|
عن أوضاع النساء السوريات في ظل الحرب اكتب
معتز حيسو
الحوار المتمدن-العدد: 5705 - 2017 / 11 / 21 - 11:01
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لغاية عام 2011، كانت أوضاع المرأة السورية أفضل من قريناتها في غير دولة عربية. علماً أن دعم الحكومة السورية الإشكالي للمرأة، وتمكينها من بعض المناصب السياسية والعامة وفتح أبواب العمل أمامها، لم يغيّر من واقع التمييز والنظرة الدونية لها. ويساهم في ذلك قانون الأحوال الشخصية الذي يقلّص بدوره من الحريات الأساسية العامة والفردية للمرأة، ومن حقها بالتكامل مع الرجل. ما يجعلها تابعة للرجل ومرتهنة لإرادته وأيضاً لمنظومة الأفكار الذكورية. وكما بات واضحاً فإن الحرب فاقمت من تدهور أوضاع المرأة، ومن تعرّضها لكافة أشكال الانتهاكات. أمام هذا الواقع الجديد، وجدت المرأة السورية نفسها في مواجهة مباشرة مع تداعيات الحرب ومفرزاتها. فأصبحت في أغلب الأحيان، المُعيل الأساسي للأسرة. وذلك في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة والتعقيد. ما أسهم في تعرّضها لدورة متجددة من العنف المادي المباشر والرمزي. وكان لتراجع فرص العمل، مقابل ازدياد الضغوط المعيشية، ومشاركة أعداد كبيرة من الشباب في الصراع إضافة لتفشي ظواهر الاعتقال والخطف والقتل والتصفية، دوراً واضحاً في إجبار المرأة على العمل في ظروف تحط من قيمتها الآدمية، والاشتغال في أعمال لا تليق بمكانتها، ولا تتناسب مع أوضاعها الفيزيولوجية والاجتماعية والثقافية. هذا إضافة لانتشار زواج الأطفال«القاصرات» وإرغام أعداد من النساء على بيع أجسادهم. وإذا كانت أوضاع الحرب وتدهور الأحوال المعيشية في مناطق سيطرة النظام أحد الأسباب الأساسية وراء المظاهر المذكور. فإن ذات الأسباب، وأسباب أخرى مختلفة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، جعلت من المرأة سلعة رائجة، وهدفاً لضعاف النفوس وتجار الأزمات والحروب. علماً إن السوريات عموماً واجهن كافة التحديات، وأشكال المعاناة والضغوط المعيشية والنفسية والعصبية والاجتماعية والسياسية، ما جعل منهن أيقونة المجتمع السوري ورمز صموده. لقد أدى استخدام العنف المفرط، والترويج له من قبل أطراف متعددة ومتباينة. إلى تحوّله لقيمة معيارية، ما أسهم في اتساع هامش سيطرته على طبيعة العلاقات الجندرية. فالدعوات إلى الحرية والديمقراطية التي من المفترض أن ترفع من شأن المرأة، تحولت بوتيرة متسارعة إلى دعوات للعنف والتطرف، فكانت المرأة أولى ضحايا العنف المتعدد الأشكال والمستويات، إضافة إلى إخضاعها لأشكال مختلفة من العبودية الجنسية. أما أسباب اعتماد العنف الجنسي ضد النساء يعود لارتباط شرف العائلة بنسائها، فتحولت نتيجة ذلك إلى أحد أخطر أدوات الإذلال والضغط بين الأطراف المتقاتلة. وكان لذلك انعكاسات واضحة على العلاقات الجندرية المسيطرة، وعلى موقع المرأة في سلّم التنمية الإنسانية، وكذلك دورها ومكانتها الاجتماعية. ومن نافل القول أن الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة من قبل الفصائل المتصارعة، وبشكل الخاص الجهادية الإسلامية. ترتبط بجانب منها بالموروث الإسلامي. ما يجعل معاناتها أشبه بنكوص تاريخي. ويتزامن ذلك مع مفارقة