|
عن العنف المزدوج ضد المرأة .
يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 5709 - 2017 / 11 / 25 - 02:29
المحور:
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
يؤكد علم النفس أن النزعة العدوانية متوازيةٌ مع دافع التملك داخل النفس الإنسانية غريزياً . إن لم تلعب التربية دوراً في تهذيبها ، و التقليص من حدتها ، فسيمارس الفرد بأعمال عنفٍ ضد الآخرين . و على مستوى الجماعات فإن الأيديولوجيات بمختلف صنوفها تنشط هذه الدوافع العدوانية بتناولها جرعاتٍ من المشروعية ، على أن القيام بأعمال العنف ضد الغير ، و تدميرهم حقٌ طبيعيٌ مشروعٌ لتحقيق العدل . و غالباً ما تقف الرغبات المكبوتة خلف السلوك العدوانيِّ كرد فعلٍ على حرمانها من الكثير لمتطلباتها الضرورية ، وقد يساندها الإحباط أيضاً في ممارسة العنف ذاته . و ناهيك عن الصراع بين الحضارات المتباينة ، و مشاربها الثقافية المتعددة .
ففي هذا السياق يؤكد الفيلسوف توماس هوبز : أن العنف كامنٌ في الطبيعة البشرية . و يضف : أن الإنسان يهاجم أولاً من أجل المنفعة ، و ثانياً لاستتباب الأمن ، و ثالثاً بقصد السمعة . و يذكر الفيلسوف هوبز مفسراً : أن الناس يمارسون العنف في الحالة الأولى ليصبحوا أسياداً على الآخرين ، و على زوجاتهم و أبنائهم و ممتلكاتهم . و في الحالة الثانية لصيانة هذه المكتسبات . و في الحالة الثالثة لأجل الترهات و البخترة . كما يحذر هوبز من حالات الهدوء التي غالباً يعتبرها استعداداً لمرحلة عنفٍ قادمةٍ .
لكن العنف الذي نتوخاه هو الذي يمارس ضد المرأة بصفعاته الموجعة على وجهها ، باستقواء الرجل عليها تعطيلاً للعقل ، و قتل لغة الحوار بالقوة و العنف كوسيلةٍ لفرض الهيمنة و الاستعلاء عليها .
قوانينٌ قديمةٌ و لا زالت تحط من شأن المرأة ، و تهبط من قدرها ، و تمنعها من التفكير الحر ، و تعادي حقها في المعرفة و إتيانها بالحكمة . قوانينٌ إلهيةٌ دينيةٌ فلسفيةٌ سياسيةٌ اجتماعيةٌ صاغها الذكور في مختلف العصور تقزم دورها في المجتمع ، و تشل إرادتها ، و تعيق تطوير قدراتها ، و مداركها الفكرية .
و علاوةً على ذلك يمارس الرجل بحقها كل صنوف العنف المدمر . الاعتداء عليها بالضرب المبرح ، و بقوةٍ مفرطةٍ جسدياً . و توجيه الألفاظ المهينة إليها انحطاطاً من قدرها بعبارات التهكم و السخرية لقهرها نفسياً . فالتحرش بها و اغتصابها جنسياً ، و فرض العلاقة معها بالإكراه ، وتقييدها بمسائل الشرف و العفة ، و بيع الصغيرات للشيوخ باسم الزواج . و ناهيك عن منعها من مزاولة العمل لحرمانها من المال و الاقتصاد اللذان بهما ضمانٌ لاستقلاليتها و مساواتها بالرجل ، كما حرمانها من التعليم لحصر عملها في المطبخ ، و جعلها حبيسة المنزل ، و تبعيتها المطلقة للرجل .
قيودٌ و تقاليدٌ موروثةٌ ، و قهرٌ و قمعٌ ، و نظرةٌ دونيةٌ نتاج منظومةٍ ذكوريةٍ عنصريةٍ تمارس ضدها ( إخفاء رأسها بالكامل ، أو وجهها باستثناء العينين بالحجاب أو النقاب ... ) حتى باتت المرأة كلها عورةً .
غير أن المرأة أخطأت بحق نفسها أكثر من خطأ الرجل إزاءها ، حينما تشبثت بهذه القوانين ، و روت فكرها بتلك المنظومة المروعة الملغمة ضدها . فهي تستسلم للاضطهاد ، و ترى في نكوصها و استضعافها خيراً و فضيلةً . لا تناصر المرأة من بنات جنسها ، بل تناصر الرجل أكثر . لا تصوت للمرأة المرشحة بل للرجل . تستخدم نفوذها و قوتها ضد الأخرى ، و تنافسها في كل كبيرةٍ و صغيرةٍ بالمكائد و الخديعة . لا تعارض زوجها بتزويج ابنتها القاصرة ، و لا تقف في وجهه عندما يتزوج عليها بامرأةٍ أخرى ، فثانيةٍ و ثالثةٍ . تفتخر بضعفها الذي تعتبره ربما نعومةً تليق بها كأنثى . لأن في القوة قسوةٌ ، و القسوة هي خشونةٌ ، و الخشونة صفةٌ متلازمةٌ للذكر لا للأنثى . و الأنكى أنها ترسخ فكرة الخضوع للرجل في عقلها ، و تنصح بها بناتها منذ الصغر ، و تلقن الصغيرات دروساً في الخنوع و الدونية للذكور ، أكانوا من الأهل ، أم من الأزواج ؟ .
