العقول المنفتحة و من حاملي حركة التنوير.
إنها المؤامرة الدينية منذ القدم وتحديدا , منذ نزول التوراة المنسوخة و آياتها التي تحرض على القتل والتدمير فقد كانت فيها آية واضحة وقديمة جدا تقول " ولنسقي العاهرة بابل كأس الزؤوام "
إنها المؤامرة وغير ذلك مما لا يقوله الليبراليين السمج وسخريتهم من فكرة المؤامرة فما تعنتهم و رفضهم لفكرة المؤامرة إلا مجرد إظهار أنفسهم بمظهر الرقي وعلة الفكر عن صغائر الأمور بل هي أضغاث أحلام و كوابيس ليلية سببها كاس من الشمبانيا الثقيلة كرعها المتنورين في ليلة صاخبة . فدعكم منهم . وخذوا مني القول اليقين
الحقيقة , إنها أمي هي السبب ببقاءنا في هذه البلاد لقد وجدت بأختي المقيمة هنا في إحدى المخيمات عزاءا لها بعد غياب والدي واستشهاده هناك .
وهناك آمر آخر لن ابوح به إلا بعد أن أرى الطبيبة
هيا ننزل قالها الدكتور المصري الذي يبدو أنه يعرفني أكثر مما أعرف نفسي كما سيتضح لكم بعد قليل وتحديدا في الكاراج حيث أكتشفت إني أملك سيارة مهجورة وليست مهجورة !
وجدتني وقد أخذني بمعيته , يمسك كتفي ويدفعني قائلا :" إنها لفرصة جيدة وجودك في هذا الصباح الجميل , أريد أن أناقشك بورقة عملي التي سألقيها في المؤتمر , فكما لا تعرف وهذا ما أنا متأكد منه لأنه تم إستضافتي في آخر لحظة , بسبب منع دكتور مصري من السفر للمؤتمر وما دمت مصريا وأحمل شهادة الدكتوراه حتى لو كانت بالأدب بالفارسي , لا يهم وكان اسمي للمصادفة قريبا من اسمه , تخيّل , صار رفعت الدنداوي بدلا من حكمت الشرقاوي ,
دعك من الأسماء "فأسخف ما نحمله الأسماء ! كما يقولون
المهم تمت دعوتي للمشاركة لأن أحدا من الحضور لن ينتبه وحتى يحافظ القائمون على المؤتمر على وجههم المشرق باستضافتهم لدكتور مصري المعي - كانوا قد وعدوا بحضوره كما قلت لك لن ينتبه أحد !
أنت تعرف كيف تجري مثل هذه الأمور , فهم لا يهتمون بالمحتوى بقدر اهتمامهم بالشكليات .
دعك من كل هذا - الأمور بالحقيقة , أود إستشارتك بموضوع المناقشة , قيل لي أن الدكتور الشرقاوي حكمت نفسه كان سيتكلم عن ثورات الربيع العربي في البلدان الأربعة التي نجحت بتغيير نظام الحكم ولكني أرتأيت الحديث عن الثورة المصرية
بالحقيقة لم يتسنى لي سرقة أي بحث من الانترنت لضيق الوقت ولا تنسى هناك غذاء فاخر في فترة الإستراحة , ما رأيك أن تذهب معي
على الأقل ستأكل طعاما جيدا , إنظر إلى نفسك تكاد أن تختفي لا تفكر بالموضوع كثيرا !
لا عليك من هذه القصص , لقد فكرت بشيء مختلف عنوان مثير , حتى توصلت له فاستطيع مناقشته ببساطة , سأتكلم عن دور شعارات الثورة المصرية
بربك أليس هذا عنوانا مثيرا
اسمع فقط الرنة التي سيبدو بها الإيقاع للعنوان الفاخر
كنا ننزل الدرجات الثلاثين لقد عددتها وهو يتكلم وأنا أقول بسري:" يا له من ثرثار لا يرحم نفسه لقد عرفت لما هجرته النساء !
