|
خطابٌ إلى - مثقّفينا -
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 5717 - 2017 / 12 / 3 - 18:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في عصر الثورة العلمية والتقنية والفكرية التي نعيشها ، يصرُّ بعض " مثقفينا " و " مفكرينا " على الإلتزام بالمقاييس والمكاييل القديمة ، فلا زالوا يزنون بالأوقية ويذرعون بالشبر والذراع . ملأت وسائل الإعلام برامجها بما يقوله أولئك " المثقفون والمفكرون " عن الإستفتاء الذي حصل في كردستان العراق ، في الخامس والعشرين من أيلول 2017 ، و كل ما يقولونه إجترار وتكرار لما يقوله غيرهم من مَن قبضوا ثمناً لما يفعلون ، ولا يدري مثقفونا ومفكرونا أنهم في ذات الطابور المغني للعرس الذي يُهيّأ للقائد العائد للولاية الثالثة ، ولم يُكلّف أيٌّ منهم نفسه ليلقي الضوء على التصريحات الصريحة لرئيس الإقليم ورئيس حكومة الإقليم أن ليس الغرض من إجراء الإستفتاء إعلان الإستقلال . صُمّت آذاننا بالإسطوانة التي يقول فيها مثقفونا ، ويعيدون ويكررون ، إنهم يعترفون بحق الكرد في نيل حقهم في تقرير مصيرهم ، ولكن لم يكن توقيت إجراء الإستفتاء صحيحاً ، وأن الظروف " المحلية " و " الإقليمية " و " الدولية " لم تكن مناسبة لهذا العمل ! و لا يقترح أي من هؤلاء أي توقيت مستقبلي يمكن أن يهيئ ظروفاً مناسبة له ؟ وبدون إستيعاب واقعي للزمن ينطقون كالببغاوات بما يطالب به أولئك لإلغاء الإستفتاء الذي حصل ! فهل يمكن إعادة عقارب الساعة يا كرام ونعتبر الإستفتاء لم يحصل ؟ وكذا يتباكى " مثقفونا " على عواقب الإستفتاء من خسارة الكرد للكثير من المكاسب التي كانوا يتمتعون بها ، والتي لم يحصل الأكراد في الدول المجاورة على جزء يسير منها ! يا سادة ، يا كرام : إن أسلوبكم في قياس المسافات قد يكون صحيحاً في علوم الرياضيات والطبيعة الجامدة ، فيمكن بمعادلاتكم معرفة سعر نصف كيلوغرام من الطماطة إذا عرفنا سعر ثلاثة كيلوغرامات منها بتسعمائة ديناراً ، لكن هذه المعادلات لا تستقيم مع العلوم الإجتماعية . ففي حركة جماهير الشعب ، في توجهها للحصول على حقها ، قوانين ، قد تدّعون أنكم قرأتموها ، وقد تدعون أنكم فهمتموها ، ولكنكم ، وبما أنكم لا زلتم على أسلوبكم في الكيل و القياس ، بالتأكيد أنتم لم تهضموها ، ولم تتحوّل تلك " المعرفة التي تدّعونها " إلى الدليل الذي يجعلكم على ناصية التفكير الواقعي .
