كالديرون دي لاباركا والمسرح الباروكي

حسام موسي
كاتب وباحث وناقد ومؤلف مسرحي مصري

الحوار المتمدن-العدد: 5715 - 2017 / 12 / 1 - 00:40
المحور: الادب والفن
    

كالديرون دي لاباركا والمسرح الباروكي
حسام موسي
كان الكاتب الاسباني كالديرون دي لا باركا المولود في مدينه مدريد عام 1600 م خير ممثل للأدب الباروكي والذي كان سمه في العصر الذهبي في إسبانيا .
والعصر الذهبي الإسباني يتمثل في مرحلتين ، وكان كلا من سيربانتيس (1562 -1616) ولوب دي بيجا (1562 -1635) خير ممثلين لمرحلته الآولي في الأدب .
أما كالديرون دي لاباركا فيمثل المرحله الثانيه من العصر الذهبي الذي بلغت فيه إسيانيا قمه عظمتها الحضاريه خلال القرنين السادس والسابع عشر .
ويتميز الباروك بعدد من الخصائص الثقافية والأدبيه والدينية ، فيتميز بنزعة دينية تعتبر الإنسان كائن معرض لعدد من الإغراءات والخطايا والذنوب التي لا يستطيع أن يتجاوزها بمفرده دون معونة من الله .
وتجلي الاسلوب الباروكي في هذه المرحله في النحت والتصوير التشكيلي والمعمار والموسيقي والأدب . فالنحت كان يتميز بميل شديد للحركة نتيجة للمزج الدقيق بين الكتلة والفراغ بالاضافه الي استخدام مواد جديدة مثل الجص ، وكانت توجد التماثيل الدينيه التي كانت تعرض ف مواكب "الأسبوع المقدس " والتي كانت تمثل مشاهد من حياه السيد المسيح والآمه .
وتميزت المباني الباروكيه بالزخارف الملونه والمذهبه والتماثيل المتراكبه المتشابكه التي
تغطي كل فراغ ، فكانت المباني الباروكيه في النمسا وأسبانيا وأمريكا اللاتينية المباني
ملونه ومذهبه ومزخرفه بزخارف معقدة ، وكان فن المعمار الباروكي في فرنسا أكثر
كلاسيكية وتنظيما ، ومن أعظم المعماريين الذين تبنوا الأسلوب الباروكي الفنانان الإيطاليان
جان لورينزو برنيني وفرانشيسكو بوروميني .