" أنا في طريقي إلى فندق كمبنسكي , هل تعرفه . أكيد , , أنت تعرفه بلا شك لأنك موجود بهذه البلاد قبلي بسنوات , هل يمكن أن أكون قد أخطأت في الأسم !!
قيل لي إنك بائع ورود وطبيب ورسام وكاتب ,أيمكن أن تجتمع بك كل هذه المزايا لا أصدق , أنت رسام ( وهز رأسه نافيا ), تبدو مثل ميت يمشي
وفجأة وجدته وقد قرصني , فقد كنت مثل نائم يمشي ينزل درجات السلالم بمهل وبصبر لا يتقنه سوى العجائز
يا للملعون كيف يجرأ على قرصي أخفيت تذمري وكنت أريد أن أهرب من قبضته عندما تتوفر لي الفرصة هذا ما كنت أفكر به تحديدا
لقد تخيلت السندباد في حالتي المزرية وقد طوقه رجل البحر العجوز الذي امتطى ظهره وكلبش رجليه على عنق سندباد , هل تذكرونه !
وهذا بالضبط ما حدث لي مع هذا العجوز - رجل السلالم المتطفل
يقع في البحر الميت هذا ما قيل لي " كمبنسكي " يا لهذا الأسم الفاخر!!!
, كيف تسنى لي نسيانه ! لقد أعادته السكرتيرة عشر مرات وهي تقول لي بغنج : لا تنسى القدوم دكتر حكمت , رح أزعل منك "
كان بودي أن أقول لها " فرجيني هويتك , أكيد بنات بلدكم ما بتمايصن و بتغنجن للأغراب والوافدين , أكيد هذه لاجئة فلسطينية فلتانة أو سورية هربانة أو لبنانية صايعة
يا اخي لهجتها بتاخذ العقل , تقول وكأنها بتمص حلوى الخطمي يتلذذ قبل إلتهامها
ولو سمعت كيف قالت كلمة " دكتر حكمت " بغنج
والله تقول بتمص مارشميلا
مارشميلا , يا آلهي ,من أين يسمع هذا الرجل هذه الكلمات!
لو سمعت , كيف خرجت من بين شفاهها حروف " حكمت" يا رب , ثبت العقل والدين (لكمني بذراعه ) وهو يقول :" قول آمين "
ثم تابع وأنا أتمتم :" يا رب ,,,, "
يا لهذه النساء المدللات لا يشبهن حرس الغفر في بلادنا ,هل يمكن أن نطلق عليهم نفس الأسم , هذا غير مقبول , ولا يتقبله أي عقل سليم .
عن أي قوارير تتكلم يا رجل !
وجدتني أقول له من غيضي وهو يحبسني بقوة يديه مع ذلك الذي ينام على سريري شعرت بإني ثور مربوط على ساقية مهجورة وتدور و تدور بلا سبب
: لم أقل أي كلمة ! قلتها بتأفف
بل قلت
لقد سمعتك تقول " رفقا بالقوارير" قلت مناكفا حسنا لم اقل لا رفقا ولا شرا بالقوارير فربما قالها القاضي لك , وأخفيت ابتسامة شامتة فقد فضح ما يدور بدماغه إنه يستحضر جلسة الطلاق على ما يبدو
وقد استعدت صحتي بعد أن وصلنا لنهاية الدرجات ولفحني هواء شهر نيسان المنعش .
ولكنه حلف بأغلظ الإيمان إنه سمعني أقول :" رفقا بالقوارير
فقررت عدم إزعاجه لأنني أفكر حاليا بخطة للهرب من كلبشة عجوز البحر هذا !
(تابع ) دول كاسات الومنيوم مش قوارير , ده لما توقع على الأرض تصم أذنك وتبقى تدور وتدور ورنتها تصدح مثل العجائز في الترب وما تنكسرش أبدا مثل القوارير
دي عاملة مثل الدابة تركض وراك حتى ترفصك
في ستين ألف داهية , إتقلعي يا ولية مش عايز أشوف وشك .
