|
الدولار .. والهَيْمنة
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 5717 - 2017 / 12 / 3 - 13:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
القوّة الخارقة للولايات المتحدة الأمريكية ، وهيمنتها على مُقدرات الكثير من دول العالم .. ليستْ مُتأتِية من الأسلحة الذرية التي تمتلكها ، فروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والهند وكوريا ... الخ ، أيضاً تحوز على مثل هذه الأسلحة . ولا على الطائرات والدبابات والصواريخ والغواصات التي تنتجها ، فالإتحاد الأوروبي وروسيا والصين ، أيضاً تنتج هذه الأسلحة . ولا على غزو الفضاء الخارجي وإحتكار تكنولوجيا المعلومات ، فهنالك الكثير من الدُول المتقدمة في هذا المضمار أيضاً . ولا على الموارد الطبيعية في أراضيها مثل النفط والغاز والمياه العذبة والمعادن .. إلخ ، فهنالك بُلدان أغنى منها بذلك . ولا على مساحتها الشاسعة أو نفوسها الكبير ، فهنالك دُولٌ أكبر منها بكثير ونفوسها أعظم بعدة مرات . ولا بسبب نظامها التعليمي أو الرعاية الصحية ، فالعديد من بلدان العالم تفوقها من حيث جودة التعليم والرعاية الصحية . إذن ما هو السِر ، في جبروت الولايات المتحدة الأمريكية ؟ الجواب يكمن في كلمةٍ واحدة : الدولار ! . تمكنتْ الولايات المتحدة الأمريكية ، ولا سيما بعد الحرب العالمية الثانية ، ومن خلال الإستخدام الأمثل لجميع مظاهر قوتها أعلاه ( السلاح / التكنولوجيا / الطاقة / الغذاء / الدواء ) ، من " فَرض " عُملَتها ، كَمَرجع وأساس لقياس جميع العملات في العالم . ولم يحدث ذلك بقرارٍ فوري أو دفعة واحدة ، ولكن بخطواتٍ مدروسة بِدِقة ، وعلى مدى سنواتٍ طويلة ، بحيث إستطاعتْ في السبعينيات من القرن الماضي ، من تهميش أو تمييع المُقابِل العالمي للعملات ، أي الذَهَب . وأصبح الدولار الأمريكي ، هو المِعيار الأساسي ، للتعاملات التجارية المختلفة في العالم ، وتحكمَتْ الولايات المتحدة بصورةٍ تدريجية ومتفاقمة ، بإقتصاديات الدول الأخرى . * حاولتْ ألمانيا أولا وفرنسا ثانياً ، من خلال الإتحاد الأوروبي ولا سيما من خلال " اليورو " ، وضع حدٍ لهيمنة الدولار الأمريكي وخصوصاً في أوروبا ، لكنها رغم النجاحات الجزئية في السنوات الأولى ، إلا ان جهودها تعرقلتْ ولم تُؤتِ ثمارها ، ونجحتْ الولايات المتحدة إلى درجةٍ ما ، في لجم اليورو . * بلدانٌ عديدة ، بادرتْ إلى تنويع " سّلة عملاتها " ، فأضافتْ اليورو او الجنيه الأسترليني والين إلى تعاملاتها التجارية وبنوكها المركزية . لكن الولايات المتحدة ، كانتْ دائماً تُحارِب هذه التوجهات ، بصورةٍ غير مُباشرة ، وتساهم في إفشالها أو الحَد من تأثيرها . * الولايات المتحدة الأمريكية ، شعرتْ ب ( خَطرٍ حقيقي ) حين بادرتْ دولٌ كبيرة ومُهمة ، قبل سنوات ، إلى التفاهم فيما بينها ، في سبيل إجراء تعاملاتها التجارية بعيداً عن ( الدولار ) . وكانت هذه الدول في البداية أربعة BRIC أي البرازيل وروسيا والهند والصين ، ثم إنضمت جنوب أفريقيا إليها فأصبحت BRICS . هذه الدول الخمسة تعقد دوريا إجتماعاتها في سبيل التنسيق والتطوير المستمر . ان ما يُقلِق الولايات المتحدة الأمريكية ، بشكلٍ عميق ، هو الحقائِق التالية : ان دُول ال BRICS الخمسة ، هي صاحبة أسرع نمو إقتصادي بالعالم . فإحصائيات صندوق النقد الدولي كشفتْ ، ان نسبة إسهامات دول بريكس في نمو الإقتصاد العالمي ، تجاوزتْ 50% . أما إجمالي إقتصاديات دول البريكس ، فكانتْ تشكل 12% فقط من الإقتصاد العالمي قبل عشرة أعوام ، أما الآن فأنها تُشكِل 23% من الإقتصاد العالمي . وكذلك مساحة دول البريكس ، تبلغ رُيع مساحة الأرض . ونفوسها 40% من سكان الكرة الأرضية . ان دول البريكس BRICS تسيرُ حثيثاً نحو تحقيق هدفها الرئيسي المتمثِل ب [ الحصول على دَورٍ حقيقي في إدارة الإقتصاد العالمي ] وكسر الإحتكار والهيمنة الغربية . * تتعامَل دول البريكس فيما بينها ب [ العُملات المحلية ] فمثلاً الصين وروسيا ، تتبادلان الكثير من السلع بال يوان والروبل ، او مع الهند بالروبية وهكذا . وليس هذا فقط ، فأن نشاط الدول الخمسة ، إمتدَ للتعاون في هذا المجال مع عديدٍ من دول العالم ، مثل إيران وتركيا ومصر وفنزويلا ... إلخ . وتعمل دول البريكس منذ مدة ، لإستحداث عُملة مُشتركة فيما بينها . وليس هذا فقط ، بل ان روسيا وإيران ، مثلاً ، لجئتا إلى إسلوب " المُقايَضة " ، فتستورد سلعة مُقابل سلعةٍ أخرى . لو سارتْ الأمور على هذا المنوال ، فمن المتوقع خلال الأعوام العشرة القادمة ، ان ينخفض تأثير الدولار على مُجمل إقتصاديات العالم ، بصورةٍ ملحوظة ، وبالتالي إضعاف الهيمنة الأمريكية تبعاً لذلك . * إذن الصراعُ مُحتدِم ، على تقاسُم النفوذ على مُجريات الإقتصاد العالمي ، ولا سيما بين الولايات المتحدة والغرب عموماً ، من جهة ، ودول البريكس والمتعاونين معها ، من جهةٍ أخرى . * أحد مظاهِر ممارسة السياسة ، هي ( الحرب ) . وإلى جانب الحروب التقليدية القديمة ، مثل الهجوم العسكري والإحتلال ، والتي أصبحتْ غير مرغوبة ولا تصلح لهذا العصر . فأن الإحتواء والحصار والحروب بالوكالة والتجويع والتقتير في الغذاء والدواء ... ألخ ، باتتْ هي الأساليب المتبعة حالياً ، بالتماهي مع إستخدام شعارات مُضّلِلة مثل حقوق الإنسان والديمقراطية . ان مايجري في سوريا والعراق والخليج واليمن وبحر الصين وكوريا وجنوب السودان وأوكرانيا والبحر الأسود وغيرها من بُؤر التوتر في العالَم ، هي كما أعتقد تمظهُرات للصراع العنيف على حُصَص إدارة إقتصاد المعمورة .. وأن الدَور المتنامي للصين وروسيا والهند وحلفاءها ، يكمن في مدى نجاحها في تحجيم أُس قوة الولايات المتحدة والغرب : الدولار . * الصراعات الجارية في منطقتنا ، هي جزءٌ من التنافسات بين الدول الكبرى على مصالحها ، وحتى الدول الأقليمية مثل تركيا وإيران والسعودية ، تُمارِس السياسة البراغماتية حسب مصالحها وتحاول الحصول على حصة . فتركيا التي هي عضو مهم في حلف الأطلسي والسعودية التي هي حليفة إستراتيجية للولايات المتحدة ، قامتا بشراء أسلحةٍ متطورة وغالية من روسيا ، وإيران المتحالفة مع روسيا ، لا تتوانى عن التعاون والتنسيق مع الغرب وحتى مع الولايات المتحدة ، في سبيل مصالحها . فقط نحنُ في العراق .. لا زُلنا لانمتلك رٌؤيةً واضحة فيما يخص إستراتيجية التعامُل مع العالَم ، ولا تخطيطاً معقولاً لضمان مصالحنا ... وعندما أقول العراق ، أعني أقليم كردستان أيضاً بالضرورة . فساستنا وحكامنا ، يتكلمون كثيرا ويرفعون شعارات ضخمة ، بلا فِعل ولا عملٍ مُثمِر .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حِوارٌ مع الذات
-
إغتيالُ حلم
-
خّلِصوا أنفُسَكُم !
-
إرفعوا إيديكُم عن كُردستان
-
سوفَ نَرى
-
- خطوة إلى الأمام .. خطوتَين إلى الوراء -
-
كفى لحُكامِ بغدادَ وأربيل
-
مسرحيةٌ في مُنتهى البذاءة
-
- أحمد يونس - ... محطات من حياته
-
حمكو المجنون يقول : الإنتخابات ستُؤجَل
-
صِراعٌ على الحدود
-
بين أربيل وبغداد
-
رسالة إلى الشوفينيين العَرَب والكُرد
-
عَنْ وحَولَ إستفتاء كردستان
-
دعوةٌ إلى التعقُل والهدوء
-
مَعَ ... ضِد
-
القميص
-
إستفتاء الإنفصال .. مُلاحظات بسيطة
-
على هامش إستفتاء إنفصال كردستان
-
مُذكرات خَروف
المزيد.....
-
منها النفط والغاز.. الصين تفرض رسوما جمركية على واردات أمريك
...
-
القناة -14-: ارتفاع عدد إصابات عملية تياسيير إلى 8 بينها حا
...
-
بينها -طعام لداعش- في سوريا.. البيت الأبيض ينشر قائمة بنفقا
...
-
لافروف: شعار -الولايات المتحدة أولا- يتناغم مع شعارات هتلر
-
كيف تعمل النقطة الزرقاء الصغيرة في دماغك على تنظيم نومك؟
-
أ ب: الصين تعلن فرض رسوم إضافية على العديد من المنتجات الأمر
...
-
روسيا تطلب اجتماع مجلس الأمن لبحث أزمة أوكرانيا
-
-كان- عن مسؤولين إسرائيليين: مستعدون للقبول ببقاء -حماس- لكن
...
-
وسائل إعلام أوكرانية تبلغ عن انفجارات في كييف
-
حرب الغواصات.. كانوا ذئابا في البحر وسكارى في البر!
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|