تجمع بين استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا للقتل والترويع، وممارسات قروسطية بحق النساء السوريات. إن ضعف دور المرأة، وتردي أوضاعها خلال سنوات الصراع بشكل خاص، له علاقة بغياب المؤسسات النسوية المدنية الحكومية منها وغير الحكومية، وأيضاً ببنية العقل وآليات التفكير السائدة، وبطريقة إدارة الصراع، إضافة لطبيعة التحالفات بين أطراف الصراع الليبرالية مع قوى جهادية أصولية اعتمدت القوة العسكرية كخيار وحيد لإسقاط النظام. وتزامن ذلك مع تهميش الأطراف الدولية للقوى الديموقرطية السورية السلمية، وتجاهل مواقفها المتعلقة بالعنف والعلاقة مع القوى الجهادية. وفي الوقت الذي كان فيه كثيراً من المدافعين عن الديمقراطية يتطلعون إلى موجة جديدة من الديمقراطيات. أتت دعوات التسلّح لتغيّر مسارات الصراع السياسي، وتحوّله إلى حرب أقرب ما تكون إلى حرب معولمة. وتوصيف الحرب في سوريا بالعولمية لا يتوقف فقط على عدد الدول والأطراف المشاركة والفترة الزمنية، أو ما نجم عنها من كوارث إنسانية وبيئية واجتماعية. لكن له علاقة بما سينتج عنها من تغيرات في بنية النظام العالمي وأيضاً طبيعة التحالفات والتوازنات الدولية، ويندرج في السياق ذاته ما يجري من تغيرات على المنظومات الفكرية السائدة. ونشير أيضاً إلى أن الحرب السورية كشفت عن إشكاليات واضحة تتعلق بدور الأمم المتحدة في عمليات التفاوض والتسوية السياسية وبناء السلام، قابل ذلك تفاقم سيطرة غير دولة على إدارة الحرب وظيفياً، وبشكل خاص موسكو وواشنطن. وكما بات معلوماً فإن الحرب في سورية ليست كغيرها من الحروب، فهي من أكثرها تعقيداً. فحرب الوكالة أفرزت العديد من المنظمات الإرهابية التي باتت تهدد أمن العالم واستقراره. إن تراجع دور المرأة السورية في التغيير. وتحوّلها إلى مشردة ولاجئة ومُعيلة، وسبيّة ومقموعة ومقهورة. يدلل على أن تجاوز أوضاعها الناجمة عن الأنظمة الاحتكارية. يحتاج إلى تغيير ثقافي وسياسي ديمقراطي تراكمي. أما محاولات إسقاط الأنظمة الشمولية المستبدّة بقوة السلاح والحصار، إضافة لاعتماد الحركات الأصولية المسلّحة كأداة للتغيير. فإنه يشكَّل مدخلاً لنكوص أوضاع النساء إلى أحط مراحلنا التاريخية.
#معتز_حيسو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن أوضاع النساء السوريات
-
سوريا الآن: سباقات من نوع مختلف
-
استعصاء المشروع الديمقراطي في سوريا
-
في أوضاع الصحافة العربية الرائجة
-
ماذا عن مركزية الدولة السورية
-
متلازمة العمى العصبوي
-
تآكل خيار علمانية الدولة السورية
-
في لغة الحوار السائدة بين الرأسماليات
-
عن التهالك «الداعشي»
-
العولمة بكونها سبباً للنكوص إلى عصر القوميات؟
-
هل تجاوزنا نحن السوريين عتبة الخوف؟!
-
البلدان العربية وإشكالية المشروع التنموي
-
محددات انتقاد الدولة الوطنية؟.
-
المصالحات في سوريا: حدود وآفاق
-
حاجتنا إلى استنهاض تيار وطني ديموقراطي سوري
-
إشكالية اندماج الدولة بالسلطة
-
التسلط بكونه مدخلاً للتطرف والعنف
-
حاجة السوريين إلى آليات تفكير مختلفة
-
بخصوص أوضاع منصَّات الحوار السورية وآفاقها
-
بخصوص العولمة والعولمة البديلة
المزيد.....
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|