قال قوارير قال
"دول بودعونا بكلمة
" داهية تاخذك" ويستقبلونا بكشرة وهن يلطمن قائلات متحسرات (غير من لهجته العامية إلى الفصحى فجأة )
" ياما جاب الغراب لأمه "
هو الغراب معاه جنيه , حتى يجبلها هدية , والنبي تتوكسي يا شيخة , كويس إني ضابك في بيتي , روحي وأنت طالق بالثلاث "
شعرت أن الرجل يعيد بالبطىء مشهد طلاقه , فابتسمت ولأول مرة ابتسم من أسبوع .
في الحقيقة أن ابناء الجالية المصرية والمصريين ومنهم هذا الثرثار , لن يترك لك فرصة بدون أن ترسم ابتسامة على وجهك وهذا ما يجعلهم شعبا ودودا أنا أحب المصريين ولكني أريد أن أهرب من عجوز السلالم هذا !
كان يتنفس بصعوبة وشعرت إنه يميل نحوي كاسحا لجثتي الضعيفة , فأمسكت يده التي يحيطني بها ووضعتها على الحائط فلم يزده ذلك إصرارا على كلبشتي من جديد فقلت :أي حظ رماك يا علي مع هذا الدكتور الثرثار .
هناك ندوة حول الثورات والربيع العربي كان يمسك بكتفي مثل عجوز تستعين بولدها وإن كان لا يصغرني بالعمر إلا قليلا ولكنه كان ثخينا و يشبه الدولفين بلون جسمه الأملس .
هل تعرف يا جار , ما هي اشد كلمة تزعجني
عندما يتطاول احد المطبلين والمزمرين لأنظمة بلادهم فيسمون الربيع العربي بتلك التسمية الإزدرائية قائلين :" دعونا نتكلم عما يسمى بالربيع العربي!
كلمة ما يسمى
تلخص ما سيقولونه إنهم يرفضون حركات التجديد والتغيير التي يجب أن تحدث , إنهم عبيد ومصفقين ومطبلين وأوباش .
في داخلي شعرت بذرة من الإحترام , لقد ظلمت هذا الدكتور المثقف فعلى الأقل
أنه يؤمن بحركة التاريخ الأزلية وتدوير الحياة وحركة التجديد وحركة التغيير
وتذكرت الرجل الذي كان يصيح قائلا :" لقد هرمنا , هرمنا ونحن ننتظر هذه اللحظة التاريخية .
فندور بحلقة مفرغة ونتحدث عن ثورات ماضية أكل الدهر عليها وشرب , بل كانت في أصلها ثورات خاسرة , لابد أن تكون هناك حركة دوران وتجديد
وتابع بشغف
لولا ثورة جمال عبد الناصر وحركة الضباط الأحرار لما انتصر الفلاحين وأخذوا حقوقهم من الإقطاعيين - الذين كانوا يحتكرون البلاد كأنها مزرعة لأهلهم وأقاربهم ولما إنتهينا من الملكية وطقوس العائلات والتقاليد البرجوازية
قلت مصححا : تقصد تقاليد الإرستقراطية
ويأتيك جاهل و مطبل و مصفق ليقول لك "ما يسمونه بالربيع العربي - رافضا حركة تجديد روح الجماهير
أو بما يسمى بربيع الجماهير العربي !
أكمل الدكتور المصري الذي نسيت اسمه و خجلت أن اسأله لكي لا أبدو مثل رجل ناقص الذاكرة , فقد كنت أريد أن أصوب له بأن الفرق بين الإرستقراطية والبرجوازية هي مثل أميرة أو ملكة في قصر تم تعليمها أصول الإتيكيت ,و كيف تأكل السمك بالشوكة
وبين سيدة إقطاعية برجوازية من بنات الشعب حصل والدها على المال من مهن متدنية إجتماعيا , مثل ابنة تاجر مواشي مثلا , فتأكل ذات السمكة بيديها .
فهل يستحق الفرق أن أبذل كل تلك الكلمات من أجل إيصال فكرتني له
فكرت قليلا وقلت : دعها تمر ولا عليك منه .فلم تعد لتلك الطقوس أهمية في ظل التقليد والتمثيل
انظر للفتيات , كيف تحولن من فلاحات فلسطينيات يلدغن حروف الكلمات بالشين والجيم إلى لبنانيات يزمن شفاههن ويغيرن من لهجتهن القروية إلى لهجة ناعمة وكلمات تذبح الرجال غنجا وتدللا .
كنت أنظر للملف الشفاف الذي يحمله بيديه فلمحت اسمه من رزمة الآوراق التي يحملها كانت معنونه بعنوان مثير حقا
دور الشعارات الثورية في إنجاح الثورة المصرية للدكتور رفعت االخرباوي
ربما قرأتها على غير ما هي ولكن لا بأس , فأنا أحتاج أسمه الأول , وهذا يكفي
السيد رفعت الثرثار
عندما رأى حركة عيني وتتبعي للأوراق
فقال : هل تعرف أن الثورة المصرية نجحت بثورتها السلمية بدون إراقة دماء كما حدث في في ليبيا , حتى إن المخلوع مازال عائشا بيننا ويتفسح في شرم الشيخ
"طنطاوي بيه طنطاوي بيه....الكلب عايش لسه ليه؟"
تعجبت من هذا الهتاف الذي جاء بدون سابق إنذار
ثم تابع بدون الإهتمام بتعجبي , فالرجل فكما قلت لديه ما يقوله ولا يريد أن يسمع إجابة أو تساؤل من أحد وكثير من بين ظهرانينا يشبهونه . كنت أشعر أنه يتدرب على ما سيقوله في المؤتمر وقد وجدني لكي يعمل بروفه قبل العرض وليجرب صوته الجسور على ما يبدو .
نعم , لقد سقط نظام مبارك بالكلمة القوية والمعبرة , بالشعارات هذا ما سأقوله
لقد سقط نظام الحكم المصري بالكلمات لا بالدبابة ولا بالسلاح
وكنت أريد تذكيره بواقعة الجمل حيث أرسل حسني مبارك الجمال والأحصنة لتفريق المتظاهرين .
فقال وكأنه يريد أن يبرر ذلك
" إنا أقارن ثورتنا بالثورات السابقة التي بقيت لسنوات وسنوات في حرب دموية
أنا أتحدث
إن إعتصام المتظاهرين لثمانية عشر يوما بالشعارات السلمية فقط وخلع العجوز بعدها مع عدد قليل من الشهداء أو القتلى لا أعلم لي كيف أصنفهم قياسا بما يحدث بثورات مشابهة يقتل بها الآف مؤلفة من المتظاهرين و تدمر البلاد فوق رؤوسهم و تذهب البلاد بمن فيها للجحيم .
" يا نيابية يا عسكرية, الثوار مش بلطجية".
وصدح بها كمن يخطب في ساحة التحرير , فشعرت بالرعب من رنة صوته وقلت في سري "سوف تندم السكرتيرة الدلوعة ندما لا يغتفر لإستضافته , وتتمنى لو أخبرت الحضور عن اللبس الذي حدث بدلا من جوقة الصراخ التي سيرسلها إلى أذانهم هذا الدكتور الصاخب فيدمرها
إننا حقا في حرب مع الضوضاء والصراخ و الزعيق والنعيق ألا يكفي زوامير السيارات التي ما ينفك يطلقها الشعب بدون داع لمجرد أن الإشارة فتحت وتأخر السائق لثواني عن الإنطلاق في حرب سباق النجوم الأرضي
فجأة وبغير سابق توقع , وصلنا صوت سيارة شرطة بصوتها المزعج , لقد كانت قريبة منها جدا
قلت بسري " إنه زمن التلوث السمعي ".