وأول ظهور للباروكيه في الموسيقي كان في الموسيقي الايطاليه بصفه خاصه وتجلي في
تعدد مجاميع الكورس أى كتل الأصوات البشرية التي تتبادل الغناء أو تتجاوب أو تتداخل مع
بعضها ، ومن أهم المؤلفين الموسيقين في هذه الفتره أنطونيو فيفالدي .
أما الأدب فبعد أن كان الأدب الإسباني في القرن السادس عشر تلقائي واقعي بسيط التعبير نجد أساليبه في هذه العصر الباروكي تتجه الي التعقيد والعنايه المتزايده بالزينه والزخرف .
وقد أُهتم بالشعر إهتماماً كبيراً وذلك بالغوص في المعاني المبتكره والإستعارات البعيده والنصوص مليئه بالزخارف اللفظيه وسمي هذا الإتجاه بإسم الكولتيرانيزمو ولعل خير ممثل لهذا الإتجاه هو لويس دي جونجورا والذي خرج بالشعر من سلاسته الي تعقيد الصنعه والإسراف في الاهتمام بالمعاني والألفاظ علي السواء .
وتندرج مسرحية الحياة حلم للكاتب الاسباني كالديرون دي لا باركا المولود في مدينه مدريد عام 1600 م ضمن الأدب الباروكي الذي كان سمه في العصر الذهبي في إسبانيا .
ويُعد الموضوع الرئيسي لمسرحيه الحياه حلم هو الحريه مقابل القدر ، فعندما كان كالديرون طالباً في جامعه سلمنكه اشتد الجدل بين اليسوعيين والدومنيكان حول مسأله أفعال البشر هل هي متعلقه بالاراده الحره أم بالقدريه ؟
فعالم اللاهوت ايرازموس دعي الي اصلاح الكنيسه الكاثوليكيه ، وجوهر فكرته أنه حتي ولو الأمر يرجع للقدر لابد أن يكون هناك جزء للإراده الإنسانيه .
واليسوعيين يقولون ان هناك تآثير الاهي وهذا التآثير الالهي يوحي للشخص لفعل الخير والبعد عن الشر ويساعده علي تحمل الصعاب حيث يشير للانسان الي ما يفعله ولكن لا يلزمه به وبالتالي فأن إراده الانسان الحره هي التي تتخذ القرار، وهذه الفكره تبناها كالديرون ومتحققه في مسرحيه الحياه حلم .
وتتمحور المسرحيه حول الملك البولندي يازيليو والذي يعتقد في النبؤات وقراءه الطالع والذي انبئته أنه حين يولد إبنه سيخموندو ثم يكبر ومن ثم يحكم فإن هذا الإبن سيصبح طاغيه ، فيقرر المللك أن يعزل إبنه في سجن مهجور معزول ولا يري في سجنه إلا مربيه وسجانه كلوتالدو .
وتمر الأيام ويكبر سيخموندو وهو مازالت مقيده حريته ويضحي والده عجوزاً ، وتبدأ مسأله ولايه العهد تقلقه ، فيقرر أن يقوم بإختبار سيخموندو ، فإذا كان ملكاً عادلاً سييستمر وإما إن كان طاغيه سيعيده مآواه الأصلي .
فيلجأ الملك الي حيله أحضار الأمير سيخموندو مخدراً الي قلعته في فضاء ملئ بمظاهر الأُبهه والفخامه .
وعندما يفيق الآمير علي هذا المناخ الجديد فينبهر ويخرج وهو مشدوه قائلاً :
يا للسماء ماذا أري ؟
يا للسماء ماذا أشهد ؟
أأنا في قصور رحبه ؟
هل أنا بين وشي وحرير؟
هل أنا يُحيطني الخدم بمثل هذا التأنق والحفاوه .. الخ
نلاحظ كيف قام الحوار محل الإرشادت المسرحيه ، وذلك سمه في هذا النص في أجزاء كبيره من المسرحيه منها مشهد روساورا في الفصل الأول وقيامها بوصف القصر الذي يقطنه سيخموندو :
يبدو أن هناك مبني ، وأنه قصر صغير خشن.
يولد بين الصخور العاريه .
لا يجرؤ أن يشرئب للشمس .
وكذلك قيامها بوصف الحجره التي يقطنها سيخموندو :
أليس هدا يمشعل خافت كنيزك عجوز!
أو نجم باهت بينما يترنح إعياء !
نلاحظ اهتمام كالديرون بالصور البلاغيه من تشبيه واستعارة وكناية ومجاز المرسل
منتشره في أرجاء النص المسرحي والتي كانت سمه من سمات عصر الباروك .
وبالعوده الي سيخموندو الذي يفيق فنجده يتعامل بنوع من القسوه والعنف مع كل من حوله ، مما حدا بأبيه الي إعادته ثانيه الي محبسه .
عندما يفيق الأمير سيخموندو ويجد نفسه في محبسه لا يصدق ويعتبر كل ما مر به عباره عن حلم لا ينتهي .
فيقوم الشعب بحاله تمرد مطالبين بأميرهم الشرعي فيقتحموا محبسه ويخرجوا سيخموندو منصبين إياه كأمير لهم .
اعتقد الجميع حينئذ أن سيجيسموندو سيصبح طاغية في هذا السياق يقررسيخموندو أنه حتي لو كان ما يجري أمامه حلم إلا إنه سوف ينخرط فيه ،
فأخلف ظن الجميع و كان نبيلا كريماً ، غفر لوالده عن كل شيء ، ثم طلب من أستولفو أن يتزوج روساورا وقبل أستولفو الزواج بها .
وبذا فقد تبني كالديرون التوافقيه التي تُعلي من شأن الإنسان من ناحيه وفي نفس الوقت انتصار للرب من ناحيه أخري فعندما تحرر سيخموندو من سجنه عن طريق الثائرين وهزم سيخموندو أباه ولكن الأمير المنتصر علي هوي نفسه متذكرا تجربته السابقه عفا عن والده وبذا في نفس الوقت انتصار للقدر أو النبؤه .
واخيراً فإن مسرحيه الحياه حلم تم مهاجمتها من الكلاسيكيه الجديده وتم الاحتفاء بها من الرومانتيكيه ، حيث نجد أن كالديرون لم يلتزم بالوحدات الثلاث في المسرحيه كذلك ظهر جلياً عدم وجود مجال لوحدتي الزمان والمكان وكذلك مبدأ الفصل بين الأنواع حيث أن المسرحيه تحتوي علي الكوميديا والتراجيديا .
وقد هاجم نقاد الكلاسيكيه الجديده في إسبانيا خلال القرنين الثامن عشر مسرحيات كالديرون دي لا باركا .. ففي عام 1755 وصف الكاتب والناقد الإسباني تريجروس مسرحيه الحياه حلم بالمسرحيه البغيضه التي لا تستحق التقدير الزائد الذي منحه لها البعض .
فقد كتبت بأسلوب غايه في الحزلقه وكلا من موضوعها والمؤامره داخلها هي أكثر مما يمكن تخيله من السخف المقنع ، بالإضافه الي ذلك يدعي تريجروس أن مسرحيه كالديرون تخلو من جلال التراجيديا وسحر الكوميديا ،
ويقول تريجروس أن مفهوم القدريه الذي إتخذه كالديرون في مسرحيته الحياه حلم أقرب ما يكون الي مفهوم المسلمين .
لذا فالرومانسيه تحتفي بكالديرون ، حيث في المانيا احتفي الناقد الالماني ولهايم بمسرحيه كالديرون واعتبرها نموذج لما يجب أن تكون عليه الرومانسيه في بدايات القرن التاسع عشر .
ففي المانيا ما بين عامي 1817 – 1824 كانت مسرحيات كالديرون تقدم بأكثر ما كانت تقدم به مسرحيات وليام شكسبير وعند المقارنه بينهما كانت المقارنه تنصب في جانب كالديرون .
المراجع :
سلسله محاضرات للدكتور علاء عبد العزيز – المعهد العالي للفنون المسرحيه – القاهره .
مقدمه صلاح فضل لمسرحيه الحياه حلم .

#حسام_موسي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات