|
الإستقلالية الجمالية
أشرف العسري
الحوار المتمدن-العدد: 5703 - 2017 / 11 / 19 - 02:41
المحور:
الادب والفن
الإستقلالية الجمالية إن بزوغ الجمالية كنهج دراسي مستقل لم يأت محض الصدفة وإنما لتحولات عديدة والجدة التي بات المعاصرون يتميزون بها ليس على فن الماضي فحسب وإنما على الفنانين والأعمال الفنية في عصرهم أيضا. لكن علينا أن نحدد أولا ماذا نقصد بالاستقلال الذاتي للجمالية ولماذا لم يظهر علم الجمال إلا في القرن الثامن عشر؟وما هو المستجد الذي عرفه هذا القرن؟وكيف نفسر هذا الظهور المتأخر لهذا العلم كعلم مستقل ومكرس للإبداع الفني تحديدا؟ قبل الغوص في الحديث عن الاستقلالية الجمالية لا بد أن نقدم ولو بشكل مقتضب لمحة عن معنى الجمالية. باعتبارها سؤال إشكالي منذ تكون مفهوم الجمال وإشكالي رغم التنوع و التعدد في معالجته فكريا ونقديا. منذ 1750 وقت تأسيس علم الجمال لدى بومغارتن, قد كتبت جبال من الكتب من قبل علماء و مفكرين كبار و ما زال السؤال ما هو الجمال؟ مفتوحا بشكل مطلق, و مع كل عمل جديد حول علم الجمال نشاهد رأيا جديدا لهذا الموضوع .تولستوي, ما هو الفن؟ ص: 24. ويقول أيضا في نفس الصفحة قد ظل معنى الجمال لغزا بعد مائة وخمسين سنة من مناقشات آلاف الناس حول فحوى هذه الكلمة . بالإضافة إلى ذلك نجد أحد كبار المفكرين في علم الجمال الفرنسي، وهو شارل لالو في كتابه مبادئ علم الجمال , يقول إن الطبيعة ليس لها قيمة جمالية إلا عندما ننظر إليها من خلال فن من الفنون, أو عندما تكون قد ترجمت إلى لغة أو إلى أعمال أبدعتها عقلية أو شكلها فن أو تقنية .أميرة حلمي مطر، مدخل إلى علم الجمال و فلسفة الفن. ص: 13. يتضح أن سؤال ما الجمالية؟ يضمر صعوبة حسم معنى مفهوم الجمال، وعُسرَ الإحاطة المعرفية الشاملة بهذا المفهوم لتحديد المقصود بالجمالية لكن خارج منطق الاستشكال السلبي سنتحدث عن قلق معرفي يولده التفكير في ماهية الجمالية وفي كينونتها أثناء التأمل في ديناميتها بناء على معطيات تاريخ الجمالية. القيام بالجمالية يعني القيام بالتفلسف, أي بعبارة أخرى ممارسة الحق في النقد بل وجوب النقد .مارك جيمينيز، ما الجمالية، ص: 13. يستهدف هذا القول مقولة الفكر الجمالي حيث التفكير في الجمالية مؤطر بممارسة إبستمولوجية ومؤسس على ضوابط دقيقة تفضي إلى الحكم و التقويم (النقد). لا يجب أن نخلط بين استقلال الجمالية الذاني و استقلال الفن الذاتي ، لأن بينهما تعالقات ومفارقات ذلك ان (الفنART - ) الوارث من القرن 11 من أصله اللاتيني ( ARS ) والدال على: نشاط ومهارة ولم يتم انبثاقه في الغرب حتى القرن 15 للدلالة على مجموعة من الأنشطة المتعلقة بالتقنية و المهنة والخبرات أي بمهام يدوية في صورة أساسية. أما عن الجمال فلن يتم النظر إليه إلا عندما ثم الاعتراف بالفن كنشاط ثقافي غير قابل لللاختصار في أي مهمة ذات طابع تقنوي. بالإضافة إلى الفكرة القائلة بأن الفن عمل إنساني وليس ماهية إلهية سيتم الحسم معها بعد جدالات لاهوتية وفلسفية هذا ما جعل مجموعة من الأفكار القبلية عرضة للتدمير فلا ينظر إلى علاقة العقل بالحساسية بوصفها علاقة نزاع كما كان علينا أن ننتظر حتى القرن 17 لكي يتحرر الجميل من قيم الخير والحق ونهاية القرن 18 لكي لا ينظر إلى محاكاة الطبيعة بوصفها غاية الفنان الوحيدة. مارك جيمينيز، ما الجمالية، ص: 44. لقد أضحى الاعتراف الاجتماعي بالفنان يتخلى شيئا فشيئا عن نصابه الحرفي. هكذا ثم الانتقال من الفنان الحرفي التابع لنظام الرعاية الفنية والخاضع لمشيئة الأمير إلى الفنان ذي النزعة الإنسانية المسلح بمعرفة وليس بخبرات عملية وحسب هذا ما خول له التفاوض حول قيمة أعماله في السوق ويوفر لها الترويج اللازم عند الجمهور. وما بلغت الجمالية استقلالها إلا في خضم تطور بطيء شمل الميدان الثقافي والمادي للمجتمع الغربي والذي هدف إلى تحرير الإنسان من الوصايات القديمة اللاهوتية والماورائية والأخلاقية بالإضافة إلى الوصايا الاجتماعية والسياسية. مارك جيمينيز, ما الجمالية, ص: 45. إن هذا كله يجرنا إلى الحديث عن فكرة الإبداع المستقل بحيث يمكننا أن نستحضر التعريف الذي قدمه الأب الدومينيكاني الفيلسوف واللاهوتي ألبيير الكبير (1193-1280): أن تبدع فهذا يعني أن تنتج شيئا ابتداء من لا شيء .مارك جيمينيز، ما الجمالية، ص: 46. فهذه القولة تنم على ان الإبداع يحل محل التفكير. فبما ان الخلق هو من امتيازات الله من منظور لاهوتي فالإنسان حين يقوم بإنتاج عمل فني فإنه يكشف القدرة اللامتناهية للخالق الكلي القدرة. ولم تغدو فكرة الإبداع فكرة مفكر فيها ومقبولة إلا في عصر النهضة وهذا ما يبين التناقض مع الفكر اللاهوتي حيث سيتم القبول بصنيع إنساني خالق للأعمال و القيم. مارك جيمينيز, ما الجمالية، ص: 47. إن الحديث عن علمية علم الجمال تعتبر مجاز ذلك أنها تطرح عدة تساؤلات على اعتبار أن الجماليات مفهوم شائك ولا يمكن إعطائه اسم واحد أو حصره في الجماليات بقدر ما يمكن أن نسميه أيضا علم الجمال أو الإستطيقا. والحديث عن الفكر الجمالي يجعلنا نتجاوز العصر اليوناني إذ نحن نتحدث هنا عن البدايات و ليس الأصول بلغة ادوارد سعيد . إيريكا فيشر ليشته، من مسرح المثاقفة إلى تناسج ثقافات الفرجة، ص: 54. بحيث لا يمكننا القول أنه انطلق-علم الجمال- في فترة معينة. هذا ما يوضح لنا صعوبة تحديد بداية شيء ما فحتى الجنين في بطن أمه فمن الصعب الحديث عن نقطة الصفر. يمكننا أن نطلق إسم الإستطيقا ، انطلاقا من العصر الحديث إلى الآن و علم الجمال من العصر الحديث إلى العصور القديمة. فاليونان كانوا يعبرون عن الجمال بعبارة (CALOGATIA) وتعني باليونانية الجميل والحسن. وهذا فيه نوع من التناقض باعتبار أن الجميل يحيل على مبحث الجمال والحسن يصب في مبحث الأخلاق. و بالتالي فالفكر اليوناني لم يسمح باستقلالية الجماليات لأن الفنان لم يكن حرا في الفكر اليوناني، و يمكنني تفسير ذلك بأن المرحلة اليونانية تميزت باختلاط الميتافيزيقا و الميثولوجيا وهذا ما لم يسمح بظهور علم الجمال كعلم والاستقلالية هي ظهور العلم بقواعده فالحديث عن الجمالية يعيدنا إلى المرحلة الما قبل سقراطية وخصوصا مع السفسطائية والرواقية والابيقورية. لا يمكننا إذن الحديث عن تكوين استقلال ذاتي للجمالية دون الحديث عن تأثير النزعة الديكارتية