غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1471 - 2006 / 2 / 24 - 11:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا عالمنا...
يقول باحثنا الكبير مطاع الصفدي في مقالته المنشورة اليوم 6/2/2006 في صحيفة القدس العربي بعنوان ( أمريكا تعاقب فلسطين لارتكابها جريمة الديمقراطية )..يقول:
[فالديمقراطية، المسموح بها أمريكياً في هذه القارة، هي العملية التشريعية ظاهرياً، التي تأتي إلي الحكم فقط بحلفاء، بل بأعوان واشنطن وأجهزتها الإستخبارية تحديداً، ومعهم تلك الفئات المبعثرة من أشباه المثقفين الرافعين لأعلام الليبرالية، والمرددين كالببغاوات لألفاظ الحرية والعدالة، في الوقت الذي تُنتزع من مجتمعاتهم البائسة أبسط ما كانت اكتسبته، بنضالاتها وتضحياتها، من شروط استقلالها السياسي والإقتصادي، الأولية، تحت وطأة الانفتاح، بل الاستسلام للعولمة المتوحشة.]
منذ فترة وأنا متردد في التعليق على كتابات باحثنا الذي ربانا من بعيد من خلال نصوصه الخصبة في قراءة الفكر الغربي والتواصل مع هذا الفكر من خلال كتاباته ونصوصه التي يتحفنا بها. لهذا أن لا أحاور وإنما أعلق على الكتابات السياسية والتي أتابعها في جريدة القدس دوما، لأنني وقياسا لأستاذنا الكبير فعلا أنا من أشباه المثقفين الذي يتحدث عنه في هذه المقالة. وتعليقي يأتي من لدن معرفة الحدود، ومن عرف قدر نفسه ما ظلم. ومع ذلك يحق لنا نحن أشباه المثقفين الذين لم تتسن لهم الفرصة كي يتواصلوا مع العالم إلا عبر: سنوات طويلة من السجون في سوريا. وبالتالي لم نستطع أن نستفد من منتجات الثقافة المعاصرة خلال وجودنا في السجون: يحق لنا أن يكون لنا رأيا ويحق لنا ان نرى وطنا عامرا بالفكر الحر والليبرالي إلى جانب كل الفكر الإنساني من مختلف المشارب والتيارات. والديمقراطية التي نحلم بما تنتجه من دولة قانون ومؤسسات ومواطن حر كريم. حتى نتخلص من هذه ـ الببغائية ونحن نلفظ مفردات الحرية والعدالة!!ـ ولن ترهبنا أبدا ما يقوله باحثنا الكبير عن أمثالنا في لغة هي أقرب للمعيارية الهووية ـ كما يقول أستاذنا وليس مجرد رأي ـ لأن فيها حكم قيمة قطعي توصيفي / ببغاءات / وليس رأيا، وبالتالي يمكن لنا أن نتحدث عن هذا الحكم المعياري كونه إرهابا لا يقبل الجدل. ومع ذلك نسأل باحثنا الذي ينضم منذ زمن بعيد لكل التيارات العربية التي أتت للسلطة وجربها الشعب العربي ووصلت به إلى ما وصلنا إليه: حيث يستنجد الشعب العراقي بالأمريكان كي يخلصوه من صدام حسين: فهل كان صدام حسين مكسبا للشعوب العربية البائسة؟
وإن لم يكن صدام فهل هو القذافي؟ أليس التحفة في الاستقلال السياسي الاقتصادي التي يتحفنا بها كونها مكسبا لشعوبنا هي التي أفقدت هذه الشعوب حتى مجرد: أن تشعر أنها تتطلع لمستقبل آمن؟ هل تعتقد ياسيدي أن المواطن العربي العادي وليس المثقف أو شبه المثقف لا يعرف معنى الحرية والعدالة بغريزته وليس ( بنقده للعقل الغربي )!؟
أعتقد أنه يعرف ولكن ما لايعرفه وغير مصدق له بعد هو التالي: أن تكمن مصلحة عدوك التاريخي وهم الأمريكان في قيام نظم ديمقراطية في المنطقة العربية وهذا لمعياريتكم الكريمة لن تصدقوه أبدا لأنها معيارية الفكر القومي النزاع / لاقتباس ضمني من لدن التجربة الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية. والبيان لا يغني عن المعرفة والتواصل ياسيدي.
والإيضاح من لدن ( البيان ) هو رسما تأويليا للحدود المعرفية بين البشر أقصد للحدود / القومجية بين البشر والدينية والنزعات الأمبراطورية الظاهر والسائد منها ـ أمريكيا ـ والمختبئ خلف غمامة التبشير كي يسود في لحظة ما بلغة البيان ـ التيار القومي العروبي الذي أنتجت تجاربه خصاء معرفيا وعلميا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا لكل مجتمعاتنا العربية التي استولى فيها هذا الفكر على السلطة!! وليس مفيدا القول كما يقول أتباع المرحوم خالد بكداش ـ أن الخلل في التطبيق السوفييتي وليس في النظرية الشيوعية!! ـ
كما أنني أود التنويه بهذه المناسبة على قضية هي غاية في الأهمية: إن قدرنا بات أن نستعيد حقوقنا كاملة عن طرق الوسائل النضالية السلمية حصرا وهذه قدرية التاريخ وتطوراته وسننه المعاصرة، وليس على طريقة الزرقاويين وغيرهم!! لماذا إذن لاتقف مع إيران ياسيدي فهي نزاعة للسيطرة على كامل المنطقة وضد التواجد والوجود الأمريكي ونادى رئيسها بتدمير إسرائيل او إعادتها إلى أوروبا؟!! بين نقد الفكر الغربي والنظرية التآمرية في تفسير التاريخ مسافة / الفصام التعبوي العروبي والذي لم يعد قادرا على التعامل مع نفسه بشكل طبيعي ووفق موازين القوى العالمية ووفق المقدرات الراهنة وليس وفق استحضار التاريخ: كما يحدث الآن مع التيارات التي وجدت في قضية الرسوم ضالتها لكي تستنفر كافة النوازع التدميرية لدى المواطن المسلم المغلوب على أمره.