أظهرت دهشة مفتعلة من عمق عيناي الذاهبتان إلى ساحة التحرير في وسط ميدان التحرير وتذكرت صديقي يوسف الذي عايش أحداث الثورة هناك وقلت يا لها من أيام جميلة , كم يلزمنا من سنوات لإعادة وهج ذكراها من جديد فكل حاكم يأتي يلزق و لا يوجد ما يسمى بتداول السلطة السلمي .
وجدته يواصل وضع يده على كتفي بنزق شديد ,أزعجني تصرفه , كان يبدو أنه يريد أن يبعدني عن شرودي وتابع بحماس منقطع النظير وكأنه بمظاهرة وخفت أن يزعج النائمين وسمعت صوت باب يفتح
كنا بالدرجات النهائية حيث تنتظره سيارته ليذهب الى "الكومبسكي" كما كان يقولها وأنا اضحك فعلى ما يبدو إنه الفندق الوحيد الذي زاره في حياته
يا لعظمة هذا الأسم !!
اضحكني تعليقه , وشعرت بالندم , لقد اختبأت في قبوي كل هذه المدة , ولدي رجل مثل نوزدريف الثرثار في رواية الأنفس الميتة , يعيش بجواري ويمكنه تسليتي وتبديد وحدتي
يا لخسارة ذلك الوقت الفائت الذي كان سيبدو ممتعا
يا لخسارة تلك المتعة المضاعفة بوجود ثرثار يعيش بجانبك وتتفاداه
كان نوزدريف آه ,
كيف فاتني ذلك
نوزدريف يصيح من جديد
:" يا سوزان قولي للبيه , كيلو العدس بعشر جنيه "
هذا الشعار بالذات يلخص أسباب الثورة المصرية
ثورة الغلاء والجوع
إرفع إرفع في الأسعار , خلي الثورة تولع نار".
"يا سوزان خافي عليه...هنجبهولك من رجليه".عيزاك تبص للشعار ده , تعمق فيه
ده بس توعيد وتخويف يعني زي ما تقول " حرب نفسية , ونجحت الخطة
وجا طنطاوي بعده و برضه سمعوه الهتاف ده
اسمع
"يا طنطاوي قالك ايه قبل ما يمشي سعادة البية...
قالك احبس في الثوار.. قالك غلي في الأسعار".
"قول يا سيادة النائب العام...بعت دم الشهدا بكام؟".
شفت حكمة الثورة المصرية وقوة وجزالة ألفاظها
ده الشعار لوحده , إختصر عشرات المقالات في الصحف , بكلمتين
مش دي ثورة خلع الحكم بالكلمات وإلا أنا بقول شطط
وبعدها قالوا المتظاهرين الشباب اولاد الفيس بوك والتويت وإلأنسة غرام
( ربما يقصد الإنستغرام )
كل الشباب دول نزلوا التحرير و حينزلوا مرة ثانية
" اللي فاكر نفسه كبير لسه الثورة في التحرير".
توقف لأخذ نفس عميق وضع يده على صدره وأكمل :" كل هذا الكلام سأتحدث فيه بالمؤتمر
ما رأيك أن ترافقني , ستكون بجانبي وسنذهب سويا
تحججت بزيارة طبيب الإسنان
فقال لي أن الوقت مبكر لزيارة طبيبة الأسنان وتعجبت و شعرت إنه جاسوس
لقد قلت طبيب الاسنان وهو يقول
الوقت مبكر لزيارة طبيبة الأسنان
ياألهي , هل أنا مكشوف لهذه الدرجة ما الذي يحدث بالتحديد .