فكما جرت العادة أن القرن 17 هو عصر العقل المنتصر والقرن 18 قرن الأنوار والفلاسفة فديكارت لم يكن له مبحث في الجمالية رغم كتابته لكتاب بعنوان مختصر في الموسيقى سنة 1618 العائد إلى مرحلة الشباب ويمكن أن نطلق عليها جمالية ثقافية إن شئنا التحديد وهذا ما يعترف به ديكارت ما دام أن حكم الذوق بلغة كانط يختلف من شخص لشخص آخر فلا يمكننا أن نقول أن للجميل قياسا محددا وانطلاقا من هذا التحليل نجد ديكارت يعترف للأب ميرسين حيث يقول: أما بخصوص سؤالك عما إذا كان في الإمكان التعرف على نظام عقل الجميل...لا الجميل ولا المستساغ يعنيان شيئا غير علاقة حكمنا على الشيء وبما أن أحكام البشر مختلفة، فإنه لا يسعنا القول بأن للجميل وللمستساغ قياسا محددا .مارك جيمينيز، ما الجمالية، ص: 67. إن كل ما ذكرناه يوضح أن ديكارت يتقيد بنسبية حكم الذوق الذي يبقى فرديا و متعلقا بفانطاسيا- Fantasie كل فرد وبالتالي لا يمكن قياس الجميل ولا نقوى على إخضاعها لحساب علمي ولا لتقدير كمي ذلك أن العلم يتوخى الكلي والكوني في حين ينتسب الجميل إلى نظام الشعور الفردي. وتماشيا مع الرأي الديكارتي القائل إن القياس والحكم على الجمال يختلف من شخص لأخر، نجد إدموند بورك في عام 1757 يقول: لن يكون في إمكان الفن أبدا أن يقدم القواعد التي تجعل منه فنا . مارك جيمينيز، ما الجمالية، ص: 123. هذا الكلام يؤكد على وجوب البحث عن القواعد خارج المدار الفني. فمثلا نجد ديدرو فهم معنى لفظ النقد بالعودة إلى معناه المعروف في أثينا ذلك أن كل شخص يتمتع بحد أدنى للمعرفة أي الثقافة العامة. وكما نقول اليوم مؤهل لإصدار حكم نقدي على الأشياء كلها و التمييز بين الصالح و الطالح وبين الخير و الشر، ولا يمكن أن نعتبر أن النقد خاص بالخبراء والعارفين وحدهم بل هو شأن الجميع الذين يتوقون إلى المعرفة و الحكمة. فقد أصدر ديدرو في عام 1759 الصالون الأول ثم يتبعه بثمانية أخرى حتى عام 1781 ليثبت التاريخ من بعد أن ديدرو يعتبر مؤسس جنس أدبي جديد وهو النقد الفني بشكله الحديث. مارك جيمينيز، ما الجمالية، ص: 125. إن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هنا هو : ألا تكون الجمالية وقد أبصرت النور قد عرفت الموت قبل ذلك؟ إذا كان صحيحا أن علم الجمال لم يجد شكله حتى القرن 18 مع بومغارتن ، فمن الصحيح كذلك أن نضيف أن ذلك الشكل لم يكتشف دفعة واحدة ناجزا كاملا وأخيرا. فبومغارتن قد تأثر بالتناغم الذي بلوره ليبنتز وبالمنزع النفسي لدى كريستيان وولف. لقد ظهر اسم علم الجمال وللمرة الأولى مع بومغارتن في كتابه تأملات في الشعر بحيث نجده يميز بين نوعين من المعرفة المعرفة العليا والمعرفة الدنيا ، فالمعرفة العليا هي التي تقدم مفاهيم وتصورات واضحة يقينية مثل الهندسة وحدودها أما المعرفة الدنيا فهي تقدم إحساسات ومشاعر ومعطيات حسية وغير يقينية. إ.