ياسيدي ليس أكثر من 70% من الشعب العراقي واللبناني هم عملاء أو ببغاوات؟ ويبقى الطرف الزرقاوي هو الوحيد المدافع عن ثغر الأمة من جهة فارس!! أو من جهة ( الأمركة منذ ذاك المقال الذي كتبته في 1981 عن الأمركة في مجلة الفكر العربي المعاصر ) والذي تعلمت منه الكثير حين قرأته.
أسمح لي أن أقول لايمكن أن يكون هنالك وهم عند أصحاب القرار الأمريكي بأنهم قادرون على التحكم بالصيرورة الديمقراطية التي: هم السبب الرئيسي في فتحهاعلى مصراعيها في المنطقة وخصوصا بعد تجربتهم القاسية في العراق ـ واتجاه حلفائهم من المعارضة العراقية السابقة نحوإيران لارتباطات مصلحية أعمق: دينية وخلافه.. ومع ذلك لم يقم الأمريكان بذبح السيستاني والحكيم والجلبي.الخ لأنهم أفشلوا شيئا من المخطط الأمريكي لقيام نموذج عراقي واتجهوا نحو إيران!!
كما ذبح صدام المعارضة العراقية العلمانية والتقدمية ـ أم هم بقايا ( شعوبية ) يعاد تسميتها في ( استراتيجة تسمية ) محدثة قومجيا على الطريقة السنية!!؟
ياسيدي دع الديمقراطية الشكلية ـ كما تراها ـ تأتي وبعدها لكل حادث حديث. ورعونة الإدارة الأمريكية في تفكيك الدولة العراقية الهشة ومؤسساتها جعل التجربة العراقية مرتعا خصبا لأعداء الديمقراطية في المنطقة، كي يحللوا ويحرموا ويوصفوا الآخرين ـ المختلفين في الرأي ـ بالببغاوات.
العولمة متوحشة.. ولكن:
ليست العولمة هي المتوحشة ياسيدي بل النظام الرأسمالي هو الذي يحمل دوما في طياته هذه البؤرة المتوحشة.
ولكن هذه الوحشية لاتقاس بوحشية التجارب السلطوية للتيار القومي العروبي ذو الهوية المعيارية في التعاطي مع الآخر. ولا أتحدث عن التيار القومي العربي الذي بدأ أصلا كتوأما لليبرالية والفكر الليبرالي قبل أن يحتجزه عسكر الفساد العربي ويحوله إلى أداة طيعة بيد أعتى الديكتاتوريات التي عرفها التاريخ الحديث. هذه الوحشية ملازمة لهذا القدر الرأسمالي والذي لم نعد نحن خارجه بل نحن في صلبه ولم تستطع السلطات الصدامية والقذافية والأسدية والآن النجادية أن تنقذنا منه؟ بل بالعكس إنها وضعتنا نتيجة فسادها ونهبها وقمعها من شعوب تمتلك أكبر الموارد الاقتصادية إلى شعوب تبحث عن مصدر رزقها في أوروبا ودول الخليج ـ إنظر حال العراقيين قبل مجيء الأمريكان أو حتى قبل أن يحتل صدام الكويت!! وبنفس الوقت كان مع عدي صدام حسين مصروف ـ جيب وجاري ـ 600 مليون دولار!! لا يمكن التخفيف من هذه الظواهر المتوحشة عبر مقاطعة العالم، وأظن أن أي مراقب يعرف جيدا أن هذه الأنظمة التي ابتلينا بها غالبية الساسة الإسرائيليين ضد تغييرها.
وبالتالي لايمكن مواجهة هذه العولمة بالطريقة التي تقدمها النماذج من سلطاتنا العربية، بل نماذج: تشتق سياسيات ضمانية وشفافة في الحد من مخاطر اللبرلة الاقتصادية على مجتمعاتنا وشعوبنا. فهل من حل آخر؟
هذه العولمة هي التي فتحت الصيرورة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وليس قرارا ديكتاتوريا من الرئيس جورج بوش على طريقة صدام!! لهذا نحن نحتاج العولمة كما تحتاجنا، ودعونا نذهب لملاقاة العولمة فينا!! وهنالك نرى بأن شعوبنا لن تكون أقل حضارية من بقية شعوب الأرض، وأقل تنمية. وأكثر قدرة على التعاطي مع الديمقراطية.
وفي نهاية مقالي أشكر الأستاذ الباحث مطاع الصفدي لأنني منذ أن وعيت على الدنيا ـ في السياسة العربية ـ وأنا أستفيد من درسه المعرفي المناقض لدرسه السياسي!! وهذه إحدى مفارقات العقل العربي..
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