قلت :" موعدي في الساعة التاسعة كنا قد وصلنا لمدخل الكراج
فرد متذمرا تستطيع تأجيله لما بعد الثالثة ,باستطاعتي أن أقلك إلى هناك بعد أن نعود
عند مدخل البناية الخلفي رأيت يداه تكلبشاني من جديد - عجوز البحر يطبق علي من جديد
وها هو يدفعني لمواصلة النزول إلى الطابق الأرضي حيث موقف سيارته
قال لي متسائلا
لماذا لا تحرك سيارتك لم تعد تركبها , سوف تتعطل من دون تشغيلها
هات المفتاح
كنت أريد أن أقول له :" لا يوجد لدي سيارة ولكني تذكرت إنه يعرفها وإني هجرتها منذ سنة وبدأت استقل الباصات لعجزي عن القيادة ,لقد كانت تنتابني مشاعر إني مستهدف وأن سيارتي ستنفجر بي فلم أعد أقربها
كانت تبدو نظيفة و جعلني ذلك حائرا , فإذا بالدكتور المصري أو عجوز البحر يقول
أن حارس العمارة ينظفها لك , وقد رأيته يشغلها عدة مرات
وتذكرت إني أعطيت الحارس فعليا نسخة المفاتيح منذ ما يزيد عن سنة , ولم انتبه لذلك
هل فعلا مضت كل تلك المدة
اعتذرت من الدكتور المصري الذي كان قد جلس بسيارته وأدار مفتاحها عدة مرات
وعندما لم تشتغل كان يبدو إنها فقدت البطارية , فتذمر وصرخ في وجهي كمتظاهر في ميدان التحرير
واحد اتنين. واحد أثنين .البطارية راحت فين !
تحجج بأهمية المؤتمر و بأنه سيتأخر ثم وفي حركة غير معقولة تشبه حركات الناب الذي سيطر على حياتي
خرج من السيارة وأغلقها و نادى على الحارس - الذي كان نائما , وأخذ منه مفتاح سيارتي وهو يدفعني دفعا لكي أركب بجانبه قائلا :
أرجوك لا تؤخرني أنا مستعد لإستئجار سيارتك ,سأدفع لك ثمن البترول , هيا , اذهب معي للمؤتمر وسنأكل سويا يوجد بوفيه عظيم فيه كل ما تشتهيه - كما قالت لي سكرتيرة المعهد .
أما بخصوص موعدك مع طبيبة الإسنان فسوف أقلك لموعدك بفترة بعد الظهر عندما نعود لن نتأخر
أرجوك لا تقتل حماسي يا رجل
كنت أريد أن أتحجج ولكني سمعت صوت الكلب - الكلب الذي يعض, فجلست مثل طفل صغير أراقب الشارع الذي سيظهر فيه صاحب الكلب الذي ينبح .
كان الجار قد مشى بالسيارة خارجا و وجدت أن الكلب على باب العمارة والشرطي الذي يضع شارات وشرائط على كتفه , يدخل وراءه
وبدأت أفكر بمصير الناب
الآن سيأخذونه من الشقة بعد أن يخلعوا الباب
وحمدت الله إني خرجت , كان الدكتور المصري فرحا لأنه وجد سيارة تقله ولا أعرف كيف خطر ببالي أن هذا الرجل فعل كل ذلك بتخطيط مسبق وأنه أدعى أن المصعد لا يعمل لكي يجري معي هذا الحوار كله وليبرر بعدها أن سيارته لا تعمل
يا للدهاء المصري عندما يمكر ( قلتها بالروسي )
فرفع حاجبه, فلقد نسيت أنه يتكلم الروسية
ألم يحصل على الدكتوراه من هناك !!!
كنت أريد أن أعزر الحارس لإعطاءه مفتاح سيارتي الجاثمة على أرض الكراج منذ سنة
يا للجيران المزعجين , إنهم يعرفون عنك أكثر مما تعرف عن نفسك .
وتخيلت كم مرة رشى الحارس وأخذ سيارتي المتوقفة .