نوكس، النظريات الجمالية: كانط، هيجل، شوبنهاور، ص: 13-14. واستنادا إلى ذلك يؤكد بومغارتن بأن الجمال هو ما يثير الانفعال وتتعين الجمالية منذ هذه اللحظة بأنها الفكر الذي يفكر في الانفعال . مارك جيمينيز، ما الجمالية، ص: 133. لا يستطيع قارئ علم الجمال كتاريخ وكنظرية إلا أن يلحظ ظاهرة مؤداها أن علم الجمال قديم ومحدث في آن فهو قديم كأفكار جمالية لكنه محدث كعلم. لقد بدأت أفكار الإغريق الجمالية بالظهور والتميز مع ظهور الإلياذة و الأوديسة لهوميروس في القرن 7 قبل الميلاد وليس أدل على هذا التطور من قول هوميروس في الإلياذة: إن أثينا سكبت الجمال على أوليس . بدأت الافكار الجمالية هذه مع فيتاغورس الذي يرجع معيار الجمال عنده إلى معيار رياضي وجمالياته هي بالتالي جماليات مثالية تقوم على العقل لا على الحس. أما أفكار أفلاطون و من قبله أستاذه سقراط فهي في جوهرها امتداد للتيار العقلاني المثالي الفيتاغوري إلا أنها أكثر تنظيما وأوسع نفوذا تقوم مثالية أفلاطون في تمييزه الحاد بين عالمين اثنين : عالم الكون والفساد وعالم المثل و الحقيقة. إلا أن موقف أفلاطون من الفن هو سلبي في جوهره فالفن عنده محاكاة للطبيعة لكن الطبيعة نفسها هي مجرد محاكاة للأصل مما يعني أن الفن هو محاكاة للمحاكاة. أما أرسطو فهو ذروة صعود الإغريق في ميدان العلم وفي فروع الفلسفة بالذات أما عن العلاقة بين جماليات أرسطو وجماليات أفلاطون فهي العلاقة بين فلسفتين متفقتين ومختلفتين في آن واحد ففلسفة أفلاطون هي العقلانية المتوجة بالمثالية الصوفية بينما فلسفة أرسطو هي العقلانية المحكومة بالواقعية. فأرسطو يرى أن التناسق والانسجام والوضوح هي أهم خصائص الجميل. إ.نوكس، النظريات الجمالية: كانط، هيجل، شوبنهاور، ص: 15-24. الجماليات تقبل الشيء ونقيضه في آن واحد وهذا ما كان سائد مع السوفسطائيين لذلك كانُوا يحاربون من قبل أفلاطون ولعل محاورة هيبياس الأكبر حول ماهية الجمال توضح بشكل جلي كيف يحاور أفلاطون (بلسان سقراط) هيبياس ويستدرجه ليتوصل في الأخير إلى صعوبة تحديد معنى الجميل باعتباره دائما صعب. والرقعة الإستطيقية تشمل أيضا القبيح هذا ما يجعلنا نتحدث عن جماليات القبح أو ما يسميه تيودور أدورنو بجماليات السلب. هنا يمكنني أن أتسائل معكم : هل يجوز أن نقول أن الجميل هو موضوع علم الجمال ؟ أم يمكننا الحديث أيضا عن الرائع و المريع؟ إننا نقترح عبارة الرائع نظيرا لغويا عربيا لما اصطلح عليه اليونان القدامى بمفهوم باري هيبسوس peri hupsous ، فقد أردنا تحت راية الرائع والمريع التوجه باللسان العربي نحو حقل آخر من الإستطيقا الحديثة غير حقل الجميل. فالرائع يكفينا خطر السقوط على الأقل في صعوبتين اصطلاحيتين اثنتين : أما الأولى فتأتينا من الترجمة السائدة لعبارة SUBLIME بمفهوم الجليل الذي ينتمي في أصله إلى حقل ديني أما الصعوبة الثانية فتأتينا من عبارة السامي الذي اقترحها المترجم العربي غانم هنا لكتاب نقد ملكة الحكم . مع كانط يدخل الرائع في أفق الإستطيقا وإن ذلك ما وقع تحديدا منذ 1790 أي منذ كتاب نقد ملكة الحكم كآخر كتب كانط النقدية. وإنه إذ يحول وجهة الرائع من الخطابة لدى اليوناني لونجان و من الطبيعة لدى الإنجليزي الإمبيريقي بوركا إلى الإستطيقا. لذا فكانط هو أول من أودع فكرة الرائع في الذات البشرية، لقد أهدى كانط بذلك ميدان الروعة إلى البشر. أم الزين بنشيخة، الفن يخرج عن طوره، أو