أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر جمعة العابدي - تعدد مستويات السرد في الرواية العراقية ما بعد 2003 رواية (حمّام اليهودي) لعلاء مشذوب أنموذج.















المزيد.....


تعدد مستويات السرد في الرواية العراقية ما بعد 2003 رواية (حمّام اليهودي) لعلاء مشذوب أنموذج.


حيدر جمعة العابدي

الحوار المتمدن-العدد: 5715 - 2017 / 12 / 1 - 14:59
المحور: الادب والفن
    


تعدد مستويات السرد في الرواية العراقية ما بعد 2003 رواية (حمّام اليهودي) لعلاء مشذوب أنموذج.
لم يعد السرد ذلك المنتج المعني بإظهار الجانب الأدبي والجمالي فقط في الأجناس الأدبية التي تدخل ضمن إطار ما يسمى بالسرد ؛ الرواية والقصة والشعر والمسرح ، بل أصبح بفعل التحولات التقنية والفكرية الحاصلة ، بنيةً ذات مستويات متعددة ومختلفة تضم بين دفتيها العديد من الموضوعات المتباينة والمختلفة فنيا وفكريا ، مثل: الفلسفة والشعر والموضوعات النفسية والاجتماعية والتاريخية والسياسية، والوثيقة، بحكم المرونة والحرية التي تمتاز بها طبيعتها الفنية والموضوعية كطول مساحتها السردية وتمدد زمنها الحكائي، وهو ما دفع بأغلب كتّابها إلى تكسير أشكال وأنماط الوعي السردي التقليدي والتغريد خارج أطار الحدود والثوابت المرسومة له( حبكة ،شخصية ،زمكان ،أحداث )
تمثل رواية (حمّام اليهودي) للروائي علاء مشذوب الصادرة عن دار سطور- بغداد لسنة 2017 واحدة من الروايات التي تعتمد مستويات متعددة في بنائها السردي، حيث تقوم هذه الرواية على بنيات سردية متباينة ومتداخلة في ما بينها ، من خلال بناء أحداثها ، ورسم شخصياتها ،وتراكيبها اللغوية والتقنية، بإعتماد التداخل والمجاورة ما بين الأجناس والحقول المعرفية والثقافية الأخرى.
ظهر تعدد المستويات بأساليب سردية متباينة من حيث الشكل الفني والنوعي ومتجاورة ومتساوقة من حيث الهدف والموضوع ،أي اعتماد رؤية وخطاب سردي ذي أهداف شاملة، وهو ما يؤشر على بزوغ وعي سردي عراقي متقدم يسعى لتجاوز الحالة القارة والثابتة التي تحكم العمل السردي ضمن جنس معين محكوم بقوانين ثابتة إلى حالة جديدة ومختلفة تعتمد التفاعلية والتداولية كإطار ثقافي عام ما بين الأجناس المختلفة، وهو ما أسهم في إعطاء سمات جديدة وشكل ورؤية جديدة للرواية العراقية ما بعد 2003 .
يتشكل الفضاء السردي للرواية وفق ثلاثة مستويات ،نسقية ،وفنية، وموضوعية ، تتباعد ضمن حقولها لكنها تتشابك وتتّحد في مضامينها وأبعادها الفكرية، وهو ما تسعى لإظهاره هذه الورقة عبر كشف أبرز المهيمنات النسقية ،الفكرية والفنية في رواية (حمّام اليهودي) بشكل خاص والرواية العراقية ما بعد 2003 بشكل عام .
المستوى الأول : التوثيقي والأرشيفي
هو المستوى الذي يمثل الوجه المعلن والواضح والمهيمن على مجمل الفضاء السردي في الرواية، حيث تبدأ الرواية باستهلال يلخص من خلاله المؤلف زمن الرواية وطبيعة حياة بطلها الوحيد الذي يقوم بسرد حكاية أبناء طائفته (اليهود) في العراق ،أعمالهم ،وطريقة عيشهم ، وتجارتهم وطقوسهم ،ورؤاهم السياسية والتاريخية ،وأماكن سكناهم ، وطبيعة علاقتهم بالآخر العربي وغير العربي المسلم تحديدا ،وأبرز آثارهم التي تركوها خلفهم بفعل التحديات والتحولات السياسية في العراق (هذه الرواية تحكي قصة اليهودي يعقوب شكر الله دانيال وعائلته وهو الذي فضل الهجرة الى متصرفية كربلاء بدل اسرائيل ... بدأت أحداث الحكاية في نهاية عام 1918 وانتهت بعد أكثر من عقدين ) ص6. كما نجد في هذا المستوى توثيق الأسماء والأماكن والأسواق والمهن والعملة والزي المحلي والطقوس الدينية والعادات التي كانت تشتهر بها متصرفية كربلاء والتي اندثر الكثير منها بفعل التقادم والتحولات السياسية .
المستوى الثاني : الأدبي والفني
هو المستوى الذي يهتم بإظهار التمثلات الفنية والجمالية داخل النص، خصوصا في طريقة بناء الشخصيات أكثر من باقي الجوانب الأخرى ، ومنها شخصية بطل الرواية الذي تمكن المؤلف من الإمساك بأبرز سمات الشخصية اليهودية و أدق تناقضاتها و صراعاتها النفسية والاجتماعية الداخلية، وردود أفعالها الخارجية كالقوة ،والضعف، لدرجة إننا لا نشعر أبدا ونحن نراقب طريقة تطورها أننا أمام شخصية غير حقيقية، أي شخصية(ملفقة ) او مفتعلة، وهو ما يحسب لبراعة المؤلف، كذلك نجد هذه التمثلات تظهر بشكل جلي في صورة المكان المعيش الواقعي كربلاء و المكان المتخيل (الحمّام) الشوارع والأزقة المندثرة والذي أعاد تشييدها السارد ببراعة معتمدا ذاكرة متخيلة، وهو ما أعطى زخما فنيا مميزا من خلال قدرة الكاتب على جعل معمارية المكان تنفتح على ما قبل وما بعد، وهو ما يعزز من دور المتخيل الفني والادبي للمكان، وتعكس قدرة الكاتب على الولوج عميقا داخل المخيال الجمعي من أجل رسم طبيعة المكان في تلك الحقبة من زوايا وعدسات متعددة لتعكس طبيعة حياة ساكنيه وتصوراتهم وانطباعاتهم اتجاه المكان المعيش، وهو مستوى يتوزع داخل فصول الرواية وفق تطور بياني صعودا، وهو ما تجلى عبر دقة رسم الشخصيات وأبعادها النفسية والاجتماعية ومعمارية المكان من جهة - ونزولا وهو المستوى الأقل أدبية وفنية ،بإعتماد المؤلف على تكرار والاكثار من الصيغ الوصفية والتوثيقية التي تميل إلى رصد حقيقة الأثر المكاني والثقافي وأبعاده التاريخية أكثر من الأثر الجمالي المتخيل ( فكرت أن أذهب إلى خارج سور المدينة عسى أن أجد لي دكانا في منطقة العباسية التي تفاجأت بشوارعها المستقيمة والواسعة والمتعامدة وطراز عمارتها الهندسي البديع ،هذه المنطقة التي أستحدثها الوالي مدحت باشا بعد زيارته لكربلاء )ص36.