طاعة المرأة للرجل تعتبرها فضيلةٌ و استقامةٌ أخلاقيةٌ ، و طريقٌ للوصول إلى الجنة ، و ثوابٌ و عفةٌ ... حتى بعض الجمعيات النسوية لحقوق المرأة متهمةٌ بدعوتها للمرأة الخضوع للرجل حسب رأي الكثير من المطلعين على هذه المؤسسات و الجمعيات النسوية .
فاللوم يجتاح المرأة ، و العتاب يثقل كاهلها قبل أن يخنق الرجل . و هنا نتذكر قول الشاعرة العراقية منى كريم حسب المثل القائل : ( و شهد شاهدٌ من أهله ) . تعاتب الشاعرة المرأة بشدةٍ حينما لامتها قائلةً : { أقف ضد المرأة التي تبكي من تعدد الزوجات ، لا من تعدد الخادمات ، كما أقف ضد المرأة التي تذهب للعمل خارج المنزل تتبختر بحريتها على حساب الآسيويات في بيتها } . أي أنها تغضب من العنف الذي تمارسه المرأة ضد المرأة أكثر من عنف الرجل إزاءها .
على النساء أن يتحدن معاً و بقلبٍ واحدٍ لمناهضة كل القوانين المجحفة بحقوقهن ، و المطالبة بإندثار المنظومة الذكورية التي تنسف وجودهن ، للتحرر من مجمل القيود الموروثة ، و رفع وصاية الملتحين عن القوانين . و إلا فإن التقاعس و النكوص بانتظار الرجل ليهب حقوقهن تلقائياً أمرٌ لا يمكن حدوثه ، و لا أمل من أن يتنازل عن عنجهيته و جبروته لصالح المرأة .
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حروبٌ ترسم ملامح عهدٍ جديدٍ .
-
إمبراطورية الغرائز ، و وأد الطفولة .
-
الجلسات الحميمية تزيد الود ، و تعزز الوصال .
-
الهجوم على سياسة السيد البرزاني حجةٌ واهيةٌ و نفاقٌ
-
لوحةٌ سياسيةٌ ، ضبابيتها ستنقشع قريباً .
-
العبادي و مطرقة الحشد الشيعي .
-
ليلةٌ تنزف الرعب .
-
لا ضمير للسياسة .
-
المهم أننا سنصل .
-
كفاكم هرطقةً و سذاجةً .
-
سحقاً لك يا شرقُ .
-
هل الانتحار جبنٌ ، أم شجاعةٌ ؟
-
المعلم برسالته يخترق جدران كل الأزمنة .
-
النفوس اللئيمة تفتقد الوفاء .
-
يضعون الكرد دائماً في قفص الاتهام .
-
يومٌ ميمونٌ ليس كغيره من الأيام .
-
حينما بأمانيك يعبث الزمن ، بخلط أوراقك .
-
نكتةٌ حمقاءٌ سمجةٌ لمجلس الأمن الدوليِّ .
-
بعض الأحلام من خلف قضبان التمني تتحرر .
-
الذوبان في عالم الكتب ، خيرٌ من مجالس السوء .
المزيد.....
-
الداخلية: الأدلة أثبتت براءة الضابط المتهم باغتصاب فتاة قاصر
...
-
-لا تحرروني، سأتولى الأمر بنفسي-، عرض غنائي مسرحي يروي معانا
...
-
بمناسبة شهر رمضان 2025.. حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في
...
-
دراسة تزعم.. الانفصال العاطفي يضر بالرجال أكثر من النساء
-
بيان مشترك: مخاوف من غياب “عدالة الإبلاغ” في جرائم العنف ضد
...
-
الداخلية: الأدلة أثبتت براءة الضابط المتهم باغتصاب فتاة قاصر
...
-
على أنقاض البيئة.. إسرائيل توسع مستوطناتها على حساب الغطاء ا
...
-
الذكاء الاصطناعي يحدد النساء المعرضات لسرطان الثدي قبل سنوات
...
-
-المحكمة الأوروبية تدعم حرية المرأة الجنسية: نداء لتجريم الإ
...
-
تونس.. امرأة تضرم النار في جسدها بالقيروان والإسعاف يتدخل
المزيد.....
-
جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي
/ الصديق كبوري
-
إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل
/ إيمان كاسي موسى
-
العبودية الجديدة للنساء الايزيديات
/ خالد الخالدي
-
العبودية الجديدة للنساء الايزيديات
/ خالد الخالدي
-
الناجيات باجنحة منكسرة
/ خالد تعلو القائدي
-
بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê
/ ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
-
كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي
/ محمد الحنفي
-
ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر
/ فتحى سيد فرج
-
المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟
/ مريم نجمه
-
مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد
...
/ محمد الإحسايني
المزيد.....
|