مفهوم الرائع في الجماليات المعاصرة من كانط إلى دريدا، ص: 9-12. لقد أمكن لكانط أن يوضح طبيعة الحكم على الجميل أو حكم الذوق كما يسميه في كتابه نقد ملكة الحكم وقد حدد شروط الحكم على الجميل في أربعة شروط استمدها من قائمة المقولات المنطقية فحدده من حيث: الكيف- الكم- الجهة و العلاقة. فمن جهة الكيف حدد الجميل بأنه ما يسرنا لكن بغير أن يترتب على سرورنا أي منفعة أو لذة حسية وهنا يتضح لنا أن هذا الحكم جاء ضد التجريبيين الذين يرجعون كل شيء إلى الحواس. ومن جهة الكم فإنه يعرف الجميل بأنه ما يسرنا بطريقة كلية لكن بغير استخدام أي تصورات عقلية وهذا الحكم الثاني واضح أنه متجه ضد العقلانيين ومن حيث الجهة يتصف الجميل بأنه حكم ضروري أي عكسه مستحيل ومن جهة العلاقة فالجميل يوحي بالغائية بغير أن يتعلق بغاية محددة. وبهذه الشروط أمكن لكانط أن يقدم تفسيرا للحكم الجمالي الذي كان له فيما بعد بالغ الأثر خصوصا على الفلسفة المعاصرة. أميرة حلمي مطر، مدخل إلى علم الجمال و فلسفة الفن. ص: 16-17. لا شك في أن التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير الذي تميزت به الحضارة الأوربية كان له صداه الكبير في اتجاهات الفن والأدب اتجاهات جديدة ظهرت منذ نهاية القرن 19 وبداية القرن 20. ومن بين أهم النظريات العلمية التي كان لها الأثر الكبير في تغير المفاهيم نجد نظرية داروين في التطور وأصل الأنواع 1859، ونظرية فرويد في التحليل النفسي سنة 1905 والفلسفة الماركسية التي أثمرت الثورة الاشتراكية في الإتحاد السوفييتي. وعلى الصعيد الفلسفي يمكن أن نعتبر فلسفة الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون تعبيرا عن هذه المرحلة من الفكر. ويرى برغسون أن المعرفة خبرة تتم في ديمومة وتتحد بانسياب الصفات الكيفية ودعا إلى ما سماه بالزمان النفسي الديمومي الذي يدرك توالي حركة الصور. أميرة حلمي مطر، مدخل إلى علم الجمال و فلسفة الفن. ص: 167. فبرغسون يمثل تيارا لعب دورا خطيرا في فلسفة الفن وهو التيار الذي أخد به أيضا كروتشه و هربرت ريد ، وفي رأي أتباع هذا المذهب أن الفن هو نوع من المعرفة وإن كان لكل واحد منهم مذهبه الخاص به في الفن إلا أنهم يمثلون في الواقع حركة احتجاجية على النزعة العقلية التي سادت فلسفة القرن 18 بعد الثورة العلمية في ذلك العصر . وقد حمل برغسون على العقل حملة جعلته ينظر إليه مجرد أداة يستطيع الإنسان من خلالها (الأداة=العقل) التحكم في البيئة. وتماشيا مع هذا الرأي نجد أيضا الفلسفة البراغماتية بدورها ردت معيار الحقيقة إلى ما يترتب على الفكرة من نتائج عملية يمكن التحقق منها في الواقع التجريبي كما يقول رواد هذه المدرسة: شارل بيرس، وليم جيمس وجون ديوي. كما نجد برغسون يفرق بين العقل كأداة للتحكم في الطبيعة، وبين الحدس الذي لا ندرك به سوى حقائق الشعور الباطني وما شابهها من معرفة لا تهدف إلى العمل و المنفعة. ويمثل الفيلسوف الإيطالي بينيدتو كروتشه هذا الإتجاه الحدسي الذي أخد به برغسون. أميرة حلمي مطر، مدخل إلى علم الجمال و فلسفة الفن. ص: 168. وفي إطار حديثنا عن كروتشه نجد على أن علم الجمال يعتبر مدخلا لفلسفته المثالية في الروح وينسب كروتشه للروح نوعين من النشاط نشاط نظري و نشاط عملي. ويعرف كروتشه علم الجمال بأنه علم لغويات عام وهو أيضا علم فلسفي. وبهذا التعريف يلخص كروتشه وجهة نظر القرن العشرون في علم الجمال حين يستبدل التعبير بالجمال. ويفسر كروتشه الجمال والقبح على أساس نظريته فالجمال عنده هو التعبير الموفق أما القبح فهو التعبير المخفق ومن ثم يقدم الجمال وحده بينما يقدم القبح متعددا. أميرة حلمي مطر، مدخل إلى علم الجمال و فلسفة الفن. ص: 169-176. لقد ترك كانط تأثيرا بالغا أيضا حتى على الفيلسوف الأمريكي جورج سانتيانا بحيث يقدم هذا الأخير مذهبه في القيمة الجمالية ضمن كتابه الإحساس بالجمال ويرى أن الجمال لا يوجد مستقلا عن إحساس الإنسان والإحساس بالجمال يختلف عن باقي الإحساسات الأخرى. بمعنى أننا لا نفضل الأشياء لأنها تنطوي على جمال معين ولكن تصبح الأشياء جميلة و ذات قيمة لأننا نفضلها. ونجد سانتيانا يميز بين الأحكام الأخلاقية و الأحكام الجمالية ويفسر هذا القول بأن القيم الأخلاقية هي قيم سلبية بمعنى أننا لا بد أن ندرك تاشر كي نتجنبه في حين أن الحكم بالجمال قائم على خبرة مباشرة وإيجابية بالموضوع بمعنى لا يتحتم أن ندرك الشر كي نتجنبه. وفرق سانتيانا أيضا بين الإحساس بالجمال و الإحساس باللذات الجسمانية بحيث تستند هذه التفرقة إلى القول أنه عندما نكون بصدد اللذة الجمالية فإننا نكتسب شعورا أو وهما بأننا أحرار من أجسادنا على عكس اللذات الأخرى فإنها لا تكسبنا هذا الوهم، إنها أقرب إلى وصف أفلاطون للذة بأنها أشبه بمسامير تدق نفوسنا وتربطها بالجسد وينتهي هذا الرأي إلى تعريف الجمال بأنه لذة تحولت إلى موضوع . أميرة حلمي مطر، مدخل إلى علم الجمال و فلسفة الفن. ص: 18-19. صفوة القول عند حديثنا عن الاستقلالية الذاتية للجمالية التي تعززت بقوة مع بروز لفظ الجمالية المطبق على ممارسة محددة فإننا لا نحيل إجمالا إلا على لحظة في هذا التطور وعلى وجهة بسيطة أيضا ذلك أن الاستقلالية الحقة الأكيدة والتامة ما تحققت أبدا ولن تتحقق من دون شك لا اليوم ولا غدا. مارك جيمينيز، ما الجمالية، ص: 102.
بــــيبليــوغرافيــــــــــا : - ليف تولستوي، ما هو الفن، ترجمة: د. محمد عبدو النجاري، دار الحصاد للنشر و التوزيع، ط1، 1991. - مارك جيكينيز، ما الجمالية، ترجمة د. شربل داغر، بدعم من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، ط1 بيروت2009. - أميرة حلمي مطر، مدخل إلى علم الجمال و فلسفة الفن، دار التنوير، ط1، 2013. - إيريكا فيشر ليشته، من مسرح المثاقفة إلى تناسج ثقافات الفرجة، ترجمة خالد أمين، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة- سلسلة رقم 42، ط1، 2016. - أم الزين بنشيخة المسكيني، الفن يخرج عن طوره أو مفهوم الرائع في الجماليات المعاصرة من كانط إلى دريدا، جداول للنشر و التوزيع، ط1، 2011. - إ. نوكس، النظريات الجمالية: كانط، هيجل، شوبنهاور، ترجمة: محمد شفيق ثيا، منشورات بجسون الثقافية، ط1، 1985.
#أشرف_العسري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|