كما أن اعتماد الصوت الواحد أو السارد العليم كلي العلم جعل من طريقة سرد الأحداث تتخذ شكل الأسلوب السير ذاتي، وهو صوت بطل الرواية الوحيد يعقوب شكر الله يسرد حكايته الشخصية ، مما غيب البعد الفني الجمالي و عزز من الجانب التوثيقي أكثر من غيره حتى أننا نجد ان لغة الوصف المباشر او ما يسمى بحركة الكاميرا في رصدها الدقيق للأسواق والمهن والطقوس قد تكررت في أغلب مفاصل الرواية وكأننا أمام جرد وتوثيق للمهن والطقوس وأنماط العيش السائدة آنذاك، إضافة إلى دخول حكاية قرة العين بشكل مفاجئ – خارج سياق الأحداث التي ترصد حياة اليهود الاجتماعية والسياسية، أسهم ذلك في إبطاء الزمن السردي لحركة الأحداث وشتّت صورة الأحداث حتى لو كان ينسجم مع الهدف السردي (كربلاء مدينة التعايش) لكن وبشكل عام .
المستوى الثالث : الفكري والثقافي
هو المستوى الذي تثير ُّ من خلاله الرواية أسئلتها السياسية والثقافية التي تأجلت الإجابة عنها بفعل الصراعات العرقية والدينية ما بين الأديان والثقافات في تلك المرحلة التاريخية من العراق والتي تحولت بفعل الاحتلال والأطماع الإقليمية للدولة العثمانية والدولة البريطانية إلى بؤرة للصراعات والتقاطعات ما بين اليهود الداعمين لبريطانيا والمسلمين الداعمين للدولة العثمانية ليتحول الصراع الى واقع اجتماعي عام يتمدد ليشمل كل شيء ، يبدأ ضمن ابعاد رمزية ودينية (الطهارة والنجاسة المرتبطة في دلالة حمّام اليهودي الذي ظل مثار جدل ديني لدى المسلمين حول حرمة الاغتسال في الأماكن التي يديرها اليهود ما دفع يعقوب شكر إلى تأجيره وبيعه لعدة مرات رغم تعلقه به -إلى صراع سياسي وثقافي هوياتي الصراع العربي الإسرائيلي ، حيث أثارت قضية تسليم جزء من فلسطين لليهود حساسيات تاريخية حول الوطن القومي والديني والذي بدوره أثار سؤال صراع الهويات الطائفية والعرقية والدينية الذي ابتلي العراق به قديما وحديثا، وهو ما يرسم شكل العلاقات الظاهرة والمخفية (المضمرة) داخل اللاوعي الجمعي لمكونات الشعب العراقي وهو ما سينعكس على نظرتنا المستقبلية للأحداث السياسية وطريقة تعاطيها معها وهو ما يجيب عن بعض الأسئلة المؤجلة والمسكوت عنها في الرواية - كيف حدث ؟، التهجير ليهود العراق التي سكنت العراق _ ولماذا حدث؟ ، لتأتي الإجابات على لسان شخصياتها بإطار تحليلي وتفسيري سسيو- تأريخي ُ عميق كان العراق ولازال يمثل للاقليات الدينية والعرقية وطنا اقتصاديا، ودينيا أكثر من كونه وطنا وجوديا ( هوية ) لذا كانت أغلب مخاوف يهود العراق متعلقة بشكل الهوية وكيفية تحقيقها داخل بيئة عراقية تموج بالصراعات والتحديات السياسية التاريخية (كنت أسمع هسيس الناس وعداءها اتجاه اليهود ،دون ان يفرق بعضهم بين اليهود كمواطنين عراقيين، وبين الصهاينة )ص220 وهو ما يعيد لطائفة مثل اليهود أسئلتهم التاريخية ؛ لماذا لا نشعر بالانتماء لوطن مثل العراق ولدنا فيه وعشنا فيه ؟ لماذا نترك أماكننا الدينية والقومية لليهود ، لتأتي الإجابة الجاهزة من قلب التاريخ اليهودي والثقافة ،لأن العراق أرض السبي الأول لليهود (بابل) على الرغم من محاولات بطل الرواية يعقوب تأجيل الإجابة وتفنيدها ومواجهتها بإعلان مدينة كربلاء أنموذجا حيّا للتعايش السلمي والانسجام الاجتماعي بين مختلف الأديان والثقافات، لكن شعور يعقوب وزوجته بالانتماء إلى المكان العراقي ورفض كل أسباب الهجرة الى فلسطين ظل شعورا فرديا بعد هجرة جميع أقاربه وأبنائه يسع ودانيال ومسعودة إلى إسرائيل جعل من موقف يعقوب وزوجته ريم مجرد لحظة وحيدة عابرة لا تشكل شيئا أمام حلم الدولة الأم وأرض الميعاد الديني إسرائيل (ضاقت كربلاء بنا بل ضاق العراق بما رحب، فقد هاجر الجميع ... ،أضحت ريم يأكلها الفراغ مثل شجرة عارية )ص235 .
في الختام الرواية تحاول إعادة الربط ما بين صورة الماضي (المشكلة القومية والدنية المتمثلة بيهود العراق، وبين صورة الحاضر المتمثلة بدخول داعش والصراع الطائفي والديني اليوم) .
وفي مجمل القول إن رواية (حمّام اليهودي) قد تمكنت من فتحت باب الأسئلة المغلقة حول هجرة طائفة طالما كان لها حضور اقتصادي وسياسي مميز وفاعل في دولة حديثة مثل العراق تزخر بالطوائف والاقليات المتعايشة سلميا منذ آلاف السنين .