كان يبدو إنه محترف بسياقتها , طريقة دخوله و تشغيلها تبدو كأنه معتاد على ركوبها ومتمرس عليها , وهذا ما اشعرني بالقهر , ولكن فكرة هروبي قبل أن يمسكوا الناب وأنا موجود بالبيت جعلتني اشعر بالإمتتنان لمصاحبة هذا الدكتور الثرثار
سمعته يتحدث مع السكرتيرة بحجز مقعدين في الصفوف الأولى لأن معه ضيف عراقي مهم
تساءلت فيما بين نفسي
هل أنا مهم
وكأنه كان يستمع لمحادثتي فقاطعني قائلا : سمعت إنك كنت دكتور طب نسائي
يا عم نيالك , دي المهن ولا بلاش
كان قد قطع الشارع الذي فيه عمارتنا نظرت للخلف بتقزز وأنا أودع العمارة التي فيها الناب كنت أشعر بالتقزز لما قاله الرجل الثرثار المقرف
كنت أريد أن اضربه , فلو يعلم كم كنت أكره تلك المهنة
كانت تبدو افخاذ النساء البوسنيات ملطخة بالدماء من آثار الإغتصاب , وكنت أرى وحشية الجنود المغتصبين في عين كل إمرأة ضعيفة
كنت أرى البطون المبقورة والأجنة المشوهة و الأرحام المتهتكة
وهذا المعتوه يقول لي:" نيالك يا عم
وجدتني ابصق في ورقة إنتشلتها من علبة محارم بعنف , فأين تلك مع رغبتي الحثيثة بالبصق في وجهه
وكأنه قد استدرك خطأؤه , فغير الموضوع بسرعة قائلا :"
خذ هذا الشعار الذي كان يردده المصريين في ساحة التحرير وسأعرج هنا (غير من لهجته المصرية ) سأعرج على عملية التنكيل بالثوار وما تفعله وزارة الداخلية الهمجية
بارسال الجواسيس وتلفيق التهم وتشويه سمعة الثوار وإطلاق الإشاعات
"لفق لفق في القضية... هي دي عادة الداخلية".
ده الشعار و حده بيقلك (عاد للتحدث باللهجة المصرية )
إنها أفعال الحكومة الحكيمة , إنما تستعين بأوباش البشر للمحافظة على النظام القائم , كي تقمع المتظاهرين وتلفق لهم التهم
لفق , لفق بالقضية
ما فيش غير وزارة الداخلية إلي بتلفق للمتظاهرين وللثوار , حتى تحبسهم وتلجم ألسنتهم
شفت بقا البلاوي الي مكدسة فوق رؤوسنا
أصل أنت بتفكر, إنك محمي
أتريك يا متظاهر , حتنضرب في قفاك
فحاميها يا ولدي حراميها
دول ما توجدوش لحمايتك ,
بل ليحموا مبارك وغيره
" اللي بيحمي حسني مبارك عمره ما يحمي داري ودارك"
وده حال البلاد
وسكت الرجل عن الكلام المباح فقد أصابته موجة من العطاس المصحوب برذاذ قوي , جعلته يتوقف عن الكلام لمدة خمس دقائق.
ياه , يا لعظمة تلك الخمس دقائق تلك !!!!
كانت أجمل خمس دقائق في حياتي وتمنيت لو يظل يعطس حتى ينتهي هذا اليوم
الذي بدأ لتوه في الساعة السابعة والنصف صباحا تحديدا والعربة تنهب المسافات قضما
والدنيا تدور بي وأنا أرى جمال العشب النيساني عشب شهر ابريل المنفتح والأشجار الرائعة المكسيّة بثوب من الأغصان الوارف الإخضرار
لقد فاتني كل هذا الجمال طيلة الأيام الخوالي , فشعرت بشيخوختي المبكرة .
!
يقول فرانز كافكا :" أي شخص يحافظ على قدرته في رؤية الجمال لن يصبح عجوزاً أبداً .
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