ترى ، في أيّ زمن يتوقف الصراع الطبقي ، في المجتمعات الطبقية ، بين المستغِلّ والمستغَلّ ، حتى يتمكن هذا الأخير أن يصل إلى حقه ؟ متى سيكون الظرف مناسباً إذا لم يناضل المستَغلّ من أجل إستلاب حقه من مغتصبه ؟ إن تاريخ الشعوب التي ناضلت من أجل حقوقها ، قدّمت من الضحايا الكثير ، ولم تأبه بشماتة الشامتين ، بعد كل صولة في النضال خسرتها ، بل إستمرّت في النضال ، صولة بعد صولة ، حتى حققت نصرها . لو كان في حساب قادة الشعوب المناضلة أن تأبه بشماتة الشامتين لما بدأوا . فهل كانت الظرروف مناسبة لغاندي عندما قاد شعوب جنوب أفريقيا ليحرقوا هوياتهم الممنوحة لهم من السلطات البريطانية المستعمرة ، وقد كان يومها منفيّاً إلى تلك البلاد من بلده الهند ؟ وهل نلومه على ذلك النضال ، وقد كان مقدّمة لنضاله الذي توّج بإستقلال الهند فيما بعد ؟ ترى هل كانت الظروف مناسبة لنضال الشعب الجزائري ، وقد خسر الكثير من صولات الكفاح وقدّم مليون شهيد حتى ينال إستقلاله بعد مائة وثلاثين عاماً من الإستعمار الفرنسي ؟ ترى هل يُلام لينين لقيادته الثورة الروسية التي تحولت فيما بعد إلى دولة عظمى بإسم الإتحاد السوفييتي ، ثم سقطت بعد سبعين عاماً ، في خضم أنواع من الحروب الساخنة والباردة ؟ هل كان هوشه منّه يأبه بكلام الشامتين بعد كل صولة نضال خسرها قبل أن يحقق النصر للشعب الفييتنامي بكسر شوكة جيوش دولتين عظميين من الدول المستعمرة ؟ ترى هل يُلام قادة ثورة الرابع عشر من تموز بسبب ما أعقبت قيام الثورة من مؤامرات وخسائربشرية ومادية ، إستمرّت آثارها لغاية اليوم ؟ أمّا تباكي مثقفينا على " المكتسبات " التي فقدها الأكراد عقب الإستفتاء ، فكأن هذه المكتسبات قد جاءت عندما كان الأكراد يجلسون على قارعة الطريق يمدّون أيديهم ، كالمتسوّلين ، وجاءهم قومٌ أخيار من " المركز " فأشفقوا ، وعطفوا ، و " أعطوهم " ! لا يا أيها السادة : هذه المكاسب التي تذكرونها ، هي حصيلة نضال شعب ، قدّم التضحيات الغالية والنفيسة في الأرواح والمعاناة والجروح والجوع والحرمان ، وليست بمنة من أحد ، وتلك المكاسب لم تكن إلاّ جزءاً ناقصاَ ، لم يكتمل بها حق هذه الأمة ، ولذلك فإن هذه الأمة ، إن خسرت صولة من معاركها ، مع مغتصب تلك الحقوق ، فإن نضالها الدؤوب الذي لا يقف عند حد ، كفيل ليس بإستعادة ما خسرته في هذه الصولة أو تلك فحسب ، بل للحصول على كامل حقها ، كباقي الأمم التي تحققت لها السيادة على أرضها والعيش بين الأمم بالشموخ الذي تستحقه ، ولو كره الكارهون .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خِطابٌ لأولئك
-
يَومَ يُكنَسون
-
مَرَّ شهرٌ على الإستفتاء
-
رَدُّ مُداخلة
-
صَرخَةُ أمّة
-
القمارُ السّياسيّ
-
الديمقراطية في العراق
-
الديمقراطيّة - جزء 2
-
الديمقراطيّة - جزء 1
-
نداءُ تحذير
-
برهم صالح أم مستقبل العراق ؟
-
تظاهَر يا شَعَب .. وإستَعِدّ .
-
هَل يُحَوّل ترامپ العالم
-
نَينَوى بعد التَحرير
-
عودة الصدر ليسَت غريبة
-
تَوَجُّهان مُتَضادّان في المسرَحِ السياسيِّ العراقيّ
-
أزمة الفكر القوميّ
-
الدّينُ والعقلُ
-
الدناءة
-
قنّ الدّجاج ومجلس القضاء الأعلى
المزيد.....
-
إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي
...
-
إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي
...
-
ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
-
سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
-
جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
-
ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟
...
-
كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
-
الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة
...
-
ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل-
...
-
الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|