#حيدر_جمعة_العابدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية العراقية ما بعد 2003 (رواية الصراع الطائفي) صورة الس ...
- الإزاحات النسقية في المجموعة القصصية (الغزل ليس حكرا على الر ...
- صورة المكان الشعري في قصائد عمار المسعودي (يزرع بهجاته) انمو ...
- مهرجان خان النخيلة مابين الممارسة الثقافية والتحديات الحزبية ...
- الحرية ضرورة أنسانية ومعرفية
- الرمز ولأسطورة وصراع الهويات المصممة في رواية (أطلس عزران ال ...
- سوسيولوجا الخراب في رواية انتهازيون ... ولكن للروائي علاء مش ...
- جدلية الحلم والواقع في المجموعة القصصية (الفراغ تفرعات في خط ...
- تمثلات الواقعية الرمزية في القصة العراقية الحديثة (شظايا انث ...
- إستراتيجية البحث عن قراءة منتجة في رواية (جريمة في الفيس بوك ...
- تمثلات الواقعية الرمزية في مسرحية (حذائي ) للكاتب علي العباد ...
- صورة المهمشين في رواية (عذراء سنجار) لوارد بدر السالم .
- الرؤية السردية في رواية (مثلث الموت) للروائي علي لفته سعيد.
- قراءة سيميائيه في أشكال الدلالة داخل النص الأدبي في قصة (رجل ...
- تحولات السرد وتداخل الأجناس الأدبية في المجموعة القصصية (عائ ...
- قراءة في الانساق الثقافية المضمرة من ثقافة التغيير إلى ثقافة ...
- تهشم المعنى قراءة في المجموعة القصصية (إذا كنت تحب ) للقاصة ...
- استلاب المعنى في رواية -الصورة الثالثةللروائي علي لفته سعيد
- أجساد تبحث عن وطن قراءة في رواية (بوصلة القيامة) الروائي هيث ...
- قراءة في الاستعارات الصورية في مسرحية (براد الموتى) للكاتب ع ...


المزيد.....




- وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث ...
- وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه ...
- تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل ...
- تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون ...
- محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا ...
- الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا ...
- روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم ...
- كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا ...
- مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م ...
- “نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر جمعة العابدي - تعدد مستويات السرد في الرواية العراقية ما بعد 2003 رواية (حمّام اليهودي) لعلاء مشذوب أنموذج.